|
الجزء الثاني ل- الحركات الإصلاحية في المدارس القرآنية - : الإصلاح من الداخل دوافعه والنتائج المترتبة عنه
كريمة بوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4236 - 2013 / 10 / 5 - 11:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كان لابد أن ننتظر ردحا من الزمن حتى تظهر قوى في الصراع جديدة تنضاف إلى الحراك في المشهد التونسي تفرض نفسها وتدفع بالمشروع الإصلاحي للتعليم الزيتوني قدما، وتحاول مراكمته شيئا فشيئا و بطرق في النضال جديدة.هذه القوى هُيِّات لها أسباب موضوعية و أخرى ذاتية وُجب الإشارة إلى أهمها.
الحراك الثقافي في المجتمع التونسي الحركة الصُحفية: المتمثلة خاصة في الجرائد الصادرة في تلك الفترة والتي كثيرا ما كانت تشجع وتدعو على أعمدة صفحاتها إلى أهمية الإصلاح التعليمي. وهي أصوات كانت قد نهلت من التعليم العصري وتخرجت معظهما من المدرسة الصادقية* من بين هذه الجرائد نذكر منها الجريدة الأسبوعية " الحاضرة". في هذه الجريدة كتب فيه بشير صفر، سالم بوحاجب أرائهما حول الإصلاح وضرورياته للحاق بأسباب التقدم. و كانت هذه الجريدة من الأوائل التي وقفت ضد محاكمة الشيخ عبد العزيز الثعالبي (1874-1933) الذي سجن بثلاث أشهر حينما إتهمته بعض الطرق الصوفية المتنفّذة بمعاداته للأوياء الصالحين. وإعتبرت التعدي على الأولياء بمثابة الإعتداء على الإسلام ذاته. وهذا وإن دل على شئ فإنه يدل على قوة سيطرة وتأثير الطرق الصوفية التي كانت متغلغلة داخل المجتمع التونسي آنذاك. (1) بالإضافة إلى جريدة " سبيل الرّشاد" التي كانت تُعنى بمواضيع سياسية و تاريخية ذات توجه ليبرالي، نجد أيضا " السعادة العظمى" التي عُدّت منبرا للمحافظين و المحدثين على حد سواء يُبينون أراءهم فيها و يتجادلون عبرها. إلى جانب حركة الصحف في الدّاخل، نشير أيضا إلى الصحف القادمة من المشرق وخاصة من مصر التي كانت محط أعين الكثير من المصلحين التونسيين خاصة منها أفكار مصلحيها مثل جمال الدين الأفغاني (1838-1887) و محمد عبده (1849-1905) من خلال جريدة العروى الوثقى" التي كان الشيخ محمد مصطفي بيرم (1840-1889) والشيخ محمد السنوسي (1812-1900) مثلا من أعضائها ، وأيضا جريدة " المنار" التي كانت تمثل الصلة الفكرية التي تجمع بين جامع الأزهر و جامع الزيتونة. فكانت تنقل إلى مصر ما كان يحدث من حراك في تونس، وتعرض فيها أفكار المصلح محمد عبده ونظريته حول المنظومة الإصلاحية والتعليمية في جامع الازهروالجوامع ككل، وتبين مدى أهمية هذه الإصلاحات للخروج من التخلف الذي باتت عليه الدول الإسلامية.(2) فعبده لم يكن يؤمن بالتحوّل الفجيء للمجتمع و لكن يرى النهضة تتم عبرإصلاح التعليم الذي يجب أن يأخذ بأسباب التقدم ولهذا يدعوإلى إيلائه أهمية قصوى إذ عبره يتم إصلاح المجتمع ككل. وقد توثقت علاقة عبده خلال زيارته الى تونس سنة 1884 ثم سنة 1903 ببعض الشيوخ مثل الشيخ سالم أبوحاجب (1828-1924) والشيخ محمد النخلي (1869-1924) الذين كانا متأثرين بالحركة الإصلاحية التونسية التي أُسس لها من قبل خير الدين التونسي (1820-1898) والقاضي محمود قبادو (1812-1871)، وقد راى فيهما أصواتا أكثر نضجا حتى من نضيراتها في مصر.
الحراك العلمي مثال الجمعية الخلدونية: هي نسبة الى المؤرخ التونسي بن خلدون. وقع إنشاؤها سنة 1896 وهي مباردة فرنسية- تونسية. إستغل خلالها المقيم العام ريني و لويس ماشوال تحمّس بعض الشباب التونسي الذي كان يؤمن بأهمية تعصير التعليم والذي كان يتبنى الفكر السلفي الذي ينادي به محمد عبده في رؤيته لعملية الإصلاح والذي يدعو إلى ضرورة القطع مع الفكر التقليدي، وتبني النظرة العصرية و المجددة في الفكر الإسلامي وضرورة فتح باب الإجتهاد لما يتوافق و العصر الرّاهن. ويرى أن أسباب تخلف المسلمين ليس سببها الدّين الإسلامي بل في فهمها التقليدي للإسلام. كان الهدف من إنشائها هو توسيع لجامعة جامع الزيتونة الذي رفض المحافظون إدراج تدريس علوم دنيوية فيه. فكانت الخلدونية التي كانت مواجهة لجامع الزيتونة مباشرة – لتسهيل تنقل الطلبة من وإليها- بمثابة الحل المؤقت الذي إستطاع المصلحون تحقيقه أمام تعنّت ورفض المحافظين للإصلاح داخل الجامع. تقدم الخلدونية العديد من المحاضرات في مواضيع و مواد مختلفة لم تكن تدرس في الزيتونة وفق طرق و مناهج عصرية. من هذه المواد نذكر مثلا التاريخ، السياسة، الفزياء، الكيمياء، اللغة الفرنسية...
وبهذا تشكلت و بمرور الزمن حركتان فكريتان في المجتمع التونسي تقف الواحدة ضذ الأخرى في مواقفها وأهدافها. يمكن حصرها في معسكرين: الأولى متديّنة محافظة لكن قوية متنفذة، والثانية إما سلفيّة تؤمن بتحديث الإسلام أو ليبراليبة متنورة تؤمن بالتعصير ولا ترى في الدين الإسلامي الا عنصرا من عناصر الهوية التونسية وهي مصرة على ضخ دماء جديدة في المجتمع التونسي. وهذا الإنقسام سنجد صداه في جامع الزيتونة و بالتحديد في صفوف القيّمين على إدارة جامع الزيتونة الذين مازالوا يتمسكون بإبقاء الوضع التعليمي على ما هو عليه، في مقابل الطلبة الذين كان عددهم في إزدياد مطرد والذين وقفوا على الفارق النوعي بين المواد ومناهج التدريس في الجامع. وبين المواد ومناهج التعليم في الجمعيّة الخلدونية أو العلوية ووعوا بضرورة فرض الاصلاح.
الطلبة ومشروع الإصلاح
منذ سنة 1910 دخل طلبة الزيتونة أنفسهم حلبة الصراع. فوقّع قرابة 800 طالب على عريضة يطالبون فيها بضرورة الإصلاح في مؤسستهم. ولما لم يقع الإستماع الجدي لهم عزموا في أفريل من نفس السنة على الدخول في إضراب كما نظرائهم من جامع الأزهر في القاهرة المصرية الذين سبقوا و أن دخلوا في إضراب سنة 1909 وأهم المطالب هي: إدخال المواد العلمية والإنسانية ضمن برنامج التعليم في الجامعة، بعث لجنة لمراجعة الكتب المدرسية المقررة في الجامع، ضرورة مراقبة الأساتذة الذين كانوا كثيرا ما يتخلفون عن إعطاء الدروس دون أي موجب، السّماح للطلبة بإجراء إمتحانات التخّرج خلال ثلاث سنوات لمن استطاع ذالك عوض عن سبع سنوات ثم إلغاء المجبى والخدمة العسكرية لجميع الطلبة. رد المستعمر بالعنف و النتيجة القبض على 17 طالب. وتحت الضغط الشعبي فقد وقع إطلاق سراحهم. سُيّست بذلك مطالب الطلبة ،ولأول مرة تخرج مسألة الإصلاح التعليمي خارج أسوار الجامع لتصبح شأنا شعبيا وسياسيا ووطنيا. إتهم طلبة الزيتونة الشيوخ المحافظين الذين يعارضون أي إصلاح بتواطئهم مع الإستعمار الفرنسي و قاموا بحملة ضدهم . اما الإستعمار الفرنسي وحتى يُهدّئ الوضع فقد وعد بالإصلاح لكن دون أي إنجازفعلي يُذكر. وأمام تنامي عدد الطلبة الذي وصل ثلاث أضعاف ما كان عليه سنة 1818 ، وإصرارهم على ضرورة إصلاح النظام التعليمي أُذن بإحداث لجنة للنظر في مشروع إصلاح سنة 1913 الذي عُرف بمشروع الدنقزلي (1865-1926) نسبة إلى الوزير الاول الذي أشرف عليه بنفسه. لكن هذه اللجنة لم تتم عملها بسبب إندلاع الحرب العالمية الأولى فى1914. لم يرى هذا المشروع النور إلا سنة 1924. حيث تشكلت لجنة جديدة تحت إصرار الطلبة الذين لاحظوا تلكأ الفرنسيين في عملية الإصلاح. في مجمله كان هذا المشروع إحياءا لمشروع ماشوال الذي قدم سنة 1898 و لم يأت بجديد يُذكر. و رغم أن الوزير قد أنهى مسودة المشروع الإصلاحي إلا أن الفرنسيين رأوا فيه خطرا على وجودهم فقبر هذا المشروع مع موت الدنقزلي نفسه سنة 1926 (3) وضع المستعمر أمام الطلبةخيارين: "إما القبول بالتعليم الفرنسي والثقافة الفرنسية وهذا يعني التخلي عن لغتهم العربية وثقافتهم الوطنية أو أن يختاروا الثقافة الاسلامية بتعليمها العقيم" (4 ص43) كان المرسوم الذي سُنّ في ماي 1929 القطرة التي أفاضت الكأس. إذ بعدما كان طلبة الزيتونة المتحصلون على شهادة التطويع بإمكانهم العمل مباشرة كعدول مُنفذين، أصبحوا بمقتضى هذا المرسوم لزوما عليهم إجراء إمتحان في اللغة الفرنسية أولا. هذا يعني أن الطلبة الزيتونين لم يعد لهم مكان في تقلّد الوظائف العمومية و يعني أيضا أن الشهائد العلمية لجامع الزيتونة لم تعد تتناسب مع متطلبات المجتمع التونسي. أدرك الطلبة أن فرنسا ليست فقط غير جادة في إحداث أية إصلاحات في سياسة التعليم الزيتوني بل وعازمة أيضا على تهميش الجامعة الزيتونية حتى لا يعود لها أية أهمية تذكر. دخل الطلبة في 14 ديسمبر سنة 1928 في إضراب بمعاضدة أغلب الصحف والمجتمع المدني. وخوفا من اندلاع مقاومة شعبية أُنشئت لجنة أخرى في جانفي 1929 من نتائجها إلغاء قرار المرسوم، و إحداث بعض الإصلاحات الشكلية على بعض مواد التي تدرس بالجامع. لكن هذه الإصلاحات لم ترض الطلبة و قدموا هم برنامجا إصلاحيا وهددوا بالدخول في إضراب عام مفتوح. إعتبر الشيوخ المحافظون ما قدمه الطلبة من إقتراحات ضربا من "الطفولية" و نوعا من الهذيان و محاولة يائسة لتحويل مؤسسة تقليدية عريقة الى جامعة عصرية وهذا يهدد حسب رايهم اللغة العربية والإسلام نفسه (3) (ص 87).
من الواضح أن الفرنسيين عارضوا القيام باي إصلاح داخل أسوار الجامعة ولكن أرادوا إضعافها من الداخل وإضعاف دورها التربوي والاجتماعي ووضع الطلبة أمام الامر الواقع لقبول التعليم الفرنسي وبالتالي الثقافة الفرنسية.
إختلاف شيوخ الزيتونة حول الإصلاح وانقسامهم
سنة 1931 أُنشئت لجنة أخرى للنظر في برنامج الإصلاح المقدم من قبل الطلبة. المسالة المعقدة التي دوما تظهر في كل البرامج هي : هل يمكن السماح بإدخال العلوم الإنسانية و العلمية مثل التاريخ و الفيزياء و الرياضيات أي " المدنسة" إلى فضاء مقدس مثل الجامع الأعظم ام لا؟ Profane( إنقسمت اللجنة على نفسها: إذ إنحاز الشيخ المالكي محمد الطاهر بن عاشورإلى ضرورة الإصلاح وإدخال العلوم الدنيوية إلى برامج التعليم لمواكبة العصر، في حين عارض الشيخ الحنفي محمد بيرم شيخ شيوخ الإسلام ذلك جملة و تفصيلا. هذا الإنقسام أخذ منعرجا جديدا: إذ تحول كل شيوخ المذهب المالكي إلى تأييد ابن عاشور في رأيه، في حين إصطف كل شيوخ المذهب الحنفي وراء الشيخ محمد بيرم.(5) وتحولت إلى حملات ونقاشات حادة عامة عبرت عنها العديد من المقالات التي نُشرت هنا وهناك على عمدة الجرائد المؤيدة منها و المعارضة: فكانت جريدتي "النهضة" و "التونسي" مثلا مع ضرورة الإصلاح في حين كانت صحيفتي " الزهرة " و"الوزير" ضد كل إصلاح. (6) تحول كل معارض إلى الإصلاحات عدوا للمصحلة الوطنية وبيدقا بيد المستعمرو كل من يؤيد الإصلاح إلى كافر متخل عن ولغته. أراد المعمرون أن يمتصوا الغضب المتزايد ضدهم ومحاولة منهم لتهدئة الوضع عيّنوا بموجب مرسوم في سبتمبر 1932 الشيخ محمد الطاهر بن عاشوررئيسا على إدارة الزيتونة وشيخ شيوخ الإسلام خلفا لمحمد بيرم . لكن مع ذلك لم يسمحوا باصلاحات جوهرية داخل الجامع. في سنة1933 أُنجزت إصلاحات رآها الطلبة شكلية بحتة لمست تنظيم مستويات التعليم والسنة العمرية المناسبة لكل مستوى ( التحصيل/ التطويع/ العالمية ) وأُضيفت بعض المواد الجديدة لكنها بقيت دينية بالأساس، وأما المواد العلمية فمآلها خارج أسوار الجامع. تضاعفت الأصوات الداعية الى الإصلاح الجذري داخل جامع الزيتونة التي أخذت بعدا وطنيا وسياسيا حين تبنت الأحزاب السياسة ذات التوجه اليبرالي هذه المطالب، ورأت في معركة الإصلاح التعليمي الزيتوني وتعصيره معركة وطنية ضد الاستعمار و من أجل الخروج من الجمود والإنحطاط والتقوقع. زاد من تأزم الوضع عدم قدرة جمعية الأوقاف صرف جرايات علماء الزيتونة، ذلك أن الفرنسيين قد بنوا المدارس العمومية من مال جمعية الأوقاف. ورغم محاولتها تدارك الأمر عبر ضخ قرابة 127.000 فرنك سنة 1927 و 2.200.000 فرنك سنة 1942.(3) لكن دون جدوى فقد طالب العديد من العلماء بإستقلال الزيتونة عن جمعية الأوقاف وإحتساب العلماء موظفين من موظفي الدولة لما رأوا من إرتفاع جرايات المدرسين في التعليم العمومي مقارنة بما يتقاضوه هم.(3) وأما الطلبة فتخلوا عن المطالب الإصلاحية التي كانوا يطالبون بها من قبل، وطالبوا بإدماج جامعتهم في المدارس العمومية و تحويلها الى جامعة عصرية و إدراج شهادة التبريز لمن يريد التخصص بعد شهادة العالمية. وقد كانت آراؤهم تصدر ضمن المجلة الزيتونية لسان حال الزيتونيون.** رغم تأزم الوضع الى حد انه قد أعلنت فيه سنة 1941 سنة بيضاء مازال المحافظون والفرنسيون يرفضون أي إصلاحات جوهرية للجامع. وبقيت الحالة بين مد و جزر إلى أن تمت تسوية وضع الجامع بقرار سياسي جذري بعد شهر واحد من إستقلال تونس أي في أفريل سنة 1956. سميت الجامعة ب "الجامعة الزيتونية" ثم فيما بعد ب" الكلية الزيتونية للشريعة و أصول الدين"." و أُلحقت بذلك بالتعليم العمومي مدشنة بذلك وضع جديد للتعليم وللاسلام في تونس.
أهم تبعات هذه الإجراءات
ما يمكن ملاحظته هو صعوبة فرض أي تغيير قادم من فوق إذ أن الإصلاحات التي وقعت أخيرا ومنذ سنة 1956 تمت عبر مراكمات لنضالات من داخل المؤسسة الزيتونية نفسها - طلبة ثم علماء مصلحون-. أما قوى الشد الى الوراء الرافضة لأي تغيير المتمثلة في الشيوخ المحافظين، بدأت تتآكل وتنحصر شئا فشئا مع مرور الزمن. إنهارت كليا مع الإستقلال وعبرقرار سياسي ولم تقم بأية مقاومة تذكر، خاصة بعد حل جمعية الحبُس و الأوقاف في ماي 1956 وجعل مصلحة الشعائر الدّينية تابعة للدولة. المدارس العمومية التي أحدثتها إصلاحات ماشوال مع المدارس القرآنية الى جانب الجمعية الخلدونية والمدرسة العلوية شكلت مع مرور الزمن طبقة وسطى من المثقفين الذين نهلوا من العلوم و الثقافة العصرية وشكلت قوة ضغظ باتجاه تعصير التعليم. بإدماج جامع الزيتونة في التعليم العمومي أصبحت الزيتونة تابعة للدولة ماليا وأدبيا. وأصبح الشيوخ عبارة عن موظفين لدى الدولة يتلقون جراياتهم منها. وهذه الإجراءات أدت لا فقط الى الفصل بين الديني و التعليمي فحسب، بل و أيضا الى إضعاف سلطة الشيوخ في المجتمع التونسي. و قد ساعدهم في ذلك الوضع العام و التغييرات الحاصلة في العالم العربي و الأوروبي. إذ إلى جانب إلغاء كمال أتاتورك الخلافة سنة 1924 الذي عن طريقها تم نسف المؤسسة الدينية كهيكل قائم بذاته. قُوضت مفاهيم مثل مفهوم الأمة، الشريعة، الشورى الراعي والرعية...وحلت محلها مبادئ عالمية جديدة تبنتها و سوقت لها الأنتلجنسيا التونسية مثل الوطن، المواطنة، الدستور، الديمقراطية... فتقلص دور الشيوخ و علماء الزيتونة وصاروا مهمشين وبمرور الزمن صاروا غائري الظهور في المشهد الثقافي داخل المجتمع التونسي. هذا التهميش أدى إلى إفشال ووأد تطورالحركة السّلفية الذي وجدت لها مريدين في الحركة الإصلاحية التونسية ،وهي حركة فكرية سلمية بالأساس تعول على إصلاح الدين والتعليم معا لإصلاح المجتمع ككل.
ولعل هذا التهميش لشيوخ الزيتونة وعلماءها ترك فراغا في المجتمع التونسي كسلطة لها فاعليتها و تأثيرها أسهم في وجود حركة إسلامية- سياسية. لهذا يعتقد جيل كبل أنه "وتحديدا في السبعينات، مع ضعف رجال الدين، احتلت الحقل الديني و بسرعة حركة سياسية ذات توجه اسلامي دون أية مقاومة تذكر من الشيوخ (7 ص95)
من هذا المنطلق يمكن القول أن دخول الاسلام السياسي إلى المشهد السياسي التونسي كان شكلا من اشكال ردة الفعل عن الإحساس بالإغتراب و نوع من الثأر الثقافي ومحض عداء لمنهج الدولة الذي سلكته النخبة التي كانت متأثرة بالمنوال الإوروبي بعد الإستقلال. فبعد أن كان شيوخ الزيتونة يرومون التغيير بالتعليم والتثقيف و الاجتهاد في النص الديني حلت محلها حركة اسلامية سياسية تطمح الى السلطة بكل الطرق وبدون برنامج واضحة وأجوبة دقيقة لأسئلة أسباب التخلف الحضاري.
ايضاءات
*تأسست المدرسة الصادقية- نسبة الى محمد الصادق باي (1859-1882) على يد المصلح خير الدين التونسي سنة 1875 وهي محاولة لإصلاح التعليم. هي أول مدرسة عصرية تدرس بها العلوم العصرية و اللغات. تخرج منها رجالات أسهموا في إرساء دعائم التحديث في كل المجلات في تونس. و صاروا من رجال الدولة فيما بعد منهم الحبيب بورقيبة، فؤاد المبزع، احمد بن طالح..
**المجلة الزيتونية مجلة علمية ادبية اخلاقية ظهرت منذ سبتمبر 1936 الى حدود 1955 وقد انقطعت من فيفري 1947 الى فيفري 1952 وهي لسان حال الجامعة الزيتونية.
مراجع الجزء الثاني حسب ورودها في النص
- (1) Ghazi, Mohamed Ferid : Le milieu zitounien de 1920 1933 et la formation d’Abu- l-Qaçim ach-Chabbi, poète tunisien (1909-4-1934). -(2) Chenoufi, Moncef: Les deux séjours de Mohammad Abduh en Tunisie (6 décembre 1884-4 janvier 1885 et 9-24 septembre 1903). - (3) العياشي، مختار: الزيتونة و الزيتونيين في تاريخ تونس المعاصر(1883-1953). تونس: مركز انصار الجامعي،2003. -(4) Chatelet, François: La Grève des étudiants de la grande Mosquée ez-Zitouna : Modernisme et Traditions. In : Consciences Algériennes, Février-Mars (1951). -(5) العياشي، مختار: البيئة الزيتونية 1910-1945. مساهمة في تاريخ الجامعة الإسلامية التونسية. دار التركي للنصر.تونس 1990. -(6) Kreim, Mustapha: L’université de la Zitouna dans les années trente. In : Revue Tunisienne de Sciences Social, Jg : 24, Nr 88-91(19879(. -(7) Kepel, Gilles: Jihad Expansion et déclin de l’islamisme. Paris Edition Gallimard, 2000.
#كريمة_بوزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركات الإصلاحية في المدارس القرآنية في أواخرالقرن 18 وبداي
...
-
الإتحاد العام التونسي للشّغل ووهم دور التوازنات.
-
طارق رمضان و فقه الأقليّات: تحديث الإسلام أم أسلمة الحداثة؟
-
هل كانت تلك آخر الليالي؟
-
حلم ما
-
الاسلاميون و حقيقة الدولة الدينية: او في نفي - الدولة التيوق
...
-
نافذة على كتاب: الدولة في الفكر الاسلامي المعاصر لكاتبه عبد
...
-
بنية الفضاء المقدس في الاسلام. الكعبة نموذجا.
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|