|
صراع الحب والكراهية حول معشوقة الأحرار: المعرفة
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4251 - 2013 / 10 / 20 - 15:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صراع الحب والكراهية حول معشوقة الأحرار: المعرفة طلعت رضوان أكثر من مجلة علمية وأكثر من جمعية ثقافية تحمل اسم هيباتيا فى أوروبا. ولها موقع على الإنترنت. وكتب عنها أوروبيون كثيرون ، بل إنّ السينما العالمية أنتجتْ فيلمًا عن قصة حياتها ، ومذبحة اغتيالها. بخلاف دوائر المعارف العالمية. لذلك كانت سعادتى بالغة عندما قرأتُ كتاب (هيباتيا والحب الذى كان) تأليف المفكر المصرى داود روفائيل خشبة- ترجمة سحر توفيق – الصادر عن المركز القومى للترجمة- عام 2010. يأخذ القسم الأول من الكتاب شكل الرواية ويدور حول تلاميذ هيباتيا. ينسحب التلميذ حُتب من دروسها وينضم إلى دروس الكنيسة. وينتقد الفتاة مريم ويُعارض أفكارها ويُضايقه أنها حسبما قال ((بدلا من أنْ تشرح لى ماذا يعتقد المسيحيون ، تـُحدّثنى عما تعتقده هى)) كما بدأ التباعد بينه وبين خطيبته إيزيس عندما كان يُردد دائمًا أنّ المرأة أصل الخطيئة. والأكثر فداحة أنه تعوّد على أنْ يتجرأ على معلمته هيباتيا ويقول لها : (( يبدو أنك لا تجدين أية مشكلة مع مريم المسيحية. فلماذا يُحزنك تحوّلى للمسيحية ؟ )) ردّتْ هيباتيا : (( مريم لم تختر أنْ تـُصبح مسيحية. لقد ولدتْ ابنة لوالديْن مسيحييْن . وهى تحتفظ بعقل متفتح وتسعى للفهم . بينما أنتَ وريث لثقافتيْن ثريتيْن : المصرية والهيلينية )) وفى تطور درامى لشخصيته لا يكف عن محاولة إقناع إيزيس بالذهاب معه إلى الكنيسة. ولأنها ترفض عرضه قال لها : (( أنت تقبلين فلسفة أفلاطون كما تـُقدّمها هيباتيا )) ردّتْ عليه : (( نحن نجد الإلهام فى فلسفة أفلاطون ولكننا ننتقد فكره. نكشف عن العيوب فى حججه. ونجد أخطاءً فى استنتاجاته. أما الرضوخ لسلطة لا تقبل المساءلة - سواء كانت سلطة نص أو شخص - فهو يعنى أنْ نتنازل عن حقنا فى التفكير وفى الفهم . وهذا معناه أنْ نـُدمّر أسس كرامتنا الإنسانية. أهذا هو ما تحثنى على فعله ؟ )) عند هذا الحد كان لابد من الفراق والقطيعة بينهما. الثنائى الثانى مريم وستيفانوس . مريم شخصية عقلانية ، فهى تعترف بأنها مسيحية وتذهب إلى الكنيسة ، لأنها لا تريد أنْ تـُقلق والديها . ولكنها ترى أنّ (( التقوقع المتزايد للمسيحيين يُقسّم مجتمعنا إلى كتل متباينة. لم نعد شعبًا واحدًا. لقد أصبحنا عشائر منفصلة تنظر كل واحدة إلى الأخرى بارتياب متبادل وكراهية متبادلة )) كما أنها ترى أنّ الكنيسة تبنى قلعة عاتية من الفكر العقائدى الجامد ، المُسلح بسلطة مؤسسية تـُهدد بخنق كل بحث حر وتجفيف منابع الفهم . خطيبها ينتقدها ويشكوها لأهلها لأنها لا تذهب إلى الكنيسة بانتظام . وتشعر مريم بالإهانة عندما يُشيع خطيبها أنّ هيباتيا أفسدتها . فإذا بمريم تـُعلن رأيها بوضوح : (( إذا كان دينه يعنى له الكثير فإنّ حرية الفكر تعنى لى الكثير)) ذهب خطيبها إلى أبيها وقال له : (( أنا لا أستطيع أنْ أربط نفسى بشخصية باعتْ روحها للشيطان )) دار القسم الأول (الروائى) حول الصراع بين التعددية والأحادية. التعددية التى تعشق الحياة بتنوعها ولا ترفض الآخر المختلف ، ولكنها ( التعددية ) ترفض التطابق معه. بينما الأحادى لا يقبل إلاّ بتطابق المثلثات بشرط أنْ يكون ( مثلثه ) هو المعيار، وإذا جاز تطابق المثلثات فى الهندسة ، فهو لا يجوز مع البشر. ففشلتْ نماذج الحب الرافضة لقتل العقل الحر. وكان التلاميذ فى هذا القسم الروائى من الكتاب ، هم الكواكب الصغيرة التى تدور حول شمس المعرفة (معلمتهم هيباتيا) التى تربّص لها الأحاديون الكارهون لحب الحياة ، المعادون للعقل الحر، فتم تدبير مذبحة اغتيالها بتحريض من البطريرك كيرلس . وكما تخلــّـص اليونانيون المتعصبون من سقراط ، فعل المتعصبون المسيحيون ما هو أبشع مع هيباتيا ، حيث مزقوا ثيابها وجروها عارية ومزّقوا جسدها بشقفات الخزف وأحرقوا الجسد الممزق وختموا المشهد الدامى بحرق كتبها . القسم الثانى من الكتاب يشتمل على ما سجلته التلميذة مريم من محاضرات الفيلسوفة والعالمة هيباتيا ( يعتمد د. داود روفائيل خشبة فى صياغته لفلسفة هيباتيا على مراجع عديدة أرّختْ لحياتها وفلسفتها ) قالت هيباتيا : إنّ تدمير كل المُسلمات ضرورى لتحرير عقل الإنسان ، ومن عبودية المفاهيم المسبقة. ولكى نعيش يجب أنْ نعمل ونفكر، على أنْ تكون الأفكار غير ممتنعة أمام الفحص والهدم إنْ لزم الأمر. إنّ خطأ أفلوطين هو محاولة إضفاء الثبات على رؤى لا يُمكن التعبير عنها إلاّ عن طريق مجاز شارد أو حجة تـُبيد ذاتها بذاتها ، بينما أفلاطون يُعلمنا ألاّ نركن إلى الوهم ، وهم أنكَ وضعتَ يدك على الصدق التام . وكان هيراقليطس يرى أنّ كل الأشياء فى العالم فى حالة تحول بلا توقف . ولا يُمكن لصيغة محددة من الفكر أنْ تدّعى لنفسها صلاحية حاسمة وقطعية ( وبالتالى ) لا يوجد ما يُسمى الحقيقة النهائية. عقلنا الخلاق وحده هو الحقيقى . وكان سقراط يرى أنّ الفكر هو حياتنا وهو كينونتنا الحقة. وفى ذات الوقت أنّ كل فكر ( مُحدّد ونهائى ) غارق فى التناقض والزيف . وأنّ العقل الفاعل وحده هو الذى يكتشف ما فى فكره الخاص من تناقض ، فيهدم كل صياغات هذا الفكر. الفلسفة هى إعادة اكتشاف بلا نهاية لحقيقتنا. إنّ عقلنا الخلاق هو توكيدنا المحب لكل كينونة إيجابية. هو حقيقتنا وقيمتنا الحقة. وهو كل ما نعرفه من ( الحقيقة ) وماعدا ذلك هو أسطورة. وإذا نسيت أنها لا شىء إلاّ أسطورة فإنها تتحول إلى خرافة مهلكة. نحن البشر فى الأساس كائنات عاقلة. وهذا هو امتيازنا ومجدنا ( وفى نفس الوقت ) مأساتنا . نحن نعيش مشاعر الحب والصداقة ومشاعر الحسد والكراهية ، وكلها من صنعنا نحن . وهنا يأتى الخطر. فبينما القيم والمفاهيم التى تـُولد مشاعر طيبة ، تـُوسع حياتنا وتـُثريها ، فإنّ القيم والمفاهيم التى تـُولد مشاعر سيئة تـُقـلــّص وتـُفسد قدراتنا الإبداعية. وهكذا فإنّ تفكيرنا هو مجدنا وهو عدونا. وهذا هو السبب فى أننا ينبغى أنْ نبنى عوالم مثالية بلا توقــف . فبدونها تكون إنسانيتنا ناقصة. وينبغى أنْ نـُدمر عوالمنا المثالية بلا توقف ( أيضًا ) فعندما نتوقف عن إدراك أنها من إبداعنا نكون بلا عقل مهما بلغنا من الذكاء . إنّ اعتبار أحد أساليب التعبير هو التمثيل الصحيح للحقيقة جنون . وإذا كنتُ أعترف بأننا فى حاجة إلى الأسطورة ، فلابد أنْ نعترف أنها أسطورة. إننى مقتنعة بأنّ كل بحث عن الحقيقة خارج الروح الإنسانية هو بحث عقيم ووهم . بهذا المعنى أجد أنّ الفلسفة هى أخص وأسمى حياة للإنسان . الفلسفة هى ممارسة فعل العقل . إنّ كل مقولة من المقولات التى قدّمتها يمكن أنْ تـُدحض ، لأنّ كل صياغة محددة للفكر، كل ظهور محدد للكينونة لابد أنْ يزول . وقالت أيضًا : تـُمثل أسطورة إيزيس وأوزيريس جوهر المأساة والمجد لكل وجود مـُـتناه . الوجود المـُـتناهى يُحتم بالضرورة أنْ يُدمّر ليُبعث مرة أخرى فى شكل جديد . هذا هو الدرس الذى نقرأه فى البذرة التى تـُدفن لتـُبعث مرة أخرى فى حياة جديدة . ولابد أنّ البشر أدركوا هذا الدرس الذى نجده فى كل الثقافات ممثلا فى أساطير مختلفة. إنّ قصة القيامة المسيحية تنتمى لتراث موقــّر. إنها صيغة من موت أوزير وقيامته. وهذا ما أسميه مبدأ الزوال . إننا نجد تناظرًا مع التمثيل المسيــــــــحى ل ( اللوجوس الأزلى ) متجسدًا فى جسد فانٍ . وأظن أنّ المؤلف المسيحى الذى قدّم هذا التمثيل كان يحاول التعبير عن رؤية ميتافيزيقية. ومن المؤسف أنّ ذاك التعبير الشعرى أهدر على يد عقليات ضحلة بحيث تحوّل إلى دوجما. والآن يتخاصمون ويتقاتلون حول ما إذا كان هذا الجسد واحدًا أو إثنين . أو إثنين هما واحد . أو واحدًا هو إثنان إلخ دون أنْ يعلموا أنّ كل تلك الصياغات يمكن أنْ تكون مجازات ملهمة عندما تـُقبل كمجازات . ولكنها تتحول إلى بهتان يـُورث بلادة العقل عندما نغفل عن البطلان الكامن فى المجاز. إذا لم نهدم الفرضيات ، يتم تثبيتها كخرافة مهلكة. وإنْ لم نـُحرر أنفسنا من أسر الأسطورة نتعفن . إذا أخطأنا فهم الأسطورة واعتبرناها واقعًا تتحول إلى صَدَفة ميتة. أعترف أنّ أفكارى مبهمة مثل كل تفكير نظرى يحتاج دائمًا للفحص . وإذا نسينا هذا نقع فى الوهم المُهلك . الفلسفة دعوة للتأمل ولا تـُقدّم إجابات نهائية. وإذا كنتَ تبغى الإجابات فلتذهب إلى اللاهوتيين : كل إجاباتهم صادقة صدقــًا مطلقــًا حتى عندما تكون متناقضة تناقضًا مطلقــًا. إننى لا أقدّم إجابات وإنما أغريكم بالنظر داخل عقولكم . وحتى التعبير الفلسفى إذا افترضَ الثبات يتحول إلى خرافة. استمتعوا بأفكار أفلوطين . ولكن لا تأخذوا صياغاته بجدية وبدون تفكير. لا تـُحوّلوا فلسفته إلى دين . الدين يصبح ضارًا لو تمأسس. والفلسفة ضارة لو توهمتْ الثبات. 000 دفعنى للكتابة عن كتاب د. داود خشبة ثلاثة أسباب : 1- أنه جمع بين الإبداع الروائى الذى جسّد التعصب الدينى دراميًا ، مع التوثيق التاريخى لحياة الفيلسوفة هيباتيا 2- ترجمة سحر توفيق السلسة والمُمتعة 3- أنّ قصة حياة هيباتيا تستحق المزيد من الكتابة. وأنّ درس اغتيالها جمع بين التعصب للدين والعداء للمعرفة. فعندما دخلتْ المسيحية مصر آمن بها كثيرون عانوا من اضطهاد الرومان 250سنة ، لدرجة تقديمهم للوحوش فى الملاهى الكبرى . استمر الاضطهاد والقتل إلى عام 313 بصدور إعلان ميلان الذى نصّ على ( التسامح الدينى ) واستقر الوضع أكثر بعد أنْ اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية. ثم أصبحتْ هى الديانة الرسمية لكل الدول الخاضعة لروما. كان المنتظر أنّ من عانى الظلم ينشأ لديه وجدان يرفض أنْ يكون ظالمًا. ولكن ما حدث هو العكس ، إذْ مارس الأساقفة النصوصيون الاضطهاد ضد الذين رفضوا اعتناق المسيحية وظلوا على إيمانهم بالديانة القديمة. كما شمل الاضطهاد بعض الطوائف المسيحية ، وتحطيم التماثيل باعتبارها ( وثنية ) وتحويل المعابد إلى كنائس ، وتحطيم معبد السرابيون ، وهو تحفة معمارية. وكانت قمة التصاعد المأساوى اغتيال الفيلسوفة هيباتيا. هيباتيا (370- 415) فيلسوفة مصرية (سكندرية) وعالمة رياضيات . وهى ابنة (ثيون) أستاذ الرياضيات فى متحف الإسكندرية. وكتب عنها ديورانت فى قصة الحضارة – المجلد الثانى ، وجورج ساراتون وإدوارد جيبون وبرتراند رسل وآخرون. ومن المصريين د. توفيق الطويل ود. زكى نجيب محمود ، غير الروائيين والشعراء الأوروبيين. ووصل اهتمام العالم المتحضر بهذه الفيلسوفة المصرية أنْ أصدرتْ جامعة الينوى الأمريكية مجلة فلسفية اسمها (هيباتيا) كما تنتشر فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية الجمعيات الثقافية والمجلات الفلسفية التى تحمل اسمها. كانت هيباتيا ذات جمال أسطورى ، ورغم ذلك رفضت كل عروض الزواج وفضلت التفرغ للعلم والفلسفة. وكتبتْ عنها دائرة المعارف البريطانية أنها ((جمعت بين التواضع والجمال والقدرة العقلية فجذبتْ عددًا هائلا من التلاميذ)) وكان تلاميذها أساتذة وفلاسفة ، يأتون من أكثر من دولة ليستمعوا إلى محاضراتها ، من بينهم الفيلسوف اليونانى (دمشيوس) والعالم (سينسيوس) الذى اعترف بفضلها عليه فى تثقيفه. وأنها شرحتْ له مؤلفات أفلاطون وأرسطو، وبعض العلوم الطبيعية مثل الفلك والميكانيكا والرياضيات. وكانت تسعى لتكريس الحب الروحى لا الجسدى. وقال عنها معاصروها أنها كانت تتربع بشرف ((على قمة الأسرار الفلسفية)) وذكر د. إمام عبد الفتاح إمام أنّ هيباتيا أنجزتْ حسب ما كتب (سويداس) فى معجمه ثلاثة كتب : شرح لكتاب ديفومطس السكندرى فى علم الحساب ، والثانى شرح لكتاب بطليموس (المجموع الرياضى) والثالث شروح على (قطوع المخروط) لأبولونيوس البرجى . كما أنها اخترعتْ (البلانسفير) وهى خريطة ذات ثلاثة أبعاد لنصف الكرة السماوية. أو الآلة الفلكية القديمة المسماة الإسطرلاب. والاختراع الثانى هو جهاز قياس الوزن النوعى للسوائل وهو نوع من الهيدرومتر. ولأنّ الأصوليين فى كل دين متعصبون ، ولأنّ هيباتيا رفضت اعتناق المسيحية ، ولأنّ شهرتها فاقت شهرة الكهنوت الدينى ، لذلك دبّر رئيس الأساقفة خطة اغتيالها ، عندما أطلق شائعة هو مُصْدرها تقول إنّ هيباتيا هى العقبة الوحيدة للتوفيق بين الحاكم أورستس ورئيس الأساقفة كيرلس. ولأنّ المتدين يصدق رمزه الدينى بلا تفكير، تمت المذبحة فى شهر الصيام الكبير. وعن مشهد الاغتيال كتب د . إمام عبد الفتاح إمام (( اعترضتْ جماعة من رهبان صحراء النطرون ، الذين قضوا فى الصحراء سنوات طويلة يصارعون قوى الشر كما يقولون ويُديرون معركة صراع باطنى ضد شهوات الجسد ، اعترضوا عربة هيباتيا بإيعاز من كبيرهم كيرلس ، فأوقفوها وأنزلوا الفيلسوفة. ثم جروها إلى كنيسة قيصرون حيث تقدّمتْ مجموعة من هؤلاء الرهبان وقاموا بنزع ثيابها حتى تجردتْ من ملابسها لتصبح عارية. وتقدّم بطرس قارىء الصلوات فى الكنيسة وقام بذبحها. وقد أمسك بها مجموعة من الرهبان ليتمكن قارىء الصلوات من ذبحها. ثم عكف الرهبان (أتقياء القلب) على تقطيع جسدها مُستمتعين بما يفعلون. ثم راحوا يكشطون اللحم عن العظم بمحار حاد الأطراف. ثم أوقدوا نارًا وقذفوا فى النار بأعضاء جسدها وهى ترتعش بالحياة كما قال الفيلسوف رسل، حتى تحول الجسد إلى رماد وهم يتحلقون فى مرح وحشى شنيع على حد تعبير ديورانت)) ويرى د. إمام أنّ ((الرهبان عجزوا عن قمع شهوات الجسد ، ولما كان يصعب الوصول إليه، فإنه يسهل عليهم تمزيقه)) ذاك هو درس التعصب : اغتيال الفيلسوفة والعالمة التى يعتقد بعض المؤرخين أنّ العالِم كوبر نيكوس تأثر بنظريتها فى علم الفلك. وأنّ الروائى الإنجليزى تشارلز كنجزلى كتب رواية عنوانها (هيباتيا) وكتب عنها الأديب الفرنسى Gille Menage فى كتابه (الفلاسفة والنساء) قصيدة قال فيها ((لابد لكل من يشاهد ويتأمل بيتك الطاهر/ الخالى تمامًا من كل زخرف أو زينة/ أنْ ينشغل بأمر الثقافة/ حقــًا لقد انشغلتِ أنتِ بالسماء/ هيباتيا.. أيتها المرأة الحكيمة/ لغتك عذبة. ونجمك متألق فى سماء الحكمة)) وذكر د. إمام عبدالفتاح أنّ المؤرخ المسيحى (سقراط) كتب عنها أنها ((بزّتْ أهل زمانها من الفلاسفة، عندما عـُينتْ أستاذة للفلسفة بالإسكندرية، حيث هرع لسماع محاضراتها عدد كبير من الناس من شتى الأقطار النائية. وكان الطلاب يتزاحمون ويحتشدون أفواجـًا إليها من كل مكان. وكانت الخطابات توجّه إليها باسم الربة Muse أو الفيلسوفة. وعندما كانت هيباتيا تشرح مذهب أفلاطون أو أرسطو، كانت قاعة درسها تكتظ بأثرياء الإسكندرية وأكابرها)) وذكر المؤرخ جيبون أنّ كيرلس كان يشاهد بعين الحقد والحسد ذلك العدد الضخم من جمهورها على باب أكاديميتها (د. إمام عبدالفتاح إمام- مجلة عالم الفكر الكويتية- مجلد 22- عدد 3، 4- يناير/ مارس/ ابريل/ يونيو94) وكتبتْ عنها الشاعرة (ماريا ذليسكا) ((لن يقدر الموت يومًا / أنْ يُميتها / إنها قائمة هناك.. بسكونها / الموت لا يقدر أنْ يميت مثلها / الموت يقدر فقط / أنْ يُبعثر هذا الزمن/ بعوالمه المرتجفة/ أما هى ستظل دائمًا هى)) (نقلا عن د. مرفت عبد الناصر- لماذا فقد حورس عينه- دار شرقيات عام 2005- ص 82) ألا تـُذكرنا مأساة هيباتيا بمأساة المفكر الفارسى ابن المقفع الذى كان مصرعه شبيهًا بمصرعها حيث تقطيع جسده وهو ينظر إلى أعضائه وهى تلقى فى النار. وبالنهاية المأساوية لعبد الحميد الكاتب الذى قتله العباسيون بوضع طست محمى على رأسه. وبمحنة الإمام أبى حنيفة الذى رفض أوامر ابن هبيرة الذى طلب منه تأييد تصرفه بقتل أحد الأشخاص. فقال أبو حنيفة ((تأمر أنت بقتل إنسانــًا ظلمًا أو مصادرة ماله وأختمه أنا. هذا لن يكون أبدًا)) وكانت النتيجة أنْ أمر ابن هبيرة صاحب الشرطة بحبس أبى حنيفة وأنْ يُضرب كل يوم عشرة أسواط . وفى عهد أبى جعفر المنصور تم جلد الإمام مالك. وفى عهد الرشيد كاد الإمام الشافعى أنْ يُقتل لأنه اختلف مع أتباع الإمام مالك. وفى العهد الأموى قال الجعد بن درهم أنّ القرآن مخلوق ومحدث ، فأتى به الوالى خالد بن القسرى إلى مسجد الكوفة مقيدًا بالأغلال يوم عيد الأضحى وذبحه مثل الشاة. والمأمون تبنى فكرة المعتزلة حول خلق القرآن. واعتقل كل من رفض تأييد رأيه وكان من بينهم الإمام أحمد بن حنبل الذى ظلّ فى السجن 28شهرًا وكان يُضرب بالسوط إلى أنْ يُغمى عليه. ووصل التعصب لدرجة اغتيال الصوفى الكبير الحلاج الذى حاول التوفيق بين الدين والفلسفة اليونانية، فكان مصيره السجن 8 سنوات وضربه بالسياط وحرق جثمانه. ورغم أنّ القضاة حكموا بتكفيره ، فقد كان من الصالحين فى نظر الجماهير. والتعصب نهش صدور الفقهاء ضد الفيلسوف السهروردى ، فتآمروا عليه لدى صلاح الدين الأيوبى الذى أمر بقتله. إنّ اغتيال المعرفة فى تاريخ الفكر الإنسانى منذ الحكم على سقراط بالإعدام، تؤكد على تلازم ثنائى الشر المطلق : العداء للمعرفة (بمراعاة أنّ الفلسفة هى المدخل للمعرفة) واغتيال كل صاحب فكر. وصدق من قال ((من يبدأ بحرق الكتب ينتهى بحرق البشر)) إننى أناشد الثقافة السائدة ووزارة الثقافة لإقامة ضريح رمزى فى الإسكندرية للفيلسوفة المصرية هيباتيا. وأتمنى أنْ يأتى يوم على مصرنا يكون لدينا سيناريست ومخرج ومنتج ليُبدعوا فيلمًا عن حياة ومأساة هذه الفيلسوفة التى يعرفها العالم الحر، بينما هى مجهولة فى ثقافتنا المصرية السائدة. هذه الفيلسوفة كتب عنها جورج ساراتون فى كتابه (العلم القديم والمدنية الحديثة) : ((كان لها شرف مزدوج : فهى أول من اشتغل بالرياضيات من النساء ، وهى من أوائل الذين أستشهدوا فى سبيل العلم)) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حُمّى السيادة على العالم
-
الدولة State والدسلتير
-
اليهود البشر واليهود النصوصيين
-
تركيا من أتاتورك وإسماعيل أدهم إلى أردوغان
-
سراب اسمه (تجديد الخطاب الدينى)
-
موتسارت : طفل معجزة وحياة بائسة
-
التوراة بين التاريخ والعلم والأساطير
-
النقد العلمى لأسطورة هيكل
-
مدينة أون والادعاء العبرى
-
اسم مصر
-
قاسم أمين : أحد رموز التنوير
-
شهر مصرى صُغنتوت من خمسة أيام
-
فرح أنطون ومحمد عبده
-
أحمد لطفى السيد
-
قناة الجزيرة والوعى المتأخر
-
متى تتحقق الحرية والعدالة ؟
-
هل تلتقى المذهبية مع التحضر ؟
-
العلاقة بين الخرافة والأسطورة والدين
-
إيزيس / مريم / زينب
-
موسى بين التراث العبرى ولغة العلم
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|