|
حلاق القرية وسياسي المدينة
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 4225 - 2013 / 9 / 24 - 23:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما أبدى استغرابه عبدالله حداد وعاد إلى مسقط وعيه كي يفهم ما يدور حوله من تكتيك أدى بالنشامى ، رجال السيف ، رجال الحق من سلالة بنى حيف ، أن يحلقوا لحاهم بموس أجنبي ، لم تكن عودته إلا بعد ما وَصَفَ عُروبته بالأصيلة وهي مكمن علته ، العصية على الانخراط بالمنقلبات الشكلية ، العارضة إلى حين ، ففتش الرجل عن الأسباب الحقيقية التى جعلت ناقته التاريخية تنحني وهي كما عهدها جمل المحامل ، وعندما تساءل عن عظمة الأمر ، وُصف على الفور بالجاهل وعديم الخبرة السياسية وغير قادر على فهم معادلات الزمن الحديث ومحافله الدولية التى تتطلب وسائل نادرة في الفهلوة من الشدّ والرخي ، فالتكتيك غير طارئ على الإنسانية إطلاقاً كما يتوهم ويعتقد البعض ، بل عريق وضارب بالجذور وينتمي إلى سلالة تكتكجية تصل إلى التكتكجي الأول ، لهذا كانت عودته محددة لا لبس فيها ، لفئة بعيدة كل البعد عن الأنس ، استهدف على وجه الخصوص الغنم التى تفطم عن الرضاعة بعد أربع اشهر تماماً كما هو حال الانسان الممتنع عن قراءة التاريخ ، فعندما يُقرر الفُطام عن القراءة تصبح ثقافته غنميةُ وحاله قطيعي ، فجعل المنفي من القياس بوصلته التى اضطرته أن يلجأ إلى الأصل دون المقلد كي يفهم المسألة كلها من الغنم ، لكن ادرك أنه لا بد من بيع الترانزستور قبل الرجوع الذي كان السبب في توريطه بحقبة تداخلت المفاهيم حد التشابك اليومي مع كل ما هو سلبي ، فلم يعد الفاصل مرئي بين الخط الأبيض من الأسود ، فيما جُعل الاختراق أمام هاوية المعاني أمر متاح والمفر من التهلكة إلى النجاة بات بالتوغل فيه ، لهذا استبدل الرجل الترانزستور بالراديو المغيب عن المشهد النظامي لأنه يقوم بوظيفة تُنغص مسامعهم حيث يرقص بالسلم وبالحرب يقرأ قرأن . لم يكن الرعب عند الإنسان مقتصر فقط على الموت أو ما تخبئه الدنيا من قهر مادي ، فهناك رعب أخر أنكى من الموت ، الإعدام المعنوي ، قد يكون اجترح حداد من منفاه القسري ( خلّتي ) ليربط من واقع القرية بين حلاقها وسياسي المدينة ، إلا أن السياسيين تفوقوا على الحلاقين التقليدين من حيث التنظيم والارتقاء بمهنة الثرثرة التى لا تغني ولا تسمن من جوع ، بتشكيل محافل متعددة تتطلب شخصيات تمتلك مهارات من نوع خاص استبدلوا الدم الذي يجري بالعروق إلى سائل زئبقي ، بعيداً كل البعد عن منابت الأصول والأفكار والثقافة ، إلا أنهم في الواقع الملموس يحملون من القدرات العالية ، أقناع واجتذاب الطبقات البشرية على اختلاف تنوعها ، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك في صراع كلامي يهدف استقطاب العقول إلى حقولهم من خلال تدجينهم بوسائل تؤسس غشاء فكري يراكم مع الزمن مفاهيم تحمل في طياتها العديد من التناقضات ، يصعب اكتشافها ، كما أنها تدخر احتياطيات مرنة ، قابلةُ ، الاستحضار عند الطلب كي تمسح ما نتأ بشكل عفوي على سطح المشهد السياسي ومسامع المتسمرين حول الشاشات الشفافة ، ليعيدوا ما سقط سهواً انتاجه بطريقة أكثر كذباً . المسألة تعويد ، يعتاد المرء على مسائل عدة دون أن يضعها في معامل التحليل والتمحيص ، حيث تتحول مع مرور الوقت إلى ادمان سمعي ، لا يحتمل من تورط بها أن يبقى بعيداً فترة طويلة عنها ، كأنها وسواس مصحوب بزن طالما لم يتجرع جرعته اليومية ، هي حلقات أصيبت القرى بنمطيتها المزمنة ، يقودها حلاق ، أكّثرّ ، امتهانه للمهن الخفية التى تُستدعى كلما طرأ أمر يحتاج إلى مختص ، فإذا كان يتطلب الأمر إلى حكيم ، يكون الحكيم الأول والأخير ، تماماً كما أنه يتحول إلى محلل إستراتيجي الأول في العلوم الاجتماعية السياسية باستحضار ادوات الحلاقة في رسم الجغرافيا السياسية فوق جماجم الحالقين ، بل تكمن جهوزيته إلى أعمق من ذلك كله ، عندما يتبرع بإصدار الفتاوى الشرعية ، متناول مبادئها المحكومة بالنص التى لا تحتمل تأويلاً ، كون مواردها قطعية لا ظنية ، إلا ، عنده يختلف الحال ، فالظني يتقدم والقطعي يتأخر حسب أهمية السائل ومكانته الاجتماعية بالقرية ، مما يعطي لنفسه ضمن هذا التلاعب على أوتار دغدغة نرجسية أهل النفوذ ، مكانة القاضي بين فئات المجتمع ، حيث يلجأ الأطرف للاحتكام والنزول عند رأيه طوعاً لما يستشعروا بالاطمئنان النوعي النابع من جزم الطرف الأقوى للمسألة ، كونه يمتلك بوليصة تأمين أبدية يحسم أي خلاف مستقبلي لصالحه ، مقابل الأخر الذي يحتاج فقط إلى جهد كلامي يتخلله بعض القُبلات والاهتمام لبعض الوقت ثم يُسحب البرستيج المؤقت على الفور لمجرد صادق على الحكم الصادر . مسكين أبن العرب ، لقد سممت حياته كلها بهؤلاء ، اشباه الأشباه ، وبات الفرار شبه مستحيل والعزلة لم تعد مأمن وقائي صحي ، لأنه محاط بوسائل شتى اينما تواجد أو رحل ، فالهروب لا يحمل ضمانة النجاة ، واللجوء كما فعل راحلنا حداد إلى الغنم كي يفهم الحكاية من أول السطر مشكوك ايضاً به ، لأن شيطنة السياسيين ، كما أدت إلى تدجين البشر ، بالتأكيد سممت الغنم . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقايضة تنتهي بابتلاع التمساح للطيور
-
كي تنجو
-
عصر ... بلا بيت
-
الإمبراطورية الغائبة بالتسمية ... الحاضرة بالأفعال
-
هجرة الفراشات والدرويشيات
-
سوء الفهم
-
ثورة ناقصة
-
المراوحة الثقيلة بين القومية العربية الاسلامية والقومية المص
...
-
عقوق الأبناء بحق ياسر عرفات
-
أرض الحجارة والرمال
-
القدس صديقة المعرفة وعبد الباري صديق الكلمة
-
جرثومة عصية على المعالجة
-
أهي ثورة تقرير مصير أمّ تحريك تسويات
-
ارهاق مجتمعي يؤدي إلى انتحار وطني
-
بآي بآي يا عرب
-
استغاثة تائهة في الصحراء
-
عقرها حزب الله
-
رحمك الله يا أبي
-
ندفع كل ما نملك مقابل أن نعود إلى بكارتنا الأولى
-
العلماء يؤخذ عنهم ويرد عليهم
المزيد.....
-
فيديو جديد يظهر لحظة الكارثة الجوية في واشنطن.. شاهد ما لاحظ
...
-
عملية سرقة مجوهرات -متفجّرة- في متحف.. كيف نفّذها لصوص الفن؟
...
-
-قلق من جيش مصر-.. سفير إسرائيل يثير تفاعلا بحديث عن القوة ا
...
-
حماس وإسرائيل.. إطلاق سراح الرهينتين عوفر كالديرون وياردين ب
...
-
-واشنطن بوست-: ترامب يطهر FBI.. إنذارات بالاستقالة أو الفصل
...
-
الرئيس الصومالي يعارض اعتراف واشنطن بأرض الصومال
-
رسوم جمركية جديدة يفرضها ترامب على الصين، فما تأثيرها؟
-
جدل في ألمانيا - هل سقط -جدار الحماية- من اليمين الشعبوي؟
-
تقرير: أكثر من 50 ألف مهاجر قاصر مفقود في أوروبا
-
مظاهرة في ساحة الأمويين بدمشق تطالب بإنهاء سيطرة -قسد- على ش
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|