|
حذار: من النفخ في شرارة الفتنة
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1209 - 2005 / 5 / 26 - 10:29
المحور:
القضية الفلسطينية
يشكل رفض حكم القضاء فيما يتعلق بالانتخابات البلدية الأخيرة في قطاع غزة الذي أعلنه مسئولي حركة حماس ، والذي طالب بإعادة الانتخابات جزئيا في بعض الدوائر الانتخابية بادرة خطيرة في كيفية التعاطي مع القضايا التي تتعلق بالشأن الداخلي ، خاصة وأن الشعب الفلسطيني يمر بمرحلة دقيقة وصعبة ، ومن ثم فهو بغنى عن هذه التجاذبات التي لا تخدم مصلحة الشعب في مجموعه بقدر ما هي نتاج حسابات عنوانها المصلحة الخاصة لهذا الفريق أو ذاك.
ولعل أخطر ما يمكن قراءته في تصريحات مسئولي حماس هو أنها تضع نفسها فوق المؤسسة القضائية وفوق القانون إذا لم يتفق ومصلحتها ، وكأني بالمصلحة العامة يجب أن تكون محكومة لشرط مصلحة هذا الطرف أو ذاك ، وكل يريدها وفق رؤاه وأفكاره السياسية والأيديولوجية ، ومن ثم إذا كانت الوقائع لا تتناسب وما يريد ، فإنها عندئذ تكون مجافية وضارة على اعتبار أن كل طرف يكثف ويختزل مصلحة الوطن في حدود أجندته الخاصة ، في نزوع إرادوي لا يرى الموضوعي بشروطه القسرية .
لقد جرت الانتخابات البلدية وشابها بعض الثغرات ، شاركت فيها الأطراف المختلفة ، غير أن الرد على الأسئلة والاتهامات المتبادلة ، إنما يجب أن يتم في إطار ولاية القضاء المختص ، بعيدا عن الإرهاب السياسي والفكري من أي جهة أتى ، وإذا ما تم التوجه إلى الجهة القضائية المختصة بموافقة الجميع ، فإن أبسط قواعد العمل الديمقراطي عندئذ هي قبول النتائج التي يسفر عنها النظر في الدعاوى المرفوعة أمام القضاء باعتبار أن هذه المؤسسة يجب أن تكون فوق كل القوى ، انطلاقا من مبدأ علو القانون واستقلال القضاء كأحد مكونات أي نظام ديمقراطي .
ولذلك فإن التشكيك في نزاهة القضاء والطعن في الأحكام الصادرة ، إنما يمثل المدخل الخطأ في علاقة القوى السياسية بعضها البعض ، لأن المستقر قانونا أنه إذا كان أحد أطراف الخصومة يشكك في موضوعية القضاة لسبب جوهري فكان الأولى به أن يقوم بطلب رد من يرى ردهم من القضاة وفق حيثيات قانونية قبل النظر في الدعوى، لا أن يأتي بعد صدور الحكم القضائي لغير صالحه ويتحدث عن عدم قبول الحكم تحت أي مبرر كان ، بذريعة عدم نزاهة القضاة وتعرضهم للضغط ، لأن ذلك من شأنه أن يطرح علامة استفهام حول النوايا الحقيقية ، ليطال صدقية كل اللغة المستخدمة بخصوص الوحدة وقبول الآخر ، والتي يبدو أنها لا تعدو عند مقارنة الأقوال بالأفعال أن تكون مجرد دعاية تكذبها الوقائع .
وطالما أن هناك يقين وثقة لدى القوة المتضررة من الحكم القضائي في حضورها الموضوعي ومن ثم ثقلها في الواقع الفلسطيني فلِمَ الخشية إذن من التوجه للجماهير مرة أخرى ، إذا ما ثبت أن هناك خللا فادحا وفاضحا قد شاب العملية الانتخابية من أي طرف كان أفقدها إن كليا أو جزئيا شروط صحتها ، ومن ثم فإن التوجه للجماهير لتقول كلمتها للتصحيح عبر صناديق الاقتراع هو الطريق الوحيد لتأكيد أي حق لأي طرف كان ، لأن من قال كلمة نعم في الجولة السابقة عن وعي ، لن يغيرها في المرة اللاحقة ليأخذ بعد ذلك كل ذي صاحب حق حقه .
