|
الأحمر, لونًا ودلالةً عند أورهان باموك
كاميران حرسان
الحوار المتمدن-العدد: 4237 - 2013 / 10 / 6 - 18:48
المحور:
الادب والفن
"اسمي أحمر" روايةٌ تاريخيةٌ تتمحورُ أحداثها حولَ جريمةِ قتلٍ اُرتكبت بحقِ أحدِ الرسامين الذينَ كانوا يعملونَ لصالح البلاط السلطاني في نهايةِ عهدِ السلطان العثماني مراد الثالث. تجري أحداثُ الروايةِ في تسعةِ أيامٍ مثلجةٍ من شتاءِ عام (1591) في اسطنبول.شُرِعَ بطلبٍ من السلطان العثماني بتجهيزِ كتابٍ مزوَّدٍ بالرسوم ممجِّداً السلطانَ وإمبراطوريتهِ العظيمة. التوصية تتضمن رسم بورتريه للسلطان بالأسلوب الفينيسي الجديد، الذي يقوم بصياغةِ وصفٍ لملامحَ فرديةٍ للإنسان بصورةٍ مكانيةٍ منظورة. هذا الوصفُ الحقيقيُ للواقع من منظور الإنسان، شرٌ عميقٌ حسب رأي البعض من المتزمتين، إذ أنه مخالف للمعتقدات والقيم الإسلامية -الإسلام يحرم وصفاً واقعياً في الرسم لملامح المرء والأشياء ويفترضُ أن تكون صورةُ العالم مرئيةً عبرَ منظورِ الإلهِ للإنسانِ. بيدَ أن عدداً من الرسامين المهرة ينجذبونَ نحو التحديات في الفن الرينيـسانسي. فمسألة الجمال والجمالية في الفن الحقيقي هي: هل يدوم الفن الحقيقي في المحافظة على استمرارية تقليدٍ, عبر محاكاة المعلمين القدامى، أم أنه ينبثق عبر الخلق والفردية الخالصة؟ إذاً هو في الأساس دينيٌ، فلسفيٌ وسياسي. إنه صراع على حواس الإنسان ، صراعٌ مرتبط بفهم الواقع. هل ستقود نظرة الفنان –المتفرج- إلى رؤية الخالق الوحيدة للأشياء لكي يتسنى لنا رؤية المرء والأشياء عبر منظور الرب، أم سيكون بمقدورنا وصف الواقع عبر رؤية المرء للأشياء؟ هذه المسألة تؤدي إلى العنف والموت في حكاية (أورهان باموك) المتلألئة بسوداويتها. للروايةِ قيعانٌ عدةَ تتحركُ على أرضياتها أحداثٌ ووقائعُ تدورُ في محاورَ متعددة. محور جريمة القتل وتداعياتها، قصةُ الحبِ الناريةِ بين (كارا و شكريَّـه) ومحاورَ أُخرى لها امتداداتٌ نفسيةٌ، فكريةٌ وتاريخية. فمقتلُ الرسامِ (إليغانت)- أحدُ الفنانينَ في المشغلِ السلطاني- جعلت أنظارَ البلاط و شكوكهُ تحومُ حولَ حلقةِ الرسامين العاملين تحتَ إمرةِ المعلمِ (إينيشته) إذ ينبغي البحثُ عن القاتلِ بينهم .كما يُقتلُ لاحقاً المعلمُ (إينيشته) مؤسسُ المشغل الذي كُلف بإنجاز الكتاب السلطاني المصور بمساعدة أمهرِ رساميه بينهم الرسامُ المغدور (إليغانت). المهمةُ في غاية ِالسرية، ينبغي على الرسامين أن لا يدركوا من فحوى المهمة إلا القليل. بالرغم من هذا يتنامى شعورٌ عندهم بأنهُ ثمةَ تهديدٌ موجهٌ إليهم من الخارجِ ومن داخلِ أنفسهم ذاتها، إذ أخذت أصواتُ السلفيينَ تنمو ويتعالى هديرُها في العتمةِ.يشعرُ الفنانونَ بخشيةِ أن يوصموا بوشمِ الضلالةِ والإجحاف من قِبَلِ الداعيةِ (نصرت خوجه) من (أرز روم) وأتباعهِ المتزمتين ،كما كانت لديهم مخاوف من غضبِ السلطانِ وبطشهِ لعدم وضوح نواياه وعدمِ فهمهم لمقاصدهِ. كذلك ينبعُ التهديدُ من باطنِ دخيلتهم ذاتها متجلياً في أحاسيسِ الخزيِ والعارِ التي تعتريهم، تجاه ما هم على وشك القيام به من تغيير صميمي وتحديثٍ لمعالمِ الفن الإسلاميِّ و طبائعِ تكوينه.