|
المبادىء الجليّة حقائقٌ أم أوهام ؟
محمد ماجد ديُوب
الحوار المتمدن-العدد: 4248 - 2013 / 10 / 17 - 01:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مقالي السابق الذي كان بعنوان : نظريّة الإنفجار الكبير سمٌّ يدسّه الدّين في عسل العلم حاولت أن أقول أنّه لايجوز أن ننطلق في حكمنا على صحة نظريّة أو خطئها من يقينية ليست محترمة على الصعيد العلمي أو المنطقي وهناك الكثير من اللغط حولها كأن نقول أنّ نظرية الإنفجار الكبير هذه هي حقيقة لأنها تتوافق مع مانؤمن به عن الوجود وكيفية خلقه بواسطة خالق حيث أن هذا الإيمان هو شيءٌ مسلّمٌ به تسليماً وغير قائم على أيّة براهين أياً كانت عقلية أو علميّة تجريبيّة لكنها تنسجم مع مبدأ من المبادىء الجليّة والتي تم ترسيخه عبر التاريخ هو مبدأ السبب الكافي أي أنه لكل فعلٍ فاعل أو لايمكن حدوث أيّة حادثة دونما سبب لحدوثها مما لاقى إعتراضاً من المتديّنين حيث أنّهم لم ولن يستطيعوا بأيّ حال من الأحوال التخلي عن فكرة الخالق والتي يرون في نظريّة الإنفجار الكبير دعماً لها حتى لو كانت هذه النظريّة عرضةً للنقد العلمي والمطقي البحتين ولاتستطيع الصمود أما النقد الموجه لها بواسطتهما لأنّه بالإضافة لعدم قدرة هؤلاء على التخلي عن إلهٍ تربوا على قداسته والخوف من غضبه لايستطيعون أن يزيحوا من عقولهم المبدأ الجلي أعني مبدأ السبب الكافي من نافال القول ولاضرر من تكرار ذلك أن الفرق بين مبدأ جليّ إستمدّ يقينيّته من قوانين نيوتن وآخر إستمد يقينيّته من قوانين ميكانيك الكمّ هو نفسه الفرق بين الحتمية والإحتمال بمعنيهما الفيزيائي والرياضي وكلا المعنيين مهمّان جدّاً لأنه عندما تتوافق الفيزياء مع المعطى الرياضي في دعم مبدأ ما لايكون هناك مجالٌ لعدم أن يكون هذا المبدأ الذي تدعمه الفيزياء والرياضيات هو المبدأ الجلي الذي يجب أن يُحترم على حساب المبدأ الآخر عندما صدّر نيوتن قانونيه قاون القصور الذاتي وقوة الجاذبية إلتقط الفلاسفة هذين القانونين ليقولوا انّ تعميمهما على كل الحركات في الوجود هو حالة جليّة أصبح لابد منها فحواها مبدأ خطير جداً هو: مبداً الحتميّة ومن يومها بدأوا النظر إلى كل مافي الحياة وعلى كل الصُعد والمستويات على أنّه يجري وفق ماهو مرسوم له مرهوناً بشرط إبتدائية محدّدة وإن لم يكن مفهوماً لماذا يتم ذلك وعلى هذا النحو وليس سواه ؟ وساد هذا الإعتقاد فترةً لابأس بها من عمر البشرية حتى كان الفتح الكبير في الفيزياء والذي تلى فتحها الهام الآخروأعني بهما ميكانيك الكمّ ومن قبله الميكانيك النسبوي ماذا يقول الميكانيك النسبوي أولاً وهذا لابد من العروج عليه قليلاً يقول هذا الميكانيك من الأشياء المهمّة التي يقولها بتمدّد وتقلص الزمن فنقل بذلك مفهوم الزمن من حالة جليّة معنويّة إلى حالة جليّة ماديّة صرفة وقد كان قديماً يُنظر للزمن على أنه حالة معنويّة هامة لها أساسها الفلسفي والذي لابد منه نظرة المؤمنين لله في كل الأزمنة وأكمل ميكانيك الكمّ ضربته بالقول إن كل الحركات تتم في الوجود وفقاً لإحتمال رياضي لايحمل من اليقينيّة أكثر مما يحمل أملنا أن تربح ورقة اليانصيب التي في جيبنا الجائزة الكبرى بمعنى وهنا الخطورة :أن البحث عن الغايات هو ضربٌ من العبث مما وجه للفكر الديني ويقينيّاته الكبرى ضربةً موجعة وذلك بالكف عن القول أنّ لكل حركةٍ غايةٌ وهدف ومما يزيد الطين بلّة بالنسبة للفكر الديني هو أنّ البحث عن الأسباب الكامنة خلف هذا التصرف أو ذاك لأية حركةٍ في الوجود هو ضربٌ من العبث إن لم نقل من الجنون إذا أثبتت تجربة شقيّ يونغ المعروفة للفيزيائيين والتي إستنتجت منها علاقة الإرتياب لهايزنبرغ أن المعرفة التامة هي المستحل بعينه مهما كانت وسائل مراقبتنا متطوّرة وإعجازيّة في قدرتها على الرّصد يقول الفيلسوف ألفرد نورث هوايتهد : في كلّ مكان على وجه الأرض ,وفي كلّ زمان ,كان هناك رجالٌ عمليّون يستغرقون في حقائق عنيدة لايمكن إنتقاصها . وفي كلّ مكان ,وفي كلّ زمان ,كان هناك رجالٌ ذووا نزعة فلسفيّة في نسج المبادىء الهامّة