أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سليمان عبد المنعم - السودان : خلل هيكلي تعانيه مؤسسات الدولة ، نموذج المؤسسة العسكرية















المزيد.....

السودان : خلل هيكلي تعانيه مؤسسات الدولة ، نموذج المؤسسة العسكرية


سليمان عبد المنعم

الحوار المتمدن-العدد: 1210 - 2005 / 5 / 27 - 12:29
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في يونيو عام 1992 عادت الكتيبة ( 242 من سلاح المشاة ) إلى رئاسة الفرقة السادسة بمدينة نيلا كبرى مدن إقليم دارفور، كانت الكتيبة عائدة من مقر عملياتها في إقليم بحر الغزال ، بعد سبعة أعوام قضاها الجنود بعيدين عن ذويهم وأهلهم. في ميدان بالقرب من محطة السكة حديد بالمدينة الريفية اصطف ال 48 فردا يمثلون البقية الباقية من أصل 400 مقاتل- تعداد الكتيبة الحربية في الجيش السوداني- أعوامها السبع العجاف
كانت العسكرية فقيرة تلك التي حملتهم عبر طريق موسمي وعر و شاق من عبر أويل عبر واو عبر برام إلى مدينة نيلا، نيلا. كان المصطفون الثمانية وأربعون يتملكهم أحاسيس متفاوتة بين الحزن والذهول والدهشة واليأس , تجمع والرجال، الأولاد والنساء حول السيارات بعضهم يبحث عن قريب له أبا أو أخا أو زوجا . بيد إن الجنود بالكاد يكنوا جميعا قرويين .
استعيدت الكتيبة تكريما لها لجهودها في القتال- و الإنقاذ في قمة دجله السلطوي - لتحل كتيبة مشاة غربية أخرى بدلها بوعد أن لا يمكث الجنود بعدين عن ذويهم لمدة تطول عن العام الواحد .
الكتائب التي تلت 242 من القيادة العسكرية الغربية التي مقر رئاستها مدينة الفاشر - كالكتيبة 110، 243 .... الخ وعلى شاكلتهما من الأرقام بقيت تصارع الحرب ومجاهيل الطبيعة في جنوب البلاد منذ ذلك إلى اللحظة، لم يعد منها رجل لقد تلاشت مع الطبيعة ، توزعوا بين قتلى واسري ومنضمين إلى الصف الآخر: في مربو ، وياي ، وكايا ، توريت كرمك ، رمبيك ... وأسماء المدن الجميلة في الجزء الجنوبي من الوطن.
الإعلام الرسمي والمؤسسات الرسمية لا تملك دموعا تبكي على أي جندي يموت أو ياسر ،من وحدات الهجانة (الابيض ) او (الغربية - الفاشر ) أو وحدة مشاة الجنوبية ، كأن الجندي أجير ليس جزء من الوطن وليس له أقرباء يهتمون لأمره في الأقاليم الأخرى ما سوى الجنوب. كأنما الجنود قطيع ماشية يحملون للذبح في محرقة الحرب المستعرة .
أوضح ما يؤخذ عن تلك الحالة هي النتائج التالية :

1- خلل عظيم في التربية الوطنية للمواطنين ، إذ قدر من الفصل التام بين معاني حراسة الوطن والدفاع عنه والحياة من اجله ومفاهيم المواطنين .

2- خلل منهجي في تركيبة المؤسسة العسكرية، الجند عسكر على نهج الانكلتار عبيدا وعابدين ومجتمع فئوي طبقي انه فشل عظيم للأقلية الأنانية الحاكمة في ترويض جيش وطني.
تختصر العمالة الهامشية الشريفة للمهمشين في السودان وارتياد صفوف العسكرية – لا المديرين فيها- منوط بالمهمشين أيضا ، ويرتاد المهمشون وأبناءهم الجيش لحوجتهم إلى المادة و الحياة إذ انعدمت الأعمال الغنية فقط الا للجلابة الشماليين

