|
-تجاربهم العلمية- لدحض -المادية-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4240 - 2013 / 10 / 9 - 14:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جواد البشيتي أَمْر الملاحدة لا يهمني؛ فَهُم وخصومهم من المؤمنين بـ "الخَلْق (بطرفيه: الخالق والمخلوق)" مِنْ جِنْسٍ فكري واحد؛ إنَّ ما يهمني، فحسب، هو "المادية"؛ فإنَّ "المادي" يسمو، فكراً وتفكيراً، عن طرفيِّ هذا النزاع، وعن نزاعهما نفسه. ما أكثر "التجارب العلمية" التي يَذْكُرونها في معرض دحضهم لـ "مادية العقل"؛ لكن هل هذا الفكرة التي يسعون في دحضها (فكرة "مادية العقل") مِنْ بَنَات "المادية"، أو "الفكر المادي"؟! إنَّني، وبصفة كوني "مادياً"، أخبرهم أنَّ "العقل" ليس "مادياً"؛ ليس من جِنْس "المادة"؛ ليس "مادةً في ماهيته"؛ ولو كان "مادة" لَمَا استنفد الفلاسفة قروناً من الزمان في سعيهم إلى معرفة "الصِّلة الجوهرية بين المادة والعقل (أو الفكر)". "الدِّماغ (أيْ دماغ الإنسان الحي)" هو "مادة"؛ هو "عضو التفكير"؛ هو "المادة التي تُمثِّل الدرجة العليا في تطوُّر الطبيعة، ولها من الخصائص المادية ما جَعَلَها مادة تَعْقِل وتُفكِّر". "المادة (أو العالَم المادي)" المُسْتَثْنى منها هذا "الدماغ" هي مادة لا تَعْقِل، ولا تُفكِّر؛ لا تعي، ولا تُدْرِك؛ لا تحس، ولا تشعر؛ فالمادة بـ "الدماغ (البشري الحي)"، وبه فحسب، أَدْرَكَت ووَعَت وجودها (وذاتها). بَيْد أنَّ هذا لا يعني أنَّ "الدماغ (البشري الحي)" يُنْتِج (يُولِّد، أو يُفْرِز) فكراً وأفكاراً؛ إنَّه يُمثِّل، فحسب، "القدرة (المقدرة) على التفكير"؛ و"المقدرة (الطبيعية) على التفكير" لا تَعْدِل "الفكر نفسه"؛ ذلك لأنَّ "الفكر" الذي لا يُوْجَد، ولا يمكن أنْ يُوْجَد، من دون "الدماغ"، لا يُوْجَد، ولا يمكن أنْ يُوْجَد، أيضاً، بـ "الدماغ وحده". لا فكر بلا لغة (مهما كانت هذه اللغة). ولا لغة بلا عمل. ولا عمل بلا مجتمع بشري (مهما كان حجم هذا المجتمع، أو نمط عيشه). إنَّ "اليد البشرية"، بخصائصها الطبيعية، مع انتصاب قامة صاحبها، الذي يعيش في جماعة من أبناء جنسه، هي التي جَعَلَت "المادة التي لديها القدرة على التفكير (وهي الدماغ)" تُفكِّر، وتأتي بالفكر والأفكار؛ فهذه اليد هي التي جَعَلَت صاحبها (الذي يعيش في جماعة من أبناء جنسه) حيواناً "صانِعاً للأدوات (أدوات العمل)"، مُسْتَعْمِلاً لها (في إنتاج ما يلبِّي حاجته إلى المأكل والملبس والمسكن..). وهذا "الحيوان الاجتماعي، الصانع للأدوات، المُسْتَعْمِل لها" كان، في الوقت نفسه، "حيواناً ناطِقاً"، أيْ يُفكِّر تفكيراً منطقياً؛ فلا فكر بلا لغة، أو قَبْل اللغة. "المادي" لا يُنْكِر "وجود الفكر"، مع أنَّ الفكر ليس مادة في ماهيته؛ إنَّه يُنْكِر، فحسب، "الوجود المستقل (المنفصل) للفكر عن المادة"؛ كما يُنْكِر خَلْق المادة (أو العالَم المادي) على أيدي "كائنٍ لا مادي (مِنْ جِنْس الفكر أو الوعي)". وفي شرح بسيط مبسَّط للصلة، ولأوجه الصلة، بين "المادة" و"الفكر"، أقول: أُنْظُرْ (بعينيكَ) إلى شجرة تُفَّاح في حديقتكَ؛ ثمَّ أَغْمِضهما؛ فماذا "ترى"؟ إنَّكَ "ترى" في "ذهنكَ" صورة، هي صورة شجرة التُّفاح. هذه "صورة ذهنية (لا تُوْجَد إلاَّ في الذهن). هذه الصورة، ومهما كانت دقيقة واضحة جلية الآن، لا تشتمل إلاَّ على بعضٍ من "تفاصيل الأصل (والذي هو شجرة التُّفاح في حديقتك)". "الأصل (الواقعي)"، وهو "شجرة التُّفاح" موجود، و"الصورة الذهنية" موجودة هي أيضاً؛ لكن "شجرة التُّفاح" موجودة "في خارج ذهنك (أو وعيكَ)"، وفي "استقلال عنه". الآن، أُنْظُرْ (بعينيكَ) إلى سبيكة ذهب؛ ثمَّ أَغْمِضهما، فـ "ترى" صورة ذهنية أخرى هي صورة سبيكة الذهب. إنَّكَ، وبالخيال، وهو قوَّة ذهنية، تستطيع (وأنتَ مُغْمِض عينيكَ) أنْ تتصوَّر (تتخيَّل) شجرة تُفَّاح ذهبية، أيْ مصنوعة من الذهب؛ وهذه "الصورة الذهنية المركَّبة (بالخيال)" لا أصل لها في "الواقع الموضوعي"، أيْ في الواقع الموجود في خارج ذهنك، وفي استقلال عنه. أَصِل الآن إلى السؤال الذي اتحدَّى كل خصوم ومناوئي "المادية" الإجابة عنه، وهو: إذا كان الفكر يُوْجَد وجوداً مستقلاً (ومنفصلاً) عن المادة، وإذا وُجِدَ، أو كان موجوداً، "قَبْل" المادة، على افتراض أنَّ المادة ليست بأبدية وأزلية، فهل لكم أنْ تأتوني ولو بفكرة واحدة لا أصل لها، أو مكوِّنات، في الواقع الموضوعي (أيْ في العالم المادي)؟ في رأس الإنسان (في دماغه) لا يُوْجَد، ولا يمكن أنْ يُوْجَد، فكرة (ولو كانت مِنْ نسج الخيال) لا وجود لها (بأصلها، أو عناصرها ومُكوِّناتها) في العالَم المادي. إنَّ كل أفكاركم، ولا أَسْتَثْني منها أفكاركم الدينية واللاهوتية، هي انعكاس للواقع الموضوعي (للواقع المادي). إنَّها انعكاس له، أكان هذا الانعكاس صادِقاً أم زائفاً (مشوَّهاً). سؤلان ساذجان هما: كيف للمادة أنْ تكون على ما هي عليه من خصائص ونظام.. إذا لم يكن "الوعي" يقودها ويحكمها ويديرها..؟ و"كيف للمادة التي هي بطبيعتها لا تعي ولا تُدْرِك أنْ تأتي بما يعي ويُدْرِك؟ إنَّهما سؤلان ساذجان؛ لأنَّ أصحابهما يَنْظرون إلى "المادة" بـ "عَيْن صورة ذهنية رسموها هُمْ لها". إنَّهم يتصوَّرون "مادة" لا وجود لها في الواقع؛ فـ "المادة" التي يتصوَّرونها هي مادة خاملة، عاجزة، مجرَّدة من القوانين والقوى الفيزيائية. وهُمْ يكفي أنْ يتصوَّروا (ويفهموا) المادة على هذا النحو حتى لا يجدوا مناصاً من الإقرار بوجود، وبوجوب وجود، "العقل الأسمى"، الذي ما أنْ خَلَق المادة من العدم حتى بَثَّ فيها من القوانين والقوى ما جعلها على ما هي عليه من نشاط وفاعلية ودينامية. مؤسِّس علم جراحة الأعصاب د. ويلدر بنفيلد أجرى التجربة الآتية: خَدَّر مريضاً تخديراً موضعياً، ثمَّ ضَغَطَ على المركز العصبي الموجود في المخ والمسؤول عن تحريك اليد، طالِباً من المريض (في أثناء ذلك) رَفْع يده؛ حاول المريض بكل قوَّته أنْ يَرْفَع يده، لكنه فشل. من ذلك، اسْتَنْتَج الطبيب أنَّ للمريض "إرادة"، اتِّجاه عملها مخالِف لاتِّجاه عمل ذلك المركز العصبي؛ لكنها تَفْشَل في سعيها (ضِمْن هذه التجربة). ومضى الطبيب قُدُماً في استنتاجاته، فاستنتج أيضاَ أنَّ الإرادة تختلف عن المخ والمراكز العصبية، وأنَّ العقل، من ثمَّ، يحرِّكه شيء آخر يخالِف المادة؛ فالدماغ لا يُفسِّر العقل؛ والروح موجودة. بعض مؤيِّدي هذه الاستنتاجات علَّقوا قائلين: إنَّ العقل في الإنسان ليس من المادة. مع تقديري واحترامي لعِلْم هذا الطبيب، ومهنيته، أقول إنَّ تجربته لا تمتُّ بصلة إلى السؤال الفلسفي الكبير عن صلة المادة بالوعي، وإنَّه من مقدِّمات سليمة (تمخَّضت عنها تجربته) توصَّل إلى استنتاجات فلسفية ساذجة وخاطئة. أنْ "يُريد" المرء شيئاً، فيفشل في الحصول عليه، أو يعجز عن تحقيقه، فهذا إنَّما هو بعضٌ من جوهر مفهوم "المادية"؛ فليس كل شيء رَهْن إرادة الإنسان. تجربة الطبيب كانت مادية من ألفها حتى يائها؛ فالمخ والمراكز العصبية فيه والتخدير.. هي جميعاً من المادة؛ ولقد عَطَّل الطبيب (في تجربته) البُنْية المادية التحتية لإرادة المريض؛ ومع تعطُّلها بالتخدير (الموضعي) ما عاد في مقدور المريض أنْ يَرْفَع يده (في أثناء ضغط الطبيب على المركز العصبي الموجود في المخ والمسؤول عن تحريك اليد) مهما رَغِبَ في ذلك، ومهما حاول؛ فإرادته غدت كسيحة. هذه التجربة لا تُثْبِت أبداً ما كان ينبغي للطبيب إثباته، ألا وهو أنَّ الإرادة مستقلة، منفصلة، عن الدماغ؛ فالتجربة إنَّما أثبتت أنَّ الإرادة لا تُوْجَد، ولا يمكنها أنْ تُوْجَد، في استقلال عن هذه "المادة الخاصة"، أيْ الدماغ البشري الحي. والطبيب نفسه كان يمكنه تخدير المريض بما يُفْقِده الوعي؛ فإذا فَقَدَه (بالتخدير) فهل يظل الطبيب مستمسكاً بفكرة "الوجود المستقل للوعي عن الدماغ"؟! وهل كان الطبيب، وهو المؤسِّس لعلم جراحة الأعصاب، يتوقَّع أنْ يتسبَّب تخديره الموضعي لمريضه بفُقْدان هذا المريض لإرادته التي رَاَيْناها على شكل رغبة (من المريض) في أنْ يَرْفَع يده، وعلى شكل محاولة باءت بالفشل؟! أمَّا التعليق على هذه التجربة، وعلى استنتاجات الطبيب منها، فلا لزوم له؛ لأنَّ "المادية" لا تَزْعُم أنَّ العقل مادة حتى يجتهدون في دحض هذا الزَّعم؛ فـ "المادية" هي بمعنى من معانيها "الإقرار بأنَّ العقل (الفكر) ليس مادة".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشار الذي جَعَل من تدمير -ترسانته الكيميائية- سبباً للبقاء!
-
نُذُر أزمة اقتصادية عالمية جديدة!
-
-تَمَدُّد الكون- في تفسير آخر ومضاد أَتَقَدَّم به!
-
الأُمُّ الأصغر من ابْنَتها!
-
إيران التي -ساعَدَت- أوباما في سورية!
-
لنتعلَّم -الديمقراطية- في -مدرسة الطبيعة-!
-
هل يَشْهَد العالَم ولادة -قيادة جماعية-؟
-
هل يَتَّحِد -المعتدلون- من الحكومة- و-المعارضة- في قتال -الم
...
-
-الطبيعة- كما تُقَدِّم إلينا نفسها!
-
حياتنا الاقتصادية.. حقائق بسيطة وأوَّلية
-
أخطر ما في هذا العداء لمرسي!
-
لماذا يبدو الشعب الأردني أَحْكَم وأَعْقَل من حكومته؟
-
-تمثيلية أردنية-.. العمدة والزَّبَّال!
-
مصر.. عندما ينادي خَصْما -الدولة المدنية- بها!
-
بعضٌ من حقيقة -الحقيقة-!
-
شيء من -الجدل- ينعش الذِّهْن
-
الصراع السوري في -تركيبه الكيميائي الجديد-!
-
عِشْ ودَعْ غيركَ يَعِشْ!
-
بشَّار الذي فَقَدَ ترسانتيه -المنطقية- و-الكيميائية-!
-
كَمْ من الولايات المتحدة يَقَع في خارج حدودها؟
المزيد.....
-
شون -ديدي- كومز يواجه ضحيتين أخريين في لائحة اتهامه
-
ترامب يتحدث عن السبب في حادث اصطدام الطائرتين في واشنطن
-
رئيس الوزراء العراقي يعلن القبض على قتلة المرجع الديني محمد
...
-
معبر رفح: متى تخرج أول دفعة من الجرحى من غزة ومن سيدير المعب
...
-
أول ظهور لتوأم باندا نادر في حديقة حيوان في برلين يثير إعجاب
...
-
هل خطط المحافظين في ألمانيا بشأن الهجرة قانونية؟
-
هل -يستعين- ميرتس بأصوات البديل مجددا؟
-
استعدادات لفتح معبر رفح ونتنياهو يهدد باستئناف القتال مع حما
...
-
إسرائيل تنفذ ضربات على مواقع لحزب الله في لبنان وتقول إنها م
...
-
-الويب تون-.. قصص مصورة نشأت في كوريا الجنوبية وتتطلع لغزو ا
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|