اليسارُ في الخليج (1)

عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 09:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    

مثلما قلنا كان صراع الاتجاهين القومي والماركسي في البحرين قراءتين وطنيتين من مواقع مختلفة، ليس كل الايجابيات في طرف والسلبيات في طرف آخر.
إنهما تمثلان إتجاهين عربيين في مرحلة تاريخية ما، رؤية الاتجاه الأول تتمركز في الذات العربية القومية المأخوذة كمطلق خارج التاريخ وتتحقق بفضلِ الأبطال والقيادات التاريخية.
هذه الرؤية تنظر بشيء من اللامبالاة إلى الظروف الموضوعية التي تشكلت للأمة العربية خلال تاريخها، حيث تتداخل مع الرؤية الدينية التي ترى هذه الأمة الإسلامية كجوهر آخر قادر على القفز فوق الظروف ويلعب فيها قادة آخرون تلك الأدوار الفاعلة.
ومن هنا فإن خرائطَ تحولات الشعوب العربية وانحصارها في أقطار ذات ظروف مختلفة، ولها مسارات تطور متباينة، ولكن لا يعني ذلك عدم وجود علاقات وروابط مشتركة قوية خاصة في اللغة والتاريخ المشترك، رغم أن عوامل التجزئة الموضوعية حصرت كل بلدٍ في حركته السياسية، بل أن كل بلد يعاني من غياب وحدتهِ حيث قوى الإنتاج مفككة، ونسيج كل شعب مشكل حسب طوائف لم تنصهر في كيان اجتماعي اقتصادي واحد.
والطوائف ذات تواريخ خاصة داخل تطور عالم الإسلام، فلها مسارات مختلفة، ولها حركتها الخاصة والمشتركة مع الطوائف الأخرى.
وهذا المنظور لم يكن وارداً حينذاك على الجماعتين القومية والماركسية، وبالتالي فإن انحصار الماركسيين في التاريخ القطري المنفصل عن تاريخ القومية والدين، هو جزءٌ من بكارة أدوات التحليل في ذلك الحين وتبسيطيتها.
ولكن التركيز على الداخل الوطني من جهةٍ أخرى يستجيب للظروف الموضوعية ويعكس متطلبات التغيير، بعد أن كان التنظيم الفضفاض على طريقة هيئة الاتحاد الوطني البحرينية قد استنفدَ أغراضَه ولم يعد قادراً على مسايرة المرحلة الجديدة.
ولهذا فإن الوعي الوطني انتقل لمرحلةِ تحليلٍ لظروف البنية الاقتصادية الاجتماعية وكيفية تغييرها، وتعزيز الوحدة الوطنية ونقلها لمستوى جديد من تمايز الطبقات وتعاونها.
ولكن الوعي القومي لم يكن يقرأ ذلك حيث إن جسم العرب كله قريب من التوحيد، والجسم الطليعي سواءً كان زعيماً أم دولةً قادر على نقله لمرحلة الحرية.
إن الفراغ الذي تركته حركة الهيئة اشتغل عليه أعلامُ مصر في ذلك الوقت، وهي التي غدت محركة العرب، ومن هنا تواصل الوعي القومي في إيمانه بوجود القوى الروحية القادرة على تحريك العرب بدون النظر للظروف.
وكان التحرك القومي العارم في المنطقة حينذاك قد اشتغل ضد الظروف الموضوعية الصعبة، وحرك الجماهير بشكل عارم، وأدى إلى تغييرات وحماس، ولكن العديد من هذه التغييرات كانت وقتية، صاخبة، وبعضها كان يؤدي لمشكلات حادة في بعض الدول نتيجة الحماس الفوضوي.
ولهذا فلم يكن ثمة سوى العمل النضالي الملموس الواقعي في كل بلد، وخلق التراكمات للتحول الديمقراطي والتحرر الوطني، ومن هنا كان ترسيخ الوحدات الوطنية، وتصعيد طليعية الطبقات الشعبية والعمالية خاصة في ذلك الوعي، قد أدى لانتفاضات وتحولات في بلدان عربية عدة حسب تطورها الخاص.
وهذه التحولات كانت تتضافر عربياً وتخلق زخماً خاصاً.
ولهذا كان الاتجاه القومي المجرد الحماسي يلتفت للتكوينات البنيوية في كل قطر، وبعضه يتحول لـ (الاشتراكية) ويركز على بلده، وقد اتسعت قضاياه وتحولاته داخلياً.
فيما يتحول الاتجاه الماركسي إلى الجذور القومية ويولي الأمة العربية قراءة مختلفة عن قراءاته للأمم الأخرى ذات السياقات المختلفة. لكن هذه القراءة محدودة في بلدان مثل الجزيرة العربية، في حين تبقى القراءة الوطنية مشدودة إلى مستواها، مركزة على تحويل ظروفها، عبر فهمها (العمالي) وتحريك الطبقات الشعبية للوصول إلى نظام مستقل وطني، لكنه في المتواري من الخطاب هو نظام قريب من تلك الطبقات التي تملأ شعارات الاهتمام بها الأفق السياسي.

#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات