حسن كمال
الحوار المتمدن-العدد: 4235 - 2013 / 10 / 4 - 15:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعتبر مسألة نزول الوحى على الرسول ( محمد ) من أكثر المسائل المثيرة للحيرة فى الإسلام, فوفقا للفكر الدينى نزل الوحى على مدار نحو 23 عاما وكان ذلك من خلال ( جبريل ) الذى كان الوسيط بين الله و الرسول , حيث نزل جبريل على الرسول فى غار حراء ليقرأ عليه الوحى ويقوم بتبليغة للناس.
و هنا سوف نثير عدة تساؤلات لمعرفة تلك الظاهرة المحيرة والمثيرة للجدل .
هل كان الوحى شفوى أم مكتوب ؟
لا نعلم هل كان الوحى " شفوى " يبلغ للرسول عن طريق الكلام و السمع ؟ أم كان الوحى " مكتوب " يبلغ للرسول عن طريق كتابات تنزل للرسول ؟!
ولم يحوى القرآن قصة نزول الوحى بالرغم من مدى أهميتها, ولكن هناك حديث مروى عن عائشة يفهم منه أن جبريل قد نزل فى هيئة رجل و قد يكون معة شىء مكتوب للرسول وبه أول اية نزلت فى القرآن ( اقرأ بأسم ربك .. الى أخر الأية ) .
و لكن أعتقد أن مسألة نزول الوحى مكتوب غير صحيحة , فالرسول لا يعرف القراءة ولا الكتابة فكيف سيقرأ ؟ ثم من أين أتى ( جبريل ) هذة الورقة المكتوبة ؟ ومن كتبها ؟
وتقودنا هذة النقطة لسؤال أخر مثير للحيرة و الجدل !
هل الله يكتب و يتكلم ؟
فالسؤال الآن و المثير للجدل, فالله لا يكتب مثلنا حتى يمكنا أن نقول أن الله كتب الوحى و أعطاه لجبريل حتى ينزل به على الرسول لتبليغة للناس !! و أيضا لا يمكنا أن نقول أن الله يتكلم مثلنا حتى نقول أن الله بلغ جبريل بالوحى حتى كتبة جبريل لينزل به على الرسول ! فالله لا يتكلم ولا يكتب , وذلك لأن الكتابة و القراءة هى من الصفات البشرية, و من غير المنطقى أن يشترك الله معنا فى الصفات البشرية لتناقض ذلك مع قول الله فى سورة الشورى " ليس كمثلة شىء " ! .
إذن الله لا يتكلم ولا يكتب مثلنا حتى يخاطب جبريل والرسول , فالسؤال مازال من غير إجابة , ( كيف نزل الوحى ؟! ) .
تناول د. نصر حامد أبو زيد فى كتابة ( مفهوم النص – دراسة فى علوم القرآن ) مسآلة الوحى و كيف نزل الوحى على الرسول وغيرها من المسائل المثيرة للإهتمام المتعلقة بعلوم القرآن فى هذا الكتاب الهام. إذن ماذا قال نصر حامد أبو زيد ؟
الوحى, وظاهرة اتصال البشر بالجن
ذكر د. نصر حامد أبو زيد, أن العرب قبل الإسلام قد أدرك ظاهرتى ( الشعر والكهانة ) بوصفهما ظاهرتين لهما أصولهما فى عالم آخر وراء هذا العالم الحسى المرئى, هو " عالم الجن" الذى تصوروه على مثال عالمهم ومجتمعهم.
و لأن عالم الجن وعالم البشر عالمان متجاوران فقد تصور العرب امكانية الاتصال بين البشر والجن. لكن البشر القادرين على الاتصال بالجن لابد أن يتمتعوا بصفات خاصة تؤهلهم للتواصل مع هذة المرتبة الوجودية المختلفة. ولأن الجن ليسوا على صفات البشر أو صورهم, فقد كانوا كائنات قادرة على اختراق الحدود الفاصلة بين السماء والارضو وقادرة من ثم على الانباء بالغيب ومعرفة المختفى المستور. هذة المعرفة الخاصة - التى يستطيع الجن تحصيلها باستراقة السمع الى السماء - يمكن لبعض البشر من الخواص اكتسابها عن طريق الاتصال بالجن.
