|
اكتوبر .. انتصار حرب فى اطار استراتيجية التحرر الوطنى ... ام انتصار عسكرى هام فى معركة حربية ؟
حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 4241 - 2013 / 10 / 10 - 16:49
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ماقيمة هذا التساؤل الان بعد مضى 40 عاما على انتصار اكتوبر العسكرى ؟ ... الرد يكمن ببساطة فى سؤال : وهل يمكن ان يكون لنا مستقبل دونما حاضر نؤسسه على الرؤية الصحيحة لماضينا ودونما ان نقوم بجرد محتويات هذا الماضى فرزه وتصنيفه وتحليله واعمال النقد واستخلاص الدروس والمحاذير التى قد تنفعنا فى مستقبل مفعم باحتماليات خوض معارك ونزاعات بحكم موضعنا الجيوسياسى فى منطقة جغرافية حبلى بصراعات ونزاعات واشتباكات سياسية ومصلحية وقومية فى غاية التعقيد ؟ السؤال ايضا يفجره ذلك التناقض مابين انتصار فى معركة حربية يحققه العسكريون فيحوله السياسيون الى رأس كوبرى لتحول كبير نحو مشروع سياسى واجتماعى واقتصادى وثقافى شامل مضاد تماما للمشروع الوطنى الذى كان قائما وقت ذاك وكان هو السر الحقيقى وراء زخم وقوة هذا الانتصار ... المقدمات كلها بعد نكسة يونيو 67 تقول ان استيعابا ما للاسباب السياسية العسكرية التى ادت للهزيمة قد تم .. وقد تمثل ذلك فى اعادة البناء الهيكلى للجيش بدأ من الهيكل القيادى ( اسناد قيادة الجيش لقيادات عسكرية محترفة متفرغة تماما للعمل العسكرى بعيدة كل البعد عن الاشتباك مع ماهو مدنى ...) .. واعادة ترتيب صلاحيات هذه القيادات و أعادة هيكلة علاقاتها بالدولة والمؤسسات المختلفة وعلى رأسها طبعا مايتعلق برئاسة الجمهورية ومجلس الدفاع الوطنى .. ثم السهر على رفع الكفاءة القتالبة للجنود والضباط واعادة تسليح الجيش الذى لعب فيها الاتحاد السوقيتى دورا هائلا لايمكن انكاره تمثل فى اقامة حائط صواريخ الدفاع الجوى الذى لعب دورا اساسيا فى انتصار اكتوبر ..وهو ماعبر عنه قائد عسكرى بمكانة المشير عبد الغنى الجمسى الذى كان رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة قبل واثناء حرب اكتوبر 1973 .. يقول الجمسى فى مذكراته عن حرب اكتوبر 1973 : (وكان التسليح من اهم الأمور فى تلك المرحلة , وكان الاتحاد السوفيتى هو المصدر الرئيسى لامدادنا بالسلاح وبدونه ماكان يمكن اعادة البناء )... ويقول ايضا فى هذا الشأن : ( ووصل الى مصر وفد عسكرى سوفيتى كبير برئاسة الجنرال لاشنكوف للمعاونة فى اعادة تنظيم القوات وتسليحها وتدريبها , وكان هذا الوفد هو بداية وصول خبراء سوفييت اكثر عددا , وتعدلت التسمية فيما بعد ليكونوا مستشارين فى الوحدات والتشكيلات والقيادات , ومن الملاحظ ان مجموعة من المستشارين برئاسة لاشنكوف كانوا على درجة عالية من الكفاءة والخبرة فى مجالات عملهم ولذلك استحقوا حينئذ كل التقدير ... وفى يوم 21 -6 - 1967 وصل الى مصر الرئيس السوفيتى بودجورنى يرافقه وفد عسكرى برئاسة المارشال زخاروف رئيس اركان القوات السوفيتية , لاظهار التأييد السياسى لمصر وبحث المطالب من الاسلحة والمعدات لاعادة الناء وقد ظل المارشال زخاروف فى مصر لمدة شهر تقريبا لتقديم المعونة فى تنظيم القوات ورفع كفائتها القتاالية بالتعاون الوثيق مع القائد العام للقوات المسلحة تحت الاشراف المباشر للرئيس عبد الناصر ..) ... وتجلت نتيجة اعادة بناء القوات المسلحة واعادة تنظيمها وتسليحها ورفع كفاءتها القتالية فى البدء سريعا فى حرب الاستنزاف التى سرعان مالملمت جراح العسكرية المصرية واعادت لها ثقتها فى انفسها وكبدت اسرائيل خسائر كبيرة ومنعتها من استثمار هزيمة 67 فى فرض تسوية وفق شروطها ووفقا للواقع الذى تحقق فى يونيو 67 .. وهكذا نهضت الجندية المصرية التى أسسها محمد على وابراهيم باشا وأعاد جمال عبد الناصر ومحمد فوزى والشهيد عبد المنعم رياض بالبناء الثانى لها ... بعد ان انهارت مرتين ... المرة الاولى عندما قام الخديوى توفيق بتسريح وحل الجيش المصرى بعد انتفاضة احمد عرابى الوطنية وهزيمة الثورة العرابية على يد الانجليز عام فى عام 1881 ... والمرة الثانية عندما تم انهاك الجيش المصرى فى الحرب الاهلية فى اليمن بالتوافق مع اهمال تدريب هذا الجيش وتطويره ومعالجة مناطق الضعف العسكرى التى تكشف عام 1956 فى العدوان الثلاثى على مصر اكتفاء بالنصر السياسى الكبير الذى حدث فغطى على القصور العسكرى ... وكذلك انشغال قادته بالحياة السياسية والمدنية وبأمور أخرى لادخل لها بالجندية .. وتم ادخال الجيش فى معركة كان غير مستعدا لها وغير قادر على خوضها وتحمل ماصاحبها من أخطاء سياسية وعسكرية فادحة تسببت فى انهياره .... عادت اذن الجندية المصرية الى قوتها ووصلت الى ذروة التأهيل العسكرى والى قدر لا بأس به من التسلح .. يتلاحم ورائها عمق شعبى يضغط من اجل بدأ معركة استرداد الكرامة الوطنية وتحرير الارض وازالة آثار العدوان .. وخاضت حرب اكتوبر وفق التوجيه الاستراتيجى الصادر لها من القيادة السياسية .. وهنا يجب ان نتوقف كثيرا امام هذا التوجيه الاستراتيجى الذى صدر من رئيس الجمهورية (السادات ) الى وزير الحربية الفريق احمد اسماعيل فى 5 أكتوبر عام 1973 ( قررت تكليف القوات المسلحة بالمهام الاستراتيجية الاتية : ا- ازالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف اطلاق النار اعتبارا من 6 اكتوبر 1973 ب- تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات . ج- العمل على تحرير الاراضى المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور امكانات وقدرات القوات المسلحة . ) اذن نحن امام مهمة لها سقف لايصل الى سقف الطموحات المعلنة سياسيا من قبل والتى مثلت مطلبا وطنيا لجموع الشعب المصرى وهو تحرير الارض وازالة اثار العدوان ( لاحظ ان هذا الشعار كان مرفوعا من قبل عقب العدوان الثلاثى على مصر متمثلا فى مشكلة وصول الكيان الصهيونى الى مضيق العقبة وحصولها على صلاحية الملاحة فى خليج العقبة لأول مرة فى تاريخه تحت حماية قوات الطوارئ الدولية وكانت هذه المشكلة هى السبب فى اندلاع حرب يونيو 67 ) هذا التوجية الذى تسلمه وزير الدفاع والذى يحدد المهام المباشرة والهدف النهائى من المعركة يبعث على طرح اسئلة أهمها .. 1- ان الهدف النهائى اصبح غير واضح وغير محدد .. فقد بدأ بكلمة ( العمل على ) ثم مشروطا ب ( حسب نمو وتطور امكانات القوات المسلحة ) ... وهو مايلقى بالتساؤلات حول الهدف الأساسى من المعركة ذاتها .. ويجعلنا امام السؤال التالى : 2- هل ان الهدف النهائى من المعركة كان فى حقيقته هو نص النقطة ( أ ) وهو ازالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف اطلاق النار ؟ .. 3- كان من المتعارف عليه ان يبدأ التوجيه الاسترايجى ( قرار تكليف الجيش بالحرب ) بالمهمة المباشرة ثم المهام التالية ثم الهدف النهائى .. فهل بدأ التوجيه الاسترايجى للمعركة بالمهمة المباشرة لتصلح كمهمة نهائية يتم الاكتفاء بها ؟
ان الظروف التى صاحبت بداية المعركة ونهايتها وماتلاها تجعلنا نعتقد ان هناك خداعا سياسيا تم ممارسته على الجندية المصرية من قبل القيادة السياسية كانت مؤشراته كالتالى : 1- فتح قناة اتصال مع الولايات الامريكية بعد بدء العمليات العسكرية مباشرة ( بين حافظ اسماعيل مستشار الامن القومى المصرى وهنرى كسينجر مستشار الامن القومى الامريكى ) وتم خلال ذلك بدأ التراسل بين الجانبين والتفاهم ايضا فقد تم ارسال رسالة يوم 7 اكتوبر مفادها ان مصر لاتعتزم ( تعميق الأشتباكات ) أو ( توسيع المواجهة ) ... وهنا يقول هنرى كسينجر فى مذكراته عن المذكرة (الرسالة الاولى ) السرية التى ارسلها له حافظ اسماعيل فى هذا اليوم : { ..... ولا يفوتنى أن اذكر ان المذكرة تتضمن مؤشرا يوضح ان السادات متفهم جدا لتلك الحدود التى يتمكن من الوصول اليها ((ليس فى نيتنا التعمق فى اراضى الغير أو توسيع جبهة القتال )) ان هذه الجملة الواردة فى المذكرة , لاتخلو من التنويه بأن مصر غير راغبة فى متابعة العمليات العسكرية ضد اسرائيل بعد الاراضى التى كسبتها , أو تحميل امريكا كامل مسئولية مايحدث كما فعل جمال عبد الناصر عام 1967} 2- ان رئيس عمليات اركان الحرب ( اللواء الجمسى وقتها ) قد وضع ملاحظة فى غاية الخطورة على هامش نشاط القيادة السياسية فى نص ماكتبه فى مذكراته .. يقول الجمسى ( ولاشك ان العمل السياسى لم يكن فى صالح العمل العسكرى عندما نصت البرقية المصرية (( لاتعتزم مصر تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة ) ... اذن فأن السياسى كان يعمل بعيدا عما تقوم به الجندية المصرية على ارض الواقع وهى تبذل دمائها وأرواحها من اجل اهداف وطنية امنت بها كجزء من الشعب المصرى .. بينما كان للقيادة السياسية افق اخر تراهن عليه بعد ان تسكت المدافع وتكف الطائرات عن أزيزها وتخفت انفجارات القنابل ... 3- لقد فضحت كلمات حافظ اسماعيل منطق السلطة السياسية فى التعامل مع الحرب والذى كان يختلف تماما عن المعلن من ان الهدف هو ازالة اثار العدوان وتحرير الاراضى المحتلة ... ففى صفحة 223 فى كتابه ... أمن مصر القومى فى عصر التحديات يقول حافظ اسماعيل : ( كانت قواتنا خلال المرحلة التى انتهت .. قد اتمت تحقيق الهدف المباشر , وكنت من خلال احاديثى مع الفريق أول احمد اسماعيل من قبل نشوب الحرب أدرك انه لاينوى التقدم حتى الممرات الجبلية وان ماجاء بتعليمات القيادة العامة بأن الهدف هو احتلال المضايق انما قصد به ان يستحث القيادات الصغرى خلال مرحلة بناء رؤوس الكبارى على استمرار التقدم حتى الهدف المباشر )
لقد جعل ذلك الجمسى مرتابا فى الامر ويتساءل فى مذكراته (( وهل من المعقول ان يكون فكر القائد للقوات المسلحة مختلفا عن فكر رئيس الدولة ؟)) .. من الواضح ان السادات كان لديه افق اخر وكان احمد اسماعيل فقط يشاركه هذا الافق .... وعلى اية حال فقد وضح هذا الفارق بين محدودية الاهداف لدى القائد السياسى الذى كان يهدف فقط الى مجرد نصر عسكرى محدود يحرك به الموقف السياسى ويهيئ به مسرح التفاوض لانجاز اكبر تحول فى مفاهيم الامن القومى المصرى وعلاقات مصر بعمقها العربى بل وعلاقاتها بالعالم قاطبة .. وكانت الجندية المصرية فى نفس الوقت تحارب معركتها بكل ماتعنيه الكلمة من شرف عسكرى وفداء وطنى .. وكانت بداية التحول فى اتمام تخريب مؤتمر جينيف المزمع عقده لانجاز تسوية شاملة لمشكلة الشرق الاوسط بمفاجأة الجميع بالسفر الى اسرائيل والاجهاز على كافة فرص السلام الشامل بعقد صلح منفرد مع الكيان الصهيونى .. وكان ذلك مرتبط بتحولات تجرى على الارض للاسراع بتمكين الثورة المضادة للمشروع الوطنى المصرى الذى كانت تتبناه سلطة عبد الناصر .. كانت كامب ديفيد تتمة لبداية التبعية الكاملة للولايات المتحدة الامريكية تعبيرا عن الانحياز الطبقى فى الداخل وتمكن الرأسماليين الوكلاء للرأسمالية العالمية ... ومن هنا كان الانقلاب التام على مشروع الثورة الوطنية المصرية والتى لازال ينهض ولازالت القوى الاجتماعية المسيطرة تقاومه .. ونجحت عقب 25 يناير فى تعديل مسارات الشكل السياسى للحكم لتخدع الجماهير الثائرة .. وهى مازالت تحاول مرة اخرى بعد 30 يونيو ... والتامر على غالبية الشعب المصرى وعلى المشروع الوطنى المصرى لايزال يسعى .. ولازالت مهمة التحرر الوطنى من أسر التبعية و الافقار والتخلف والتعثر الحضارى معلقة فى رقاب الساعون الى تغيير حقيقى .. يصنع مصر الوطنية الديمقراطية المدنية التى تساوى بين ابنائها جميعا ولا مجال فيها للأضطهاد والتمييز على نحو طبقى او على اساس جنسى او دينى او على اساس السكن الجغرافى ...
#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيان الحزب الاشتراكى المصرى بالبحيرة
-
زواج السلطة بالثروة .. دائما يحدث هذا ....
-
فى التناول السياسى لقضية المرأة المصرية - لا عزاء للسيدات
-
عن عامل النظافة الذى صفعته يد الدولة
-
حول الرغبة العارمة فى توحيد اليسار المصرى ... وحدة وثائقية .
...
-
هذا هو المرشح الذى سأصوت له فى الانتخابات الرئاسية القادمة
-
مع الفلاح المصرى
-
هدى شعراوى نموذجا لشيزوفرنيا الواقع الليبرالى المصرى
-
الغاء تهميش الانسان اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا .. هو الحل
-
أقل من ثورتين فى حلقات الثورة المصرية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|