|
إنتو شعب واحنا شعب حكاية حزينة للغاية
ياسين المصري
الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 13:46
المحور:
كتابات ساخرة
في البداية لا بد أن أبرئي ذمتي أمام قارئ العزيز، فأقول بشكل قاطع: هذه حكايتي، أنا عبد الموجود آل موجود تحت الأرض، وهي حكاية، وإن شئت قـل: قـصة، غـريبة وحزينة للغاية كما سترى، وإذا وجدت صعوبة في تصنيفها، والتبس عليك فحواها، وتتداخل المعاني بين الخيال العلمي والأساطير أو الهزيان الشعبي والأدب الواقعي، والفكاهة الممتعة والدراما المحزنة، فلتتركها عندئذ وشأنها، وتتوقف عـن قـراءتها. ولكن إذا بدأت في الـقـراءة، حاول أن تقرآ بعمق ورغبة في إكمالها حتى النهاية، فكرة مدسوسة من هنا وهناك، أو كلمة محبوسة في سجن المزرعة، ثم أعـط لنفسك فسحة صغيرة من الوقت لاكتشاف حقيقة ما إذا كنت أحد أقربائي أم لا؟؟!! الأمر الذي يسعدني ويسعد أم السعد بالطبع؟؟!!. صدق أو لا تصدق، عائلتي تضم ما يقرب من ثلثي سكان العالم.
فقط أريد أن أشير إلى شيء هام جداً: هذه حكاية حزينة للغاية، وقد تكون مملة، ولكنها ليست مُحْزِنه بمستوى أعمال "إدجار ألن بو" مثلا، حاشى لله أن تصل إلى ربع أحـزان هذا الكاتب العظيم، كما أن لنا أحزاننا الخاصة بنا، أحزان ملاَّكي، ليس لها مثيل. وأن أثرها ومن ثم الحكم عليها يتوقف على التراث الثقافي بوجه خاص، وما يسببه من المشاعر والاحتياجات الضرورية والرغبات الشخصية والتحيزات والأحكام المسبقة والمناكفات العبثية على القناة الفضائيات ومواقع الإنترنت وأماكن التواصل الاجتماعي والتغريدات. كما يتوقف، وبنفس القدر، على ما إذا كان المرء يمكنه، أو لا يمكنه استعمال عقله، في الوقت والمكان المناسبين، هذا إن بقى له بقية من عقل؟؟!!
ويجدر التحذير هنا إلى أن جميع الأحداث والأشخاص الوارد ذكرها في هذه الحكاية محض خيال ولا يمت إلى الواقع بصلة، وإذا حدث الخلط، فتشابه أو تشابك أحدها في شيء، فإنه مجرد مصادفة. *********
تبدأ درايتي من انتمائي إلى عائلة كبيرة وعريقة، تقدرها "الفاو" بأكثر من 60٪-;- من سكان العالم، والدي "الحاج آل موجود" في كل مكان وزمان، ولكن تحت الأرض. أملي - وأمل أم السعد - الوحيد في الدنيا والآخرة هو الحج إلى بيت الله الحرام. والباقي يأتي بفضل الله و كرمه، وبمشاركتها الدائمة معي في السرير والمصيروظلام الليل الدامس. لا شك أن دعـمها ضروري في هذه الحرب الطاحنة من أجـل نصف (واحد) من زينة الحياة الدنيا، لذلك تتكفل بتوصيل أربعة من البنين أو البنات مرة واحدة كل عام. وفيما عدا ذلك "اللي يجيبه ربنا كويس".
أعـرف كثيرا عـن الناس اللي فوق. وأعـرف أنهم جميعا صعدوا في وقت ما من تحت الأرض، وتعلَّقـوا في الهواء الطلق أو إلتصقوا بالسماء السبع، أعرف كذلك، أنهم يخافون من الموت أو السقوط، يبذلون قصارى جهودهم لتجنب الاقتراب من هنا. وأعرف أيضاً، أنني محكوم علي بقضاء عمري حيث ولدت، تحت الأرض، لكي أسبِّح بحمدهم وأفتخر، بل أتباهى بإنجازاتهم. أراهم باستمرار على شاشة القناة. يجلسون في دائرة تتسع لعدد من المناورات والمحاورات والغل الدفين والغيظ المكبوت، بين باقات الورود وأصناف الزهور، فلا أُصَدِّق عيني، وأسمع عنهم ومنهم الكثير، فلا أثق في أذني. ربما لعدم ثقتي في الثقافة المسيطر على مفاصل فكري. لا أدري!!. يتقنون تبادل الهمسات والغمزات والضحكات، وتوزيع البسمات والكلمات الصفراء على وسائل الإعلام، يعرفون معنى التباهي ويطلبون منه المزيد. يتعاونون على كسب الرزق، وتكديس الأموال، وعقد المؤتمرات والاجتماعات الطارئة، وتبادل المنافع، والحصول على البدلات والمرتبات في أوقاتها، والأحضان والقبلات، وأجمل الفتيات أيضاً في أوقاتها. يركبون أفخم السيارات، وينامون في الـ"الفور سِيزون"، ويضربون عرض الحائط بكل من في الحياة، فيأكلون الكافيار الروسي، ويشربون - عند اللزوم - دماء الأبرياء. باختصار، هم متخصصون في فن خلق المشاكل وإدارة الأزمات، وفتح القنوات وتصريف الأعمال ونقـل التوترات وإزاحة الالتهابات وتوزيع الفضلات وتحويل الاحتقانات - في الوقت المناسب - إلى قنوات ومصارف جديدة أصغر أو أكبر . لا يجب ألَّا يزيد الضغط على النفوس عـن حده المطلوب، والمحسوب بدقة وإتقان. كل يد تغسل الأخرى والمساواة في الظلم عدل، العدل مطلوب في كل الأحوال. عليك إذن أن تدفع يا عبد الموجود أتعابَنا وتسبِّح بحمدنا آناء الليل وأطراف النهار. ألا ترى الأسلحة متى أُعِدت من أجل راحتك، يجب أن تستعمل، والزخيرة متى جُهِّزت، يجب أن تنفد، والكيماوي متى توفر، يجب أن يسقط بالأطنان فوق رأسك، والمصانع التي أنشئت وكلفت الكثير جداً يجب ألَّا تتوقف عن العمل وتعويض المفقود؟؟!!، والبطالة يجب أن تبقي، والهموم يجب أن تزيد والقتل تجارة أربح من كوكايين كولمبيا، وهيروين أفغانستان، وكل "ستان" في أي مكان وزمان. ألا ترى كل هذا من أجلك، ومن أجل أولادك؟؟!!. إدفع إذن بالتي هي أحسن!!. قالوا لي ذات مرة - واحدة ووحيدة -: إظهر يا عبد الموجود في نور الشمس، وقل أي شيء تراه يزيل الغمة عن كاهلك ويعيد لك توازنة، وقبل أن أفتح فمي، غابت الشمس، وانقطعت الكهرباء، أسرعوا إلى عمل أُذُن من طين وأخرى من عجين، وحرروا أقدامهم في الصعود أكثر إلى أعلى. تركوني وحدي في العراء أجتر مشاعر الندم وأحاول تعلُّم النسيان وتجاهل الشر المستطير. قالوا سنعود إليك يوما، بعد أن تفوق من النوم العميق. وسيكون معنا تذكرة سفر لك ولأم السعد إلى الديار المقدسة. فنحن شركاء في الأرض والمصير، ونعرف ماذا تريد!!.
وقالوا لي أيضا ذات مرة - واحدة ووحيدة -: إرفع رأسك يا أخي، فقد مضى عصر الذل والاستعباد، فلم أكذب خبرا أو أعص أمرا، رفعت راسي، وحملت فاسي، ولبست مداسي، وصليت الفجر، وتعلقت بأستار الكعبة، ولم أنسى الدعاء لجامعة الدول العربية بطول البقاء!!. وقعت في فخ الإغراءات، والشعارات المعلبة. رفضت المشاركة في عبث الحياة، وقع في ظني أني في شدة لن تزول!!.
من الواضح أن المرض يداهمك يا عبد الموجود، فاحتار الخبراء والعلماء، وقالوا: تقاوي مسرطنة وأسمدة مسمَّمَة ومياه ملوَّثة، وثقافة مدلسة، أو إنه عمل معمول أو طاقات معطلة وآمال مؤجلة، وقالوا: نضرب له الودع ونعمل له طاصة الطَّربه أو نقيم له زار أو نسمح له بزيارة خاطفة للسيد البدوي أو نتركه للـزمن. الضرب في المـيِّت حـرام. واتفقوا جميعا على أن العلم عند الله وحده لا شريك له، وليس في أي من المعاهد والجامعات المتخصصة لتفريخ التراث وإرضاء النفوس. وكالعادة دائماً، عندما يقـترب موعد عرض المسرحيات الهزلية على خشبة الحياة، تنقلب الموازين وتتبدل المعايير، وتحدث لعبكة وهـرَج ومـرَج لبعض الوقت، فتهـرع الطائرات العمودية والدبابات والعربات المدرعة وفرق الإنقاذ إلى مراقبة الأوضاع وتنظيف النفوس، وتزيينها بالخضرة وألوان الورود، ويجيء معها المعدوم من الكهرباء والماء ورغيف الخبز النظيف وأنابيب الغاز، إنه إستقبال الممثل المهيب، والبهلوان العظيم. ظهر فجأة وسيطر على خشبة المسرح في أول عرض، ووجد نفسه رئيسا للبلاد والعباد في جمهورية الموز. لابد أن تتراجع الكلاب الضالة كثيرا إلى الوراء، وتفسح الطريق لقوافـل السيارات وصخب المزامير وصفارات الإنذار. جاء الأحباب الكبار والصغار من كل فج عميق تحت الأرض أو فوق الأرض، تجمعوا حول السيدة الدكتورة "بكلاظ" التي هبطت لتوها ودون تصورات أو توقعات من الفضاء. لا بد أنها ستتنافس مع المرأة الملثمة في رواية "جريمة على النيل".
وفي مقابل إخفاء الوجوه وراء النقاب الكثيف، لا بد من إبراز ما على الصدور 20 سم على الأقل إلى الأمام، وما في المؤخرات، أسفل الوسط، 30 سم - بالتمام والكمال - إلى الخلف -، الضرورة لها أحكام. التوازن ضروري أثناء هزات النفوس وإثارة اللعاب وغياب الألباب. من حق المرأة أن تأخذ مكانها الصحيح في مجتمع الرجال. ومن حق الرئيس - كرجل باستمرار - أن يحظى بقدْرِه من الإعجاب وبمزيد من الأتباع والأحباب. ومن حقنا نحن أن نفهم الحرية كما نريد!!. جاؤوا لزيارتنا ومـدِّ لسان العـون السخي لنا، قالوا لي: - شد حيلك يا عبد الموجود. البلد عايزاك، واحنا مانقدرش نستغني عنك!!. أردت أن أقول: الشدة على الله، ولكن اختلطت في أنفي رائحة العفـن والنتانة بعطور المسك والعود والزعفران، ودبت الفوضى أرجاء المكان. أعادت لحيتي الانضباط، وأرجعت زبيبتي السوداء الشعور باليقين. لم يعد أحد ينتبه إلى البدايات والأسباب وقلة الحيلة وعدم الانسجام. اكتفوا بالبدانة وعمق الهزات. أعراض مرض الخَرَف واضحة جداً للجميع. الأمر جد خطير ومعقد ويحتاج إلى جيش جرار ومعدات أمريكية، وأقنعة ألمانية وميزانية كبيرة وإرادة شعبية غير متوفرة على الدوام. - إنت منا وعلينا يا عبد الموجود. لا تتعب نفسك بالكلام، عارفين عايز إيه!!.
إنعقد المؤتمر الصحفي على الفور ليمهرني الرئيس صابعَيْن من الموز وصندوق به أربع قطع من صابون الميزان وكيسين من الأرز البلدي، زنة 50 جرام وزجاجتين بلاستيك، بهما 20 مليلتر من زيت حبة البركة، جميعها من إنتاج دولة الصين الشقيقة. وألقى سيادته بيانا قصيرا أمام وسائل الإعلام المحلية والدولية، قال فيه: "إن حزب العدالة الغائبة والحرية المهدورة والنهضة الكلامية والتنمية البشرية والبناء والتشييد ومصر القوية إن شاء الله وبسواعد أولاد حارتنا الفتية سوف يعيد بلادنا إلى مجدها التليد وتاريخا المجيد، وسوف نعمل كل ما في وسعنا لحل المشاكل الشائكة والخلايا النائمة وتفكيك الدولة العميقة وتخليص البلاد والعباد من البلطجية واجتثاث شأفة الإرهاب، والعمل على تبديد الدخل العام في بوركينا فاسو، لقد ورثنا تركة تنوء بحملها الجبال، تسبب فيها عامدا متعمدا "النظام البائد. مشكلتنا الحقيقية - كما يعرفها الجميع - هي دائماً وأبداً النظام البائد اللعين.". واختتم بيانه وسط الفوضى العارمة، قائلا: "اننا نعمل كل ما في وسعنا بدون كلام لا لبس فيه وبشفافية تامة".
فرحت أم السعد لـ"الشفافية" هذه، فلطالما حلمت - دون أن تفصح - بفستان "شفتشي". وعلى الفور غـضَّـت الطرف المركز - منذ سنوات - على جسد الدكتورة بكلاظ، وسلَّكـت حنجرتها - بسرعة تحسد عليها - وأزاحت "الربو" جانبا واستعادت أنفاسها ودبت فيها الحياة لفترة وجيزة، أطلقت خلالها العنان لزغرودة حلوة ومدوية كي تكيد الجيران، قبل اختفاء الزينة وألوان الحياة. بالطبع، وكعادتها أعجبت القناة بتعبير "النظام البائد" الذي يتكرر منذ انتهاء عصر الخلفاء الراشدين، وراحت تخصص كل أوقاتها لشرحه وتشريحه علميا وتاريخيا وفلسفيا، واستدعت لذلك الخبراء والعلماء من جميع بقاع الأرض ودفعت لهم أغلى ما تملكه ثمنا للحقيقة. وحتى الآن لم تجد الحقيقة. لم تغفل كعهدها دائماً أن تعرِّج على الإشادة بكرم العربان منقطع النظير، وعددت بعضا من مناقب الإخوان، التي لا تعد ولا تحصى منذ عشرات السنين . ولكنها - إلتزاما منها بميثاق الشرف الإعلامي الذي قطعته على نفسها، دون غيرها - فضلت عدم التطرق إلى الملابسات. حتى لا يتخلى الشيطان عن مكانه التليد في الخلوة غير الشرعية للرجال بالنساء، ويكمن في التفاصيل. وقبل أن تعود إلى رشدها في عقر دارها دون حياء، سارعت إلى الإتجاه المعاكس، وأبدت تعجبها وإعجابَها من الأثر الكبير الذي أحدثته كلمة السيد الرئيس المؤمن في نفوس كل المصريين، سواء كانوا تحت الأرض أو فوق الأرض. وقالت معلقة بزهو واستعلاء تفتقد إليهما الـ ".B.B.C": - تفرق جمعهم واختلفوا في الأسرة الواحدة حول الأمر، قال البعض منهم بيقين: "أول رئيس مؤمن يحكمنا، العظمة بادية على أساريره، مسوح التقوى والورع، ومعرفة الله، تجري مجرى الدم في عروقه، يؤدي فرائض الدين جميعها، ويحرص كل الحرص على إمامة المتقين في أوقات الصلوات الخمس.ويتفنن - على غير المتبع ـ في توزيع الهدايا على الفقراء والمحتاجين. بطبيعة الأحوال لم تتطرق إلى صوابع الموز أو أكياس الأرز أو زجاجات الزيت وغيرها حرصاً على مشاعر المشاهدين. بينما زعم العلمانيون المغرضون بأنه محْدِث نعمة لا أكثر ولا أقل، مجرد رجل صغير جاء به اللاهثون وراء السلطة من تحت الأرض ليصطادوا في المياه العكرة فركبوا ثورة الشباب، وأجلسوه في الكرسي الأمامي الكبير ليتولى تنفيذ أوامرهم". ومن قبيل الإلتزام الثابت والسائد في المنطقة بمبدأ "الرأي ونفس الرأي"- على عكس القنوات الأخري -، استدعت الإمام الأكبر الدكتور الفتناوي، وسألته عن رأي فيما يقوله أولئك المخدوعون، فأصر فضيلته على تكرار ما قاله من قبل مئات المرات: خسئت كلمة تخرج من أفواههم أو تدور في أذهانهم. أولئك فئة ضالة، يرتكبون الرجس الكبير بتطاولهم على علماء الأمة وأسيادها. مثواهم النار وبئس القرار. وطلب لهم الهداية والرشد المبين. وطلبت منهم، أنا عبد الموجود آل موجود في الوحل والطين، أن يتركوني أعـود إلى ثباتي العميق. إنتظر في قاعات النوم تحت الأرض.
