عبدالوهاب خضر
الحوار المتمدن-العدد: 1207 - 2005 / 5 / 24 - 10:57
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
المواطن عبدالبصير محمد على السلامونى الفلاح بمركز قطور غربية يتمتع بنبوغ سياسى كبير بالرغم من انه لا يجيد القرأة والكتابة وليس له أى علاقة من بعيد او قريب بالعمل العام الا تلك البطاقة الانتخابية التى إستخرجها له نائب الدائرة " حزب وطنى " لضمان صوت عبدالبصير فى الانتخابات الماضية الا أن السلامونى خيب ظنه ولم يذهب ليدلى بصوته ولكن فى النهاية نجح المرشح وظلت البطاقة الانتخابية لها مأرب أخرى عند هذا الفلاح البسيط الذى يستخدمها لارهاب وتخويف أى عسكرى أو خفير فى هذا المنطقة الريفية, ويوهم بها بعض الناس هناك بان هذه البطاقة بمثابة حصانة لها علاقة بجهات عليا .. ويصدقونه !!
وفى جلسة هادئة مع هذا المواطن أمام إحدى السواقى القديمة بعذبة على عبدة بنفس المركز والمحافظة – مسقط رأسى – سألنى بلهجة " أبو العريف " : إيه بقى حكاية المادة 76 من الدستور ؟ .. فشرحت له الحكاية من طأطأ لسلاموا عليكوا , أو منذ إعلان الرئيس مبارك عن مبادرة التعديل بالمنوفية ومرورا بألاعيب ترزية القوانين وإنتهاء بتصريح السيد حمدى زقزوق وزير الاوقاف عندما قال بأن المشاركة فى الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور واجب دينى , وأن المقاطعة حرام , كذلك تصريحات د. نظيف قبل سفره الى أمريكا فى الاسبوع الماضى عندما قال أن الشعب المصرى لم ينضج سياسيا بعد وأنه يجب ان يحصل على الديمقراطية على مراحل , بينما رد عليه الكاتب الصحفى الساخر أحمد رجب وسأله : ما الذى دفعك لان تتولى مسئولية رئاسة الوزراء على شعب لم ينضج سياسيا ؟!
والذى جعلنى أقول على المواطن عبدالبصير السلامونى بأنه يتمتع بذكاء سياسى بالرغم من إمكانياته العلمية والثقافية البسيطة هو أنه استوقفنى عن الكلام عندما كنت أتحدث عن تزية القوانين من زبانية الحزب الحاكم فى البرلمان وكيف فرغوا التعديل من مضمونه ووضعوا شروط تعجيزية تجعل ضرورة موافقة الحزب الحاكم على المرشح .. هنا قال لى السلامونى : " انتوا كنتوا فاكرين إيه ؟ هى الحداية بتفرق كتاكيت " جملة معبرة وبليغة وتتناسب بحق للتعبير عن المشهد السياسى الحالى , والعقم الفكرى فى مواجهة اللحظة الراهنة التى توحى بإنفجار وشيك وفتح ملفات ساخنة على كافة المستويات .
حوارات وجلسات إستماع وفى النهاية .. مفيش , ويحاول أن يصيغ مصطلحات سياسية جديدة تتناسب مع مرحلة ديكتاتورية بمعنى الكلمة ويسعى لاقناعنا بديمقراطية " النص كم " وكأنه يقر بإمكانية وجود إمرأة نصف حامل !, ولان الحكم عاقر فقد فضح نفسه وكشف المستور امام الجميع , بالضبط مثل الفلاح الذى كتبت عنه الصحف عام 2002 والذى أراد أن يغيظ زوجته فقام بعملية خصيان لنفسه وتبين للجميع أن المادة 76 ما هى الا بطيخة " قرعة " ضحكت بيها الحكومة علينا .
كيف غاب عنا نحن المعارضة حقيقة هذه الحداية التى تتلون كل لحظة فى ثوب ماكر وقبيح , ولماذا لم نستفيد من حكاية الاسد فى مملكة الكلاب والذى قال عبارته الشهيرة : فى بلد "يربط "فيها الكلب "ويفك" فيها القرد فلا مكان للسبع ؟ .. فلماذا إذن إنخدعنا وإعتقدنا أن المملكة خالية من أعداء الديمقراطية ؟!
