أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - أجمل رجل قبيح في العالم















المزيد.....

أجمل رجل قبيح في العالم


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4240 - 2013 / 10 / 9 - 10:58
المحور: الادب والفن
    



بكل زهو دس السيجار في فمه‏,‏ وتأمل خاتمه الذهبي الضخم‏.‏
مر بيده غليظة الأصابع علي كرشه الكبير المستدير الذي تكلف عشرات الآلاف من الجنيهات ليصبح بهذا الشكل المميز‏.‏ قبل أن يحني رأسه باعتداد ليدخل سيارته محاطا برجال أمنه‏,‏ تقدم بصعوبة أحد كبار المسئولين في مجلس المدينة‏,‏ وسلمه أوراقا معتمدة ومختومة‏..‏ تصفحها وابتسم‏.‏ قرر مكافأته علي جهده لتمرير التكليفات المحظورة علي الجميع‏.‏ أمر المحاسب بصرف رشوة مقدارها ثلاثون ألف جنيه‏.‏ ما أنجزه الموظف الحكومي يدر ثلاثة ملايين من الجنيهات‏..‏ تذكر أنه منذ أسبوعين علي الأقل لم يعقد صفقة‏.‏
تحركت السيارة بين أحواض الزهور التي تمتد من أمام قصره حتي البوابة الحديدية لمسافة مائتي متر‏..‏ ابتسم‏..‏ تأمل وجهه الضخم المتورد وشاربه الذهبي المبروم وعينيه الواسعتين‏..‏ رضي عن المسحة الخضراء التي مازالت تلونهما‏..‏ سوي جناحي الشارب وهو يستعيد المقولات التي تتردد في أجواء الأندية والأحزاب‏:‏
‏-‏ س‏.‏ س أجمل رجل أعمال في مصر
تنفس بملء رئتيه الهواء والاعتزاز والنشوة والسلطة‏..‏ شعشع الكبرياء في رأسه وهو يستشعر امتداد أذرعه الطويلة إلي كل مكان‏.‏ اليوم سيوقع عقد تعاون مع شركة أمريكية تعمل بموجبه مصانعه بالكامل طوال العام‏,‏ وتحقق ربحا لا يقل عن عشرين مليونا من الجنيهات سنويا‏.‏
هز رأسه موافقا علي تغيير سيارات أولاده الثلاثة‏..‏ رامي وشادي وكريم‏.‏ حتي سهي التي لم تبلغ السادسة عشرة‏..‏
‏-‏ من حقهم أن يغرقوا في العز‏..‏
هز رأسه موافقا علي فتح شركة باسم الزوجة التي تود من كل قلبها أن يتضاعف ما تملكه‏.‏
لا بأس إنها أم الأولاد ولابد أن تنشغل عن نزواتي‏,‏ كما لا يجب أن تحمل هما في المستقبل إذا حدث شيء‏,‏ خاصة إنها في انزعاج دائم من أخوتي‏.‏
أشعل السيجار وسحب أنفاسا طويلة بتلذذ‏..‏ صبر عليها حتي بلغت رئتيه ثم أطلق الدخان باستمتاع‏.‏ أخرج مع الدخان بعض الذكريات المتعفنة والأيام المتكلسة‏,‏ ونفايات المواقف الصغيرة واللحظات الحرجة‏,‏ كأنه يقول‏:‏ وداعا لكل السنين الصدئة‏.‏
لاحت في خاطره فكرة‏:‏ نظف رأسك أولا بأول‏,‏ ولا تبقي علي المائدة إلا الديوك الرومية
تنهد وبدا واضحا رضاه عن الدنيا‏,‏ وعن نفسه‏..‏ قال‏:‏
غدا نمضي إلي الساحل الشمالي لنلهو بعيدا عن الأسرة‏..‏ تكفي هيام ذات الجسد المشتعل
‏..‏ بنت الجنية لا تتوقف عن الضحك‏..‏ لا مانع من تزيين رقبتها المرمرية بعقد الماس الذي طلبته‏.‏
مد ساقيه إلي أقصي طولهما في صالون السيارة الكبيرة‏,‏ وتحسس شاربه الحنائي الكثيف‏..‏ رن الهاتف‏.‏
رد السكرتير‏..‏ بعد لحظات قليلة قال‏:‏ خبر سخيف ياباشا
انطق
رامي بك دهس أسرة مكونة من سبعة أفراد كانوا يجلسون علي كوبري روض الفرج
انطلق صوته وقد ازداد خشونة‏:‏
يستاهلوا‏..‏ لماذا يجلسون هناك؟
يتنفسون الهواء الذي لا يدخل بيوتهم
كثرة النسل هي المشكلة وليس نقص الهواء
العمل يا باشا ؟
تعرف العمل‏..‏ تصرف أولا في محضر الشرطة ثم اصرف لهم خمسة آلاف
أسرع يستعيد آخر نكتة قالتها له هيام في التليفون أمس‏..‏ ضحك طويلا‏..‏ لطالما أدهشته دماغها العجيبة‏..‏ أنثي مثيرة ومجنونة‏..‏ تتفجر حيوية‏,‏ حتي بعد أن يغلبها النوم لا تهدأ‏,‏
قال لها عندما التقيا‏:‏
أمامك ليلة واحدة لأصبح علي يديك إنسانا آخر تأمل وجهه الأحمر الضخم في المرآة‏..‏ قال لها‏:‏ يقول الناس أنني أشبه الملك فاروق