يلهو (أورهان باموك ) مع الحقيقة ،كذلك مع الأدب بمصادر مخفيةٍ و ظاهرة . كما تلهو شخوص الرواية مع بعضها لهواً عنيفاً ومضلِّلاً، متلاعبةً بالكلمات المنطوقة أو المكتوبة، بالصور والمرايا، انعكاساتها. روايته أنسجةٌ متينةٌ، حُبِكت بفطنة اللون وتناغم الأشكال وتجانس الرؤى ، غنيةٌ بمدارك العين، مشاجب الطيف وبواعث الحس ، تسرح فيها خيالاتُه وأحاسيسه المتوافدة إلى تراكيبَ من دعابةٍ سوداء، عنفٍ، صبوةٍ وسرعةٍ في البديهة. رغم أن (اسمي أحمر) روايةٌ تاريخية ،فهي تعتبر كذلك من أكثر رواياته شمولاً لسيرتهِ الذاتية وقد أشارَ (باموك_المولود في 1952) إلى هذا في العديدِ من المناسبات. عاشَ ( أورهان باموك) وشقيقهُ في كنفِ والدتهما التي أحاطتهما بالرعايةِ والحنان، فتباريا و تنافسا عليهِ وقد ظهرت الكثيرُ من معالمِ هذهِ العلاقة في (اسمي أحمر). حصلَ في مرحلةِ الإعدادِ لهذا العمل التاريخي على مساعدةِ بعض المختصين في التاريخ العثماني ومنهم زوجتهُ التي لهُ منها طفلة، اسمُها (رويا) ويعني الحلم وكذا تحملُ إحدى الشخصيات الرئيسة في روايتهِ السابقة (الكتابُ الأسود) اسم (رويا). الروايةُ الجديدةُ مهداةٌ لرويا، لابنتهِ، لبطلةِ الروايةِ السابقة أو للحلم. الأسلوب في (اسمي أحمر) بالمقارنة مع (الكتاب الأسود) أكثرُ كثافةً. تمتازُ الجُمَلُ بالقصر،ِ التراكيب رصينة ، متينة النسج تمتازُ بالصرامة و الدّقة في انتقاء المفردة . المفردات غنية لكنها تتنوع مراعاةً لتعدد احتمالات السَّردِ التي تضفي على الرواية تميزاً. فالتحديد في كل منظور خاص ، يمنح الرواية ومضاً من التشويق، خفة في الظل ، ملهاةً على الطريقة الشكسبيرية للحكاية القاتمة. السرد لا يقتصر على أبطال الرواية الرئيسين بل يمتد إلى أكثر من ذلك، إلى أشياء كجثة المقتول التي تقوم بسرد وقائع قصتها لاعنة مصيرها البائس وقاتلها المشؤم كما يجعل الكاتب صورة كلب تتحدث إلينا وقطعةً نقدية من الذهب عن أسفارها كما يقوم الشيطان بالسرد وكذا اللون الأحمر. تنقاد الخيوط في اسمي احمر -قصصها- إلى بعضها بحيث يفلح الكاتب بحَبْك أحداثها في نسيج روائيّ بديع في لوحة فنية رائعة.
#كاميران_حرسان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استيقاظ- للشاعر الايسلندي: سنوري يارتارسون
المزيد.....
-
فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
-
من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة
...
-
إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار
...
-
الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
-
رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
-
جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال
...
-
مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل
...
-
بعد عبور خط كارمان.. كاتي بيري تصنع التاريخ بأول رحلة فضائية
...
-
-أناشيد النصر-.. قصائد غاضبة تستنسخ شخصية البطل في غزة
-
فنانون روس يتصدرون قائمة الأكثر رواجا في أوكرانيا (فيديو)
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|