حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1212 - 2005 / 5 / 29 - 11:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الشاعر السوري حسين عجيب
إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش
بعد التحية والسلام
أرجو أن نكون و نبقى, بوسعنا أن نتبادل الكلام وأن يسمع بعضنا البعض الآخر.
لست عدوّك ولست تابعك. لست خصمك ولست حليفك.أنت مشغول بالعالم الخارجي المتعالي على الدول والأفراد وأنا مشغول بالعالم الداخلي الذي يتجاوز الدول والأفراد. أنت اليوم السيد المقّرر في هذا العالم ويعرفك الجميع ,على اختلاف أوجه التقدير لشخصك الموقّر, وأنت في هذا الموقع خطأك كارثة كونية وصوابك إنجاز عالمي, وأنا من القلّة السعيدة التي تصنع قيم الغد في بلادك وفي بلادي, خطأي اليوم لا يترك أثرا يذكر, وإنجازي اليوم لا يلفت انتباه أحد, لكن أخطائي وإنجازاتي مع شركائي في المعرفة والفن والأدب, هي ملامح عالم الغد, عندما تكون مع شركائك حكّام هذا العالم اليوم, قد انحدرتم إلى سلّة النسيان, وما سيبقى من آثاركم جروحا لم تندمل أو خيارات صائبة يتذكّرها بامتنان شخصي أو توثيقي من فتحتم أمامهم باب الأمل, وأكون مع شركائي بين ضفّتي النسيان أو الخلود.
وهنا من المناسب التذكير بسلفكم السيد بيل كلينتون, عندما استنجد في محنته الشخصية وبعد ألف عام, بالشاعر الفارسي صاحب منطق الطير حافظ الشيرازي, وهو يردد حكمته المشعّة عبر القرون: كيف سيقتنع الآخرون, أنني أدركت خطأي ولن أكرره, بل سأسعى إلى إصلاحه وتجاوزه بقية حياتي.
*
سيدي الرئيس: أكتب إليك بعد يومين من توقيف إدارة منتدى الأتاسي في دمشق, وبعد أن عادت بلدي سوريا إلى المربع الأول(خيار القاتل أو المقتول) وأحمّلك مع إدارتك المسؤولية الأولى عمّا حدث, كيف ولماذا؟ هذا ما سأحاول شرحه في سياق الرسالة.
ربما لا تعرف شيئا عن سوريا قبل نجاحك في انتخابات الرئاسة في بلادكم, وقد لا ترى فيها اليوم سوى أحد المصادر لإثارة البلبلة في الشرق الأوسط, أو الحليف المستقبلي لكم ولأسلافكم.في الأمس انتصرتم على حكم صدام حسين وقبله على حكم طالبان وربما في الغد القريب تحققون الانتصار على تنظيم القاعدة وأتباعه المباشرين, لكنهم يمثلون سطح جبل الجليد العائم فقط, وتغيير النفوس والعقول والقيم لا يتم عبر الحرب والسلاح, بل على العكس تماما, القوة التي تفتقر للمعرفة والتسامح وتنقصها الحكمة تعزز نقيضها بشكل مباشر ودائم. أرجوك اقرأ هولدرلين وبودلير.
لا أحب الوقوف في موقع الواعظ أو الناصح أو العارف, لكن تجاهل أصحاب الشأن الحقيقيين, والاكتفاء بالتقارير الفوقية والمتسرعة ثم العمل بموجبها, سيبقى مصدرا للاستجابات المرتجلة والقرارات السطحية, هذا كلّه على افتراض حسن النية لديكم, وسعة الأفق والرغبة الفعلية لجعل هذا العالم صالحا للعيش المشترك والحب والمعرفة.