أشاهد بفخر واعتزاز أولئك الناس الكبَّرة على القناة. يروحون ويجيئون طوال الوقت، بكرفتات حمراء وأيدي فارغة، ابتسامات صفراء. والشوارع ملتهبة فى ربوع العالم، طلقات نارية وألسنة نار، وعمليات كر وفر وملاحقات في طول البلاد وعرضها لأعوان الفاشل المعزول. لعن الله إدمان العجز والفشل. مجلس الأمن يدين - بشدة -، منظمات حقوق الإنسان تأسف - بشدة - ، منظمة العفو الدولية تشجب - أيضاً بشدة -، أصلها شدة لن تزول، والصبر موجود أيضا ولن يزول. أما جماعات الرفق بالحيوان فلم يبقى لها سوى قراءة الفاتحة - هنا، بكثرة وليس بشدة - على أرواح الأضاحي والضحايا الأبرياء. إستعمال القوة المفرطة سوف يتحول بفضل الله والمساعدات الأجنبية إلى رفق - بلا حدود - بالحيوان والجماد، وأطباء بلا حدود تجمع أشلاء - بلا حدود - في كل مكان، ومقابلات ومؤامرات الأستاذ الكبير حمد عصفور بلا حدود، كل هذا وغيره يتم من أجلى. وأنا مازالت موجودا تحت الأرض أتباهى وافتخر بالناس الكبَّرة، وبكرم أم السعد في كفاحها المرير من أجل تحقيق جزء ما من زينة الحياة الدنيا والعليا على السواء. عتريس - أخي الأكبر - لم يجد عندنا ما يفتخر به أو يتباهى، ففكر في الصعود إلى أعلى، والتعلُّق بأذيال الناس الكبَّرة، وترك لنا - نحن: آل تحت الأرض - الحصار والطين والعفن والشاي الأسود وقطعان القمل، وعضال الأمراض. وغابة العشوائيات. حملته الأذيال بين السراب ونحن ننعم بالفخر والتباهي، ومداعبة الأمل الواحد الوحيد في رؤية مقام الحبيب.
حاولت نسيانه مؤقتا. فلم أعد أذكره أو أتذكره إلا في الأحزان، وما أكثر الأحزان، وبين النظرات التائهة في الظلام، وأم السعد "كله" لا تتوقف عن توصيل أربعة كل عام، ولا تكف عن الدعاء لهم بتمام الصعود إلى الكرفتات الحمراء والأيدي البيضاء. بتوصيلها هذا العدد الهائل من الخلفة عرفت معنى "توازن الرعب" بيني وبينها. وبدأت لأول مرة في حياتها تشعر ب"القوة الناعمة" مع الآخرين. أدركت بعد كل هذه التطورات أن الأمر برمته يتوقف على النظرات الحنونة وفيض التحيات والسلامات، والثرثرة فوق النيل، وفض المجالس، ودق الطبول في الأفراح، وصراخ المآذن في الزمن الحزين، والسير في الجنازات، والبحث عن علف الأولاد، ومداعبة الأمل العتيد. حياة ثرية بالحركة والنشاط وعبث الوجود. رأيت الجدية على وجوه نواب الشعب في برلمان قندهار المنتخب بنزاهة وسرية تامة، يخلدون للنوم من عناء الجلسات ليستقيظوا رافعين آذان الصلوات، رافعين سيوف الحكمة في وجه عبث الحياة، الأمر يقتضي هرش الرؤوس وفرك ما بين أصابع الأقدام، وتنظيف المؤخرات، واستعمال السواك، حتى تصل الحكمة إلى مجلس الأمن ونوادي لأس فيجاس، كل هذا من أجلي، أنا الهم الذي لا يلتم!!. رأيت عقارب الساعة تدور - بإصرار - إلى الوراء، وقفت مكتوف اليدين، لا أفعل شيئا، ولم يصلني أي شيء، لأن الأمر برمته حمَّال أوجه وفيه إختلاف كبير!؟ أصلهم - يا جماعة الخير - صعدوا من تحت ويخافون من مصير عاد وثمود. يجب أن ينسوا مكاني، ولا يسمعوا عني ولا يروا صورتي ولا يقرأوا عليَّ سورة الأنعام، أنني العدم المستديم والشر المستطير. يعرفون أقصى رفاهيتي وحدود متعتي وإحتياجات الحمل الوديع، وحب الانتظار، ووجود القناة في قلب الأحداث، وفضل السبق ونقل الحقائق إلى كثير من القنوات.
أنا عبد المقصود الموجود تحت الأرض، لم أبرح مكاني، ولم أغادر زماني، ولم أتعود على النفاق والكذب أو سوء النية وتلفيق التهم وطمس الحقائق وتدبير المكائد وحبك المؤامرات، وليست لدي ميول استعراضية أو موهبة تعكير الأجواء أو الاصطياد في المياه العكرة، صحيح أنني أعرف جيدا رونق السلطة والفوضى الخلاقة مع أني لم أتعلم ولم أعمل بعد مع الخارجية الأمريكية ولم تطأ قدماي أبواب هيئة الأمم المتحدة في نيويورك. ربما في موسم حصاد الأرواح المزمن في بغداد. في بلدي العـزيز عـلى قلوب الإنسانية جمعاء، ما عدا أهلها، قالوا لي: انتخب يا عبد الموجود، لأن الانتخابات ستكون شريفة ونزيهة لأول مرة. قلت لهم: أنتخب مين؟ قالوا: أيَّ واحد، فالجودة في الموجود.
وراحوا يملأون عقلي وفكري ووجداني بالجود الآتي "إن شاء الله، طبعا" في 100 يوم لا أكثر، بعد انتظار طال آلاف السنين. انطلقت الطبول تدق للفردوس الموعود، وراحت الأغاني تشبع نهم البلهاء، والقناة تقرع طبول الحرب. كيف لي أن أفهم ما قاله سارتر الفرنسي، وأنا "عبد الموجود" المكتوب عليه أن يتباهي بالآخرين مدى الحياة، والأولاد لم يبقي لديهم في العمر إلا حلم التعلق بأذيالهم أو التمرغ في ترابهم. أم السعد "كله" لا تكل ولا تمل من تكرار: مَن عاشر السعيد يسعد. الآخرون تصاحبهم السعادة والسلامة والتحيات والبسمات والقبلات وأجمل الفتيات، وأم السعد لا تدري ما يدور هناك في المؤتمرات والاجتماعات وحفلات العشاء والرقص البريء في حواري وأزقة زيورخ وفيينا ونيويورك والدوحة والرياض، حيث الوفرة من الصبايا وعارضات الأجساد. تعتقد بيقين أنها تجري خلف الجدران وتحت الطاولة وفي غفلة من الزمان. لم تفهم أنها قدر لا بد منه، والقناة يجب ألَّا تعلن الإفلاس، ولا يسمح لغيرها بالقفذ على الأحداث، وتشويه صورة الإنسان، ودعم الفساد، ودفع الإخوان إلى الانتحار والاستشهاد، ما حدث في مصر - دون غيرها يا سادة - بالتأكيد إنقلاب. والشرعية في الصندوق والفيل في المنديل، ويابخت من بات مغلوب وما بتش غالب، لا غالب إلا الله. والبقية عندكم في المسرات، إذا حدثت في يوم ما، والعياذ بالله. إدمان الحزن والغم والنكد فريضة على والبسطاء والبلهاء.
في الجو المعبأ بفريضة الغم والنكد لا بد من التطرق إلى ما يفعله الناس الكبار مع أخي عبد المقصود وأولاده الصغار في سوريا وباقي بلاد النحس العربي؟ لنرى كيف يقصدنونهم بهدايا الأعياد من غاز السارين، والقذائف والمفخخات. مَن يحاول الخروج من تحت الأرض، أو لمس شعاع الشمس أو مداعبة ضوء القمر، تنهال عليه براميل الغل والحقد الدفين. الكلاب الضالة والوحوش الضارية لا تشبع من الأشلاء ولا ترتوي من الدماء. قرون الانحطاط تفرك يديها في سعادة، وتفرح بامتنان. لقد عاد الزمن قرونا إلى الوراء، سياسة النفس الطويل، والعبد بالعبد والحر بالحر. الدماء لم تجري بعد في دجلة والفرات. و لم ترتوي منها بعد فيافي الصحراء من أقصى الشرق إلى مغرب العربان. والبلاد والعباد يُدفعون إلى العدم، لا قبور ولا جنازات، ولا عزاء للبسطاء. يكفي أن يكونوا وليمة دسمة لأسود البيادي وضباع الصحراء. ذهب المسيح، فخلت القلوب من الرحمة والأجساد من الدماء. وراحت الغفلة تمجد صرحا من الغباء، شيده اللئام، ليعيش فيه الإنسان أمد الدهر مع الغباء، لن ينتهي البناء. ولن نكف يوما عن تزويده بغباء، وبفيض وفير من الغباء!! من الذي لا يرى حياتنا غباءً في غباء. نحن يا سادة - بكل فخر - أساتذة الغباء!!
عاد عتريس مرة أخرى، لقد دفعه إدمان الحنين للوطن الحزين إلى المجيء، ومعه حراس ومعه كتل من الصفيح اللامع كالبدر في كبد السماء. تجري كالريح هنا أو هناك لتثور زوابع التراب والهباب، وتتجمع صنوف القطط والكلاب، وتنطلق حملات النفاق والرياء. وتتحرك في النفوس عواصف الآمال الدفينة، وتزداد مشاعر التباهي والافتخار. إنهالت عليه طلبات الرحمه وصكوك الغفران قال : صحيح العين بصيرة، واليد ليست قصيرة، ولكن يد واحدة لا تصفِّـق. لذا قررت وبأمر الله بناء "بيت لله" يحمل إسمي أسوة بسيدي مصطفى محمود واليدة رابعة العدوية. منافسة شريفة لوجه الله وتنفيسا لِلْهَـم الخفي والغضب الدفين، والمظاهرات والاعتصامات، وجمع النذور وتوزيع الصدقات. وتفجيره بمن فيه من عِباد الرحمن، فتندفع الدماء كالنوافير، وتتطاير الأشلاء كالعصافير، ويفرح أهل الجنة بالقادمين الجدد، والله أكبر مع تقزيم إنسانية الإنسان، وتحقير الحياة. دخل إذن عتريس بدوره إلى دائرة الغل المستطير والغيظ المكبوت. أصبحت لديه وسائل معقولة تبررهاالغايات الوجيهة. فلما لا؟؟!!
فضيلة الشيخ الدكتور العلامة الفتناوي مفتي قناة النفط البدوي، رضى الله عنه وأرضاه وأطال في عمره وأبقاه زخرا لأمتنا المجيدة، وأكثر من أمثاله، أبدى أسفا شديدا لعدم وجود كنيسة، تسعد النفوس بألسنة اللهب تلتهمها وتأتي بعاليها على واطيها ونبني مكانها المسجد المطلوب أو عندما تسوء الأحوال الجوية وتصبح الرياح عاتية، ويتعذر إشعال النيران، نقيمه فوقها أو أمامها أو بداخلها، القرار متروك للسلف الصالح مع الدعاة الجدد وأهل السنة والجماعة الوهابية. وحتى لا تصم الأجراس الآذان، وتثير الشجن في نفوس الضعفاء من الناس، لابد من تمييز الآذان، وتصويب كل مضخِّمات الصوت على أعلى الأماكن في كل الإتجاهات. هنا فقط يصل الأذان إلى هدفة المنشود، ويحرك مشاعر ووجدان النصارى واليهود. جاء على لسان فضيلتة، قوله الحكيم: إذا تسيست المشاعر والوجدان وأصيبت بالتيبُّس والتصلب وبدأ يأكلها الصدأ، لا بد لعلماء الأمة من التحرك لحماية الإنسان في كل مكان وزمان.