هنا فإن من شأن الشحن الحزبي للمناصرين والأعضاء أن يشكل خطرا على نسيج المجتمع الفلسطيني ، ومدخلا للولوج إلى دوامة الصراعات التي قد تغلب التناقضات الثانوية على التناقض الرئيسي مع الاحتلال الصهيوني ، الذي لا زال يمارس التعدي المستمر على الجماهير الفلسطينية على امتداد مساحة الأرض المحتلة رغم حديث التهدئة في غياب التقييم الموضوعي للواقع ، بعيدا عن الفعل ورد الفعل والانفعال وتحكم العواطف .
ويصب في مجرى التوتير الحديث الذي أعلنته حماس من إعادة النظر في التفاهمات التي تمت بين الأطراف الفلسطينية في مجموعها في القاهرة في الأشهر القليلة الماضية والتي مثلت إجماعا وطنيا عاما بجوانبها السياسية والتنظيمية والكفاحية ، وكأني بالقائمين على الأمر هنا ربطهم بين تلك التفاهمات والحصول على " جائزة " خاصة مقابل ذلك ومن ثم فإن عدم الحصول على ما يريدون سيدفعهم للتنصل من كل ما من شأنه أن يخلق مناخا سياسيا وأمنيا يصلّب من القدرة على مواجهة الاستحقاقات السياسية القادمة ، وهو يمثل بشكل من الأشكال نفخا في شرارة الفتنة التي يجب أن يتصدى لها الجميع من أجل وأدها .
إن فقدان البعض للقدرة على القراءة الصحيحة للحظة وشروطها حري به أن يخلق وضعا فلسطينيا غير صحي بالمعنى السياسي والاجتماعي والأمني ، سيدفع ثمنه بالضرورة الشعب الفلسطيني بكل قواه ، في وقت يحتاج فيه الجميع إلى تغليب روح الوحدة ومنطق العقل والحرص المشترك على حل الخلافات عبر الحوار حتى يوفر الجميع جهدهم الواحد للمعركة الرئيسية التي لازالت قائمة مع العدو الصهيوني رغم كل الضجيج الإعلامي حول الوعد بالولوج إلى التسوية السياسية والتي تفضحها ممارسات العدو الصهيوني اليومية على الأرض ، ولعل أبرزها استمرار العمل في جدار الفصل العنصري الذي يصادر الأرض وكل مظاهر الحياة.
ولعل من أكثر الأمور خطرا في هذه اللحظة بعد ذلك ، هو حديث أي قوة من قوى المجتمع عن الاستقواء بالشارع على قوة اجتماعية أخرى لأن ذلك يعني الاستقواء المتبادل بما يعنيه ذلك من الانزلاق باتجاه دوامة العنف ، وهو ما استطاع الشعب الفلسطيني أن يتجاوزه في محطات عديدة من خلال حنكته وتجربته وقدرته الدائمة على توجيه الصراع نحو التناقض الأساسي ، وذلك بتجنيب المجتمع بكافة مكوناته الصراع في الشارع بنقله إلى ميدان الحوار عبر المؤسسات الشرعية ومن ثم إلى فضاء التنافس عبر صناديق الاقتراع مؤخرا .
وإذا كان من حق حماس أو أي قوة أخرى أن تدافع عن حقها في الاستقطاب الجماهيري وفي الوصول إلى مركز القرار ، فإنه وبالقدر نفسه ليس من حق أي قوة أن تصادر حقوق الآخرين بالادعاء أنها الشعب والشعب هي ، لأن تلك الحقوق محكومة بقوانين الوحدة المجتمعية التي تحتوي الجميع ، ولذلك فإن الدفاع عن ذلك الحق لا يتأتى إلا من خلال القنوات الشرعية وعلى رأسها السلطة القضائية الشرعية إذا ما لحق البعض غُبنا أو ضررا ، وبموازاة ذلك يجب أن لا يكون هناك أي قيد على أي قوة من أن تعبر عن رأيها بشكل سلمي ضمن ضوابط القانون والنزاهة الفكرية والأخلاقية شرط عدم التعدي على حقوق الآخرين .
إن الحكم القضائي بإعادة الانتخابات في بعض المراكز الانتخابية في القطاع ، لا يجب أن يغيب ولا للحظة قيمة وأهمية وضرورة الوحدة الوطنية ، ومن أن صندوق الاقتراع هو من يقرر نتائج التنافس بشفافية ونزاهة ، وهو في الوقت نفسه يتطلب الوقوف بحزم وبقوة أمام كل من ثبت تلاعبه أو تورطه فردا كان أو قوة سياسية بالقواعد واللوائح والضوابط القانونية المنظمة لعملية الانتخابات ، دعاية أو تصويتا ، لأن من فعل ذلك بالتأكيد لا يريد خيرا لمجموع الشعب الفلسطيني ، وحَكَمَتْه عقلية الانتصار للحزب القبيلة ، أيا كان هذا الحزب في الضفة أو القطاع ، ومن ثم فإن ذلك الفعل إنما يمكن تكييفه في إطار العمل التخريبي وعن سابق إصرار ، وهو بذلك يستهدف السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية الأمر الذي يستوجب الملاحقة القضائية .
وأي محاولة لتبرير تلك التجاوزات التي تم رصدها في الضفة والقطاع وفق الوقائع المسجلة من أي جهة ، تضع علامة استفهام حول مستقبل العمل السياسي الفلسطيني الداخلي وعن الحالة التي يمكن أن يكون عليها المشهد السياسي إذا ما استطاع من يبرر التجاوز ، القبض على السلطة ، لتكبر بعد ذلك الشكوك حول صدقيّة ما يتم تداوله حول الديمقراطية وقبول الآخر .
وأخيرا لا يمكن أن يدّعي أيا من الطرفين أنه يمثل الشعب الفلسطيني وحده وعليهم أن يغادروا عقلية " الأنا " التي تصادر الآخر ، ذلك لأن الشعب الفلسطيني هو لكل وبكل أبنائه وقواه بكافة ألوان طيفها السياسي والفكري ، وعليه يجب أن تكون الانتخابات هي المدخل الوحيد لخلق حالة ديمقراطية مجتمعية تؤكد ثقافة المساواة وقبول الآخر وتداول السلطة ، بدلا من أن تكون مدخلا للتنازع والإلغاء ، وعلى الجميع أن يعي أن التصعيد الصهيوني الراهن لا يجب قراءته بمعزل عما يجري راهنا في القطاع والضفة .
فالعدو الصهيوني لا يوجد لديه حتى الآن ما يقدمه طواعية ، ومن ثم فليدخر الجميع جهودهم لهذا الصراع التاريخي المفتوح مع هذا الكيان الغاصب ، لأن كل ما يجري الحديث عنه من قبل الدولة العبرية لا يعدو أن يكون حملة علاقات عامة تستهدف الرأي العام الدولي ليس إلا . وعليه حذار من الانزلاق نحو الفتنة .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حق العودة : وتصويب المفاهيم
-
فتح ـ حماس : وفخ ثنائية الاستقطاب
-
شجرة الفساد : من التقليم إلى الاجتثثاث
-
الكيان الصهيوني ـ موريتانيا : مَنّ يستخدم مَنّ ؟
-
ديمقراطية بوش : بئس المثل
-
يانواب التشريعي : الزمن دوَّار
-
سوريا : وسد الذرائع
-
النظام الرسمي العربي : طريق التهافت
-
المقدس بوش : ومربط الفرس
-
حزب فرنسا : يلبس عباءة الحريري
-
عباس : حدود المناورة
-
الانتخابات : وقبائل اليسار
-
اللاجئون : بين عباس وشالوم ومفهوم الوطن .
-
!!!الوطن:وشرط الحزب القبيلة
-
الحوار المتمدن : فضاء مشع يدافع عن الحق والحقيقة
-
حماس : خطوتان للوراء ، أم انحناءة للعاصفة ؟
-
الانتخابات : بين التمثيل النسبي والأغلبية المطلقة
-
مروان البرغوثي : قرار الربع ساعة الأخير
-
الانتخابات : عباس والبرغوثي وما بينهما
-
ديمقراطية فتح : الهرم مقلوبا
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|