المواطن عبدالبصير لم ينخدع وأقسم بالطلاق ثلاث مرات من مراته مسعدة بأنه سوف يقاطع الاستفتاء ولن يذهب الى صناديق الاقتراع كيدا فى " الحداية " .
وطبقا للمثل الشهير الذى تردده جدتى دائما : إن طلع العيب من اهل العيب , ميبقاش عيب , فإن وضع علامات تعجب كثيرة على تصرفات الحكم فى هذا التوقيت بالذات يعد نوعا من السذاجة أو الغباء السياسى , فماذا كنا ننتظر من نظام يحكم البلاد بالطوارئ طوال فترة حكمة " أكثر من ربع قرن " ؟ وماذا ننتظر من نظام فرط فى القطاع العام ويبعه بأبخس الاثمان حتى لدرجة التخلص من الشركات الاستراتيجة مثل المنجنيز والفوسفات والتى يجرى تصفيتها الان ؟ وماذا ننتظر من حكم قمعى وديكتاتورى جعل نظام الرشوة والواسطة والمحسوبية إتجاها عاما فى سياساته ؟ وماذا ننتظر من نظام فى عهده تم تهريب مليارات الدولارات الى الخارج تحت سمع وبصر كبار المسئولين .
شعرت بان المواطن عبدالبصير السلامونى قد سرح منى بعيدا فيبدوا أن ما ذكرته أثار لديه بعض الاستفسارات أو التوضيحات فقال فى سخرية : يعنى الحكومة بتكدب علينا , يا سلام لو فيه قانون للكدب كان زمانهم كلهم فى الحبس .
ضحكت وقلت له أنه ذكرنى بشاب أمريكى كذب على خطيبته وقال لها أنه على علاقة سرية بالممثلة الشهيرة " ديمى مور " وأن هذه العلاقة من المتوقع أن تؤثر على علاقتهما , وعندما تأكدت الفتاة أن خطيبها يكذب عليها فى محاولة لانهاء الخطوبة مرضت ودخلت المستشفى فقام والدها برفع دعوى قضائية ضد هذا الشاب فحكمت المحكمة عليه بغرامة كبيرة لانه كذب على خطيبته !
وقلت لعبدالبصير أن الحكومة لم تكذب علي أكثر من 70 مليون مواطن فقط بل تزاصل كذبها وتصدق نفسها وتزعم كل يوم أنها تبنى مئات المصانع والكبارى وان المواطن مبسوط أخر إنبساط , بل تضرب بالقانون أيضا عرض الحائط , فسألنى كيف ؟ ضربت له امثلة بما يحدث الان بخصوص المادة 76 من الدستور – محل النقاش بيننا - فقد ارتكب مجلس الشعب جريمة دستورية صارخة، باضافته تعديلا جديدا علي النص المقترح للمادة 76 من الدستور, ليتضمن هذا التعديل قيام رئيس الجمهورية بعرض مشروع القانون المنظم للانتخابات الرئاسية علي المحكمة الدستورية العليا بعد اقراره من مجلس الشعب وقبل اصداره مع العلم بان الرقابة القضائية علي دستورية القوانين واللوائح يجب ان تكون لاحقة وليست سابقة، مما يؤكد بطلان ما قام به المجلس ووصف خبراء القانون والدستور ما يحدث الآن بأنه أحد أنواع اللغط التشريعي، لان احالة التعديلات المطروحة علي المادة 76 الي المحكمة الدستورية يعد مخالفة دستورية واضحة لان هذه المحكمة لا تختص بنظر او ابداء الرأي في الأمر المعروض عليها الا بعد صدور القانون المختص بذلك.
وأشار الفقهاء الي ان الحالات الاربع المسموح بها العرض علي المحكمة الدستورية ليس من بينها ما فعله مجلس الشعب، وهذه الحالات حددها الدستور للجوء الي المحكمة الدستورية وتشمل:
* الحالة الأولي: عند الطعن في دستورية نص قانوني أو لائحة واذا رأت المحكمة جدية الدفع تؤجل الفصل في الدعوي أمامها الي أن يصدر رأي المحكمة الدستورية.
الحالة الثانية: اذا تراءي لاحدي المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر احدي الدعاوي عدم دستورية نص في قانوني أو لائحة لازم الفصل في النزاع أو قضت الدعوي وأحيلت الاوراق للفصل في الدستورية.