و ربط " أبو زيد " بين قصة نزول الوحى و بين ظاهرة الجن عند العرب قبل الإسلام, فإرتباط " ظاهرتى الشعر والكهانة " بالجن فى العقل العربى, وما ارتبط بهما من ذهن العرب قبل الإسلام بإمكانية الاتصال بين البشر والجن هو الأساس الثقافى لظاهرة الوحى الدينى ذاتها !
فظاهرة الوحى – القرآن – لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع العربى قبل الإسلام , بل كانت جزءا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها وتصوراتها. و هذا ما سهل على الرسول تبليغ العرب وقتها بظاهرة الوحى ! فكان من العسير على العرب استيعاب ظاهرة الوحى ونزول ملك من السماء على بشر مثله ما لم يكن لهذا التصور له جذور فى تكوين العقل العربى والفكرى وقتها.
فالعربى الذى يدرك أن الجنى يخاطب الشاعر ويلهمه شعره, ويدرك أن العراف و الكاهن يستمدان نبوءاتهما من الجن لا يستحيل عليه أن يصدق بملك ينزل بكلام على بشر. لذللك لا نجد من العرب المعاصرين لنزول القرآن اعتراضا على ظاهرة الوحى ذاتها, وانما انصب الاعتراض اما على مضمون كلام الوحى أو على شخص الموحى اليه !
ولذلك لم يكن القرآن فى صياغته للواقع الثقافى بمعزل عن ظاهرة الجن, فهناك سورة كاملة تنبىء عن تحول فى طبيعة الجن وايمانهم بالاسلام والقرآن بعد أن استمعوا له. والسورة من ناحية أخرى تؤكد ما ذكرة " أبو زيد " ما كان مستقرا فى العقل العربى من اتصال الجن بالسماء ومن امكانية اتصال بعض البشر بالجن.
إذا ظاهرة نزول الوحى كانت ضمن الثقافة العربية قبل الإسلام وقتها والتى كانت تتوافق مع ظاهرة الجن .و ماذا عن وسيلة الإتصال بين الله و المرسل و الموحى إليه ؟ فما هى وسيلة الإتصال إذن لتبليغ الوحى ؟!
الوحى و الشفرة
بما أن الله لا يتكلم ولا يكتب مثلنا ولذلك فتصور أن الله كان يكلم جبريل أو يكتب له الوحى لينزل به على الرسول ( محمد ) تصور غير منطقى لتعارض ذلك القران بأن الله ليس كمثلة شىء وعدم إشتراك الله مع الصفات البشرية.
إذن, أقر نصر حامد أبو زيد بإنه كان هناك ثمة " شفرة " تستخدم بين الله و جبريل و الرسول , تم من خلالها نزول الوحى من الله على الرسول من خلال جبريل, فعملية الاتصال هنا كانت تتم عبر شفرة خاصة لأن طرفى الاتصال – المرسل و المستقبل – لا ينتميان الى نفس المرتبة الوجودية. ويصف " أبو زيد " الوحى باتصال محاطا بالسرية والغموض , اتصالات لا يتاح لطرف ثالث أن يدركه. وهذا معنى " الوحى " اللغوى موجود فى الآية 121 سورة الأنعام " وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم " و الأية 112 من سورة الأنعام " يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا" , وعليه فكلمة الوحى المستخدمة فى تلك الآيتين تعنى " الوسوسة " كما تقول المعاجم, وكما يصف القرآن أحاديث الشيطان للبشر فى سورة " الناس " فان " الوسوسة " تعنى اتصالا محاطا بالسرية والغموض, اتصالا لا يتاح لطرف ثالث أن يدركه.
هل الشفرة هى اللغة العربية ؟
إذا كان هناك بالفعل ثمة شفرة معينة تستخدم بين الله و جبريل ثم الرسول ( محمد ) فى توصيل الوحى , فمن غير المقبول ولا من المنطقى أن تكون تلك الشفرة هى اللغة العربية , لأن اللغة العربية فى العصر الجاهلى ووقت نزول الإسلام لم تكن شفرة بعد وكانت اللغة المستخدمة وقتها.
وعليه فكما ذكر ( أبو زيد ) أن الرسول قد يكون ترجم تلك الشفرة وهى الوحى الى القران بلغته العربية , بمعنى أن الرسول قد عرف مضمون الوحى وهو الشفرة ثم ترجم ذلك الشفرة الى اللغة العربية المستخدمة وهو ما يقوله ( أبو زيد ) أن " القران نص تاريخى ثقافى بشرى " جاء من الرسول ( محمد ) وذلك لأن الوحى لم يكن باللغة العربية ولكن كان بشفرة خاصة لا يعلمها سوى الله و جبريل و الرسول بعكس اللغة العربية المعلومة لدى الجميع.
و لكن يثور تساؤل هنا , فالكثير من نصوص القرآن سواء فى الأحكام التشريعية وقتها فيما يخص بالزواج و الطلاق والميراث أو الحدود كحد قطع السرقة والحرابة وغيرها , كان موجود لدى العرب قبل الإسلام !
أى أن العرب قبل الإسلام كان لديهم أحكام كثيرة من الإسلام يطبقونها بالفعل قبل نزول الوحى وذلك من غير نزول الوحى ولا شفرة مستخدمة !! فهل كان العرب قبل الإسلام يعرفون الشفرة ؟! أم هل كان لديهم هم أيضا وحى ينزل ؟! أم ماذا ؟!
طرائق الوحى
يواصل نصر حامد أبو زيد فى كتابة ( مفهوم النص – دراسة فى علوم القرآن ) أن هناك ثمة طرائق محددة عبر عنها النص وهو القران فى كيفية نزول الوحى واتصال الله بالبشر أو كلام الله للبشر وهى على النحو التالى :
الطريقة الأولى وهى ما يطلق عليه " الإلهام " مثل الوحى الى أم موسى والى النحل والى الملائكة, وكل وحى يتميز بالخصوصية والسرية . وفى تلك الحالة يكون الوحى بكلام ليس بقول , أو هو كلام بشفرة غير صويتة , بلغة غير اللغة الطبيعية.
الطريقة الثانية وهى كلام الله للبشر من وراء حجاب وذلك كلامة لموسى من وراء حجاب الشجرة والنار والجبل . وفى هذة الحالة كان الكلام بلغة يمكن أن يستوعبها موسى, فهو قول لغوى, ويؤكد هذا الحوار فى مشهد الرؤية : الآية 143 سورة الأعراف " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارنى انظر اليك قال لن ترانى ولكن أنظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا " . إذن هل يتكلم الله ؟!
الطريقة الثالثة وهى الوحى غير المباشر عن طريق الرسول الملك الذى يوحى للمستقبل باذن الله ما يشاء. وهذة الطريقة كانت هى الطريقة التى تم بها القاء القرآن أو تنزيله.
التفكير خارج الصندوق
أخيرا , فى تقديرى الشخصى أن د. نصر حامد ابو زيد , كان يفكر بشكل كبير فى مسألة نزول الوحى من داخل القرآن نفسة. فهو أعتمد على ظاهرة اتصال الجن بالبشر فى مسألة كيفية اتصال البشر بالعالم الأخر , بالرغم ان ظاهرة الجن تعتبر من العقيدة الخرافية السائد فى العصر الجاهلى الذى كان تحكمة الأسطورة و العقل الغيبى بشكل كبير.
كما أعتمد على طرائق نزول الوحى بالاستناد للقران نفسة الذى كان نتيجة أحدى طرائق نزول الوحى وهى الطريقة الثالثة كما وضحنا سلفا. كما أن الشفرة المستخدمة فى نزول الوحى - نظرا لعدم منطقية ان الله يتكلم أو يكتب مثلنا – كانت ايضا من داخل القرآن بمقارنتها بفكرة الوسوسة التى كانت تأتى من الشيطان للإنسان , فتم قياس الوحى بالوسوسة ومن هنا جاءت الشفرة.
و أرى أنه لا يمكن أن نعتمد على كيفية نزول الوحى بنتيجة الوحى نفسها وهو القرآن, فيجب أن نعتمد على العقل بشكل أساسى لمعرفة تلك الظاهرة والتفكير خارج الصندوق !
و يظل السؤال حائرا الآن
كيف نزل الوحى ؟
#حسن_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