أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - أحلام العم عطية














المزيد.....

أحلام العم عطية


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4228 - 2013 / 9 / 27 - 06:30
المحور: الادب والفن
    


أحلام العم عطية

أختار الجلوس على يمين المختار متعمدا أن يظهر من كبار الشخصيات وقد أسنده ظهره بوسادة وجعل المسافة تضيق أكثر بينه وبين أبو صالح مختار الحي واضعا وسادتين من الصوف المحشي كحد فاصل ,كثيرا ما يعملها الخلان فيما بينهم وشرع يستعدل بجلسته ويرتب هندامه , يخرج من جيبه علبة سجائر من النوع الفاخر زيادة في التباهي أما جاره ابو صالح منشغلا بلف سيجارته من تبغ في كيس قماش يتدلى بين يديه وهو منهمك بحديث لا يكاد ينقطع عن أحوال الناس ومشاكلهم.
عطية خياط في سوق المدينة يعرف عنه التبجح وادعاءه معرفته في كل شيء وأي شيء فهو على ما يزعم من أصلح للمتصرف بدلته التي جاء بها قبل فترة إلى المدينة ومن لم يصدق عليه أن يذهب للسؤال منه مباشرة, البعض بسذاجة يصدق ما يقول وأخرون ممن تفتحت أعينهم باللبن كما يقولون يجعلونه يسترسل بالحديث ليجعلوا من كلامه مادة للسخرية منه بغيابه ,لكن الكثيرون أيضا يعلمون أنه كاذب أشر .
كانت تلك أخر مرة منذ عشرين عام شاهدت العم عطية وهو يتصدر المجلس منتظرا أن ينتهي المختار من كلامه ليبدأ في سرد ما تجود فيه القريحة من خيالات يصبها في حديث لا ينقصه يمين أو حلفان متواصل معزز به ثقته بأن الجميع يصدقون ما يقول ,هذه المرة كان حديثه غريب عن رحلته إلى بغداد ولقاءه مع المغنية عفيفة إسكندر التي لا زالت تبعث له برسائل تترجى منه أن يعود لها لأنها لم تعرف رجلا حقيقيا كريما أريحيا مثله .
هذا كل ما أخبرني صاحبي به عن تأريخ عطية متوعدي بعشاء دسم على نفقة صاحبه الذي بدأت عليه علامات البساطة, كان يصلي قربنا وقد فرغنا من الصلاة للتو وهو غارق فيها كأنه عابد زاهد في الدنيا, حذرته من اللعب بالرجل أو إجباره على شيء قد لا يستطيع أن يفعله لكنه تجاهلني وذهب بالقرب منه ينتظر أن ينتهي من صلاته ,أراه من بعيد وقد ارتسمت بسمة ماكرة على وجهه.
أحس الرجل بجلوس صاحبي ونظرته إليه في كل مرة فسارع بالانتهاء من صلاته فبادره بالسلام الحار مهنئا بالسلامة ومتمنيا له قبول العمل الصالح ,كنت أحدث نفسي كيف للإنسان أن يكون متبجحا بما ليس فيه وهو يعلم أن الناس لن يكونوا بذلك الغباء المفرط كي يصدقوه, وأخذت في تحليل وتعليل هذا السلوك كي أفهم ما يدور من حولي.
سألت صاحبي عن تبرير العم عطية هجرانه المطربة عفيفة اسكندر التي كانت تعد من سلاطين المجتمع المخملي والفني في وقتها وكثيرا ما تمنى الأخرون القرب منها ,لعها وجدت فيه شيء مميز قد لا يملكه الأخرون ,قال لي أن سبب الخصومة معها , انها دعته كي يشرب كأس ويسكي في بيتها وهذا يعتبر عنده من أعظم الكبائر.
