أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - الإسلام دين سماحة وتسامح وليس دين عنف وتكفير !















المزيد.....

الإسلام دين سماحة وتسامح وليس دين عنف وتكفير !


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4227 - 2013 / 9 / 26 - 07:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المنطق العقلي البسيط يقول إن التدين هو الالتزام الداخلي الذي يستحيل على أي كان أن يكشف عنه ، أو أن يعلم مقداره أو مدى مصداقيته غير الله المطلع سبحانه وتعالى على السرائر ، وقد يطبع التدين الملتزمين ، بخصال اٌسلام الحميدة المتمثلة في الحب والأخوة والمودة والرحمة والخلق العظيم ، وتجعله يعفو عند المقدرة ، ويكظم الغيظ عند الغضب ، ويترك الحقد والكراهية عند الاختلاف ، مصداقا لقوله تعالى :" وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً " ، وقد لا ينطبع التدين على المظهر الخارجي للبعض ، فلا تظهر سمات التقوى والصلاح ، فيعوض عنها البعض بتمظهرات مادية نمطية ، على شكل لحى طويلة وجلابيب قصيرة ، وسبحات غليظة .
فما عرفته في صباي عن التديُن وخاصة في حينا الشعبي البسيط " فاس الجديد "، أنه كان وسطيا بسيطا يضفى راحة بال وطمأنينة نفس تظهر آثارها على وجوه المؤمنين ، حتى أننا كنا نسمع الآباء والأجداد يصفون كل متدين بالحي بقولهم : " سبحان الله نور ربي باين على وجه " ، وبالفعل ذاك هو ما كنا بلمحه على وجوه من عرفتهم من ساكنة هذا الحي المؤمن أهله ،بأن المسلم هو "هو من سلم الناس من لسانه ويده ، وليس المسلم من قصرت جلبابه وطالت لحية" .. والذين كانت هالة من النور والوقار تعلوا محياهم رجالا ونساء ، حتى انه لم يكن يدهشنا منظر مُلتزم مقبل على الحياة ، تزين وجهه بلحية قصيرة مهندمة ، يضحك على نكتة قالها غيره ، كما لم يكن يصدمنا ، مشهد حليق ، يمشى فى هدوء وثقة ، غاضا بصره ، وقد تعلقت زوجته -بلباسها المحتشم "الجلباب المغربي الذي لا يشف ولا يصف - برقة فى يده وأمسك هو بيدها ، يتحدثان سويا ويتضاحكان أحيانا.
في حقيقة الأمر ، لقد ضم مجتمع حي "فاس الجديد" الصغيرة ، تشكيلة متنوعة من البشر لا تخضع فى تكوينها لقاعدة محددة ، شباب متفتح ، حليق اللحى ، تلَّقى بعضه تعليما باللغة العربية والفرنسية ، وغيره تعلم في المدارس العتيقة للمدينة ، وفئة ثالثة لم تسعفها الظروف للنهل من ينابيع العلم ، لا هنا ولا هناك ، وكان بعضهم يرتدي الجينز ، ويدخن السجائر ، والبعض أكثر التزاما يفضل اللباس الأصيل و"السروال قندريسة" التقليدي ، لكن كان بينهم قاسم مشترك ، يجمعهم على سلوك واحد ، وكلمة سواء ، وهي اعتزازهم بانتمائهم لحيهم ، وبهويتهم الوطنية ، وتمسكهم الشديد بإسلام آبائهم الفطري البسيط واللصيق بذواتهم الداخلية ، والمتغلغل في شفراتهم الوراثية العميقة ، والمبني على خمس كحد أدنى من الالتزام الواجب الذي يستحق به وعليه المرء صفة واسم المسلم ، حيث كانوا يصومون ويحجون ويقيمون الصلوات الخمس فى أوقاتها بمساجد الحي العديدة والمنتشرة في كل دروبه وأزقته ، دون حاجة منهم إلى التباهي وإظهاره ذلك ، بإشارات مادية متغيرة خداعة ، كالملابس الأفغانية واللحى الطالبانية ، وسبحات الدراويش ، وطقوس المشعوذين ، و الأدعية الخرافية الخاصة ، وغيرها من المظاهر التي كان يُصنف الناس من خلالها ، ويحكم بها على الواحد أنه أكثر أو أقل تديناً من غيره ..