لا تختلف بلادنا عن سواها بتعدد الأمزجة والأهواء والمعتقدات وتضارب المصالح, ربما ما زالت من البلاد القليلة التي يخاف حكامها من الكلام الصريح والرأي والفكر المختلف, لكن السطح والقاع يتماثلان مع بقية دول وشعوب هذا العالم, هوس السلطة للزعماء يتجاوز الحد الطبيعي وهوس الكفاية و الأمن للقاع يتجاوز الحد الطبيعي. ولذلك أسباب متعددة, المباشر منها مشاريعكم الصريحة للتغيير وتحديث الدول والأفراد,بشكل قسري وسريع ودون حساب للعطالة المزمنة وما تتطلبه مشاريع الإصلاح المختلفة من الصبر والمرونة وقبول الحدود الطبيعية من الاختلاف , وهو ما تسبب بحالة من القلق والترقب وحتى الطموح على مستوى القيادات والنخب,و يمكن القول أنها تفسر الكثير من المتناقضات التي يتعذر تبريرها منطقيا, آخرها موجة الاعتقالات في سوريا.
الخوف يفسر جميع سلوكيات الدفاع, ورغبة الإنجاز تفسر بقية أشكال الإبداع.
*
معروف للعموم هذين الرقمين: رصدت الإدارة الأمريكية 200 مليار دولار لمشروعها في العراق, وبالمقابل رصدت مبلغ 100 مليون دولا ر لدعم الديمقراطية ومشاريع الإصلاح المختلفة في الشرق الأوسط الكبير!
في الرقمين ما يغني عن الشرح.
أمريكا هي المشكلة أو بالعكس أمريكا هي الحل, هكذا اختصرت الحياة وبالأخص السياسة والفكر السياسي في بلادنا. لنهزم أمريكا فنكون بخير أو لنأمل بانتصار أمريكا فنكون بخير. تدور مختلف الاجتهادات والآراء والمواقف والمشاريع في بلادنا على هذه الثنائية الساذجة.أ جل جميعها. تمّت إزاحة العقلانية والعقلاء إلى زاوية الاتهام الصريح والمطلوب الدائم من أصحاب هذا الموقع والموقف جواب نهائي على سؤال مهين للذكاء والمشاعر: هل أنتم مع أو ضد المشروع الأمريكي؟! هذا ما دعاني إلى الكتابة في شأن هو خارج دائرة اهتمامي في الأحوال العادية.
توقّع المكافأة أو العقوبة محدّد دائم للسلوك الفردي والمشترك, وتبقى المشكلة حين تتقرر المصائر من جهة مجهولة وبعيدة, حينها يصعب تقدير السلوك أو الخيار المناسب. السوريون لا يعرفون أمريكا, هل يعرف الأمريكيون سوريا؟ توجد عقبات كثيرة ومتعددة ويتعذر تجاوزها, للتواصل والمعرفة بين الأفراد في مجتمع واحد, فكيف الحال في مجتمعات ودول متباعدة تتحدث بلغات مختلفة وتعيش بقيم وأفكار مختلفة كذلك؟ تلك هي المشكلة الدائمة وما لن تحلّ سيبقى العنف والصراع الدموي وسيلة التواصل الأساسية. المؤسسات العلمية والثقافية والحقوقية في أمريكا من طرف, والمثقفون في سوريا وجوارها من طرف مقابل, يتحمّلون المسؤولية الكاملة عن سوء التفاهم والانقطاع بين البلدين والثقافتين. لاخيار أمام الحاكم العربي سوى كرسي الحكم أو الموت, فتختزل الأهداف في استمرارية الحكم, بمعزل عن الوسائل أو الشرعية. وهذا المأزق عجزنا عن تجاوزه, حيث انحسرت الثقافة والفكر السياسي بالأخص, في قطبي التطرف الثأري من جهة أو العدمي بخطوطه العريضة(النفعية الآنية وانعدام البعد المستقبلي وانسداد الأفق) من الجهة المقابلة. يختصر ذلك شيوع وسيادة ثقافة الموت في بلادنا, الحلّ الداخلي بعيد ومستبعد في الشروط العامة الحالية, والحل الخارجي الذي جرّب في أفغانستان والعراق, يزيد الأوضاع السيئة سوءا, نحتاج لمبادرات إبداعية تحافظ على الحريّات الاجتماعية وعلى فسحة الرأي والتعبير, وتخفض درجة الخوف والعدوانية لدى الكائن السوري والكيان السوري, أما كيف يمكن تحقيق ذلك, أنّى لسكير
يمضي عمره بين الأوراق والخمور والتقرب من الجميلات أ ن يعرف كيف!
