|
العداءُ للرأسماليةِ في الخليج
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4235 - 2013 / 10 / 4 - 08:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
لم تكن الماركسية المعتمدة في الجماعات الخليجية ترتكز على الماركسية بشكلها الديمقراطي الغربي، أي لم تفهم تحولاتها الإنسانية والشعبية الغربية، وأخذت نسختها المشوهة شرقياً، أي الماركسية التي ذوبت في أنظمة الرأسماليات الحكومية، وهي نسخٌ تكونت في بعض البلدان العربية التابعة إيديولوجياً للاتحاد السوفيتي، ولكن الماركسيات المحلية لم تتطور، ليس فقط لإن أدواتها التحليلية لم تنضج فقط رغم وجود بدايات واقعية مشجعة في النمو الحر الأول، بل لكون البُنى الاجتماعية السياسية الموروثة المهيمن عليها من خلال الإقطاعين السياسي والديني، تتراجع للوراء وهي تدخلُ التبعيةَ للبلدان الرأسمالية الغربية الكبيرة، وهذا الواقع المتناقض غير مرئي للجماعات السياسية، ولهذا كانت شعارات (الاشتراكية) والطائفية والقومية الشمولية هي عملياً مساعدة لهذا الرجوع. فالرأسمالياتُ الغربية عملت على تصعيد القوى العشائرية والطائفية وضرب الرأسماليات الصناعية، ومن هنا كانت الرأسمالية الوطنية المنتجة هي الحل الممكن الموضوعي. لكن هذا يريد أدوات تحليل وطنية بعيدة الرؤية وماركسية ديمقراطية تتفكك من أشكالها الشرقية الشمولية، وتحفر عميقاً في درس الواقع ومساندة الطبقات الصناعية العمالية والرأسمالية. كانت الماركسية شكلُ وعي غربي، فقد عبرت عن ممارسات فكرية وسياسية غربية، ولهذا أختلطتْ بمستوى التجربة والمعرفة الغربية في بعض الدول المتأخرة رأسمالياً، ونمت من خلال الطبقات الشعبية بين تطرف عمالي أولي كما تجلى في مرحلة (البيان الشيوعي)، وبين مقاربة للصراع الديمقراطي بين العمال والبرجوازية الذي تمخض عنه قيام أنظمة علمانية ديمقراطية في بعض بلدان غرب أوروبا التي غدت بعد عقود نظاماً عالمياً، ولهذا كان إنتقال الماركسية من الشمولية إلى الديمقراطية كما تجلى في الاشتراكية الديمقراطية، غير ممكن الانتقال الواسع في أغلب البلدان الشرقية التي لم تتهيأ ظروفها الموضوعية خاصة التطور الصناعي الاجتماعي العلمي لاستيعاب مثل هذا التطور، فهي اعتمدت على شعارات مرحلة البيان الشيوعي، الذي كُرس ونُشر عالمياً بواسطة الاتحاد السوفيتي، فعبر هذا الاتحاد عن مرحلة العمال اليدويين، وقام على تضحياتهم، وهي مرحلة الصناعة الثقيلة وهيمنة الفئات الوسطى والصغيرة على العمال أيديولوجياً، وظهور الدول والقوى السياسية المعارضة الشمولية، وأمكن لهذه المرحلة أن تؤسس دولاً رأسمالية حكومية صناعية في مدد قصيرة نسبياً في التاريخ، وهي مأثرة العمال وقدرة القطاعات العامة على القفزات، ولكن هذا المستوى معوّق سياسياً وعلمياً وتقنياً، وقد ظهرت المشكلات بعد عقود، ولهذا فإن الماركسية (العمالية اليدوية) تتوقف عن التطور، وماركسية العمال والفئات الوسطى والعلوم تحتاج للديمقراطية وتجاوز مرحلة الصناعة الثقيلة، إنها مرحلة المهندسين والعلماء التقنيين وغيرهم ومرحلة الثورة العلمية التكنولوجية كما في الغرب، مرحلة تجاوز الانعكاسات الآلية في فهم ظاهرات التطور. فليس تآكل الماركسية في الخليج وبقية الدول العربية والعديد من دول العالم الثالث سوى لعدم قدرة هذه المجتمعات على تصعيد الرأسمالية المنتجة، إنها صعدت مختلف أشكال الرأسمالية غير المنتجة. إذن إن استيعاب الماركسية من قبل المجتمعات الشرقية كان غير ماركسي، كان استيعاباً رأسمالياً حكومياً سياسياً، كان إنتاجاً لبرجوازية حكومية عسكرية قمعية. كان إنجاز هذه الصيغة يتمثل في توجهها للرأسمالية المنتجة، لكن الذي رفض الأشكال الديمقراطية من سوق حرة وقطاع عام ديمقراطي ومؤسسات سياسية وإجتماعية معبرة عن ذلك. ولهذا فقد بقيت الصناعةُ معوقةً مثل الطبقة العاملة، التي تأثرت بحدة بالانقلاب الرأسمالي البيروقراطي الشمولي الفوقي، ولهذا تتضح مواقع العلاج المطلوبة، ولكن هذه تعتمد على مستوى طبقة عاملة متطور، مثلما ضرورة توسع مواقع البرجوازية الصناعية. إن هذه الثنائية هي ولّادة الماركسية والبرجوازية الديمقراطية، الشكلين الضروريين للتطور الاجتماعي السياسي الحديث. ومن هنا كانت مواقع تدهور الماركسية وجمود الرأسمالية الصناعية في الخليج هي لعدم النضال من أجل رأسمالية وطنية صناعية ونشرها بشكل واسع. والتدهور فيها منتج للعودة للوراء بكل ظاهرات الطائفية السياسية والتمزقات الاجتماعية والأشكال العنيفة في التطور السياسي السابق.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسارُ في الخليج (2)
-
اليسارُ في الخليج (1)
-
أشكالُ الوعي التي تتردى
-
تطورٌ واقعي حذر
-
تباين طرقِ التطور العربية
-
صناعتان وسياستان
-
العنفُ ذروةُ الطائفية
-
تحولات ذاتية
-
تحولاتُ الدورِ الروسي العالمي
-
تحللُ العرب.. سوريا نموذجاً
-
علاقاتٌ مختلفةٌ بين السياسة والثقافة
-
تحللُ العربِ: العراقُ نموذجاً
-
من التبسيطِ إلى المغامرة
-
العصبيةُ والعمران(3)
-
العصبيةُ والعمرانُ (2)
-
العصبيةُ والعمرانُ (1)
-
هيكل والقومية
-
النكوصُ الحضاري
-
عوائقُ التغييرِ
-
ضياعُ المقاييس والعدالة
المزيد.....
-
النيجر.. إطلاق سراح وزراء سابقين في الحكومة التي أطيح بها عا
...
-
روسيا تشهد انخفاضا قياسيا في عدد المدخنين الشرهين
-
واشنطن تدرس قانونا بشأن مقاضاة السلطات الفلسطينية بسبب هجمات
...
-
هل يمكن للسلطة الجديدة في سوريا إعادة ترتيب العلاقات مع بكين
...
-
الرفيق جمال كريمي بنشقرون يناقش غلاء الأسعار وتسييس القفة ال
...
-
إسرائيل تعدل إجراءات الإنذار استعدادا لهجمات صاروخية كبيرة و
...
-
القضاء الأمريكي يرفض نقل قضية ترحيل الطالب محمود خليل المؤيد
...
-
باراغواي تستدعي السفير البرازيلي لديها وتطالبه بتوضيحات حول
...
-
موسكو: سنطور الحوار مع دول -بريكس- ومنظمات أخرى لبناء الأمن
...
-
تبديد أسطورة فائدة أحد مكونات النبيذ
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|