ومع توالي السنين والأحقاب ، غدت أعيننا لا تقع إلا على رجال عابسة وجوههم ، متجهمة ملامحهم ، متفحمة سحنات وجوههم المتخفية قسماتهم وراء زغب اللحى الكثيفة ، فلا تفصح على أي إجابات عن احوال نفوسهم ، فلا يُعرف إن كانوا تعساء أم سعيداء ؟ غاضبين أم هادئين ؟ وكانوا يمشون فى الطرقات بجلابيبهم القصيرة ولحاهم الطويلة ، يضربون بأقدامهم بعنف وعجرفة وكأنهم " غاديين للحبس " أو للاقتتال ، وتسير خلفهم زوجات غارقات في حجب داكنة طويلة بلا ملامح .
كما أصبحنا نعيش ونسمع عن ظواهر كثيرة ، لا تتعلق بما يخص مواقف الناس من دين الله تعالى ، الذي هو حق إلهي لا يخضع لقانون العرض والطلب ، شأنه شأن السلع ، بل ترتبط بالتدين الذي هو تراث ديني وصناعة بشرية ، يحمل ملامح البشر وضعفهم وطموحهم وغرائزهم وفضائلهم وسيئاتهم وحسناتهم المتعلقة بالمعتقدات والأحكام والعادات والموروثات الإنسانية ، التي اصبحت جزء من الشخصية الذهنية والنفسية المرتبطة أساساً بالإشكاليَّات الفكريَّة والثقافيَّة والمنهجيَّة الشاذة ، الكامنة فى دهاليز ووديان الذوات البشرية المعقدة ، المهيمنة على الكثير من أصحاب العقول المسطحة ، وذوي الجمود العقائدي المهيج للظن الفاسد ، والآراء المعطلة لكل محاولات التقارب والتفاهم بين العباد ، والعصبيات الجاهلية العمياء ، المكرسة للصراعات الأيديولوجية الفارغة ، والخلافات الغوغائية الرخيصة ، والنعرات الظلامية الاجرامية الترهيبية ، و الفتاوى التكفيرية المنفلتة -التي تعتبر كل من ليس منهم مجرد كافر لا يستحق حفظ العهود او الاعتذار - التي تُعاني منها الأمّة الإسلاميَّة عامة ، كأخطر ظاهرة ساهمت إلى حدٍ بعيدٍ في إحداث شروخٍِ كبيرٍ فى الذوات الجماعية بحيي "فاس الجديد " وغيره من الأحياء عبر الوطن ، وإضعاف عُرى الوحدة بين ساكنته ، وتمزيق اللحمة التي كانت تجمع أهله وأسره المسلمة جميعها ، وإحلال التنازع فيما بينها بدل التَّعاون ، والفُرقة بدل الوحدة ، وكل ذلك باسم الدين ، وسلطة مهاويس الفاشية الدينية ، الذين استثمروا الجهل والتخلف والفقر المعشش في بعض العقول ، من أجل تمكين دولة الشيخ/الفقيه من خلق قطعان من المؤمنين ، والتحكم فيها حسب هواهم ..
وإذا ما حدث وتمرد أي عاقل ، وغامر برفض عقلية القطيع ، فإن الجماعات التكفيرية التي خلقت مؤخرا بالحي ، تتهمه بالفسق والضلال والانحراف ، وتجرده من حقوقه في الإسلام ، وتعرضه للإهانة والطرد من الأتباع , وربما يصل العقاب في كثير من الأحوال إلى الإفتاء بإهدار دمه –حالة عصيد على سبيل المثال لا الحصر- والأخطر من هذا وذاك ، هو أنه إذا اتخذت عملية التمرد على سلطة الشيخ/الفقيه طابعا جماعيا ، وشملت جماعة أو طائفة ، فإنها تعرض المجتمع كله للفرقة والاختلاف ، وانهيار رابطة الانتماء للحي التي لا تعوض بأي رابطة أخرى..
إن هذه الظاهرة او الوباء المرضي ، الذي انتشر في حينا المسالم ، فافسد على شريحة واسعة من ساكنته -التي كانت إلى الأمس القريب مسلمة مسالمة ، ولازالت لا يتأذى أحد من يدها ولا من لسانها - صفاءها وودها وتكتلها ، لابد من اتخاذ ، اليوم وقبل أي وقت آخر ، الاجراءات اللازمة للحد من مخاطرها وشرورها ، التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تستمر في تيهانها الديني والطائفي الصادم ، وارتمائها في احضان الرجعية والتخلف الذي يتم ، مع الأسف ، باسم "قيم" تنسب للإسلام ، وإن كان لا صلة لها بالإسلام الحقيقي الذي هو إخلاص الإيمان والطاعة لله تعالى وحده ، والسلام مع النفس و الناس . الأمر ، الذي لا شك ، يتطلب الكثير من الجهد ، ونكران الذات ، ويستدعي المحايدة والعقلانية ونزع العصبية الجاهلية ، ويفرض الأخذ بالمشترك بين الفئات ، ونبذ المختلف فيه وعليه يبنها .. والذي مع الأسف قد يزعج مؤسسة الدين/سياسي -والكثير من الجهات الإسلاموية المتطرفة - التي اختارت التوجه العنفي والقمعي المادي والرمزي ، لفرض توجهاتها ، المخالفة لإسلام اليسر والفطرة ، الذي ورثه أبناء حينا عن آبائهم وأجدادهم الذين لم ينزلقوا قط إلى ممارسةِ أي شكلٍ من أشكال العنف التكفيرى ، ولو المستَتِر منه ، تجَاه أي فئة من المسلمين ، لإدراكهم أنه (التكفير) من أخطر أدوات استنبات جميع ألوان العصبيَّات ، واستنهاض مختلف الفتن والنعرات المذهبيَّة والعقائدية ، التي تشق وحدة الأمة المسلمة وتخلق الحرب بين المسلمين ..
وعرفوا ان الحكم على أي مسلم بالكفر ، أمر خطيرة وعظيم جدا ، دعا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى تجنبه ، واحترام هوية كل من يتشهد الشهادتين ويلتزم بأركان الدين ، وعدم التشكيك بإسلام من يعلن إسلامه حتى في ساحات القتال و تحت بريق السيوف ، حيث قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " ، وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني دمه وماله إلا بحقه وحسابه على الله) متفق عليه . ولذلك علينا ألا نعاقب الأبرياء بسبب حقهم فى اتخاذ المظهر الذى يرغبون به ، شريطة عدم المغالات في كلا الاتجاهين ، لأن الإسلام دين السماحة والتسامح وليس دين العنف والتكفير وسفك الدماء ..



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ومن شر البلية ما أضحك !الجزء الثالث .
- ومن شر البلية ما أضحك !.الجزء الثاني
- ومن شر البلية ما أضحك !.
- حقيقة شعار - الأصابع الاربعة- ؟؟
- أفضل لحظات استرجاع الذكريات .
- ردا على أصوات ناشزة !
- النصر الناتج عن العنف مكافىء للهزيمة !
- الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات! الجزء الثاني .
- ثقافة السير بين الواقع والمأمول !
- لماذا لا يأتي المهدي وجودو أبدا ؟؟
- الإسلاميون والعفو الملكي عن مغتصب البراءة !؟
- الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات!
- كلام غير مقبول من وزير سابق !
- الجدارن فضاء مثالي لتصريف المكبوتات.الجدارن فضاء مثالي لتصري ...
- من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
- الديمقراطية والإسلام السياسي
- هل الدين هو السبب فيما يحدث من صراع بين الناس ؟؟
- قمة الخداع والنفاق !
- توحيد الصيام بين الشعوب العربية والإسلامية
- مذاقُ لحمِ الخيل خير أم لحم الحمير؟؟؟


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - الإسلام دين سماحة وتسامح وليس دين عنف وتكفير !