هنا نجد ووفقاً لكلام هوايتهد هذا أن الفسلفة بدأت تجري وراء العلم الذي بدأ بتحطيم الأقانيم العلميّة القديمة ولكن الأهمّ هو في تحطيمه للمبادىء الجليّة السائدة والتي تتصف بالقداسة ومنها في هذا العصر مبدأ السبب الكافي الذي قضى عليه ميكانيك الكمّوالذي لايزال يأخذ به وكما لو أنهم من أتباع أفلاطون :رجال الدين خصزصاً والمتديّني عموماً إن مشكلة العقل البشري هي رؤيته وفقاً لمايراه الفلاسفة وذلك منذ ماقبل عصر العلم وحتى مابعده لأن هذا العقل بدا وكأنه عاجزٌ عن التخلي عن مبادئه الجلية التي ترسخت فيه عبر قرون وأهما كما قلنا مبدأ السبب الكافي يقول فيليب فرانك في كتابه فلسفة العلم :إذا تأملنا الكون من حولنا فإننا نلحظ أنواعاً متعددة من الظواهر الفيزيائية ,حركة الكواكب حول الشمس وحركة الجسيمات في مجال كهرومغناطيسي وما إلى ذلك أما لماذا تحدث هذه الظواهر ولم تتبع قوانين معيّنة فهذا هو الأمر الغامض ودور المبادىء العامة هو أن تجعلنا نعقل لماذا تحدث هذه الظواهر بهذه الطريقة دون غيرها من الطرق بعد الضربة الموجعة التي وجهها ميكانيك الكمّ لهذه المبادىءالعامة التي تقول لنا لماذا تحدث هذه الظواهر بهذه الطريقة دون غيرها من الطرق بدأ البحث عن حقيقة علمية يستميتون في محاولة إثباها هي النظريّة الفرض : الإنجار الكبير وذلك بسبب أنها تعيد فرض هيمنة مبدأ عامٌ(قديم )يفسر لنا لماذ تجري الظواهر بهذه الطريقة دون سواها حتى لو كانت هذه النظرية متناقضة مع أبسط أسس الفيزياء والتي تقول أن العدم لاوجود له بالمعنى الفيزيائي وكذلك مبدأ المادة لاتفنى ولاتحدث من عدم هذا المبدأ الأخير (مصونية المادة)يقول مؤيدوا نظرية الإنفجار الكبير أن هذه النظرية لاتتناقض معه بل على العكس هي تثبته وهنا ينافقون ويلتفون على فكرة الفراغ الفيزيائي فإذا كان مايقولونه صحيحاً فلماذا تمّ جمع كل المادة في نقطة ليحدث الإنفجار وماهو الفراغ الذي كان يحتويها: ماهيته؟خصائصه؟ ثمّ وهذا الأهم من قال أن فكرة الخلق عن طريق خالق هي مبدأ عام علينا الأخذ به ؟ مع سقوط مبدأ السبب الكافي ومبدأ المعرفة الكاملة عن طريق علم الإحتمال ومبدأ هايزنبرغ إن قولنا بخلق إحتمالي لايعني أبداً على المستوى الأخلاقي التخلي عن تعليم الناس السلوكيّات التي تنفع في الحفاظ على المجتمع البشري من الإنهيار على كل الصعد علماً أن القول بخالق مع فلسفة الغفران في المسيحية وفلسفة الحج في الإلام هو أكثر خطراً على البشرية ومانراه من سلوكيات البشر وهم المؤمنون بخالق سواءاً على الصعيد الفردي للأفراد أو على الصعيد العام لمن يحكمون أو يقودون المجتمعات على كل الصعد مع وجود فلسفتي الغفران والحج يشي بأن فكرة وجود خالق والتمسك بها هي لأسباب نفسية وإجتماعيّة أكثر منها لأسباب علمية ووجودية أخيراً لابد من السؤال الذي يجب طرحه : هل المبادىء الجليّة التي لاتستند على يقينيّة العلم ملاحظةً وتجريباً حقائقٌ أم أوهام ؟ ومنها بل وأهمها على الإطلاق مبدأ : العلّة الأولى
#محمد_ماجد_ديُوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظريّة الإنفجار الكبير هل هي سمٌّ يدسه الدين في عسل العلم ؟
-
المهّم......
-
أوباما في الفخ السوري
-
تفاوض أم حوار
-
لماذا سورية ؟
-
المسألة السورية
-
عبثية السؤال والفرض الخاطىء
-
المسلمون والمعرفة العلمية
-
كلاب بافلوف
-
العلاقة الجدلية بين الفكر والمادة
-
أنا مدين للحوار المتمدن بالشكر
-
بالعقل عُرف الله أم بالعقل إنتفى؟
-
لغة الرياضيات ولغة السياسة
-
أمام الله وجهاً لوجه
-
هل علينا تفسير العالم أم فهمه والعمل على تغيير؟
-
همسة لأجل المرأة في عيد الأم
-
الإيمان ب(الله) :حقيقة موضوعية أم وهم ضروري؟ إهداء إلى الكات
...
-
المعرفة واليأس
-
هل تبوح لنا الطبيعة بسرها؟
-
الوجود صوت وصورة وعلاقات تعبر عن مضامينهما
المزيد.....
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
-
مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط
...
-
وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|