|
المخرج المغربي حكيم نوري ل ( الحوار المتمدن ): أعوّل كثيراً على الجمهور الذي أعتبره الحكم الأول والأخير على أفلامي
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1212 - 2005 / 5 / 29 - 11:37
المحور:
مقابلات و حوارات
إذا كان الفنان محمد عصفور قد أخرج أول فيلمٍ سينمائي مغربي عام 1948 فإن الفنان حكيم نوري هو أول من أخرج فيلماً سينمائياً يحكي قصة عام 1979، ونعني به فيلم ( ساعي البريد ) الذي وصفه أحد النقاد المغاربة بأنه ( إنعطافة في تاريخ السينما المغربية ). لقد أسّس الفنان حكيم نوري أرضية خصبة لتجربته الإخراجية. إذ أخرج أول فيلم سياسي مغربي عام 1997 وكان بعنوان ( عبّروا بصمت ) الذي لفت انتباه النقاد والمشاهدين. ثم واصل تجربته الإبداعية في إخراج عدد من الأفلام الاجتماعية التي تتناول الطبقة المسحوقة مثل ( الطفولة المغتصبة ) و ( المطرقة والسندان ) و ( سارق الأحلام ) وتلك التي تتصدى للطبقة البرجوازية التي أثرت ثراءً فاحشاً غير مشروع مثل فيلم ( مصير امرأة ). ولكي لا تُدمغ تجربته بالاقتصار على إخراج الفيلم الاجتماعي والسياسي فقد جازف بخراج فيلم كوميدي عنوانه ( فيها الملح والسكار وما بغاتش تموت ) الذي حقق نجاحاً منقطع النظير، إذ بلغ عدد الناس الذين استمتعوا بمشاهدة الفيلم أكثر من نصف مليون مشاهد. ولابد من التنويه إلى أن الفنان حكيم نوري هو صاحب أكبر رصيد في الإخراج السينمائي، إذ خرج لحد الآن تسعة أفلام نالت سبعة منها جائزة أحسن ممثل/ ممثلة، فضلاً عن جائزة أحسن إخراج وأحسن موسيقى. وقد صنع حكيم نوري عدداً من النجوم السينمائيين في المغرب من بينهم رشيد الوالي، فاطمة خير، سعد الله عزيز وزهور السليماني. وبمناسبة اشتراكه بمهرجان الفن العربي الرابع عشر الذي يقيمه مركز الهجرة للثقافة والفنون في أمستردام إلتقته ( الحوار المتمدن ) وحاورته في تجربته الإبداعية التي جاوزت العشرين عاماً، فكان هذا اللقاء: هل لك أن تتحدث لنا عن بداياتك الفنية. وما هي الظروف والملابسات التي دفعتكَ لأن تدرس الفن الدرامي لكي تكون ممثلاً، لكنك انعطفتَ في النهاية صوب الإخراج السينمائي بحيث أصبح اسمك الآن من أبرز الأسماء الإخراجية في المغرب؟ - عندما كنت صغيراً ذهبتُ مع والدي ذات مرّة إلى مشاهدة فيلمٍ سينمائي، وبالمصادفة كان الفيلم هندياً. والذي لفتَ انتباهي أكثر أن بطل الفيلم كان طفلاً عمره سبع سنوات، وبالمصادفة أيضاً كان عمري سبع سنوات آنذاك ( بالمناسبة أنا من مواليد 14 أبريل 1952 ). وعندما انتهى الفيلم وغادرنا السينما قلت لوالدي: أتمنى أن أصبح ممثلاً مثل هذا الطفل. لقد ظل هذا الحلم يراودني ويعيش معي ليل نهار. وهو الذي دفعني في عام 1966 لأن أدخل معهد الدراما في الدار البيضاء. ثم أكملت دراستي للمسرح والفن الدرامي لكي أحقق حلم الطفولة الكبير. وفي ذلك الوقت كان اسم المخرج الإيطالي سيرجيوني مهيمناً على المشهد السينمائي العالمي لأنه أحدث انقلاباً في تاريخ السينما الأمريكية. هكذا علقت مفردة ( الإخراج ) في ذاكرتي من خلال بعض أفلام سيرجيوني ذائعة الصيت. وفي الوقت ذاته أسدى لي أحد أصدقائي المقرّبين نصيحة مفادها أن الإخراج أفضل من التمثيل، فترسّخت هذه المفردة بشكل أعمق في ذاكرتي الطريّة. وفي ذلك الوقت تعرّفت على المخرج المغربي سهيل مباركة الذي درس في إيطاليا وعاد إلى المغرب عام 1971 ، وكان عمري آنذاك تسع عشرة سنة. ثم عملت معه بصفة مساعد مخرج. وفي عام 1972 –1973 درست الإخراج السينمائي في مدرسة فرنسية. وفي عام 1977 أخرجت أول فيلم سينمائي قصير صامت. وفي سنة 1979 أنجزتُ أول شريطٍ سينمائي مطوّل بعنوان ( ساعي البريد ) وكان يمثل بالنسبة للنقاد السينمائيين المغاربة منعطفاً في تاريخ السينما المغربية بوصفه أول فيلم يحكي قصة. الأفلام المغربية السابقة، وبضمنها فيلمي الأول لم تكن تحكي قصصاً. أنها باختصار نوع من الأفلام البسيطة التي تقدّم للمتفرج المغربي. وبعد مرور عشر سنوات،أي عام 1989، أخرجت فيلم ( المطرقة والسندان ) ومع الأسف انقطعت خلال هذه السنوات بسبب ظروف عائلية تتعلق بتربية الأولاد. وفي عام 1993 أخرجت فيلم ( الطفولة المغتصبة ). ثم توالت أعمالي الأخرى التي رسخّت حضوري السينمائي مثل فيلم ( سارق الأحلام ) عام 1995 ، وفيلم ( عبّروا بصمت ) وهو أوّل فيلم سياسي مغربي يتصدى لموضوع حرية الرأي، وحرية التعبير. وفيلم ( مصير امرأة ) الذي أخرجته عام 1998، وفي عام 2000 أخرجت ( فيها الملح والسكّار وما بغاتش تموت ) وهو فيلم كوميدي ساخر. وفي سنة 2001 ، وبالتحديد قبل أسبوعين انتهيت من وضع اللمسات الأخيرة على فيلمي الاجتماعي الجديد المعنون ( قصة حب ). إن أغلب أفلامي تتناول قضايا اجتماعية وسياسية ساخنة. وأنا لا أدعّي بالقول أن الفيلم السياسي أو الاجتماعي سوف يغيّر وضعية البلد، وإنما أقول بثقة تامة أن الفيلم الجيد والهادف يؤثر في شريحة كبيرة من الناس، ويثير جدلاً وحواراً كبيرين، ويحفّز المسؤولين على الإحساس بمشاكل مجتمعهم على مختلف الأصعدة. هل تعتمد على طريقة إخراجية عالمية، أم أنك تتبنى أسلوباً محلياً أو عربياً في الإخراج السينمائي؟ - أنا واثق جداً من القول أن السينما هي لغة عالمية، مثلها مثل الموسيقى التي لا تحتاج إلى تأويل. ولكي أكون دقيقاً في الإجابة على هذا السؤال أنا في المونتاج فقط متأثر بالسينما الأمريكية. نستطيع القول أنك خرقتَ التابو السياسي والجنسي في بعض أفلامك. هل عملت هذا عن قصد أم أن عملية الخرق جاءت عفوية وتلقائية من دون قصد مُسبق؟ - مثلما ذكرت أن ( عبّروا بصمت ) هو أول فيلم سياسي يتصدى لحرية الرأي. وبطل الفيلم هو صحفي يقوم باستطلاع معين من أجل الوصول إلى هدفه، ومن خلال هذا الاستطلاع يلامس جوانب حساسة تثير شهية المتلقي في متابعة هذا الحدث. وفي فيلمي الأخير ( قصة حب ) يقوم البطل بمحاولة جادة من أجل إنقاذ امرأة عاهرة وإعادتها إلى سياق حياتها الطبيعية. الفيلم جريء جداً ولا يخشى هذه التابوهات التي ذكرتها. وبصراحة تامة أن أفلامي تخلّف دائماً ضجة كبيرة في الصحف والقنوات الإعلامية المرئية والمسموعة، وتثيراً جدلاً واسعاً بين المثقفين لأسباب عدة أولها هذه الجرأة التي تحدثنا عنها، ولتوفرها على مقومات وشروط النجاح الفني، وربما لأنني المخرج المغربي الوحيد الذي لديه أكبر رصيد من الأفلام الناجحة التي حصدت على الكثير من الجوائز، آخذين بنظر الاعتبار أن أغلب المخرجين العرب لم يجتز رصيدهم فيلمين أو ثلاثة أفلام باستثناء المخرجين المصريين طبعاً. لماذا لم تستفد من روايات للكتاب المغاربة من طراز محمد زفزاف، محمد شكري، الطاهر بن جلون وتحولها إلى أفلام سينمائية كما يحدث في مختلف أنحاء العالم؟ - أن محمد زفزاف ( يرحمه الله ) كان صديقي، وأنا أقرأ كتاباته بمحبة كبيرة، ولكن قصصه ورواياته لا يمكن أن تتحول إلى أفلام. وهذا الأمر ينطبق على الروائي محمد شكري. أما الطاهر بن جلون فأسلوبه سهل ومن الممكن تحويل رواياته إلى أفلام، ولكن جلون باع حقوق النشر إلى القناة الفرنسية الثانية بمبلغ مليون ومائتي ألف فرنك فرنسي. وبالطبع فنحن لا نستطيع أن ندفع مثل هذا المبلغ الكبير. هل صنعت عدداً من النجوم السينمائيين من خلال إخراجك لهذه الأفلام الثمانية؟ - نعم، لقد صنعتُ عدداً من النجوم وأبرز من أتذكرهم الآن هم رشيد الوالي،والذي حقق انطلاقته الأولى من خلال أحد أفلامي، وفاطمة خير، وسعد الله عزيز الذي عُرف من خلال أول فيلم عام 1972 ، وزهور السليماني كانت لها أول إطلالة معي. والشابة التي اشتركت في فيلم ( قصة حب ) ( لم يتذكر اسمها مع الأسف على الرغم من أنها تلعب دوراً رئيسياً في الفيلم.) هل نستطيع أن نسمّيك قناص الجوائز السينمائية في المغرب؟ - نعم، لقد حصلت جميع أفلامي على جائزة أحسن ممثل/ ممثلة، ناهيك عن جائزة أحسن مخرج، وأحسن موسيقى. وأنا فخور حقيقة بهذه الجوائز التي ترتقي إلى مستوى الجهود الكبيرة التي يبذلها فريق العمل. كيف تعامل النقّاد مع تجربتك السينمائية في المغرب؟ - النقد عندنا في المغرب مشكلة ينبغي حلّها. فالنقاد منقسمون إلى نوعين. النوع الأول نقاد يعملون بجد وإخلاص، ولا يتجاوز عددهم خمسة عشر ناقداً، والنوع الثاني هم نقاد مرتزقة لا علاقة لهم بالنقد أو بالسينما من قريب أو بعيد. وأستطيع أن أضرب لك مثلاً على هذا النوع من النقاد، إذ ترى أحدهم اليوم يكتب تغطية لإحدى المباريات الرياضية، وفي اليوم الثاني يكتب عن حادث سرقة، وفي اليوم الثالث يشمّر عن ذراعه ليكتب عن أحد الأفلام السينمائية! أليس هذا تخبط غير معقول. النقد السينمائي، كما تعرف، عملية تخصصية تحتاج إلى قدرة تحليلية لا يمتلكها إلاّ الإنسان المتخصص. ولكي تحلل فيلماً ينبغي أن تكون عندك ذاكرة سينمائية، وثقافة سينمائية تتوزع ما بين كتابة السيناريو إلى المونتاج، فحركة الممثلين وتصوير المشاهد واللقطات السينمائية وما إلى ذلك من أمور تبرهن للمتلقي الذي يقرأ هذا النوع النقدي أنك ناقد متخصص وليس العكس. وعلى الرغم من احترامي الكبير للنقّاد الحقيقيين إلاّ أنني أعوّل كثيراً على ذائقة الجمهور الذي أعتبره الحكم الأول والأخير على أفلامي، علماً بأن عدد مشاهدي فلامي يتراوح ما بين 300,000 إلى 500,000 مشاهد. هذا هو النقد الصحيح الذي تجتمع فيه مختلف شرائح الشعب. وأنا حقيقة أنجز هذه الأفلام للجمهور وليس للنقاد. في أي من الأفلام الثمانية التي أنجزتها تجد أنها تعبّر عن المخرج حكيم نوري؟ - أفلامي كلها عزيزة على نفسي، فهي مثل الأبناء الذين لا يستطع أن يفرّق بينهم الأب، ومع ذلك فأنا أهفو إلى فيلمين وهما ( سارق الأحلام ) الفيلم الذي يتطرق لى مفهوم الصداقة الحميمة، والفيلم السياسي ( عبّروا بصمت ) هذا الفيلم الذي قال عنه البعض ( أن حكيم نوري يلعب بالنار )، وهو كذلك لأنه فيلم ينطوي على كثير من الشجاعة، وقد حقق نجاحاً منقطع النظير. طالما أنت مهتّم بإنتاج الفيلم السياسي والاجتماعي، ما أسباب تحوّلك إلى إنتاج الفيلم الكوميدي؟ وهل هي حاجة ذاتية أم حاجة جماهيرية؟ - كثيراً ما يُطرح عليّ هذا السؤال بعد إخراجي فيلم ( فيها الملح والسكّار وما بغاتش تموت ). لقد تحولت إلى إنتاج الفيلم الكوميدي لأنني لا أريد أن أظل محصوراً في قالب الفيلم الاجتماعي أو السياسي. وبصراحة أردت أن أبرهن للجمهور بأن مهاراتي متعددة، وأن بإمكاني أن أخوض هذه التجربة الصعبة. في فيلميك الأخيرين ( مصير امرأة ) و ( فيها الملح والسكّار وما بغاتش تموت )تتناول حياة الطبقة البرجوازية التي أثرت ثراءً سريعاً في ظل ظروف استغلالية غامضة. هل كان هدف هذا التركيز هو كشف عيوب هذه الطبقة، وتعرية فسادها الأخلاقي والحياتي؟ - في كلا الفيلمين تعرضت إلى الطبقة البرجوازية من أجل تعريها حياتها الهشة والزائفة. في الفيلم الكوميدي الساخر ( فيها الملح والسكّار. . ) هناك مستويان وقراءتان للفيلم الأول يثير السخرية والضحك، والثاني يحفّز على التفكير والتحليل. إن الذي لاحظناه عند عرض الفيلم هو أن الناس كانت تضحك، بل وتستغرق في الضحك أحياناً. والسبب أنها ترى عيوباً موجودة في هذه الشريحة من المجتمع. ثم أن بعض الأصدقاء نبّهوني إلى ضرورة كسر طابع الجديّة والصرامة التي تهيمن على أعمالي السابقة، ولهذا لجأت إلى الترويح وخفة الظل. وبالمناسبة من السهل أن تبّكي الناس، ولكن من الصعب أن تضّحكهم. كان إخراج هذا الفيلم هو نوع من التحدي بالنسبة لي. ولا أخفيك فقد كنت خائفاً على اسمي وشهرتي من الفشل، مثلما أنا خائف على جمهوري الكبير الذي يصل أحيانا إلى نصف مليون للفيلم الواحد على مدار سنة أو سنتين. ولكن المفاجأة كانت اكبر مما أتوقع إذ نجح الفيلم نجاحاً كبيراً، وتجاوزت شهرته بقية أفلامي السابقة. أنت المؤلف والمخرج والسينارست في أفلامك كلها. هل يعني هذا أنك غير مقتنع بالمؤلف الآخر أو بالكتابة الإخراجية الأخرى؟ - كلا، أنا مقتنع بالمؤلف الآخر، ولكنني لست مقتنعاً بالنصوص الموجودة على الرغم من نجاحها الفني، لكنني أرى أن هذه النصوص لا يمكن تحويلها إلى سيناريو وذلك لافتقارها إلى المرونة التي تسهّل على المشاهد متابعة السرد من ألف القصة إلى يائها. طبعاً، من الممكن أن أجرّب وأحول إحدى هذه الروايات إلى فيلم، ولكن تبقى المحاولة منحصرة في إطار التجريب التي قد تفضي إلى غضب المتفرّج عليّ كمخرج مجازف. لابد أن نعترف بأن ليس لدينا كتّاب سيناريو، فضلاً عن أن إنتاجنا محدود فهو لا يتجاوز سوى فيلمين أو ثلاثة أفلام في السنة قبل بضع سنوات. ومنذ العام 1999 ارتفع رصيد الإنتاج السنوي إلى ثمانية أو عشرة أفلام في السنة الواحدة، ونتمنى أن يزداد العدد في السنوات القادمة. مرة أخرى أقول أنا لا أدعّي بأنني أحسن من كتّاب السيناريو الآخرين، وإنما أقول ليس لديّ خيار آخر لعدم توفّر كتّاب سيناريو. إن وجود كتّاب سيناريو يوفّرون لي جهداً ووقتاً كبيرين، ناهيك عن إضفائهم نكهة جديدة على أفلامي. تلعب الموسيقى دوراً أساسياً في لفت انتباه المشاهد إلى وقوع الأحداث المقبلة. هل تعمل الموسيقى بنيات مسبقة من أجل توظيفها في سياق العمل السينمائي كما حصل في المشهد الذي سبق وفاة والد البطلة في فيلم ( امرأة غاضبة )؟ - نعم، لقد عملت هذا المشهد عن قصد مُسبق، وقد كان مكتوباً في النص. وآلة الناي هي الأكثر تعبيراً في هذا المشهد الذي لا يحتاج إلى كلام. وهو بالتأكيد أفضل من الطريقة المألوفة التي تسمع فيها الخبر بالهاتف مثلاً. الموسيقى هي لغة عالمية ولا تحتاج إلى تأويل. وهي أقوى تأثيراً من الكلمة. طالما أنت المؤلف والسينارست والمخرج لأفلامك. ما حدود المخيلة في عملك السينمائي؟ - أعترف أنها مخيلة رجل واحد، لذلك أقول أنها محدودة بعض الشيء لا بسبب المخيلة نفسها، وإنما بسبب محدودية الإمكانيات. فعندما نكتب أي مشهد نفكر في الإمكانيات المادية لتصويره. فعندما تشتط مخيلتي قليلاً كانت زوجتي ماريا ديل بيلار، وهي منتجة أفلامي، تكبح جماحي، وتقول هذا ممكن، وذاك مستحيل، وكنت أُصاب بالإحباط في بعض الأحيان. هل لديك وسائل معينة لاستفزاز الطاقات الكامنة لدى ممثليك. ومن هو الممثل أو الممثلة التي تُدرك بشكل خاطف وسريع ما الذي يريد منها المخرج حكيم نوري؟ وما هو حدود الجهد الذي تبذله من أجل استدراج الممثل إلى فضاءاتك المتخيلة؟ - لدي رؤية خاصة لإدارة الممثل لكي يؤدي دوراً سينمائياً خالصاً. فنحن في المغرب ليس لدينا ممثلين سينمائيين، وإنما لدينا ممثلون مسرحيون وتلفزيونيون، وهم مستغَلون أبشع استغلال من قبل المنتجين. وبالتالي فلم تتوفر إدارة جيدة للمثلين. فلا تستغرب إذا لم يكن هناك سيناريو جيد، أو حوار جيد، أو ديكور جيد، أو حتى ملابس جيدة. أنا أتهيأ للعمل منذ وقت مبكر، وأدرّب الممثلين على أدوارهم لكي ينسجموا نفسياً مع أجواء الفيلم. إن إدارة الممثل هي الأساس في العمل السينمائي. فالممثل النجم مثل رشيد الوالي يحتاج على الرغم من إمكانيته العالية إلى مخرج يشّد لجامه أحياناً. أنا نفسي ممثل، إذ درست التمثيل لمدة أربع سنوات لأنني كنت أريد أن أصبح ممثلاً. وقد مثّلت فعلاً في فيلمين قصيرين مع ولدي سهيل وعماد. ولقد فوجئ الناس عندما شاهدوني أمثل. وقد تساءل البعض قائلين لماذا لا تمثل في أفلامك؟ قلت: من الممكن أن أكتب لنفسي دوراً مكتملاً، ولكنني بالمقابل سأفقد شيئاً آخر وهو إدارة الممثلين. فلا يمكن أن أدير الممثلين وأمثل في الوقت نفسه، وسوف تكون نسبة 50% من قابلية المخرج منعدمة. هل تعتقد أن وظيفة السينما الأساسية هي إثارة المتعة لدى المتلقي أم تحفيزه على الاحتجاج والثورة على القيم البالية في المجتمع؟ - أحاول أن أحقق الاثنين معاً. الأمريكيون يقولون إنّ هدفنا هو إثارة المتعة، بينما أقول أنا أن هدفي هو تحقيق المتعة، وتوظيف أفكاري الشخصية في الفيلم. وفي فيلمي ( مصير امرأة ) هناك مزج بين السخرية وبين الموضوع الدراماتيكي الجاد. أي أن المتفرج يجد متعة، كما يجد أفكاراً محددة، وليست كثيرة، وإلاّ أصبح الفيلم دراما تلفزيونية. أن الفيلم حينما يتحدث عن قضية معينة من قضايا المرأة ينبغي أن يمسها مسّاً شاعرياً خفيفاً، وألاّ يقدّم أفكاراً تفصيلية مملة ممكن أن تقدّم في ندوة تلفزيونية متخصصة. الفيلم يقوم في أساسه على الفرجة، ومن ثم تأتي فكرة الفيلم لتثير لدى المتلقي بعض الأسئلة. * عندما تشاهد مصادفة فيلماً لأحد أقرانك السينمائيين. ما الذي يلفت انتباهك أولاً؟ هل تشدّك اللمسات الإخراجية؟ أم أداء الممثلين؟ أم فكرة الفيلم؟ أم ماذا؟ - إن أول ما أراه حقيقة هو العيوب أو نقاط الضعف الموجودة في الفيلم. وهذه العملية تحدث لا شعورياً. في المغرب لدينا بعض المخرجين الذين يمتلكون أدواتهم الإخراجية، ويقدّمون في الأغلب الأعم أفلاماً عميقة وجميلة، ولكن مع الأسف لدينا الكثير من المخرجين المتطفلين على الوسط الإخراجي، ويقدّمون على الدوام أفلاماً رديئة جداً. أحياناً يتوفر مخرج جيد في إدارة الممثلين أو في حركة الكاميرا لكن السيناريو ضعيف الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج فيلم غبر جيد بالنتيجة. وأحياناً قد يكون العكس تماماً، إذ يتوفر سيناريو جيد لكن المخرج ضعيف وغير متمكن من أدواته السينمائية فلا يستطيع أن يحوّل السيناريو الجيد إلى فيلم جيد. ألا تسمّي هذا تطفلاً؟ نلمس في بعض أفلامك نزعة واضحة للتحرر. ترى ما الذي كنت ستفعله لو كنت تعيش في بلد غربي؟ - كنت اعمل أفلاماً أخرى كأن تكون سينما فرجة، أو أتناول مشاكل الأوربيين التي يعانون منها، فلكل بلد مشاكله الخاصة كما تعرف. في المغرب لدينا مشاكل داخلية وصراعات، ولكننا نتمتع بحرية يندر أن تجدها في أي بلد عربي. أنا لست سياسياً، ولكنني فنان ومخرج أشعر بالارتياح كثيراً في بلدي المغرب لما يتوفر فيه من حرية الرأي والتعبير. حتى أن أحد الهولنديين سألني قائلاً: كيف لم يمنعوا أفلامك الجريئة هذه في المغرب؟ فقلت له: هذا هو واقع الحال عندنا. رمقني دهِشاً ومضى. عندما عرضت فيلم ( سارق الأحلام ) في تونس دُهشَ التونسيون أيضاً، وقالوا إننا لا نستطيع أن نعرض مثل هذا الفيلم هنا. أكرر القول إنني محترم من قبل المسؤولين والجمهور في المغرب، وهذا يدلل على مكانة الفنان المحترمة في بلدنا، ونحن فخورون بذلك. في بعض أفلامك نزعة رومانسية واضحة. هل أن ساس هذه المسحة في داخلك أنت أم في داخل الحياة الاجتماعية المغربية؟ - أنا سليل أكبر أمّة رومانسية في العالم وهي العرب. وكما تعرف فأن أكبر الشعراء الرومانسيين في العالم هم العرب أيضاً، فلا غرابة أن تجد هذه المسحة المتواضعة في بعض أفلامي. وأظن أن إحساسنا بالرومانسية هو أعمق مما لدى الأوربيين. والحياة يا صديقي من دون حب لا تحتمل. وأعني هنا الحب بمعناه الواسع حب الحبيبة، حب الزوجة، حب الأبناء، حب الوطن، حب الناس. ألا يستدعي هذا الحب نوعاً من الرومانسية التي وردت في متن السؤال. كيف تتعامل مع فكرتي البداية والنهاية، وما ينجم عنهما من التأثير في ذهنية المتلقي؟ - غالباً ما أنشغل بفكرة الفيلم لبضعة أشهر. وعندما أبدأ بكتابة قصة الفيلم أكون قد عرفت النهاية. المهم هو اقتناص الفكرة من أجل تحويلها إلى سيناريو. واهم شيء في الفيلم هو أوّل صورة وآخر صورة، لأن المشاهد تنجذب من خلال الصورة الأولى، وهي التي تدعه ينغمس في الفيلم ويتابعه بشغف. وآخر صورة هي التي تعلق بذاكرة المشاهد.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفنان السوري صخر فرزات لـ ( الحوار المتمدن ): في المتاحف قل
...
-
الذائقة النقدية للصوص فان خوخ، ولماذا سرقوا لوحتي ( منظر للب
...
-
سلسلة أغلى اللوحات في الفنية في العالم( 3 ): - حفلة رقص في م
...
-
ما اللوحة الأخيرة التي رسمها فان كوخ قبل أن يطلق النار على ن
...
-
بنيلوبي كروز، فاتنة مدريد، وفيلم - العودة - لبيدرو ألدوموفار
-
مدرسة دنهاخ الفنية وشاعرية اللون الرمادي
-
سلسلة أغلى اللوحات الفنية في العالم - 2 -: - صبي مع غليون -
...
-
سلسلة أغلى اللوحات الفنية في العالم: - بورتريه د. غاشيه - لف
...
-
المخرج السينمائي سعد سلمان ﻟ - الحوار المتمدن -: الشع
...
-
المخرج خيري بشارة لـ - الحوار المتمدن -: في الفيلم التسجيلي
...
-
المخرج السينمائي قاسم حَوَلْ لـ - الحوار المتمدن -:عندما تسق
...
-
المخرجة الأمريكية - مصرية الأصل - جيهان نُجيم: أشعر أن هناك
...
-
لماذا لم تندلع الثورة الذهبية في أوزبكستان، البلد الذي يسلق
...
-
الأصولية والإرهاب: قراءة في مستقبل الإسلام والمسلمين في هولن
...
-
المخرج فرات سلام لـ - الحوار المتمدن -:أتوقع اقتراب الولادة
...
-
موسوعة المناوئين للإسلام - السلفي - والجاليات الإسلامية - ال
...
-
التراسل الذهني بين فيلمي (ان تنام بهدوء) و(معالي الوزير) الك
...
-
الرئيس الجيورجي ميخائيل ساكاشفيلي والثورة الوردية: حليف أمري
...
-
فرايبيرغا، رئيسة لاتفيا الحديدية: تتخلص من تبعية الصوت الواح
...
-
-المخرج فرات سلام في شريطه التسجيلي الجديد - نساء فقط
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|