* الحالة الثالثة: وهي فصل المحكمة الدستوري في تفسير نص قانوني تقوم بعرضه احدي السلطات الثلاث وهي رئيس الوزراء بصفته رئيس السلطة التنفيذية ورئيس مجلس الشعب بصفته رئيس السلطة التشريعية والمجلس الاعلي للقضاء وذلك كله بعيداً عن رئيس الجمهورية. ويكلف بتقديم طلب التفسير وزير العدل ولا يمكن أن يقدمه من تلقاء نفسه. وهنا يكون التفسير ملزماً.
* الحالة الرابعة: يعرض علي المحكمة الدستورية أي تعديل بقوانين المحكمة الدستورية.
وعلى الرغم من أن عبدالبصير السلامونى تاه منى وسط هذا الكلام الذى وصفه بالثقيل الا أنه طالبنى بالمزيد فقلت له أن الحكم عندنا فى مصر لم يكتف فقط بالكذب ومخالفة القانون بل سعى لتضليل الناس عن طريق الاستفتاء الذى سوف يجرى اليوم الاربعاء 25 من ابريل 2005 فقد وافق حبيب العادلى وزير الداخلية على الصيغة النهائية التى تقول : هل توافق على تعديل المادة 76 من الدستور ؟ فإذا المواطن أجاب بنعم فسوف يكون قد وافق على التعديل التعجيزى الذى وافق علية أغلبية البرلمان من الحزب الحاكم والذى يشترط فى المرشح لرئاسة الجمهورية أن يوافق علية الحزب الحاكم , وإذا أجاب المواطن بلا فسوف يعنى العودة لنظام الاستفتاء من جديد , المعارضة أحتجت على ذلك وقاطعت هذا الاستفتاء وطالبت الجماهير بمقاطعته وقال خبراء القانون الدستورى بأنه " استفتاء ديكتاتورى " وأنه كان يجب أن يتم صياغة السؤال بصورة صحيحة بمعنى توصيح السؤال أمام الناس ووضع الصيغة النهائية التى أقرها الحزب الحاكم لصالحة فى الجلسة الاخيرة لمجلس الشعب .
سألنى السيد السلامونى سؤال مثير قائلا : وهى المعارضة لما تقاطع هيحصل إيه ؟ وهنا ذكرنى هذا السؤال بكلام السيد سمير رجب رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفتى الجمهورية ومايو عندما علق على مقاطعة أحزاب المعارضة الثلاثة " التجمع والوفد والناصرى " بقوله بأن الشعب لن يستمع الى هذه القلةغير الجماهيرية , فيجب أن يعرف السيد سمير بان هذه القلة هى التى ناضلت سنوات طويلة من أجل مطلب تعديل الدستور فى الوقت الذى كان سيادته يشيد بمبدأ عدم التعديل وبقاء الشيئ كما هو عليه حتى جاء قرار الرئيس مبارك بضرورة التعديل فى الدستور وأعترف الحكم بأن هذا المطلب ضرورة وطنية ومطلب شعبى فأشاد السيد سمير بمبدأ التعديل !!
ويجب أن يعلم السيد سمير وأمثالة من الذين يتشدقون بالاغلبية مثل السيد زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية وعضو مجلس الشعب والذى وصفه البعض بالمعارض الحكومى فى البرلمان خاصة عندما قال ذات يوم بأن الفساد فى المحليات وصل الى الرقبة ثم تراجعت شعبيته منذ أيام عندما قال قال فى مجلس الشعب : نعمل مصالحة مع مين ؟ إحنا الاغلبية . يجب أن يعلم كل هؤلاء بأن هناك فارق بين نضال حقيقى وتمسك متواصل بمطالب الديمقراطية وبين أحزاب صنعها الامن و مظاهرات مدفوعة الاجر وشعارات تأييد منافقة لها مأرب أخرى.