قد يكون الرجل محقا فيما يقول وأنا أشاهده غارقا بصلواته, لم لا يكون السبب وجيه أو قد يكون الرجل صادق فعلا في ما يقول غير أني قطعت تأملاتي في ذلك وقد أقترب مني العم عطية ليبادلني السلام بعد أن عرفني به صديقي قائلا لي أن الحاج عطية من أكابر رجالات بلده ومن الوجهاء الذين توارثوا الوجاهة ,وهو أحد أهم وأبرز أعلام المجتمع ومن الكرماء الذين يقصدهم الناس طمعا بما يجودون به من طيب نفس, تأكدت من هالة الفرح والتباهي التي طغت على محياه أن ما قاله صديقي قد يكون حقيقيا فقد شعر بالزهو والفخر وهو يمد يده لي بتعالي كما يتعامل أصحاب المناصب العليا مع الناس البسطاء.
سأله المختار أبو صالح عن سكن عفيفة اسكندر جازما أنها تسكن قصر على نهر دجله وقد علم أن من يخدمها أكثر من خادمة وأنها تملك سيارة شوفرليت وعندها سائق ومرافق ,فكيف تسنى له أن يجلس معها في كل مرة يذهب إلى بغداد وحدهما لتغني له حتى الصباح ,قال أنه أستأجر لها دار خاصة في منطقة البتاوين ليقضوا ساعات حميمة معا بعيدا عن أعين الناس, سأله المضيف هل كانت تطلب منه مبالغ من المال , ضحك مليا بعد أن رمى صاحبه بعلبة الكبريت ,أنك تظنها من بنات الهوى لقد عرضت أن تشتري لي بيت وتفتح له محلا كبيرا للخياطة وخاصة أنا معروف جدا في بغداد لكني رفضت لأني لا أستطيع أن أبتعد عن مدينتي وعن وجوهكم الطيبة.
كأنه فلم تسجيلي أعيد أحداثه ونحن نتناول طعامنا على مائدة العم عطية , هل حقا أن هناك من يعيش في هذه الدرجة من الاستغراق في أحلام اليقظة ويعيشون خيالهم وأنا أسترجع كلامه الذي تغير معي بعد أن عرفه صاحبي بي, لقد كان يعاملني بترفع لكني تعاطفت معه وسايرته في أحلامه , أخبرني أنه معجب جدا بأمريكا والحياة في أمريكا وكيف أنه أضاع أكثر من فرصة للسفر والعيش هناك قبل أن يعرف الكثير من العراقيين حياة أمريكا, لكن حبه للناس في بلدته وحب الناس له كان ما يمنعه في كل مرة.
أتذكر في دراسة قرأتها قديما وأنا أسأل صاحبي عن ماضي العم عطية وظروف نشأته التي لم تكن إلا حياة فرصة فقد تزوج من أرملة الرجل الذي كان معلمه وصاحب المحل الذي ورثه عنه بالرغم من أنها كانت بعمر والدته ,وقد أنفقت عليه الكثير كي يكون رجل يمكن أن يملأ عين زوجته, لكن بالرغم من كل السنين التي مرت ما زال محل الخياطة كما هو لم يتغير فيه شيء , التغير الوحيد أن زوجته أصبحت تملك أكثر من ماكنة خياطة حديثة في البيت ولديها الكثير من النساء التي يعملن تحت مشورتها بعد أن تقاعدت عن العمل المضنى وأصبحت لا تطيق الحركة الكثيرة لكنها تبقى سيدة الخياطات في المدينة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوادين
- عنزة جاسم
- دار دور
- حلم في الف ليلة وليلة
- العقل وأشكالية التعقل بين النص الديني والواقع
- حكاية الثقافة في العراق
- قيامة منصور4
- القيامة في وسط المدينة3
- المدينة والقيامة 2
- أنا والقيامة الأتية 1
- عطش الذاكرة
- حدود هوية الأنا والأخر
- التجربة الإسلامية الحاكمة . _ نماذج ورؤى _ج3
- التجربة الإسلامية الحاكمة _ نماذج ورؤى _ ج2
- التجربة الإسلامية الحاكمة. نماذج ورؤى _ ج1
- السرقة الشرعية حلال والسرقة الغير شرعية حرام.
- العقل المصنوع والنفس الإنسانية
- الحرية نظرة الدين الحقيقية
- مستقبل الحرية ومسئولية النخب
- العقل والإيمان


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - أحلام العم عطية