في الخوف منبع الانحرافات السلوكية, وهو مصدر دائم لتخريب العالم الداخلي للفرد.
سلوك الخائف دفاعي محض, ويتجاوز الدول والأفراد والثقافات, والحل فقط في إزالة سبب الخوف, أو يتكرر السلوك الصراعي حتى الموت. الجهل والحاجة روافد إضافية لنزعة القتل والتدمير, ومصدر جديد للتشويش والقطيعة بين الثقافات والأفراد.
*
سيدي الرئيس: اعذرني على التأكيد والتكرار على فكرة الخوف والجهل والحاجة, نحن كما أسلفت نرى العالم من منظورين مختلفين تماما,و لم يكن اهتمامي ليتركّز بما يحدث على السطح لولا قدومكم إلى بلادنا التي تنبع قيمها وغاياتها من القاع الذي أعيش فيه وأعرفه وأرغب وأعمل أكثر منكم على تغييره. أنت سليل القوة والسلطة وأنا سليل الشعر والمعرفة, ترغب وتعمل على تحديث الشرق الأوسط بواسطة الجيوش والقنابل وهذا ما يرعبني, مع أنني أسعى لتحديث بلادنا وأعمل على ذلك بما أستطيع.
أرجو أن لا أكون قد أطلت في الكلام فأوجز خبرتي باقتراحين أرى فيهما معا الحل المتاح, لتوقف حمام الدم والسعار الذي تجاوز عتبات الأمان, وللانتقال من هوس تدمير الآخر إلى تبادل الكلام والخبرات والتجارب, أحدهما سياسي والآخر ثقافي:
السياسي يتمحور حول هاجس الأمن لدى السلطات المختلفة في بلادنا, كيفية تقديم الضمانات بعد تخليهم بشكل متدرج وآمن عن السلطة المطلقة والسلاح , بابتداع آلية تحمل المكافأة والمعاقبة بنفس الوقت والدرجة.
والثقافي وهو الأهم والأعمق والأكثر ديمومة, بأن يمتزج الحل الطويل الأمد مع الحافز المادي والمعنوي, ولا أظن المؤسسات الأمريكية العملاقة تعجز عن صياغة مناسبة للحلين معا, بأن تبقي على المولود المريض وتساعد في علاجه وتنقيته من الفضلات.
ويبقى سؤالي الذي يحمل الرجاء والخوف بنفس الدرجة, هل من دور فعلي للعقلاء في بلادكم, يشارك ويوجه المشاريع والخطط المستقبلية, ويحمل في طياته الطمأنينة للمتشككين والخائفين أمثالي, بعدما أجهز زوار الفجر في بلادي على تفاؤلنا الساذج بخريف العمر نقضيه بلا كوابيس وأشباح تلتهم طاقة الحب والحياة المحتضرة؟!
الكأس الذي أشربه بحرية في مدينتي, هو آخر ما تبقى لدي من ميراثي المشترك الفينيقي والروماني والعربي والإسلامي والتركي والفرنسي والعلوي والبعثي واليساري وكل ما يشكل هوياتي القاتلة, لقد عمل جميع الأسلاف على وصوله سليما معافى, ومع وجود فريدة السعيدة إلى جواري في الغرفة المجاورة, أرتعد لمجرد التفكير في الأسوأ القادم.
في الختام سأقترح التأمل قليلا في عبارة شكسبير العظيم:
أنت التقيت بما يموت
وأنا التقيت بما يولد.
وسأحلم بعالم يصلح للعيش والحب والتعاون.
وسأشرب بقية كأسي بصحّة من يصله كلامي وأملي وخوفي.
اللاذقية_27_52005_حسين عجيب
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