أنت أكثر شبابا
فعلت به ومعه كل شيء‏.‏ كانت تدرك بحس المرأة أن عقد الماس موجود‏..‏ أرهقته بلا شفقة‏,‏ وأضحكته بلا رحمة‏,‏ وأوسعته حبا وتدليلا حتي أوشك أن يتحلل‏.‏
مع ظهيرة اليوم التالي تناولا الغداء‏.‏ خرج للقاء محافظ الإسكندرية‏..‏ رن التليفون‏..‏ رد السائق‏..‏ قال وهو يكاد يمنع نفسه من الكلام‏:‏
خبر سخيف يا باشا
حتي أنت‏!‏
بنت سعادتك الصغيرة سهي هانم حطمت كشكا في شبرا
وما قيمة الكشك ؟
كان به خمسة أولاد وأمهم
أصيبوا ؟
ماتوا‏..‏ الحادث كان في الفجر
ارتاحوا‏..‏ لماذا ينامون في الكشك‏..‏ أولاد ال‏..‏ ؟
الفقر ياباشا
الفقر ليس المشكلة‏..‏ الغباء هو المشكلة‏..‏ اتصل بحسين‏..‏ يتصرف ويرمي قرشين
زفر الهواء بامتعاض‏..‏ مضي إلي المحافظ‏..‏ عرض عليه مشروعه الكبير‏..‏ تناقشا طويلا حول التفاصيل بحضور المساعدين‏.‏ وافق المحافظ أخيرا‏..‏ انفتحت كل الأفواه علي مصاريعها ابتهاجا بالمشروع الذي سيغير وجه الحياة في الثغر‏..‏ أصر المحافظ علي الغداء‏..‏ اعتذر الباشا وانطلق إلي الشاليه ليلحق بالشمس التي تتأهب للرحيل مكتسية ملامحها ببرتقالية آسرة وهي تودع الساحل من أقصي الأفق الغربي‏.‏
تذكر الحادثين بشكل عابر‏..‏ قال‏:‏
‏-‏ الندم غير مسموح له بالاقتراب مني‏.‏ الندم يقصف عمر العظمة
عندما وصل إلي الشاليه أمر السائق أن يختفي من الوجود ولا يظهر إلا إذا استدعاه
طلب من هيام أن تملأ البانيو بالعطور فسوف يقضيان فيه الليلة‏..‏ يشربان ويأكلان ويتلاثمان وينامان وينتقمان من الحياة‏.‏
قهقه من أعماق قلبه ومن كل شرايينه عندما قالت‏:‏
هذه ليلة مجانية‏..‏ الدنيا كلها لك وحدك‏.‏ افرد أجنحة نزواتك إلي منتهي قدراتك‏.‏ التهم وإياك أن تشبع‏.‏ التهم وإياك أن تشبع‏.‏ فاهم‏.‏
قال وهو يعانقها بفرح مراهق‏:‏
لن أشبع أبدا‏..‏ أبدا أيتها المنحدرة من سلالة جبارة‏..‏ هيا القيني في جحيمك اللذيذ
طوته المرأة الجهنمية قوية البنيان‏,‏ أغرقته فيما لم تعرفه الغرائز من قبل ولا خطر علي بال أي شبق محموم‏,‏ ومن أعماقه شعر بأهمية الفجور وروعته‏.‏
مع ظهيرة اليوم التالي أطلق سراح الهاتف المغلق‏..‏اندفع الرنين متلهفا
خبر سخيف يا باشا
زعق بأعلي صوت‏:‏ يا أولاد الـ‏...‏ واثقا‏..‏ لطمه المتحدث بالخبر‏:‏ سقطت عمارتا الوايلي
ابتسم من قلبه ثم تنهد وقال‏:‏
يااااه‏..‏ خبر انتظرته من سنين
يا باشا العمارتان وقعتا فوق السكان
لك مكافأة
أغلق الهاتف ليفرح مع هيام‏..‏ عانقها وقبلها‏.‏ حكي لها القصة‏.‏ اشتري منذ نحو عشرين عاما ثلاثة بيوت متجاورة قديمة في حي الوايلي وتمني أن تسقط فلم تتحقق أمانيه‏..‏ سعي بكل الأساليب غير الشرعية للحصول علي تصريح بهدم إحداها وحصل بالرشوة عليه‏..‏ أخرج منه السكان ثم أمر سائق البلدوزر بهدمه‏,‏ ونفحه مائة جنيه كي يمنح العمارتين الأخريين كتفين مؤثرين بشفرة البلدوزر‏..‏ ها هما أخيرا سقطتا‏..‏ مساحة كبيرة من الأرض تتجاوز الألفي متر في قلب القاهرة‏..‏ ثمنها لا يقل عن عشرة ملايين
إنني عبقري دون شك‏..‏ لم تلد مثلي ولادة‏..‏ إنني أستحق مكافأة كبري
أسرعت هيام تقول‏:‏
‏-‏ وجهي حلو عليك‏..‏ من حقي مكافأة
عانقها قائلا‏:‏ طبعا يا وش السعد تحلل منها ومن الجدران‏..‏ مضي إلي الشرفة يفتح صدره للبحر
ليس أقل من رحلة إلي أوروبا تدوم شهرا‏..‏ هناك من يختلفن كثيرا عن هيام تنهد من أعماقه وتمني أن ينزل إلي البحر ويحدثه عن صفقاته التي ما زالت تختمر في رأسه‏,‏ لكنه شعر أن قلبه يدق بعنف واضطر أن يميل علي الأريكة المريحة في صدر الشاليه‏..‏ كان يتنفس بصعوبة‏,‏ ولم يستطع من خلال ضبابية النظرات أن يلمح هيام وهي تتقدم بجيوشها وعطرها يخترق كل ما يلقاه ويصرعه‏.‏