إذن، يجب ألَّا نظهر وكأننا تندب في مالطة، أو نكون كمن رقصت على السلم لا شافها اللي فوق ولا شافها اللي تحت، يجب أن نتثبت من عمل الآذان والأثر المفروض من الآذان على الآذان. كلامي لمً ينزل بردا وسلاما على قلوب الكثيرين، وقالوا: هزيان، وبأني السبب في مصائب الإنسان، وقالوا باطل وقالوا عاطل، وقالوا زعيط ومعيط ونطاط الحيط، وقالوا خنفسة وعميل صهيوني. قالوا كل شيء بذيء، لأن البذاءة بريئة دائماً في هذه البلاد، ولأني تحت. قلت أشفي نفسي: انتو فوق واحنا تحت، إنتو شعب واحنا شعب. كان لا بد أن يتم تشييد المسجد كي تصل المسرحية إلى نهايتها وتقفل الستار، ويختفي عتريس بين سراب الكبار، وعود إلى مكاني بين الصغار. على غير عادتها، قابلتني أم السعد غاضبة أشد الغضب، ليس لأن منحة الموز لم ننعم بها حتى الآن، وليس من أجل علف الأولاد، وليس بسبب رغيف الخبز أو أنبوبة البوتاجاز أو أنسداد منافذ الحياة أو التفجيرات والحرائق وانتحار الشهداء، ولكن لأنه لم يكد يمر عام، حتى فرغ الصبر. قالت: - دي أمور يا عبد الموجود لا تنضج ويحين قطافها هكذا في عام أو حتى في عشرة أعوام. أخشى أن يكون قد ساب الزمام، وانفرط عقد خير الأنام. علت وجهي ابتسامة تلقائية ليست بهدف السخرية، ولكن إعتزازا بالتشغيل التجريبي للعقل المعطل منذ أجيال. ألم أقل أن الموازين قد تتغير والمعايير قد تتبدل في يوم ما ؟، قلت: - يا أم السعد، لازم نكبر ونتعلم إزَّاي المظاهر ما تغرِّناش. وأن الكتاب إزَّاي يبان من عنوانه!! - وإن ما بانش؟ - يبقى يكـفي عام واحد لقـراءة المقـدمة. - الظاهر ما بقاش حد يقرأ، ولا يسمع، ولا فيه عقل يفهم!! - العملية كمان معقدة قوي وعايزه ناس تقدر تقرأ بين السطور!! وعندما ظهرت نجم الشباب وبدأ يعلو ويتنسم عطر الورود، طلبوا مني القول الفصل في هذا المقام، قلت : - شيء جميل أن تسطع النجوم ولكن يجب أن تنفذ بأشعتها إلى الأرض الملبدة بالغيوم، وتبدد الظلمات تحت الأرض، وتعيد الدفء إلى الحياة، ويصل شعاعها إلى داخل أدغال الأمازون لوقف مهزلة الوحوش الضارية. ويضرب في أعماق الربع الخالي ليزيل الضلال ويتحكم في الرمال المتحركة ويتعامل بحكمة وحزم ووضوح مع الغضب الشعبي والاندفاع والتهور وعدم الأمان. على النجوم أن تجمعنا "نإسم الشعب"!!.
#ياسين_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر والطريق إلى الديموقراطية
-
الشيخ أحمد وزملاؤه
-
أما آن الأوان للأزهر أن يتحرك؟؟
-
بين هذا وذاك
-
العربان المتأسلمون
-
الشيطان الأكبر
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|