حسن كمال
الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 15:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مازلنا نعانى فى العالم العربى والإسلامى من " هيمنة السلطة الدينية " على حقنا فى إعمال العقل بشكل حر فى النص الدينى, وذلك حتى تحتكر السلطة الدينية تفسير النص الدينى بما يتوافق مع رؤيتها الخاصة وطموحها السلطوى والمادى, حتى أرهبت الجماهير من إعمال العقل فى النص الدينى دون وصاية من رجال الدين أو السلطة الدينية.
السلطة الدينية وإحتكارها للعقل
يستعرض المستشار / محمد سعيد العشماوى, فى كتابة ( الإسلام السياسى ) أهم الأسس التى ترتكز عليها السلطة الدينية فى حجرها على العقول بغرض تعطيلها عن العمل حتى أصبح العقل العربى الإسلامى جامد, وفى ظل ممارسة السلطة الدينية إرهابها الفكرى لكل من يحاول أن يعمل العقل فى النص الدينى.
فالسلطة الدينية تارة تطلق على نفسها بأنهم " رجال دين" , بالرغم إنه لا يوجد مثل هذا اللفظ فى الإسلام حتى يخولهم إحتكار تفسير النصوص الدينية بشكل منفردا. أو بشكل أخر تطالب أن حق تفسير النصوص الدينية من حق " المتخصصين " والتخصصين فى ذلك هم خريجى جامعة الأزهر, وتطالب الجماهير بإحترام قاعدة " التخصص " فى المجالات ! و ردنا على ذلك أن جامعة الأزهر أو تخصص الأزهر ليس موجود فى الإسلام ليعتبر صك للتخصص أو سببا لإحتكار تفسير النصوص الدينية, فجامعة الأزهر هى هيئة بحثية يأخذ منها ويرد, ولايمكن إعتبار الأزهر سلطة دينية تحتكر التفسير وفقا لرؤيتها وتلغى عقولنا ! فلايوجد فى القران ما يسمى التخصص, ولا يشترط دخول جامعة الأزهر لنقوم بالتفسير, ولكن هذا إدعاء من قبلهم لإحتكار تفسير النص الدينى بما يتوافق مع مصالحهم الشخصية.
وتاره أخرى تطلق السلطة الدينية على نفسها لفظ " علماء دين " بالرغم إنه لا يوجد فى الإسلام علم للدين, حتى يمكن أن يعتبر البعض أنفسهم علماء للدين. فعلم الدين يوجد فى الشرائع التى تتضمن نظريات لاهويتة , أى نظريات خاصة بجوهر الله, وحقيقة الألوهية, وصفة الوحى, وطبيعة المعلم " كالمسيحية " فهذة النظريات تكون علم العقيدة أو اللاهوت يتخصص له البعض فيسمون علماء الدين, أى علماء العقيدة الدينية أو علماء اللاهوت الدينى.
أما الإسلام فلا يناقش الطبيعة الألوهيه , ومن ثم لايوجد علم للدين , وإنما وجدت علوم حول الدين " كعلم تفسير القرآن, وعلم فقة اللغة , وعلم أصول الفقة, وعلم الفقة , وعلم الحديث , وما إلى ذلك . ولا ينبغى أن يعتبر العالم فى علم من هذة العلوم عالما للدين أو عالما فى الإسلام عموما. ويجب أن ندرك أن علوم الفقة وأصولة هى كلها علوم بشرية من إجتهادات بشر ولايوجد ضرورة لدراستها حتى نقوم بتفسير النص الدينى, يكفى معرفة أسباب النزول ومعانى الكلمات المستخدمة فى القران ووضعها فى السياق التاريخى وإعمال العقل فى النص الدينى كما قال ابن رشد.
وتارة أخرى تقول على نفسها أنهم " أهل الذكر " المنصوص عليهم فى القرآن, وذلك حتى تربطها بفكرة التخصص فى الدين, وبالتالى تحتكر السلطة الدينية تفسير الدين ويبتدعون كهانة فى الإسلام حتى يكون المرجع فى التفسير والإفتاء والحكم لأهل الذكر, ويستندون فى ذلك إلى الآية ( فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) الأنبياء 21 : 7 , النحل 16 : 43 .
وفى حقيقة الحال, إن أسلوب اقتطاع الآية عن أسباب التنزيل, وانتزاع الآية أو بعض الآية من السياق الذى تنزلت فيه يعبر عن رغبتهم الشديدة فى السيطرة على تفسير الدين وفقا لأهوائهم ومصالحهم الخاصة, بعد تحريف معنى الآية ليخدم أغراضهم السياسية وطموحاتهم السلطوية .
فبالرجوع إلى القرآن , يوضح أن لفظ " الذكر " فى القرآن لا يعنى ذاته دائما , فهو قد يعنى ذكر الله عموما ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر 15 : 9 , ( ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ) الفرقان 25 : 18 , وقد يعنى القرآن ( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) النحل 16 : 44 , وقد يعنى التوراة ( ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادىء الصالحون ) الأنبياء 21 : 105 فالزبور هو مزامير داود.
و الآية التى يستند إليها الراغبون فى احتكار الدين والهادفون إلى فرض وصايتهم على المسلمين تعنى بالذكر ( التوراة ) , أو تعنى الكتب السابقة على القرآن : التوراة والإنجيل . فهى تقول بالكامل , دون ما اجتزاء لها ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) أى فأسألوا أهل التوراة والإنجيل عن هؤلاء الانبياء الذين كانوا رجالا أوحى الله إليهم : وبطبيعة الحال لم يكن فى عصر النبى – وعند نزول الآية فى العهد الملكى – رجال دين إسلامى , ولا فقهاء فى الإسلام, ولا علماء , ولا غير ذلك, فكل هؤلاء إنما جاءوا بعدو وفاه النبى, ولذلك فكان يسأل النبى أهل الذكر وهم من أهل الكتب السابقة على القرآن كالتوراة والإنجيل.
وفى ظل ممارسة السلطة الدينية فى فرض وصايتها على عقل الجماهير حتى تمتنع الجماهير عن إعمال العقل فى النصوص الدينية, قاموا بابتداع قاعدة فقهية تقول : " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " . وهذة القاعدة هى قاعدة فقهية , أى أنها من إنشاء الفقهاء , وليست قاعدة شرعية وردت فى القرآن الكريم أو جاءت فى السنة النبوية. وتطالب المسلمين بإحترام قاعدتها الفقهية البشرية التى ابتدعتها !
وهذة القاعدة تقوم على اقتطاع آيات من القرآن وانتزاع جمل من السياق ثم استعمالها على عموم اللفظ – لا بخصوص السبب – و إستخدامها بشكل يخدم مصالحهم الدنيوية الخاصة سواء سياسية أو مالية أو سلطوية, فهذة القاعدة تقوم باقتطاع الآية عن أسباب التنزيل, وانتزاع الآية أو بعض الآية من السياق الذى تنزلت فيه فهى قاعدة تحتفل باللفظ أكثر من احتفائها بالمعنى.
فهناك ضرورة عند تفسير النصوص الدينية أن يكون وفقا لسبب نزول الآيات ووضعها فى سياقها التاريخى, لأن آيات القران نزلت وفقا لأسباب و أحداث معينة فى عهد النبى ( محمد ) ولذلك يجب أن تفسر الايات وفقا لهذة الاحداث وفقا للزمان والمكان, ومن ثم لا يجوز للسلطة الدينية أن تطالب الجماهير بإحترام القاعدة الفقهية !! التى هى قاعدة بشرية من صميم عمل الفقة , حتى تأسر عقول الجماهير فى إعمال العقل فى النص الدينى.
و بعد أن قمنا بتفنيد أهم الأسس التى تقوم عليها السلطة الدينية فى العالم العربى و الإسلامى, ندعو إلى ضرورة تبنى حركة للإصلاح الدينى تقوم على إعمال العقل فى النص الديني, فما هى إذن ؟
ابن رشد كدعوة للإصلاح الدينى والتنوير
الإصلاح الدينى هو الذى حقق مشروعية الفحص الحر للنص الدينى, أى حرية إعمال الفهم فى النص الدينى. وفى مقال بعنوان " لماذا يغيب التنوير فى البلاد العربية ؟! " دعت د. منى أبو سنة, إلى أهمية تأسيس حركة تأويل تقوم على " فلسفة ابن رشد " فى تأويل النصوص الدينية تلزم المفكرين العرب بإعمال العقل فى النص الدينى دون خشية اتهامهم بالكفر والإلحاد ودون خشية قتلهم, حتى تكون تلك الحركة مقدمة لحركة التنوير.
ويشير د. مراد وهبه, فى مدخل كتاب ( ابن رشد وفلسفته ) لفرح أنطون. أن ابن رشد , يخضع الدين للعقل بفضل ما لدى العقل من قدرة على التأويل من أجل الكشف عن المعنى الباطنى للنص الدينى الذى يتفق ومقتضيات العقل , وهذا المفهوم عن التأويل أصبح مقبولا فى أوروبا , بل أصبح أساسا لما يسمى ب " الهرمنيوطيقيا " أى علم التأويل.
و ابن رشد يقول لا إجماع مع التأويل ولا تكفير مع التأويل, وذلك لأن التأويل متعدد والمتعدد ينطوى على النسبية, التأويل إذن مع التعددية, والتعددية نسبية. وهذا يتفق مع تعريف د. مراد وهبه للعلمانية بأنها " التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق ". فمع التأويل يمتنع التعصب لأنه يمتنع معه فهم النص الدينى فهما حرفيا أى فهمها سطحيا لا ينفذ إلى الجوهر, والجوهر هنا هو المعنى الباطن لذلك النص.
و كما أكدت د. منى أبو سنه, أن التأويل يمتنع معه الانزلاق إلى التفكير المطلق, أى إلى التعصب, وعندما يتحرر الإيمان من التعصب تتحرر الثقافة أيا كانت, من جرثومة التعصب لأنها لن تتوهم أنها الثقافة الوحيدة الحاصلة على حق التحكم فى كوكب الأرض ومن عليه, وعندئذ تتكامل مع الثقافات الأخرى ليس على أساس العرق أو الدين, بل على أساس العقل.
و فى مقال أخر لــ د. منى أبو سنه بعنوان ( الجماهير بين رجل الدين والمثقف ) تستعرض فيها حركة الإصلاح الدينى فى القرن الخامس عشر, عندما أعلن مارتن لوثر, الراهب الكاثوليكى, ثورته ضد السلطة الذى كان أساسا للإصلاح الدينى ونشأة البروتستانتينية. وكان إصلاح لوثر الدينى فى جوهره يمس استقلال العقل فى مأثوراته الرابعة " الفحص الحر للإنجيل " إى إعمال العقل فى النص الدينى دون الاعتماد على السلطة الدينية. وهذة نقلة للمعرفة الإنسانية من جمود العقيدة إلى تحررها من قبضة السلطة الدينية, وهذة النقلة تخص الانسان أيا كان وفى أى معتقد.
ولكن نحن فى البلاد العربية والإسلامية, فى القرن الحادى والعشرين مازالنا نعانى من سيطرة رجال الدين الحرفيين على عقل الجماهير فحرموهم من إعمال العقل فى النص الدينى وبالتالى أسروا عقولهم فى المعنى الحرفى فى النصوص الدينية فتوقفوا عن ممارسة التأويل الذى اجازه ابن رشد, والذى كان يعنى عنده الكشف عن المعنى الباطن للنص الدينى. ومن ثم أصبحت الجماهير تحت وصاية رجال الدين الحرفيين, أو بالأدق, الأصوليين. بعد أن أستسلم الجمهور بكامل إرادته عن حقة فى إعمال العقل فى النص الدينى.
و الإصلاح الدينى شرط أساسى لقيام التنوير , ويجاوب كانط عن ماهو التنوير فى مقال قصير شهير بعنوان " جواب عن سؤال " ما التنوير ؟ " نشر فى مجلة شهرية فى برلين عام 1784, يعرف كانط التنوير بأنه : " خروج الإنسان من حالة اللانضج الاختيارى " , و اللانضج هو عجز الإنسان عن إعمال فهمه من غير معونة الآخرين, و هذا اللانضج هو من صنع الإنسان عندما لا تكون علته مردودة إلى نقص الفهم وإنما إلى نقص فى العزيمة والجسارة فى إعمال الفهم من غير معونة من الآخرين, " كن جريئا فى إعمال فهمك " وهذا هو شعار التنوير.
وهو ما يدعونا إلى الاعتماد التام على الفهم وحده, أى على العقل بدون الاعتماد على سلطة خارجة عن الفعل وذلك هو جوهر التنوير, ولذلك أطلق على عصر التنوير فى إنجلترا " عصر العقل ".
والسؤال الآن
متى سوف يتحرر العقل العربى والإسلامى من " الوصاية الدينية " ويعتمدون على عقولهم ؟
#حسن_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