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الأديان خطيرة ؟2
- الساعة تدق السبعين
- هل الأديان خطيرة ؟1
- استرخاء
- لا تغيير بلا ثقافة
- المثقفون والسلطة
- حَدثني عن البنات
- الكتابة من الوضع راقدا
- نزهة في حدائق الألم
- خطأ السيسي الفادح
- مصر في قبضة الشياطين
- جمهورية -رابعة -
- لا تصالح
- العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب ( 2 )
- العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب (1)
- خذوا مرسي وهاتوا أردوغان
- زيارة لسجن طرة
- هل قامت في مصر ثورة؟
- صندوق الحرية الأسود
- هُوية مصر ليست إسلامية فقط


المزيد.....




- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
- جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون ...
- لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل ...
- -حرب إسرائيل على المعالم الأثرية- محاولة لإبادة هوية غزة الث ...
- سحب فيلم بطلته مجندة إسرائيلية من دور السينما الكويتية
- نجوم مصريون يوجهون رسائل للمستشار تركي آل الشيخ بعد إحصائية ...
- الوراقة المغربية وصناعة المخطوط.. من أسرار النساخ إلى تقنيات ...
- لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ ...
- فيديو.. -انتحاري- يقتحم المسرح خلال غناء سيرين عبد النور


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - أجمل رجل قبيح في العالم