|
من صحائف الاقدمين ج2
الحسين الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 4228 - 2013 / 9 / 27 - 15:51
المحور:
الادب والفن
سكت كبراء العرب عن الكلام و قد افضوا الي بحال بلدتهم بعد ان ظهرت فيها دعوة الالحاد بالالهة و طلبوا مني النصيحة و سألوني الحل بعون الالهة، فاجبتهم قائلا: لقد ظهر قبل محمد الحنفاء، و دعوا الى نبذ عبادة الالهة الا الكبير الخالق كما فعل محمد، و امتنعوا عن بعض عاداتكم و اعرافكم كما فعل محمد، و لم يشكل ذلك خطرا على دينكم و قومكم. فاجابوني بان الحنفاء اعتزلوا الناس و لم ينشروا دعوتهم الهدامة، لذلك تركناهم و العربي حر فيما يفعل او يقول، لكنه ليس حرا في ان يهدم على رؤوسنا ما بناه –بالمشقة- اباؤنا و اجدادنا. سكتُّ حينها هنيهة ثم اجبت بالهام من ربنا هبل: تقولون انه يسعى للسيادة على العرب، و يبغي المال و الغنى الوفير، اوليس هو من بيت كبير محترم فيكم؟ قالوا: و هو يتيم الابوين و عمه الذي رباه فقير. قلت: اوليس زوجا لاحدى تاجراتكم؟ فقالوا: بل يسعى لمال اكثر من ذلك بكثير. فاقترحتُ على الملأ من قريش: اعطوه ما يشاء و اكثر، اعطوه الجاه الذي يبغيه حتى لا تتخذون قرارا في مكة دونه، و اعطوه المال الذي يرضيه حتى يكون اكثركم مالا و غنى، فهو ابنكم و ابننا، و كسبه الى جانبكم لاحلال السلام الاجتماعي في بلادكم غاية المنى. اعترض ابو الحكم، و كان من كبراء قريش الاغنياء، اذ اراد قتل محمد لوأد دعوته الالحادية قبل ان تستفحل، و ليكون دمه قربانا للالهة، الا انني و الملأ رفضنا ان تكون هذه سابقة بيننا لقتل كل من يحيد عن طريقنا من ابنائنا. فقد يموت العبيد فلا بأس فهم ليسوا منا، و قد تتقاتل قبائلنا في حروب معلنة لاجل شرف او حق مسلوب، و تلك حروب نوقفها بحكمتنا و هداية الله الهنا الاكبر لنا، الا ان قتل الملحد لا يجوز في اعرافنا، فان غضبت عليه الالهة فلتدمره هي كما دمرت جيش ابرهة الملعون. رجع وفد قريش الى بلاده بعد ان مكث في بلادنا ثلاثة ايام ضيفا عزيزا، و سمعت بعد حين انهم عرضوا على المتنبيء المال و الجاه و وسّطوا بينهم عمه الذي ربّاه، الا ان ما في رأس محمد كان اكبر من ذلك كما يبدو، اذ رفض العرض غير نادم و فضّل امرا اخر لم اره حينها، الا انني اراه الان. و لكي لا استبق الاحداث و اضيّع من يقرأ صحيفتي هذه في ذهاب و اياب، اذكر باستعجال ما جرى من امر محمد بعد عرض قريش السخي. فهم لما ذهبوا اليه باسم الاخوة و السلام، و رفضَ لاجل دعوته المغانم التي عرضوها عليه، اشتد غضب قريش و اعلنوا حصارا عليه و على اتباعه و اهله الذين ساندوه، لكن لم يكن لذلك تأثير، و كنت اتمنى ان يستشيروني في الامر قبل ان يقدموا عليه و ما خاب من استشار، فقد فاتهم في غضبهم معرفة طبيعة قومهم، فلمحمد و اهله و اتباعه اصحاب و اصدقاء و اهل، و هؤلاء لن يتركوا المحاصرين يجوعون او يعرون لاي سبب كان، فكانت المساعدات تقدم الى المحاصرين على الدوام، و هل يترك العربي اخاه محاصرا و هو يهنأ بالعيش الرغيد ؟! فلم يؤثر الحصار في امر محمد شيئا، بل حين مزق العرب القرشيون صحيفة الحصار و اعلنوا انتهاء العقوبة المفروضة، اضاف ذلك لمحمد نصرا لم يخطط له و زاد اتباعه ايمانا فوق ايمانهم بعقيدتهم الضالة. ازداد اضطهاد قريش لمحمد، فاستمروا في اهانة المتنبيء، و تعذيب الضعفاء العبيد من اتباعه، الا انه لم يصل لدرجة القتل التي ارادها ابو الحكم حين قابلته. و مرت السنون و سمعت ان اصحاب محمد يهاجرون الى ارض الحبشة. حتى اتفق اهل يثرب على حل غريب ينهي نزاعهم القديم. ففي يثرب –شمال مكة- قبيلتان تتقاتلان منذ امد بعيد، و قد كل اهلها من الحرب و مل العرب من نزاعهم المستمر و كانت بشائر السلام تلوح في الافق. و كنت قد اخبرت مولاي (عبدي) سالِما بان الالهة كشفت لي عن قرب اتفاق اهل يثرب و عن سلام جديد يصيب مدينتهم بازدهار حين اتانا الخبر باتباع اهل يثرب لمحمد و توحدهم تحت قيادته ! و كانت تلك صدمة لي و للعرب و لقريش خاصة التي اكتشفت ان بعضا من اهل يثرب كانوا قد بايعوا محمدا قبل اشهر طوال و لم تعلم قريش بذلك حتى اعلنت دولة الاسلام في يثرب. و الاسلام هو اسم دين محمد. اجلس اليوم و اخط على هذه الصحيفة حروفا تصف احداثا وقعت منذ سنين بعيدة، و انتهت و اصبحت ماضيا يتغنى به اتباع محمد و يعض على اصابعهم اعداء هؤلاء عليه ندما، فهم قد ضيعوا فرصا كثيرة للتخلص من هذا الانقسام الذي اصاب قومنا، فقبلُ محمد كانت لنا اعراف و تقاليد تحكمنا حتى و ان حاربنا بعضنا حينا، الا ان محمدا كسر كل ذلك و شرخ شرخا عظيما في جسد امة العرب فاصبح العرب فريقين متعاديان لا تجمعهما حتى كعبة مكة، التي بنتها سواعد العرب، و حلقت فوقها احلامهم و امالهم و ادعيتهم لالهتهم، هي كبرى كعباتنا، و قد حرم زيارتَها محمد على غير اتباعه و كسر تماثيل الهتنا و ازال صور اجدادنا من على جدرانها. اجلس اليوم و اخط احدادثا بعيدة على نور مشكاة تضيء ذكرياتي و استغرب بأني استبق الاحداث مجددا، رحماك يا الهة العرب !
#الحسين_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من صحائف الاقدمين ج1
-
جرح الفؤاد
-
متى اللقاء
-
شهداء العراق
-
هنا العراق
-
حائر
-
تحت السحاب
-
البلاد بلادي
المزيد.....
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|