|
ملامسة قشرة الحياة
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4248 - 2013 / 10 / 17 - 20:19
المحور:
الادب والفن
ملامسة قشرة الحياة *************** هل عدت اليكم ، أم عدت الى نفسي ، أم عدت الى هذا الوجود ؟ . حين يصيب شهوة الكتابة جفاف عابر ، يصاب الكاتب باكتئاب شديد ، يحس بانعزال أقسى من عزلة القبور . فظيع ان تتسرب اليك كل ريح الهزيمة ، وأنت في بداية المعركة ، معركة لا تشبه ما يحدث اليوم من فظائع في عالمنا العربي ، قتل ونهب واحراق وتفجيرات من أجل غنائم الذهب بكل ألوانه ، ومن أجل كراسي الحكم الموهومة . معركتي ، ولأكون صريحا مع نفسي على الأقل ،هي اثبات ذات وعت شروط ووظائف وجودها ، لا أقل ولا اكثر . ولكي لا أتوه كما يحدث غالبا في مثل هذه الارتسامات والتجليات ، علي أن أتكئ على شجرة شامخة الشعر ، وأعيد مع محمود درويش المغتربة " الشاعر موجود في شخص آخر . الشاعر شائعة أو ظل " . لا وقع للخيال أستاذي ، وللأمل نافذة لا يستطيع أن يطل منها الا سواك . وانا أستحضر صراعاتي مع الحياة ، قبل أن ألمس قشرة الحياة ، اتذكر اشمئزازي منها منذ زمن بعيد . منذ أكثر من ربع قرن . نعم لا زلت أتذكر تلك النافذة التي كانت وحدها شاهدة علي وأنا أرحب بالرحيل المادي عن هذه الحياة . كان الشارع يومها فارغا على غير عادته . ربما كانت الأقدار متواطئة مع كم الأيام التي اجتزتها مذاك الى يومنا هذا ، كي تبرهن لي الحياة ان موقفي لم يتغير ، وأن المدة الزمنية التي تفصلني عن ذلك اليوم ، مررت بها بتجارب قاسية وغنية رسمت في تويجات شجرتي كل بتلات الواقع المغربي ، لم تزدني الا اصرارا على المغادرة الطوعية لهذه الحياة . انغرست في أرض الشعر منذ زمن بعيد ، والشعر هو الحياة ، والشعر هو الجسر الذي اذا عبرته يوما تستطيع أن تودع الحياة دون أن تلتفت الى الوراء ، ودون أن تتأمل شيئا في الأمام القادم من بعدك . وبما أن الحياة تشبثت بي دون أن تفصح عن نواياها ، فان شيئا واحدا ازداد يقينا عندي ؛ هو أن الشعر لم ينته بعد مني . كي تصطدم بالحياة ، عليك أن لا تأسف لنزيف الشعر . والا فان جلطة ضخمة قد تصيب لب الشاعرية ، فتؤدي الى موت محقق . حيث القبر لا يختلف عن القبر وان زينوه بالمرمر والرخام . أما اذا كنت ممن يتحاشون الاصطدام ، فان شرف الشعرية لن يمنحك حق الاقتراب من محرابه المائي ، ولا صلاة لجسد بغير روح . هل يمكن للصدام أن يصبح روح الشعر ؟ ، بل ألم يكن الصدام هو روح الشعر ؟ عنترة ابن شداد كان الصدام هو قربته التي كان يشرب منها ماء الشعر ، والمتنبي ، وامرؤ القيس ، ودرويش ، وماياكوفسكي وبودلير . هكذا هي حال الكتابة تقودنا بمكرها الجميل الى الاستغراق في أشياء قد تبدو تافهة او مجرد حفر لذاكرة جمعية ، بينما هي تكشف لنا عن جدلية الشعري بالصراع . لا شعر بدون صراع . لذلك مات كثير من أحياء الشعراء وهم على منصات الالقاء ، او وهم مكللون بدواوينهم يبعثونها هدايا لآخر الأصدقاء . هل قلت شيئا ام اني للآن لم أقل شيئا ؟ . حتى ولو أنفقت عمر نوح في الكتابة ، فان ذلك لن يشفع لك في شيئ ، كأنك عكس ما قاله ذو الرمة في قصيدته الشهيرة ، ومنها بيته الشهير :
أخط وأمحو الخط ثم أعيده بكفيّ.... والغربان في الدار وقّع
أخط ولا امحو ، بل انا من يمحى ، وكأن الخط القديم يلزمني بمحو ذاتي السابقة ، لأكتب من جديد . فتغدو الكتابة ، وليس الشعر هنا ، أشخاصا آخرين . ويتهشم شخص الكاتب الى شخوص يكاد أصلها ينسى ما تفرع عنه من فروع . عكس الشاعر الذي يحتفظ دائما بذاته وبأناه . هكذا يصبح الصراع والصدام ، ليس مع الحياة فقط ، او موجودات الوجود ، بل مع جزيئات الذات نفسها . التكرار حالة مبتذلة ، انه ككومة من الرمل ، بل ان للرمل جماليته الطبيعية وان صار كثبانا ، لكن الشاعر أو الكاتب حين يصبح نمطا ، وتقليدا ، ونسخا فانه يصير كالصدأ الذي يعلو الصفيح ، يكبر مع الزمن وينتفخ ، وبلمسة بسيطة يتهشم تاركا بقعا من الوسخ والغبار . فهل يمكن لشاعر يحترم نفسه أن يصير صدأ لنفسه ؟ . ما معنى ان يكون الشعر هو الحياة ؟ . كتب الكثير في شرح هذه الرؤية او الموقف أو الرأي ، ولسوف يكتب فيه غيرهم ، وهذا حق من حقوق حرث أرض الحياة والشعر معا ، وهي ارض واحدة في تقديري ، فما يدور في محيط ما ، هو ملك ذلك المحيط ، او منسوب اليه . وليس هناك فيما اعلم أكثر علاقة بالحياة من الشعر . قد أنزف اكثر ، لأستبدل هرمونات الوجود والشعر والكتابة معا . انه نزيف آخر لونه ليس أحمرا وان اختلط به ، هو أشبه بألوان الطيف ، لكنه معجون هنا . الطيف نفسه يتوالد عن ألوان لا تراها العين المجردة . فهل الشعر بهذه الصفة ؟ . كلهم يقولون نعم ويوافقونك ، فاعجن طيف الشعر لتكون شاعرا . لكن قبل الختام ، وليس الخاتمة ، أكرر السؤال : هل عدت اليكم ، ام عدت الى نفسي ، أم عدت الى الوجود ؟ .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لبن الأمل
-
خطاب البرلمان والعودة الى الوراء -1
-
مسرحية بعنوان : من كسر الكمنجة ؟
-
موسيقى عسكرسة
-
المغرب وسياسة اللاسياسة
-
اله الدم
-
الانسان العربي : القيمة والحقيقة -1-
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-21-
-
الأم خط أحمر
-
كأنه الموت .....
-
شعرية الانفجار عند ايمان الونطدي -2-
-
لاسقوف للعبارة
-
المغرب وريح الشركَي
-
عالم جديد في طور التكوين -3-
-
انصفوا عمال الانعاش الوطني
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-20-
-
عن الدخول الثقافي بالمغرب
-
اعدموا الصحفي علي انوزلا
-
البحث عن الغائب الحاضر -رواية -19-
-
تجربة العدالة والتنمية الفارغة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|