|
شعرية الانفجار عند ايمان الونطدي -2-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4235 - 2013 / 10 / 4 - 20:30
المحور:
الادب والفن
شعرية الانفجار عند ايمان الونطدي -2- **************************** اذا كانت نسقية الانفجار التي تعتمد على التشظي والتجزيء ، فان ديوان "أمهلني ....بعض العبث " ، يستجيب لهذه الرؤية ولهذه النظرية ، فأنت داخل النص لا تمتلك الا ان تجد نفسك خارجه ، فنصوص ايمان الونطدي لا تخيرك بين السر أو الهروب من جمالية القصيدة ، بل تبهرك بقدرتها الكبيرة على قذفك خارج النص ، ضدا على الانغلاق النصي الذي اعتمدته المرسة البنيوية في مقارباتها النقدية ، اذ جعلت كل شيئ مرتبط باللغة ، أي بأحد أهم أسس العملية الابداعية حيث ترى " البنيوية الفرنسية المحدثة " أنه اذا كانت اللغة هي التي تقوم بتشكيل وصياغة ما نعرفه عن العالم ، فانه يمكن القول بأن اللغة تشكل معرفتنا بالعالم " 1- ، مما يجعلنا امام نظام من النسق اللغوي لا يمنحنا القدرة على معرفة ما هو خارج اللغة . وهذا ما تضحده قصائد ايمان الونطدي ، ليسبح معها خارج النص حسب تعبير ميشيل لولوش 2- للوقوف على مفهوم "خارج النص المرجو العودة الى كتاب ميشيل لولوش بو رخيص أو نظرية الكاتب " . تقول ايمان الونطدي في احدى قصائدها المعنونة ب : هاته ال أنا : سراب وخاصرة الريح تراقص ليلة صماء وهاته ال أنا تحوم حولي مثخنة بالدهشة مفعول بها كلما شقت علاماتها سواد السؤال الحنين لذلك المكان ضجيج ، قهقهة صبايا ، فناجين شاي سيجارة تحرق سويعات الضجر ذاك الركن يرتق ما تبقى منا حكاية قديمة ، لوحة جدارا يشاكس ذكرى ... العزف على تفاصيلي يغري فا...صول..لا...سي...دو يتلاشى رنات رنات ملعونة تفاصيلي ممنوعة من الصرف وتر ولحن عطف يجرني كلما حان النصب كورال يشدوني عرافة تبتر كف الرؤيا بدمي تكتبني فراغا وسرابا . نحن هنا أمام قصيدة شظايا ، تلملم العالم في كلمات بسيطة ، لكنها لملمة ليس بوسعها الا ان ترتهن لاكراهات شعرية الانفجار ، فالقصيدة تنطلق من السراب وتنتهي عند السراب ، وبين السرابين عالم من الشظايا والجزئيات التي تتقاذف" ال أنا " بين تخومها كجسد ليس له الا ان يرتق أوقاته بين هذه الأجزاء . ولعل من بلاغة الكتابة الكاليغرافية التي طبعت بها الكاتبة ضمير الأنا ، بتفريقها بين "أل التعريف " وبين أنا "الضمير المجرد ، الذي يمكن أن يدل على اي أنا ، التفاتة سيميائية لها دلالتها العميقة في انكتاب القصيدة المعاصرة عبر طرائق متعددة ، كوسائط دلالية ، تفترض قارئا من نوع خاص ، قارئ يصّاعد مع القراءة ، كفعل ترانسدستالي في عالم الشعر الواقعي . ويمكن القول مع بارت : لم يعد تقويمنا للعالم يتوقف على الأقل من الناحية المباشرة على التعارض بين النبيل والحقير ........ليس ثمة وسيلة للافلات من استلاب المجتمع سوى الوسيلة التالية : أي الهروب الى الأمام : فكل لغة قديمة مفهومة -3 . ونحن بحاجة الى الجهد والتعب كما قرر قديما عبد القاهر الجرجاني ، لكن لم يكن له تلامذة ، فقد قرر منذ القرن الرابع الهجري ، أن الكلام الناجح ينطوي على "شدة ائتلاف في شدة اختلاف " 4-، مما يجعل للجمالية التعبيرية هرمونيتها التصويرية ، فالكلام الجميل " يريك التئام عين الأضداد "5-انه جوهر فلسفة أو نظرية ما بعد الحداثة التي تتأسس على التجزيئ والتشظي ، وهو ما يرافق بعمق تطور الفيزياء النووية . لكن كيف يمكن لشاعرة مثل ايمان الونطدي أن تتقاطع مع جميع هذه الحقائق العلمية والنقدية والفلسفية في قصائدها ، هل نلتمس لها عذرا فيما أقره قبل قرن أحد الشعراء الألمان وهو هوسرل ، بكون الشعر هو أم العلوم ؟ . في الشعر لا يمكن الاطمئنان لعقيدة نظرية ما ، فالشعر هو الحياة ، والوجود ، والحياة بطبيعتها كما عودت الانسانية دائما أبدية التجدد والتحول ، وكلما اكتشف الانسان حقيقة الوجود الدائمة التغير ، كلما تجاوز اطمئنانه القديم . وحدة التنوع او تنوع الوحدة هي جدلية قديمة نسبيا ، ظهرت في ستينيات القرن الماضي ، لكن هذا التنوع بدأ يأخذ بعد التجزؤ ، والتشتت ، والتفتت ، أصبح العالم اليوم أكثر تمزقا ، وليس هناك أقدر من الشاعر على الاحساس بهذه الحقيقة ، يقول كمال أبو ديب في احدى دراساته " ان هذه الظواهر تمتلكها في الحقيقة دلالات جوهرية تنشأ من العلاقة الجدلية بين الشعر والعالم ، بين الشاعر والوجود ، مكثفة فيما بدأت أسميه في دراساتي " البنية المعرفية " 6. هذه البنية الحيوية لابد وأن ترتبط بوعي الشاعر الذي يلتقط عناصر انطباعاته في تفاعل غامض ليشكل من شظايا العالم وأجزائه لحمته الحيوية . ولكي نخلق حيوية في الشعر علينا ان نبتكر صورنا الشعرية ، ان نحطم المتوارث الفاسد الجاثم على خيالاتنا ، الذي يحصر ويمنع انبثاق حيوية الخيال عند الانسان ، وبخاصة الانسان الشاعر . ان النمطية والتماثيل القابعة في أعماقنا معوقات يجب تحطيمها للانطلاق نحو رحابة الذات والواقع والكون ، فالعالم لم ينته مع الأولين ، كما لم ينته مع المحدثين ، وهو حتما لن ينتهي معنا . مسؤوليتنا تكمن في بعث واحياء ، او على الأقل تشغيل قدرات الانسان ومواهبه الشعرية التي تتكئ أساسا على الصورة الشعرية التي كتب فيها الأولون كتابات لاعد لها ولاحصر ، لكنها ظلت كتابات انشائية ومستنسخة ، الا في أشكال نموذجية عالية. والصورة الشعرية في قصائد ايمان الونطدي لا تتكئ على الجاهز ، ولا تعتمد على النمطي ، انها صورة من صلب تفاعلها الشعري وحيويتها الشاعرية " نعم يمكن القول ان الصورة الشعرية في ابتكاريتها تمنح اللغة مستقبلها 7 ....باشلار لنتابع هذه الكائنات المتناثرة وجوديا والملتحم شعريا ، والتي لا يمكن لغير قدرة شعرية عالية أن تلملمها في أشطر قصيرة : سراب -خاصرة الريح - ضجيج - قهقهة صبايا -فناجين شاي - سيجارة -سويعات الضجر - ذاك الركن - لوحة قديمة ، جدار - عزف - انها تفاصيل ترصد ايقاعها الموسيقي في ذهنية الشاعرة المتوقدة . نحن هنا امام مستويين من الانجاز الشعري ، انجاز يتكئ على الوعي وانجاز آخر يتكئ على الوحي ، فلكي تهرمن أو تنسق بين دلالات متخيلة ، ودلالات كائنة في سلم نفسي يبدع احدى أرقى مستويات التعبير الشاعري والفني وهو الموسيقى ، التي رمزت لها الشاعرة ب حروف السلم الموسيقي : دو ري مي فا سو لا سي دو ، عليك أن تجيش كل مداركك وقدراتك ومواهبك الابداعية لتوحد جزيئات انشطارك وشظايا انفجارك . استطاعت الشاعرة ايمان الونطدي ، ان تمنحنا لذة مضاعفة من خلال ديوانها الجميل والعميق " امهلني ...........بعض العبث " ، وهي بذلك تؤسس لتجربة شعرية تتكئ على الحس الفردي الذي لولاه لبقيت القصيدة العربية حبيسة سجن القوالب التقليدية التي تحصر الشعر في حسابات محددة وثابتة ، رغم أن الشعر بطبيعته لا يعترف بالمحدد والثابت .
المراجع ****** 1-- انها أهم مرتكزات النظرية البنيوية 2-- للتوسع في مفهوم " خارج النص" ، المرجو العودة الى كتاب رفائيل لولوش "بورخيص او نظرية الكاتب " بالفرنسية . 3--لذة النص ، رولان بارت ، مترجم ، ص : 17 4-- يوسف اليوسف ،مجلة الوحدة ، العدد 49 -1988- ص :12 5--نفسه 6--كمال أبو ديب / مجلة فصول ، المجلد 15 العدد الثاني 1996 .ص: 41 7--باشلار ، شعرية الحلم ن بالفرنسية .ص : 6 .....جوجل
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لاسقوف للعبارة
-
المغرب وريح الشركَي
-
عالم جديد في طور التكوين -3-
-
انصفوا عمال الانعاش الوطني
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-20-
-
عن الدخول الثقافي بالمغرب
-
اعدموا الصحفي علي انوزلا
-
البحث عن الغائب الحاضر -رواية -19-
-
تجربة العدالة والتنمية الفارغة
-
لذة السقوط
-
عالم جديد في طور التكوين -2-
-
طريق النسيان
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-18-
-
سفر في مقهى -الرايس -
-
عالم جديد في طور التكوين -1-
-
وجع بوجهين
-
لماذا تم تأجيل الهجوم على النظام السوري ؟
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-17
-
انا من هنالك
-
أنا من هنالك
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|