علي المسعود
(Ali Al- Masoud)
الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 02:26
المحور:
الادب والفن
رواية " سيدات زحل " صورة عن مواجهة الجمال مع القبح..!!
بقلم : علي المسعود
لعل الأدب الحقيقي اليوم هو الذي يحمل قضية إنسانية محضة حقيقية يستطيع الأديب أن يغير بها واقعا كائنا ذا قيم إنسانية سلبية إلى واقع جديد تسمو فيه القيم وترقى إلى مدارج الإنسانية الحقـــة التي طالما دافع عنها كثير من رواد الأدب الملتزم , وقد ذهبت فرجينا وولف
في كتابها " النساء والرواية" إلى أن المرأة يجب عليها، لكي تؤسس أسلوبا أنثويا خاصا بها " تغيير الجملة المتداولة إلى جملة تحمل الشكل الطبيعي لفكرها" ذلك أن لغة السرد الموجودة هي لغة ذكورية، تناسب منطق تفكير الرجل، ومن الخطأ توظيف هذه اللغة في الكتابة النسوية , وعند التصدي لرواية الكاتبة لطفية الدليمي " سيدات زحل " الصادره عن دار( فضاءات ) للنشر و التوزيع في عمان نجد انها رواية نسائية محورها (حياة البابلي) التي دونت كل شيء وبطلاتها ابتداء من امها بهيجة التميمي مرورا بفتنة ومنار وامال وزينه وسامية وهالة وشروق ولمى وهيلين وتنتهي ببرسكا برنار الصحفية الفرنسية رواية منسوجة بدقة و حرفنه أنامل الرقة و الجمال و تتناول فيها الكاتبة الواقع العراقي بعد سقوط بغداد على ايدي المارينز الامريكي مع العصابات و المليشيات المسلحة الذين عاثوا فسادأ في البلاد ونهبوا ثرواتها، واغتصبوا نساءها، وأحرقوا مكتباتها، وحولوا مدنها وحواضرها الى أكوام من رماد، ويستمر الواقع المرير حتى الوقت الحاضر الذي استبيحت فيه بغداد من جديد وساد فيها قانون الغابة وكأنها وقعت تحت طالع زحل المشؤوم. وتبتدئ الرواية تبدا بسؤال تطرحه الروائية مدخلا لسردها(أأنا حياة البابلية ومن تكون آسيا كنعان التي احمل ..جوازها؟) , هذا النزوع نحو الاجابة على مفتاح الرواية و التصوير الدقيق يذكرنا بالمقدمات الفاتنة لأدباء أمريكا اللاتينية , إننا إذن بصدد رواية مغايرة للأفق المألوف في المتن الروائي العربي. ولا تكمن مظهرها المغاير في رصد تفاصيل حياة ( حياة البابلي – أسيا كنعان ) فقط، بل في الوظيفة الفنية والجمالية والبعد الانساني التي تقدمها رواية " سيدات زحل ", ما كتبته لطفية الدليمي في هذه الرواية لا ينحصر في كونه تاريخ العراق
بل تاريخ وطن كامل يمتد الخراب فيه إلى حدود الحلم واغتيال بياضه وتاريخ الإنسانية المعذبة. فماذا يمكنني أن أقول عن الرواية ؟؟ لقد قرأت مزاوجة غريبة بين اللذة والألم ، بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، إنها رصد ميداني لثقافة متأصلة تنحر على ايدي وحوش تكره الانسان قبل الثقافة ، تستمد وجودها من تلاقح ظل قائما بين شخصيات ربطت بينهما أواصر التاريخ والمصير المشترك والعلاقات الانسانية وفرق بينهما العنف والظلم و الديكتاتورية غياب الحاضر ولعنة السياسة . واذا كانت الكاتبة لطفية الدليمي ترى في رواية " سيدات زحل : (هي رواية حديثة ويقوم فيها البناء السردي على مستويات متعددة وهي ليست “تجميع لحكايات او خواطر) فاني ارى ان الكاتبة قد كسرت تابوات الرواية العربية وتقدم النموذج الحديث للرواية العربية , واستطاعت ان تضعنا في أتون الصراع الازلي بين القبح و الجمال وفي مواجهة شرسة خلال عدة حقب زمنية و مراحل من تاريخ العراق..!!.
ليس صعبأ على روائية بقامة لطفية الدليمي أن تكون بموازاة الحدث التراجيدي الكبير الذي ألمَّ بالعراق إثر حصار ظالم وثلاثة حروب كونية في فظائعها وتداعياتها المرعبة، فهي كاتبة ملمّة بأدواتها الفنية وتعرف كيف تتلاعب بوحدات نصها السردي من زمان ومكان وحدث وشخصيات تتحرك على وفق اشتراطات الحبكة الفنية” . إن رواية "سيدات زحل " سلسلة من الأحداث لعل أهم ما يميزها هو تراجيديتها ، فالبطلة في الرواية لا تفتأ تصنع لنفسها مكانة في النفس والعقل من خلال تجارب واقعية تنتقل بسلاسة وتستقر في مكان ما من النفس، تظل خلال المتن الروائي شاهدا على الخراب و الفجيعة التي اصابت النفوس قبل المدينة راغبة في الشيء غير قادر على تحقيقه وقد استطاعت الكاتبة أن ترسم صورة أقرب إلى المشهد السينمائي وتوثق أيام الجحيم بلغة مشحونة بأجواء تلك اللحظات, ولا تبتعد عن العوالم الحياتية البغدادية حيث تعيش الكاتبة, ولا تترك زاوية إلا ودخلت فيها, فهي تتحدث عن الانفجارات وأنها لا تستطيع أن تتجول وتصل إلى جميع الأمكنة تحت القصف العنيف الذي تتعرض له مدينتها بغداد, تنقل الرواية يوميات عن ما جرى فبعض أهل العراق غادروا، والذين بقوا يعيشون الرعب ونقصان توفر الشروط الأساسية للحياة اليومية " ومسلسل القتل و الموت المجاني ورعب المداهمات و الخطف!!
إن الكاتبة وهو تسرد أحداث هذه الرواية ترتكز على ثقافة أصيلة، شفافة الطبع , ثقافة تفصح عن نفسها في ربط الشخصيات التاريخة بالحاضر مع الحكمة و الحكاية داخل الحكاية التي أبت الكاتبة إلا أن توظف بعضا من فصولها فالمتمعن في الرواية جيدا يجد بأنها تدخل في إطار الميتارواية التي تحكي أحداث الرواية من قلب الرواية الأساسية، تسرد الأحداث بأصوات متنوعة ومختلفة ( أن يخط بماء الذهب على باب الضريح حكمة الإمبراطور الشهيرة التي كانت تدرس في دور العلم كأول موضوع في بدء كل عام دراسي السكوت مقدس والنطق مدنس،والرؤية إثم والشم محظور والفكر كفر والسؤال زوال والحلم خيانة)ص 109
حينما تقرأ اي عمل , ينتابك احساس , بأن المؤلف يكتب عن تجربته الشخصية , وبأن الأفكار والمواقف التي يتعامل بها ما هي الاّ إسقاطات ذاتية ,يُسقطها على غيره من شخوص الرواية . وكأن السرد ماهو الا تعبير عن السيرة الذاتية كما أن مكر القارئ أو المتلقي وارد
بشكل كبير، فكل القراء يجدون لذة في إلصاق ما يحدث في النص بكاتبه. ربما هي عادة إنسانية في سماع أسرار الذوات!!، إنه أمر ممتع، ويجد سنده أساسا في عدم الاستعداد الذي يبديه السامع أمام قصة لا يعرف شخوصها معرفة حقيقية. وفي هذه الرواية يتدخل السرد من خلف ليسير الحوارات بين الشخصيات انطلاقا من رؤية الكاتبة وكأنها توزع الأدوار على شخصياتها،و تراقب وتتابع بتمعن كيفية أداء هذه الأدوار، بجرأة عالية و استطاعت لطفية الدليمي كشف اللتام على مجموعة من المشاهد الساخنة و الجريئة بلغة ترقى بذائقة القارئ
( ذات يوم اجتاحني نوع من جنون الرغبة وأحسست أن جسدي يتصدع، وأنني سأموت إذا لم أنفس عن شهوتي وأمامي هذه الفتاة بأنوثتها البدائية وفتوتها، ) ص141
وتتعدد مستويات الكتابة في رواية "سيدات زحل" بتعدد الرؤى إلى الحلم و الوطن و الحبيب ،كل بطل من أبطال الرواية له رؤيته الخاصة إلى الحياة، وإلى كينونة الإنسان، هناك من ينظر إليها من زاوية الحاجات الانسانية وهناك من يغلفها بغلاف القيم والأخلاق بتغليب المصالح العامة على المصلحة الخاصة(رؤية الكاتبة) .
تعتبر رواية "سيدات زحل " للروائية لطفية الدليمي وكأنها أربع روايات في رواية واحدة أو أكثر !! أو رواية بأصوات متعددة،أصوات أربع نسوة وتبدأ "حياة البابلي" أو "آسيا كنعان" بما تحمله التسمية الأولى وكذلك الثانية من أبعاد حضارية وتاريخية، ثم باقي بطلات الرواية وهنُ سلسلة طويلة النساء اللواتي يظهرن ويتلاشينَ على متن هذا النص الملحمي الطويل مثل ناهدة وساهرة وسهام. والنتيجة المأساوية للبطلات وهي القتل من طرف قوات الاحتلال العصابات و المليشيات المسلحة وترتقي هذه ألرواية إلى مستوى الكارثة العراقية التي حلّت بالعراق إثر انهيار النظام السابق و سقوط بغداد , ليس بأيدي قوات الاحتلال فحسب وإنما بأيدي المتشددين والظلاميين والمليشيات الدينية ورجال القاعدة ومجاميع الجريمة المنظّمة والذبّاحين واللصوص والسلابين والمبتّزين وقُطّاع الطرق ( لا أعرف إلى أين تتجه خطاي، مدينتي استحالت متاهة حين اختفت. جميع العلامات والأسماء من طرقها، اتخذت الشوارع أسماء جديدة واختلطت الجهات،أزيلت التماثيل و الجداريات..من الساحات
واستبدلت صور الحاكم المهزوم بصور رجال ملتحين بعمائم ونظرات جامدة وعباءات وحلت محل شعارات الحزب الواحد عبارات دينية وطائفية تبشر وتنذر وترهب، غطت جميع جدران المدينة وجسورها وأعمدتها. اللافتات السود و الخضر فلم يجد الناس الآمكنة التي أعتادوا التوجه اليها في صباحات العمل ريح فاتكة عصفت بالمدينة و محت كل أسم وأشارة وغيرت اشكال المباني و مواقعها ) ص26 )
لقد اتت رواية " سيدات زحل " مكتنزة بالرؤى, غنية بالأفكار , ذات اساليب مبتكرة . تتداخل فيها الأزمنة والأحداث والحكايات وكأنها نسيج من رواية او سيرة ذاتية اومشاهدات تذكرنا بادب السيرة. تعج بالنساء , كل امرأة لها كيانها وعوالمها , كما تعجّ بالفواجع و الخيبات, وبالرجال المغتربين داخل اوطانهم والمغتربن خارجها . التقطت الكاتبة بعض المظاهر برؤية صحفية وطرحها بتلقائية وببساطة, وتناولت بعض القضايا بعمق, كانت جادة حد الشجن ومفجوعة حد الجنون, لم تترك الحدث الروائي سائبا , بل احكمت انشاءه من الناحية المعمارية للرواية , حاولت الكاتبة لطفية الدليمي و ببراعة ان تتجنب المواقف الجاهزة وان تتفادى الطرق الكلاسيكية في السبك الروائي , فلم تلتزم بتلك الشروط منتهجة سبيل التجديد , معتمدة على الأساليب الواقعية و الحديثة في الرواية ,التي توائم بين بين المواقف الروائية المتخيلة وبين المواقف التسجيلية او الوثائقية.
أعترف لك بالجميل سيدتي المبدعة ( لطفية الدليمي ) لأني أستمتعت كما أستمتع غيري بهذه الرواية، وحلقتِ بي عاليا وسافرت بي طويلا نحو الوجع العراقي هذا الموروث الهائل من الوجع منذ فجر حضارة على هذه الارض كما هو وجع كلكامش وهو ينتقل بجثة انكيدو الى عتمة الارض!!!.
حين قرأت الرواية عرفتك أكثر وتأكدت أن الفنان لا يستطيع أن ينسلخ عن جلده ولا يتحرر من ذاتيته, والتاريخ في روايتك حاضر، سواء ذلك التاريخ الذي ارتشفته من مقاعد الدراسة أم ذلك الذي عشته أو عايشته.
أن القيمة الأدبية والثقافية والفنية لرواية ( سيدات زحل)، والتي تصل ذروتها في هذ المنجز ألابداعي كعادة مبدعتها السيدة لطفية الدليمي في أعمالها الروائية، فالرواية بمثابة صورة عن مواجهة الجمال و القبح في مرحلة من مراحل تاريخ العراق!!!
أنها ملحمة روائية تكشف عن جذر الخراب وتلملم شظايا الواقع لتعيد بناء الإنسان بالحب واسترداد قدرة الحلم.
علي المسعود
كاتب عراقي مقيم في
المملكة المتحدة
#علي_المسعود (هاشتاغ)
Ali_Al-_Masoud#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