اليمان البندنيجي: من أعلام مندلي في القرن الثاني للهجرة

احمد الحمد المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4243 - 2013 / 10 / 12 - 20:16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

بسم الله الرحمن الرحيم
اليمان البندنيجي:
من أعلام مندلي في القرن الثاني للهجرة

بقلم/ احمد الحمد المندلاوي

**هو اللغوي الشهير أبو بشر اليمان بن أبي اليمان البندنيجي،كردي الأصل،و من الدهاقين (1)،ولد أكمه في سنة 200 هـ ـ 815 م في بندنيج (بندنيجين - مندلي) بلده،و كان ضريراً حافظاً،و لغوياً معروفاً؛ وحفظ أدباً كثيراً وأشعاراً جمّـة،وكان بِها إذ ذاك أبو الحسن علي بن المغيرة الأثرم (2) صاحب أبي عبيدة ،وراوي كتبه وكتب الأصمعي(3)، فلزم أبو بشر ذلك النمط..
وحفظ من كتب الأثرم علماً جزيلاً ، قال: (حفظتُ في مجلس واحد مائة وخمسين بيتاً من الشعر بغريبه)،وخرج الى بغداد ،و البصرة،وثم سر من رأى (سامراء) ،ولقي العلماء وقرأ على محمد بن زياد الإعرابي ،ولقي أبا نصر(4) صاحب الأصمعي، وهو إبن أخته وحفظ كتاب الأجناس الأكبر للأصمعي، وكان أبو بشر اليمان يملك ضياعاً كثيرة،وبساتين عامرة خلفها له والده فباعها وأنفقها في طلب العلم وعلى العلماء، ولقي أبا يوسف يعقوب بن السكيت (5)، والزيادي (6)،والرياشي (7) بالبصرة وقرأ عليهم من حفظه كتباً كثيرة،وصنّف ثلاثة من الكتب وهي:
1. كتاب معاني الشعر.
2. كتاب العروض.
3. كتاب التقفية ،الذي حققه الدكتور خليل العطية .
ومات سنة 284 هــ 897م، أي عاش 84 سنة ودفن في مندلي بلدته،و لكن للأسف قبره مجهول لدينا،رغم محاولات جادة للكشف عنه .
ومن شعره مفتخراً بنفسه ، و هو من بحر الرجز:
أنا اليمانُ بـن أبِي اليمانِ أسعدُ من أبصرتُ في العميانِ
إن تلقَني تلقَ عظيمَ الشانِ تَجدنَنِي أبلـغَ مـن سُحبانِ
في العلمِ ، والحكمةِ والبيانِ
وله أيضاً في انتقاد العهد العباسي،بتهكم نادر،هذانِ البيتانِ من بحر الوافر(8):
فديـوانُ الضِّياعِ بفتـــحِ ضـادٍ وديوانُ الخَراجِ بغيـرِ جيمِ
إذا ولّى ابن عيسى،وابن موسى فمـا أمـرُ الأنـامِ بِمستقيمِ
إختار شـاعرنا أبو بشر سوق باب الطاق (9) ببغداد حيث يباع الطير فسمع حمامة تلحن
( تهدل) وتحنُّ في قفص بيد الباعة،فاشتراها وأرسلها بالفور،واذ ذاك قال هذه القصيدة التي يحنّ فيها الى بلدته مندلي،و هي من بحر الكامل: ـ
ناحتْ مطوّقـةٌ ببابِ الطّاقِ فَجَرتْ سوابقُ دمعيَ المهراقِ
حنّتْ الى أرضِ الحجازِ بحرقةٍ تشـجي فؤادَ الهائمِ المشتاقِ
كانتْ تفرّخُ في الأراكِ وربَّما كانتْ تفرّخُ في فروقِ السّاقِ
تعسَ الفراقُ وجدَّ حبلُ وتينِهِ وسقاهُ من سَم الأساودِ ساقِ
يا ويحَهُ مـا بالُ من قمريّـةٍ لَمْ تَـدرِ مـا بغدادُ في الآفاقِ
فأتى الفراقُ بها العراقَ فأحجمَتَ بعدَ الأراكِ تنوحُ في الأسواقِ
فشريتُـها لَما سمعتُ حنينَها وعلى الحمامةِ جدْتُ بالإطلاقِ
بِي مثلُ ما بكِ يا حمامةُ فاسْألَي مَنْ فكَّ أسرَكِ أن يحلَّ وثاقي
إنَّ شاعرنا اليمان أبا بشر شاعر ذكي لا يدانى يحفظ الكثير،ويبتكر ما يشاء من فنون الأدب وطرائقه،وقد ضاعت أكثر مبتكراته،وغمط بعض المؤلفين حقه،وقد دافع عنه البعض الآخر وهاك القصة الآتية:
