|
الحب و سؤال الكتابة : عزيزتي فلانة ( 1 )
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 4243 - 2013 / 10 / 12 - 14:48
المحور:
الادب والفن
يوما ما كان لنا حيّزا ضئيلا في هذه المنطقة الشعورية الشاسعة التي اسمها الحب ، لكننا افترقنا ، وبقي السبب ـ لحد الآن ـ غامضا ، فاحتفظتِ لنفسكِ بالتفاصيل ، فيما بقي السؤال في رأسي يعكسُ حبي للكثافة ، وميلي إلى الإيجاز : لماذا ؟ أما الآن فلا أريد أن أعرفَ الجوابَ لأن الشعر ـ بالنسبة لي ـ هو فك اللغز ، والغوص في الغامض . إضافة إلى أن كل معرفة اجتماعية عما حصل ستفقد أهميتها أمام هيمنة البعد الأسطوري أو الحلم الشخصي الذي اتخذته بديلا ، تعويضا راقيا ، عن تأخركِ وتمنعكِ عن الإجابة . لا أريد اجابة ، وليس مهما أن أعرف ، لأن الأهم هو أن أواصل طيراني بين الاحتمالات التي تخفيها أسئلة لا تنتهي . هكذا حوّلتُ القطيعة إلى منطقة جمالية : ها أنتِ ترينَ ـ وقد لا يهمكِ أن ترين ـ أنني أكتبكِ وفق احتمالات سالبة وأخرى موجبة ، محافظا على شعوري في الفقدان كمنحة كريمة ، فليس أثمن ، بالنسبة إلى الشاعر ، من فرصة يتناغم فيها الشعور مع احتمالات الواقع ، فقد تكونين راغبة في أن تلعبي دور المرأة الغامضة ، فاخترتِ طريقا يفضي إلى الغموض الخلاق ، الغموض الذي يكتنف كونا بأكمله ، وهو مما يعطي لقصيدتي بعدا جماليا لن أصل إليه لو أنكِ اخترتِ طريقا واضحا للهجرة . قد يكون غيابكِ قسريا ، بسبب هيمنة التقاليد ، وهو مما يفتح شهية الشعر إلى الدخول في لب المشكلة الاجتماعية للمرأة : حريتها ، وحقوقها .. قد يكون غيابكِ مزاجيا : استيقظتِ ، في الصباح ، وقررت ارتداء قلب آخر ، غير قلبكِ الذي كان يعزفني لحنا لدمه ، وهو مما يقربني من مشكلة النفس البشرية في تقلباتها ، بل ويأخذني إلى أسطورة عشتار : حبها الدامي وبطشها بديموزي ، وهي ـ بالمناسبة ـ اسطورة ذكورية ، مكتوبة ضد الوهة النساء ، بعد صعود الذكور إلى مجمع الآلهة .. وقد يكون غيابكِ .. الاحتمالات غير متناهية ، وأنا من أجل الشعر الذي يفرك الصدأ عن القلب ، أشحذ حواسي وأغذي خيالي بالقصص وبالأغاني ، كي أصل إلى تخومكِ ، تخوم روحك المعذبة والعذبة أو الطائشة الخائنة ، أو الكسيرة المحجوزة . هكذا إذن ، فإذا كان السؤال : لماذا ، استفهاميا ، فانه لا يطمح للإجابة ، لأن في الشعر اجابة ما ، سيعرفها القارئ ولن أعرفها أبدا ، وهنا مأزق الشاعر وعذابه ، لكنه أيضا مكمن فرحه ، لأنه زهد بالاجابة من أجل الفن الذي يسمو بالانسان فوق ذاته . أكرهكِ ، أو احبكِ ؟ هذا سؤال مغلوط أساسا ، لأنني أتكلم عنكِ كنموذج جمالي ، فيما الحب أو الكره مسألة اجتماعية ، ولو تساميتُ أكثر ـ وهو جل ما أتمناه ـ لتمنيتكِ كما الآن ، غائبة ، وليس لي أدنى اهتمام لحضورك ، وهذا ليس هوسا بالقطيعة ، وإنما ميلا للعزلة ، فلا تتوهميني خصما أو عدوا يريد الإطاحة بك ، لأنكِ لا تفهمين أن شاعرا مثلي لا يطيح بخرافته ، بل يحنو عليها ، وأن شاعرا مثلي لا يريد أن يعرف المآل الاجتماعي لنموذجه ، فقد تحبين رجلا آخر ، أو قد تكونين قد كفرتِ بالماضي وتبتِ من الحب : قد تكونين متزوجة ، مطلّقة ، أرملة .. وهي احتمالات لا تنسجم مع رغبتي في صناعة اسطورتي الشخصية ، ولذلك ليس مهما ، حقا ، أن أرى صورتكِ ، أو أن أعرف شيئا عنكِ : أتركُ هذا لمخيلتي ، فهي تصوغكِ ، تصنفكِ وتخلقكِ بما يتناسب مع الألم ، أو مع اللوعة أو الفرح أو مع الجمال . ( كل شيء هبه مباركة ، وما على الفنان إلا أن يحوّله إلى معطى جمالي ) كما قال بورخس ، وأنتِ تعرفين أنني أسير على خطاه .. بقي السؤال الأخطر : هل يهمني أن تقرئي تجلياتكِ في شعري ؟ والجواب : لا ، لأن الشعر مسألة شخصية جدا ، مهما تأولتها الجماهير ، كما أن فان كوخ قطع إذنه قبلي ، ولم تعر له المرأة التي أحبها اهتماما ، بل ولم تهتم بما كان يرسم ، لكنها ذهبت وبقي فان كوخ خالدا ، هكذا في المحصلة الأخيرة : أكتبُ لأحقق انتقاما جماليا من قبح الواقع ،كما فعل فان كوخ ، لأن أرقى محكمة للواقع هي الفن ، كما أنه أرقى عدالة . ذات يوم كتبتُ الجملة المجنحة التالية ، وهي تلخص فلسفتي الشخصية حول سؤال الحب والقطيعة : ( تعرف المرأة التي خنقتْ حبها بيديها أي رجل من الرجال هو الهواء .. ! )
يتبع !
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في صحة ملاكك السومري
-
بيان مقاطعة مهرجان بغداد الشعري 2012
-
عندما فتحتَ المظروفَ الذي وصلكَ من كل مكان .. !
-
كان غريبا ، وخارج الوقت ..!
-
معرض الكتاب الدولي – بغداد 2012: دعوة للمقاطعة من الناشرين ا
...
-
حكاية العاشق المستحيل في ألف ليلة وليلة ..!
-
قصيدة نثر عن الأنذال ,,!
-
قصيدة : أنتِ..
-
علبة الصفيح .. !
-
اغنية عابرة ..
-
في طريق العودة من أتونا بشتم
-
هايكو الفراشة ..
-
قصيدة نثر إلى صديقنا الرائع دون كيشوت !
-
قصيدة نثر عن حمامةٍ ميتةٍ
-
في موكب فاضل العزاوي الصامت ..
-
عندما خطفتُ وسام الهزيمة ..
-
أنا الذي أحرقتُ اور .. !
-
مخطوطة الاعشاب الغامضة
-
اغنية البحث عن قوت القلوب
-
عليكِ السلامُ
المزيد.....
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
-
فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
-
-رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
-
فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
-
فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال
...
-
اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة
...
-
كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك
...
-
الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي
...
-
وفاة النجم الأمريكي الشهير تيتو جاكسون
-
مصر.. استعدادات لعرض فيلم -إيلات- الوثائقي في ذكرى نصر أكتوب
...
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|