.و حين تطرح نظرية الدفاع عن الوطن من أي هجوم خارجي فان الموروث التاريخي مرسخ في التربية السودانية من ذلك الماضي الذي حفظ السودان الحديث في ملحمة (كرري) إلى( دورتي) يجد معناه في نفوس الغرابة الدارفوريين.
الجندية في السودان مهنة لخادمها مثل التجارة للباعة الجوالين لسلع : ( الفول ، الترمز،والتسالي والماء) أو الخدمات الرخيصة : (غسل الألبسة وكيها) أو مثل ارتياد العمل في صفوف شغيلة الجنغجور و عمال مشاريع القطن و قصب السكر ومشاريع الحبوب ببلاد (دار الصباح ).
ولان المؤسسات التعليمية توفر- بسياسية التجهيل المستمرة والمقصودة- في إقليم دارفور مليوني طفل خارج المؤسسة من أصل مليونين وأربعمائة طفل في سن التعليم } حسب دراسة 1999-2000{ وكذالك الحال في إقليم كردفان وما بين النهرين وشمال وجنوب النهر الأزرق والشرق مع تفاوت في الأرقام حسب تعداد السكان.
فمن الطبيعي أن يبلغ نسبة الغرابة الدارفوريين من جنود المؤسسة العسكرية السودانية بكل أسلحتها- والبالغ تعداد جنوده( 320) ألف جند ى 45 % من إقليم دارفور ، ونسبة 30% من إقليم كردفان ومنطقة النوبة الجبلية . ويتوزع ما نسبته 24% الباقية بين الغرابة الاجتماعيين في الوسط والشرق والخرطوم و سكان بلاد ما بين النهرين وسكان الإقليم الجنوبي .
بينماتبلغ نسبة وجود الشماليون الجلابةفي المؤسسة العسكرية 1% فقط .
والمعادلة مقبولة أيضا لان تعداد الإقليم الشمالي ( النوبة الأعلى ، ونوبة الأدنى) مليون وخمسمائة ألف نسمة، أي ما يعادل ما تعادل 4% من جملة سكان السودان . إلا أن المعادلة تتغير مصحوبة بالدهشة اذ ترتفع نسبة الإقليم الشمالي إلى 58 % من مديري المؤسسة العسكرية (الضباط الجيش) )

. والنسبة الباقية من نصيب بقية أقاليم رجل إفريقيا المريض الخمس .
لم اقتنع بعد بنظرية الاستعمار الداخلي التي يعتنقها التيار الراديكالي في صفوف جيش المحاربين الغرابة حركة من اجل التحرير وحركة من اجل المساواة.
لا مستغرب أن يقود ال 24 % وحدهم إخوانهم المهمشون في العمليات العسكرية في جنوب السودان لمقاتلة المهمشين من أبناء الإقليم الجنوبي حسب الطاقة والبسالة ، ويبقون فيها السنوات الطويلة ليأكلوا مع المهمشين في الجهة الأخرى أوراق الشجر ويدفنون الشهداء والجرحى المتعفن جراحهم في صباح.

الذي ينجو من تلك الأعاجيب يكون صدفة تظهر له مكانة في الدولة وهم يعدون بالأصابع ، احتمال أن تظهروه مؤسسة الجلابة الحاكمة كديكور- وزيرا للدفاع لمدة تسعة أشهر ثم يحال إلى التقاعد.
أما الشماليون الجلابة الضباط فمع كثرة عددهم يتهربون عبر وحدات المؤسسة العسكرية اللينة الأسلحة كالتوجيه المعنوي والمتحف العسكري والنقل الميكانيكي والكلية الحربية السلاح الطبي الإمداد والتموين الإدارة المالية ليبقوا الغالبية الميكانيكية في المجلس العسكري( هيئة القادة والأركان( لتباهي والتبجح بالنجوم والصقور المحمولة على الأكتاف وسرقة مرتبات الجند المهمشين في الميدان .
وهيئة القادة والأركان تعد اعلي سلطة عسكرية بالدولة واكبر مؤسسة تتهم بالفساد المالي والأخلاقي . وبها عدد أربعة فريق أول وثمانية برتبة فريق ،و4 الآلف جنرالات برتب العظيمة العليا العميد إلى العقيد المقدم والرئد.
عجزت هذه الهيئة المتخمة بالأبهة أن تخمد تمرد محدود خاضه رجل فقير برتبة كولونيل يفتقر إلى العتاد العسكري أو المعن ، يفتقر إلى الدعم المالي و الإعلامي، لا يسنده إلا إيمانه بقضية شعبه وعدالتها، يتجول الكولونيل العجوز جان ديمابيرو مع مليشياته في الغابة عراة الأجساد جياع الأكباد ، بينما يجلس ويسكن ويمتطي القادة العسكريون في الجزء الشمالي على أفخم وارقي المجالس والمساكن والمراكب . والتباهي أمام الإعلام. واستمر تمرد الكولونيل مدة عشرين عاما متواصلة حتى انتصر الكولونيل على الجنرالات السكارى بالجبن والاعتداد بالنفس الذين يقودهم جنرال يدمن الرقص.

الجلابة والمستوطنون الغجر - أو الحلب كما يحلو للبعض - من سكان السودان يهربون أبناءهم عن واجباتهم الوطنية إلى التعليم العالي والخدم الراقية، والى الدول الخارجية ليواصلوا دعم مؤسسة الجلابة الحاكمبالمال والمعنوي ، و يدعمون مؤسستهم بالشتائم ذات البعد النسوي في بعضهم بعضا وفي حق المتمردين على الدولة -حتى وان اختلفوا مع الصنف الحاكم في الرأي وشخصية من يحكم.

لا تجد ادني صفة اجتماعية محتملة تجمع بين أبناء المهمشين من جهة وأبناء الجلابة الشماليين والمستوطنين الغجر من جهة أخرى. الفقر والمرض والسذاجة والغياب التام ابرز صفات الأوليين والتخمة والراحة والدعة صفات الأخيرين. في صالتي المغادرة والاستقبال بمطار الخرطوم الدولي تلتقي أمة من الناس راحين وغادين إلى دول الصقيع في أوربا والشرق الأوسط أمة لا تربطها أدنى رباط بهذا الوطن الأفريقي الأسمر في تفكيرهم وفهم وتقيمهم للأشياء وفي حديثهم وألبستهم وفحش غنائهم . اؤلائك هم الجلابة الشماليين وإخوانهم المستوطنون الغجر وجلهم طبقات فاحشة الغني و الثراء.

الوطنية هي أن يكون أبناء الوطن الواحد على درجة واحدة من حبهم له وفي القيام بكافة الحقوق و الواجبات بالمساواة والعدل .
سبب أخر لولوج الغرابة إلى الجيش هو أن الغرابي مدمن حرب بطبيعته إذ يولد محاربا ويتربى في كنف محارب ومحاربة يعشقان القتال بالفطرة . وقد تكونت في ذاكرتهم الجماعية من قصص البطولات عن أجداده الخالدين في حرب ضد المد الاستعماري وإقامة دول رشيدة ذات تابع اثني : من عهود مملكة كسوفوروك الداجاوي ، إلى مجالدات الإمام الشهيد عبد الله بن تور شين التعايشي عليه رحمة الله. مرورا بسولونج وتيراب وقرد وإدريس ابو سريجا برة وبحر الدين جوهر صفوة المحاربين.
بينما غير الغرابي يتربى متجبنا متلايننا ، وان بقيت في ذاكرته الجماعية نضال مزيف تحكي حادثة هتاف امرأة واحدة في الماضي حين يهرب عن شرفها الرجال. فما فلح قوم بطل ذاكرتهم امرأة. أخر ينشا في الحلية فهو في الخصام غير مبين.
ولهذا عندما نشطت حركتي العدل والمساواة والتحرير في صقيع قولو و بلدة الطينة الحدودية في إقليم دارفور لم يتمكن الجلابة الشماليين. من إدارة حرب الاخوة ( المهمشين الأشقاء ) ببعض البعض في الإقليم على طريقة ضرب المهمشين بالمهمشين في الجنوب. ( جيش ومواطنيين)
اللقاء صعب بين محاربين من بيت واحد ، ولذلك هرب اللواء عبد الله سيد احمد قائد منطقة مشاة الغربية إلى الخرطوم لترسل الهيئة االمتخصصة في بيع الجنود أحد الضباط من أبناء الطبقة الراقية أيضا يدعى جنرال يدعى عصمت عبد الرحمن. فاخفق إخفاق أفضلها الموت فقد كان حاضرا حينما دخل خمسين رجل إلى حاضرة اكبر سلاح مشاة في السودان ( رئاسة الفرقة التاسع مشاة الغربية ) في مدينة الفاشر .

أوحى الشيطان إلى اللواء ذو العين الواحدة مدير الأمن العام الجنرال صلاح قوش فعمد إلى تجنيد مجرمين على شاكلته ، وقطاع طرق وأبناء لقطاء عابرين، بهدف طمس القرى ، وممارسة البغي و وسفك الدماء .
إنهم يوغرون صدور المحاربين الغرابة بالحقد والكراهية تعينان حرب لا تنتهي أوارها.
للتذكر فان الجنرال الراقص الذي يرأس الدولة وعد في أولياته حكمه بسحق الكولونيل وجيشه . وأعلن في أعقاب عمليات صيف العبور انه قضى عليه نهائيا والى الأبد . ما أشبه الليلة بالبارحة!!

زفي عوج فشل المؤسسة العسكرية في القضاء مواطني الدولة السودانية وبعد أن نشب ثورات في مختلف الاتجاهات قامت الهيئة العسكرية في الخرطوم بترفيع الجنرال الراقص إلى رتبة مشير أركان حرب في الجيش السوداني. انهم يرفعون أنفسهم كما يشاءون ويشاء لهم الهوى.

ضمن المؤسسات الوطنية التي ستخضع إلى للتغير الجزري والبناء في فترة السودان المعاصر المؤسسة العسكرية ستعاد هيكلتها على أسس وطنية وبعقيدة وتربية وطنية حتى تسير مؤسسة سودانية معتبرة.

توزع أبناء المهمشين في جنوب البلاد بين قتلى وأسرى وجرحى ، لم تتمكن مؤسسات الجلابة الفاشلة من زيارة ذوي الجند القتلى و الأسرى في أي إقليم يكونوا لتقول لهم عبارتها المضمرة ( نبلغكم ان كلابكم الذين أخذناهم إلى الجنوب قد ماتوا جميعا).



#سليمان_عبد_المنعم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزم تصلح كخطوات قبل بد جولات التفاوض القادمة في ابوجا بين ال ...
- اقليم دارفور تعبيرعن عجز الدولة في السودان


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سليمان عبد المنعم - السودان : خلل هيكلي تعانيه مؤسسات الدولة ، نموذج المؤسسة العسكرية