سألنى السلامونى : هى المادة 76 تعمل كل ده ؟
فقلت له لقد عملت أكثر من ذلك وحركت المياه الراكده فهؤلاء هم القضاه يفضحون النظام ويقولون بأن كل الانتخابات السابقة كانت مزورة ويهددون بمقاطعة الاشراف على الاستفتاء فى حالة عدم الاستجابة لمطالبهم وهى الاستقلالية والاشراف الكامل على الانتخابات , وها هم أساتذة الجامعات ينظمون المظاهرات من أجل حرية الرأى والتعبير وضد الاعتقالات , والبلد فى حالة ثورة مكبوته لابد لها من فيضان , وقلت للسلامونى أيضا أن الدستور به 36 % من مواده صلاحيات للرئيس تجعل فى قبضته كل شيئ , وان المطلوب هو تغيير جذرى حقيقى وان الديمقراطية الحقيقية لن تتحقق كلية الا أذا تم تنفيذ مطالب قوى المعارضة التى تتلخص فى :
انتخاب رئيس الجمهورية بالتصويت الحر المباشر ومن بين أكثر من مرشح وبما لا يزيد عن فترتين متتاليتين وتخلى رئيس الجمهورية عن انتمائه الحزبى طوال فترة توليه لمنصبه، وتحديد وتقليص السلطات المطلقة الممنوحة لرئيس الجمهورية فى الدستور ،وإلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين ، والعفو عن المسجونين السياسيين فى غير قضايا العنف ، وإعادة محاكمة المحكوم عليهم من المحاكم العسكرية أمام القضاء الطبيعى ، وإلغاء القوانين والمواد القانونية المناهضة للحريات العامة وحقوق الانسان . ووضع حد نهائى لممارسات التعذيب وملاحقة ومساءلة مرتكبيه و توفير ضمانات الانتخابات الحرة النزيهة وبصفة خاصة تشكيل لجنة قضائية دائمة ومستقلة تنفرد بإدارة الانتخابات والاستفتاءات العامة ، وإلغاء جداول القيد الحالية وإنشاء جداول جديدة تتطابق مع السجل المدنى ، لحين الانتهاء من تعميم الرقم القومىو إطلاق حرية تشكيل الأحزاب تحت رقابة القضاء الطبيعى وحده وأن يكون الحزب مفتوحا لجميع المصريين بلا تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين ، وأن يلتزم بقواعد العمل الديمقراطى فى إطار دستور مدنى، ورفع الحصار القانونى والسياسى المفروض على الأحزاب ، ورفع القيود على النشاط الجماهيرى السلمى بما فى ذلك حق التظاهر والإضراب والاعتصام وعقد المؤتمرات وتوزيع البيانات وعدم السماح للحزب الوطنى بالسيطرة على أجهزة الدولة وتسخيرها لصالحه وصالح أعضائه و كفالة استقلال النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدنى سعيا إلى مجتمع أهلى قادر على المساهمة فى بناء الديمقراطية والتقدم ، وإلغاء القانون 100 لسنة 1993 الخاص بالنقابات المهنية و إطلاق حرية إصدار الصحف وملكية وسائل الاعلام للمصريين وتحرير أجهزة الاعلام والصحافة القومية من سيطرة السلطة التنفيذية والحزب الحاكم ، وإتاحة فرصة متكافئة للأحزاب والقوى السياسية وكافة الاتجاهات والتيارات الفكرية الديمقراطية فى طرح آرائها وأفكارها فى كل أجهزة الاعلام المملوكة للشعب ، لحين تعديل قانون الاذاعة والتلفزيون وتحقيق إستقلالها عن السلطة التنفيذية و التمسك بالمواثيق والعهود والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الانسان .. ورفض التذرع بالخصوصية الحضارية أو الدينية للطعن أو الانتقاص من عالمية مبادئ حقوق الانسان أو تبرير انتهاكها ، فقيم حقوق الانسان هى ثمرة تفاعل وتواصل الحضارات والثقافات عبر التاريخ بما فى ذلك الثقافة العربية والاسلامية ، والتأكيد على أن الخصوصية التى ينبغى الالتزام بها هى تلك التى ترسخ شعور المواطن بالكرامة والمساواة وتصون معتقداته الدينية ووحدته الوطنية وتقاليده الإيجابية ,وتثرى ثقافته وحياته وتعزز مشاركته فى إدارة شئون بلاده ، وتضيف حقوقا جديدة للانسان فى مصر..
قلت للسلامونى : إما حرية أو غير حرية , فلا ديمقراطية " نص كم " , فضحك السلامونى , وقال لى قبل أن يتركنى : انا لازم أفهم الناس فى بلدنا بكل الكلام ده وأقول لهم : مفيش إمرأة نصف حامل .
#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