النخبة. قصة قصيرة،

مختار عبد العليم

الحوار المتمدن-العدد: 4241 - 2013 / 10 / 10 - 17:45
المحور: الادب والفن
    

رجفة رهيبة صعقت قلبه وهو يتذكر جملة [ تفشحط الفشحاط ] أثناء انهائه قراءة الصفحة رقم 465 وهي آخر صفحة في الكتاب رقم مائة والذي بدأه منذ يوم ونصف؛ هذه الجملة الغريبة والتي سمعها من أحد ضيوف التحليل السياسي على شاشة فضائية، وبإطباقه ضفتي الكتاب صارت عيناه تدمعان ببطء، هامساً لنفسه في حسرة:
هل أنت غبي لهذه الدرجة؟ لماذا لم تفهم هذه الجملة؟ لا بد أنها ذات قيمة، لأن مَن قالها هو الأستاذ العلامة الدكتور فلان. لا بد وأن تبحث لنفسك عن دواء في أسرع وقت.
اتجه بسرعة نحو جواله وضغط رقم مثله الأعلى:
أستاذي العزيز: أنا في مصيبة ما بعدها مصيبة.
- يا ساتر استر يا رب!! وما هي؟ تكلم بسرعة.
- أنا لم أعد أفهم.
- قلي كم كتاباً قرأت حتى اليوم؟
- أتممت المائة في هذا التو.
- ها ها هاي! أفزعتني يا رفيق، ما زال أمامك أكثر من 900 أخرى حتى تبدأ أولى خطوات الفهم.
ضغط زر الإغلاق، ثم ضغط رقم آخر واستأذن في الكلام: قلي يا سيدنا: لماذا لم أفهم جملة مرت على سمعي وانحشرت في رأسي؟
- اهدئ قليلاً وقلي كم كتاباً قرأت؟
- حتى هذه اللحظة مائة يا مولانا.
- اه اه اه هنا فهمت! لقد قرأت أكثر مما ينبغي بكثير جداً جداً جداً، ولذلك تعسر عليك الفهم، وليس هذا فقط، بل سيتعسر عليك الفهم دائماً وأبداً.
اغرورقت عينا المسكين: لماذا يا سيدنا؟
- يا ولدي لا تستهين بحماقة المكتوب، ولا بضئالة الكاتبين، ولا بضعف المطروح. فكلها بِدَع، ألا تعلم يا ولدي أن لفظة مبدع، مشتقة من البدعة والعياذ بالله؟ وعليك تطهير نفسك من الضلال حتى يرفع الله الغشاوة عن عينيك التين تلوثتا بكل هذا الضلال، فيا ولدي، إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وكل مبدع لهو وبدعته في الدرك الأسفل من جهنم.
- لكنني أحب القراءة يا مولانا، ولا أستطيع العيش دونها.
- علاج هذه الحكاية عندي يا ولدي، اكتب عندك هذه القائمة البسيطة السلسة الصغيرة من هذه الكتب.
- أليس هؤلاء مبدعون أيضاً يا مولانا؟
- أعوذ بالله من غضب الله! لا تقل هذا مرة أخرى يا بني عن هؤلاء العلماء. إن هم إلا أولياء لله وهم مصعدك للجنة بإذن الله.
برعشة مخيفة سأله:
وماذا أفعل فيما صنعته بنفسي من مصيبة يا سيدنا؟
- الحل بسيط، هل تعرف مولاتنا أم البِشر؟
- ماذا تقصد يا سيدنا؟!! إنها ملبوسة يا مولانا!!
- تقصد مجذوبة يا ابني.
- وليكن يا شيخنا. المهم أنني أعرفها.
- لا تتحدث عنها هكذا يا ولدي، حتى لا يغضب عليك رب العالمين. فإن هذه الشيخة تحمل السرور للأرض، واسمها يدل عليها، فما أعطاها إياه إلا ربك العظيم. هل سمعت من قبل بأن لها أم أو أب؟ أو أية صلة من أي نوع؟
- الحق لا يا مولاي المبارك.
- إذن هذه كلها علامات تجعلنا لا نسخر من منة الله علينا.
- سامحني يا سيدنا. ماذا تريد مني أن أفعل لسيدتنا أم البِشر؟
- ستذهب إليها في الحال، وقبل أن تقص عليها مصيبتك، فسوف تجدها وقد خلصتك منها بإذن الله.
ضغط زر الإغلاق ومسح عينيه بحافة ياقة قميصه ومسح بيده صدره وخرج قاصداً أم البِشر.
الثانية والنصف من صباح الاثنين الموافق 30 سبتمبر 2013.

#مختار_عبد_العليم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات