|
-الصعاليك الاشتراكيون-
خالد غميرو
الحوار المتمدن-العدد: 4228 - 2013 / 9 / 27 - 22:36
المحور:
الادب والفن
لو قُدر للشعر أن يكون صالحا للأكل، لما خاف العرب من أزمة الغداء للأبد، فغزارة الشعر عند العرب (خاصة الشعر المتعلق بالحب)، كغزارة الأمطار التي تسقط على غابات الأمازون، لكن إسمحوا لي أن أجرؤ على القول، أن ليس هناك شعرا أكثر واقعية و ثورية في تاريخ الشعر العربي من القصائد التي كتبها الشعراء الصعاليك، وحياة هؤلاء الصعاليك بإعتبراهم ليس فقط شعراء بل متمردون، كانوا يندرون حياتهم من أجل المساواة والنضال ضد المجتمع الطبقي في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام بكثير، وإسمحوا لي مجددا أن أصدم أنصار الإشتراكية العلمية، وأقول لهم إن كان ماركس هو من وضع الأسس الأولى للإشتراكية العلمية، فإن "الشنفري" قد سبق ماركس بقرون ، وهو من نظر بقصائده الشعرية "لإشتراكية عملية"، كان مناضلوها يسمون بالصعاليك ويجوبون الصحاري حاملين سيوفهم يُغيرون على قوافل الأغنياء، ليُطعموا الفقراء و يفرضوا بسيوفهم وقصائدهم نوعا من الإشتراكية العملية و التضامن الإجتماعي، وإن كان لينين هو قائد أول ثورة إشتراكية، فلقد سبقه إلى القيادة والزعامة أمير الشعراء الصعاليك "عروة بن الورد"، وإن كان "جيفارة" قد حمل السلاح ضد الرأسمالية والإستعمار الأمريكي في غابات كوبا، فإن "تأبط شرا" قد حمل سيفه في صحاري الجزيرة العربية، يقظُ به مضاجع التجار الأغنياء، قبل أن يرسوا "كريستوف كولومب" بسفينته على "القارة الجديدة" بقرون. لقد كان مذهب الصعاليك كما صوره الأحمر السعدي-أحد الشعراء الصعاليك في الإسلام- إشتراكيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، في قوله: المال مال الله، فهو حق مشاع فليأخذ منه الصعاليك (الفقراء) ما يشاؤون، وأنه يخجل من الله أن يجر حبلا بغير بعير، وأن يسأل اللئيم الشحيح (الأغنياء) بعيرا، ولله الإبل وهي كثيرة." وكدليل على إشتراكية عروة بن الورد، مثلا يقول في إحدى قصائده: فراشي فراش الضعيف والبيت بيته ولم يلهني عنه غزال مقنعٌ أحـدثه لإن الحــديث من القـــــرى وتعلم نفس أنه سوف يهجع وهذه الأبيات تعني أن أمير الصعاليك، كان بيته مفتوحا لكل محتاج وفقير ومريض في البادية العربية، ويلتف حوله جميع الصعاليك، ولذلك لقب بأمير الصعاليك، وهذه أيضا كانت من الأخلاق و القيم الإنسانية لجميع الشعراء الصعاليك، اللذين كانت أغلب قصائدهم بسيطة، لا تحمل صورا كثيرا مبالغا فيها في وصف الأماكن والأشياء، ولم يوجد في قصائدهم أي نوع من الغزل حتى لزوجاتهم، بل كانت تعبيرا عن حياتهم اليومية في مواجهة الفقر و الجوع والفوارق الطبقية، ويقال أن عروة بن الورد مات مقتولا سنة 616م. وفي قصيدة اخرى بعنوان "الثراء والفعال" لعروة بن الورد، يعبر فيها عن رفضه لأن يكون الثراء هو أساس السيادة، وبالتالي ينتقد المجتمع الذي كان يعيش فيه و الذي كان يحتقر الفقراء- بنفس الدرجة التي إنتقد بها لينين القيصرالروسي والمجتمع البرجوازي- ويضع عروة في المقابل لذلك، أن السيادة والتقدم تأتي بالأخلاق والتضامن ويقول في هذه القصيدة: ما بالـثراء يســود كل مســود مثـــر، ولكن بالفعــال يسودٍ بل لا أكاثر صاحبي في يسره و أصُدُ إذ في عيشه تصريد فإذا غنيت، فإن جــاري نيــله من نائلي، ومـيسري مــعهود و إدا افتقرت، فلن أرى متخشعا لأخـي غنى، معروفـه مكدود و يقول الشنفري أيضا في قصيدة يصف فيها صبره على الجوع، وعدم رضاه بالذل و أن يستف التراب بدل أن يكون لأحد عليه فضل يذله به: أديــم مطال الجــوع حــتى أمــيـتـه وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل وأستف تراب الأرض كي لا يرى له على من الطــول إمرؤ متــطول ولـولا اجتناب الذم لم يلف مشرب يعــاش بـه إلا لـدي ومـأكـل ولكـن نفـسا حـرة لا تقـيـم بـي على الضـيم إلا رأيـتها أتـحول
لقد كان هؤلاء "الصعاليك الإشتراكيين" من أهل البدو المستقرين والرحل الذين كانوا يشكلون أغلبية سكان الجزيرة العربية، وكانوا في أيام القحط التي هي أغلب فترات السنة، يغيرون على قوافل "الأغنياء البخلاء"، ويوزعون غنائمها على الفقراء كردة فعل على الفوارق الطبقية، وعلى رفضهم لحياة المدينة و التحضر، التي كانت آنذاك تتمركز في اليمن العربية، وإمارة الحيرة (التابعة للفرس)، والغساسنة ( التابعة للروم)، وكذلك قريش بعد أن آلت إليها الزعامة التجارية بحكم موقعها في المنتصف بين الشام واليمن، فكانت بذلك محاجا لقوافل التجار الأغنياء، وهذا هو الوضع السياسي والاقتصادي الذي ساهم بشكل كبير في ظهور الإسلام، وأنا متأكد إن لم تخني معلوماتي التاريخية، أن لولا أهل البادية والفقراء والصعاليك المتمردون، لما إنتشر الإسلام في بقاع الجزيرة العربية و في البلدان الأخرى فيما بعد، ويمكن أن نقول أن الإسلام في ظهوره في ذاك الوقت كان ذا "طبيعة ثورية" بالنسبة للبدو العرب، لأنه تحدى و أراد توحيد "الفوضى الدينية"، وكان ينادي بتحرير العبيد وإنصاف الفقراء، وخير دليل على ذلك هو أن العبيد والفقراء والصعاليك، كانوا من الفئات الأولى التي إلتفت حول الدعوة الإسلامية ودافعت عنها، فهُم كانوا ينتظرون من الإسلام أن يحررهم من الفقر و اللا مساواة والفوارق الطبقية، التي كانوا يعيشونها في تلك المرحلة. لكن تاريخ الأدب العربي و حتى تاريخ الدعوة الإسلامية، ظلم كثيرا هؤلاء الشعراء الصعاليك وحياتهم التي لم يصلنا منها إلى القليل، ولم تُعنى بالدراسة و التأريخ بموضوعية لدورهم التاريخي في تلك المرحلة، وثأتيرهم على الشعر والأدب العربي قبل وبعد الإسلام، ودعوتهم لنوع من المساواة والتضامن الإجتماعي، بل أكثر من ذلك نجد في العديد من الدراسات الإسلامية والأدبية العربية ، اعتبار الشعراء الصعاليك لصوصا وقطاع طرق، رغم أنهم كانوا متمردون رافضين للفوارق الاجتماعية والطبقية بسيوفهم وقصائدهم ينفدون نوعا من "الإشتراكية العملية". في الحقيقة يجب أن يفخر العرب بهذا "التاريخ الثوري" الذي توقف منذ أن دخل الأغنياء على خط الدعوة الإسلامية، وسموا أنفسهم آل البيت وإحتكروا الحق في توريت الدعوة إلى حد الآن، وفي الحقيقة كم يحتاج العرب الآن وسط هذه الغابة العاطفية من الشعر، إلى حركة "صعلوكية" تشحد قصائدها و وتنتقد هده الفوضى الشعرية، وتكون محركا للمجتمعات العربية الإسلامية لكي تقف على قدمها، وتصحح مسارها الثوري الذي انحرف منذ أن استحوذ التجار الأغنياء على الدعوة الإسلامية، وحولوها إلى وسيلة جديدة للاستعباد و الإستغلال، و التي كانت أملُ الفقراء العرب في التحرر من الفوارق الطبقية و مجتمع اللامساواة. وفي إنتضار أن يظهر "الصعلوك العربي المنتظر الأول" أنقل لكم قصيدة لعروة بن الورد، ينتقد فيها بصراحة جشع وأنانية الأغنياء، وتظهر فيها بوضوح "اشتراكية الشعراء الصعاليك"، وهذه القصيدة بعنوان "أنا وأنت"، ويقول فيها: إني امـرؤ عـافى إنائي شركـةٌ وأنت مـرؤ عـافى إنـائـك واحــدُ أتهزأ مني أن سمنت، وأن ترى بوجهي شحوب الحق، والحق جاهد أقسم جسمي في جـسوم كــثيرة و احسو قــراح الماء، والمــاء باردُ
#خالد_غميرو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تخبروا الجنود الأمريكان، أن في بلدنا إرهابي !!
-
بين الإضراب العام والضرب العام للصحافة
-
ثلاثة هدايا من مدينة -آسفي-.
-
مواجهة الشيطان هو الحل !!
-
لا تظلموا امريكا...
-
-شجرة القايد- - قصة قصيرة
-
زعيم مملكة الشعب
-
دي كوورة يا عم !!
-
ثورية اليسار و فروسية الدون كيشوت !!
-
الحلم أمريكي...الكابوس إرهابي !!
-
لكي لا ننسى ما نسيناه !! -سبق الميم ترتاح-
-
ماذا عن الديمقراطية؟؟
-
التحرر الجنسي...تكتيك أم إستراتيجية؟؟ -رد على حالة إفتراضية-
-
إنها -ثورة-... !!
-
-يكفينا الوحدة التي نحسها.-
-
الحب و-الثورة-
-
مع القلم تستمر الحكاية...
-
كلام مختصر عن السياسة !!
-
لنناضل جميعا، من أجل إغلاق البرلمان !!
-
قضية إغتصاب...!! سنتابع يومنا في جميع الأحوال...
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|