ألّـف الدكتور عبد الله درويش العراقي (10) الأستاذ في كلية الآداب كتاباً بيّن فيه انَّ الجوهري هو الذي ابتكر منهج التقفية،فرد عليه الأديب الشهم حمد الجاسر في مجلة العربي في دار اليمامة في الرياض ( المملكة السعودية ) دافع فيه وبيّن أنَّ الذي ابتكر هذا العلم هو يمان أبي اليمان البندنيجي وليس هو الجوهري، وقال الأديب حمد الجاسر أيضاً يرد على الدكتور درويش المذكور ما يأتي: ( ليس صحيحاً ما قيل من أنَّ الجوهري صاحب الصحاح ابتدع نظاماً جديداً اتخذ فيه الترتيب الأبجدي العادي أساساً وانَه جعل ترتيب الكلمات فيه على أساس الحرف الأصلي الأخير في الكلمة وترتيب القافية )، وقد قال أيضاً عن الجوهري في مقدمته: ( إنّه رتّب كتابه ترتيباً لم يسبق اليه المعاجم العربية ) فردّ العلامة حمد الجاسر على ذلك اذ قال:( لقد سبق الجوهري الى هذه الطريقة عالم مغمور عاش قبل الجوهري بما يقرب من مائة عام، هذا العالم هو أبو بشر يمان بن أبي اليمان البندنيجي الذي ترجمه ياقوت الحموي (15) في معجم الأدباء فقال عنه: أصله من الأعاجم ومن الدهاقين فهو مبتكر منهج ترتيب الكلمات العربية بحسب الحروف الأبجدية الأخيرة ولا شك ان بعض علماء اللغة المتقدمين اطلعوا على كتاب البندنيجي، كما يظهر في النسخة الباقية من كتابه ) والتي سنضعها فيما بعد حيث نجد من الورقتين ( 70 ـ 100 ) ذكر اسم ابن خالويه مما يدل على اطلاع هذا العالم على الكتاب وتعليقه على بعض كلماته، أما منهج الكتاب فقد اوضحه مؤلفه في المقدمة التي نسوقها بنصها لنبين ذلك المنهج واضحاً وهي هذه بعد البسملة مباشرة :(هذا كتاب التقفية إملاء أبي بشر وسمّاه بذلك لانّه مؤلف على القوافي والقافية والبيت من الشعر) (11).
هذا وقد نال الدكتور خليل العطية شهادة الدكتوراه على الكتاب المذكور باطروحته الموسومة بـ(كتب التقفية في اللغة للبندنيجي،مع بحث عن الدراسات اللغوية في القرن الرابع الهجري) ..نال الشهادة من جامعة عين شمس في القاهرة سنة 1973م،و في هذا المضمار ألّف الدكتور خليل العطية كتاباً عن يمان البندنيجي أسماه (التقفية في اللغة للبندنيجي- بغداد 1976م)، كما ترك الدكتور العطية كتاباً آخرَ عن البندنيجي بعنوان (البندنيجي – حياته و أثاره) و لكن مازال مخطوطاً (12).
و من شعره أيضاً(13):
أسأل ربَّي صلاحَ قلبــي فأنّـَه يملكُ القلـوبا
وأطلب الستر من لدنْه فأنَّه يسترُ العيـوبا
و ينعش العاثرينَ نعشاً ويغفرُ الحوبَ والذنوبا
ظلمتُ نفسي فليت شعري هل قدَّرَ اللهُ أن أتوبا
هوامش حرف الياء
1- دهاقين:جمع دهقان معرب "ده خان "كلمة كردية أي رئيس القرية وحاكم البلدة
2- أبو الحسن علي بن المغيرة الأثرم :عالم لغوي نحوي معروف توفي سنة 232هـ
3- أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي ولد سنة 110هـ وكان أعلم الناس باللغة وأخبار العرب له كتاب المجاز مات سنة 209هـ.
4- هو أحمد بن حاتم الباهلي – ابن أخت الأصمعي- كان عالماً،أديباً ،مؤلفاً كتباً كثيرة،و هو راوية خاله توفي عام 231هـعن 70 من العمر
5- ابن السكيت ..له كتاب إصلاح المنطق و كتب أخرى ..أمر المتوكل بقتله بسل لسانه عام 244هـ
6- إبراهيم بن سيفان بن سليمان الزيادي ،كان شاعراً لغوياً نحوياً توفي سنة 249هـ
7- العباس بن الفرج الرياشي اللغوي النحوي قتله الزنج بالبصرة سنة 257هـ.
8- معجم الأدباء (30/56/57) ياقوت الحموي.
9- قال المرحوم عمران موسى البياتي:(أعلمني أخي الدكتور ناجي معروف "رح" أن باب الطاق هي مدرسة أبي حنيفة النعمان بن ثابت "رض" أي الأعظمية)
10- كتاب الدكتور عبد الله درويش العراقي ص910.
11- مندلي عبر العصور – عمران موسى البياتي .ص 236.
12- المصدر:عراقيون من زمن التوهج،ملحق صحيفة المدى،العدد:2218 في 11/آب/2011م.
13- مندلي في التاريخ – محمد جميل بتصرف.
احمد الحمد المندلاوي
Ahmad.Alhamd2013 @yahoo.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**الموضوع مستل من كتاب (موسوعة مندلي الحضارية) مخطوطة للكاتب نفسه .م

#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات