أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسين محمود التلاوي - إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!















المزيد.....

إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4247 - 2013 / 10 / 16 - 03:12
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


من المتعارف عليه أن المرء لا يتعرض لأذى الآخرين بشكل متكرر إلا أنه يسمح لهم بذلك. فمن الممكن أن يتعرض المرء للأذى من الآخرين لمرة أو حتى لاثنتين، ولكن أن يظل يتعرض لهذا الأذى طيلة العمر، فهذا يعني أنه هو من يترك المجال أمام الآخرين مفتوحًا لأذيته.
ينطبق الأمر بحذافيره على الدول التي يطلق عليها اصطلاحًا "العالم الثالث"، وهي الدول الأقل حظًا في العالم، والتي تتلقى المعونات من "الدول المتقدمة"، وهو المصطلح الذي يطلق على الدول الغنية، والتي يظهر التحليل المعمق أنها لم تصبح "غنية"، إلا على حساب الدول الفقيرة. ولكن لنا هنا وقفتان: الأولى هي أن الدول الغنية لم تستغل الدول الفقيرة إلا لأن الفقيرة هي من سمح بذلك. الثانية هي محاولة للإجابة على السؤال: ما الدليل على أن الدول الغنية تستغل الدول الفقيرة؟!
في الأسطر القادمة، سنحاول أن نلقي الضوء على الكيفية التي تتسبب بها الدول الغنية في فقر الدول الفقيرة، بل كذلك في استمرار هذا الفقر. بالإضافة إلى محاولة التعرف على القدر الذي تتحمله هذه الدول الفقيرة من المسئولية عن تعرضها للاستغلال على يد الدول الغنية.

إبراء ذمة!!
قبل أن نبدأ، لا بد لنا من توضيح نقطة محورية وهي أن الدول الغنية لا تتحمل المسئولية منفردة عن فقر الدول الفقيرة، ولكن شعوب هذه الدول هم من يتحمل المسئولية الأولى والأخيرة عن فقرهم، وما الدول الغنية إلا مستغلة لأحوال هذه الدول الفقيرة التي تسببت فيها شعوبها؛ وهو الاستغلال الذي يجعل الدول تزداد فقرًا.
فإذا أردنا المزيد من التوضيحات عن الكيفية التي تتسبب بها الشعوب في حالة الفقر التي تعيشها، يمكننا الإشارة إلى الاستبداد السياسي. فالاستبداد السياسي يأتي كأحد أبرز العوامل المساعدة على نشوء الفساد المؤسسي؛ فهو يخلق المجال الحيوي لهذا الفساد. كيف؟! في النظم المستبدة، يتركز الحكم في أيدي قلة تتحكم في كل شيء، وتسعى إلى تثبيت دعائمها في الحكم من خلال إحاطة نفسها بقوى داعمة لها. وتشتري القلة الحاكمة ولاء هذه القوى بإطلاق يدها جزئيًا أو كليًا في الاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي يؤدي إلى نشوء طبقة من المنتفعين، و... و... و... بما يؤدي في النهاية إلى خلق ما يعرف بـ"الفساد المؤسسي"؛ أي الفساد الذي يتغلغل في كل مؤسسات الدولة، ويوجد لنفسه ملاذات آمنة في بنيتها وهياكلها المختلفة، بما يقود في النهاية إلى فقر الشعب.
من سكت على الاستبداد؟! إنه الشعوب. من ترك الفساد يتنامى؟! إنه الشعوب. من فعل السيء؟! إنه الشعوب. إذن، تتحمل الشعوب المسئولية الرئيسية عن حالة الفقر التي ترزح تحتها دولها، وما الدول الغنية إلا مستغلة لهذه الأوضاع. ولكن الأمر أيضا ليس بهذه البساطة؛ فالدول الغنية تساهم في صناعة الاستبداد، بما يكفل سيطرة نظم مستبدة — تدين بالولاء لهذه الدول الغنية — على موارد هذه الدول الفقيرة، ومساعدة الأغنياء في استغلال الفقراء.
لا يهدف الحديث في الفقرة السابقة إلى تبرئة ذمة الشعوب في الدول الفقيرة؛ فهذه الشعوب هي من سمح للاستبداد بالنشوء، سواءً كان محلي المنشأ أم خارجي الدافع. فعلى سبيل المثال، ترك الغرب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي يتنامى كطاغية مستبد في بلاده ليجعلها عنصر داعم للغرب على كل المستويات الفكرية والاقتصادية بل الاجتماعية أيضًا. ولكن، الشعب التونسي هو المسئول عن صناعة الطاغية. والحال نفسه في مصر تحت حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، الذي انفتحت البلاد في عهده لكل من هب ودب من الغرباء لينهلوا من الثروات المصرية. ولكن الشعب المصري هو المسئول عن تنامي الطاغية، وكذلك عن الفساد الذي استشرى في عهده، وبالتالي، عن الإفقار الذي تعرض له المصريون على مدار ثلاثين عامًا.

ما الدليل؟!
ربما لا يصدق البعض أن الغرب يعمل على إفقار الدول الفقيرة لتزداد فقرًا. ولكن لنلق نظرة على الأمثلة التي ساقها المفكر الاقتصادي الكندي ميشيل تشوسودوفيسكي في كتابه "عولمة الفقر" الصادرة ترجمته العربية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة ضمن مشروع مكتبة الأسرة في سلسلة الإنسانيات عام 2012 من ترجمة د. محمد مصطفى مستجير. فما الذي تقوله هذه الأمثلة؟
يقول تشوسودوفيسكي في كتابه إن المؤسسات الدولية المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تعملان بكل كفاءة على رهن اقتصادات الدول الفقيرة بالدول الغنية من خلال حزم المعونات والمنح المشروطة بإصلاحات اقتصادية تجعل اقتصادات الدول متلقية المعونات والمنح تابعة بامتياز للدول الكبرى والدول الدائنة لها بحيث لا تستطيع التنفس دون إذن من هذه الدول، الأمر الذي يؤدي إلى "عولمة الفقر"؛ أي قيام الدول الكبرى المسيطرة على الاقتصاد العالمي بتوزيع الفقر على الدول الأقل فقرًا لتبقى الهيمنة للدول الكبرى.
فإذا أخذنا نموذج بيرو على سبيل المثال، نجد أن المؤلف يشير بالأرقام والإحصاءات إلى أن الاشتراطات التي وضعتها المؤسسات الدولية لتسوية ديون بيرو أدت إلى انتشار تجارة المخدرات، وجعلها واحدة من مصادر الدولارات الأمريكية التي يتعذر الحصول عليها من المصادر الشرعية بسبب فقد القدرة على التصدير!! كيف وصل الأمر إلى ما وصل إليه؟!
يشير المؤلف إلى أن "وصفات" صندوق النقد والبنك الدوليين اشترطت أن تقوم بيرو في تسعينات القرن الماضي بتحرير العملة "السول الجديد" وتحرير التجارة، مع تسريح العديد من موظفي القطاع العام. أدى القرار الأول إلى ارتفاع جنوني للأسعار بسبب الانخفاض الحاد الذي ضرب العملة المحلية في مقابل الدولار بعد رفع الدولة يدها عن العملة وتركها دون حماية. زاد هذا القرار من نسبة الفقر في بيرو، وهو ما جعل القدرة الشرائية للمواطنين في أدنى مستوياتها بسبب انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار؛ فدخلت البلاد في حالة من الركود الاقتصادي أدت إلى غلق الكثير من المصانع المحلية. بطبيعة الحال، تزايدت البطالة بسبب إقفال المصانع، لكن سببًا آخر ساهم في هذه البطالة وهو تسريح الكثير من موظفي القطاع العام في إطار إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، مما زاد من التردي المعيشي في الدولة.
إذن، لدينا الآن انخفاض في سعر العملة، وارتفاع في الأسعار، وتزايد في نسبة البطالة، وتراجع في الإنتاج المحلي. ترافق هذا كله مع تدفق الاستثمارات الأجنبية على البلاد لتحل محل البنية الصناعية المحلية الخاصة منها والحكومية، فكان هذا أول دليل يلمسه المواطن البيروفي على ارتهان الاقتصاد الوطني للخارج الممثل في الاستثمارات التي تدفقت. لكن كان هناك منذ البداية نوع من الارتهان لم يلمسه المواطن، وهو أن مستشارين اقتصاديين تابعين للمؤسسات الدولية والدول الدائنة كانوا هم المشرفون الحقيقيون على الاقتصاد الوطني؛ بحيث لم يكن باستطاعة مسئولي الدولة توجيه الاقتصاد الوطني لبلادهم!!

لا يزال هناك المزيد!!
كذلك، ضربت الإصلاحات القطاع الزراعي في مقتل بعد أن فرضت زراعات غير تلك التي تشتهر بها البلاد مما دفع المواطنين إلى هجر الزراعة التقليدية واللجوء إلى زراعة — ومن ثم تجارة — المخدرات. ترعرعت تجارة المخدرات في البلاد إلى الدرجة التي جعلت أرباح تجارة المخدرات في بيرو تتعدي 22 مليار دولار سنويًا وفق إحصاءات 2009، وهو ما يمثل 17% من اجمالي الناتج المحلي، بزيادة قيمتها 3.8 مليار دولار عن أرباح 2008.
قاد ذلك بيرو إلى أن أصبحت المخدرات تجارة هي التجارة الأكثر رواجًا في البلاد، وأصبحت بالتالي مصدرًا أساسيًا وربما وحيدًا للدولار الأمريكي، مما دفع البنك المركزي البيروفي إلى شراء الدولارات من السوق السوداء عند الحاجة إليها وكانت حصة ما يشتريه يوميًا تصل إلى الملايين!!
لم تنته القصة عند هذا الحد، بل وصلت إلى مستويات جديدة من القذارة وهي أن المخابرات المركزية الأمريكية بدأت في تشجيع تجارة المخدرات في البلاد للمساعدة في الحفاظ على المصدر الوحيد لتوفير الدولارات لاقتصاد بيرو حتى تتمكن من سداد ديونها الدولية، نظرًا لأن الاقتصاد الوطني كان قد وصل إلى حالة من الضعف جعلت الصادرات تتوقف تقريبًا لصالح الواردات التي استهلكت كل ما كانت الدولة تستطيع تحصيله من دولارات!!
كانت الولايات المتحدة "الرسمية" في هذه الأثناء منغمسة في حرب مظهرية ضد المخدرات في بيرو، وهو ما يوضح الانفصام الواضح بين المؤسسات الأمريكية. ولكن هل هو انفصام حقيقي!؟ يبدو الأمر على غير ذلك؛ فالمتابع للحالة الأمريكية يجد أن الأمر لا يتعدى توزيع الأدوار. إذن، كان الأمريكيون يمولون مكافحة المخدرات صباحًا لتتولى مخابراتهم دعمها مساءً بهدف بدأ لتوفير الدولارات للاقتصاد البيروفي، وانتهى بالمساعدة في الحصول على التمويل اللازم لعمليات المخابرات الأمريكية في بيرو!!!

السبب؟!
هذا مجرد غيض من فيض على الطريقة التي تعمل بها الدول الغنية على إفقار الدول الفقيرة وربط اقتصاداتها ومواردها بإرادة الدول الكبرى بما يحقق لهذه الدول الكبرى السيطرة على موارد الفقراء من جهة، ومنع ظهور قوى دولية تهدد عرشها من جهة أخرى.
لعبة قذرة تتداخل فيها السياسة مع الاقتصاد استنادا إلى الفساد والاستبداد المحليين ومنظومة اقتصادية دولية صاغها الكبار ليزدادوا كبرا على حساب الفقراء. ولكن، ما الخلاص؟! في الواقع، لا يبدو الخلاص قريبًا؛ لأنه حتى الثورات، التي قامت في عدد من الدول العربية بغية خلق نظام ديمقراطي يقضي على الفساد والارتهان إلى الخارج، تعرضت إلى عملية تخريب ممنهجة على أيدي القوى الكبرى، ولكن... المسئول في النهاية هو الشعوب التي صنعت الاستبداد، وسكتت على الفساد، وسمحت للخارج بالتدخل في بلادها. وفي النهاية، عندما قامت بثورات، عجزت عن حمايتها. يمكن الحل إذن في أيدي الشعوب، فهل تراه؟!! الإجابة عسيرة في الواقع!!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!
- ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (3) الطبقة الوسطى. ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (2) كيف حُشِدَ الش ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (1) كيف حُشِدَ الش ...
- ملاحظات على فكر سان سيمون (2)... الدين والطبقة الاجتماعية
- ملاحظات على فكر سان سيمون (1)... التاريخ وتقدم المجتمعات
- مصر... في زمن الإرهاب
- مصر... بين ديكتاتورية اللحية وعسكرة الفساد
- الإنسان إذ يواجه ذاته... وقد ينتصر!
- من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء
- الأخلاقية في الفعل السياسي... الحالة المصرية والتشيّؤ!
- تأملات... في حاكم سقراط!!
- سفر الخروج... تأملات لا دينية!!
- لماذا يخاف الإخوان من (تمرد)؟!
- التعديل الوزاري المصري.... عندما يتجسد الفشل!!
- بين عمرو دياب وأم كلثوم... عن التأثير المصري نتحدث!
- حلوة بلادي...!! إفطار في الجمالية...!!
- بعد 9 أشهر... ألم يولد مشروع النهضة بعد؟!


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسين محمود التلاوي - إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!