|
الشاعر المغترب رزاق علوان من شعراء المنافي الاجبارية
جاسم نعمة مصاول
(Jassim Msawil)
الحوار المتمدن-العدد: 4223 - 2013 / 9 / 22 - 11:50
المحور:
الادب والفن
جاء الشاعر والكاتب والصحفي رزاق علوان الى الغربة القسرية من ارض مهد الحضارات ارض سومر وبابل وآشور، حيث حضارة وادي الرافدين العريقة، ، وريث سرجون الاكدي وحمورابي ونبوخذ نصر وآشور بانيبال، واحد من شعراء المنافي الاجبارية، ولد من رحم حضارة بابل فكيف لايكون شاعراً وكاتباً وصحفياً، بل بالاحرى مثقفاً ينهل من تلك الحضارة التي شغلت الدنيا ومازالت، وهو الذي يقول: أخذتْ مُدن المنفى تشبهُ كثيراً مُدنَ الجذور أرصِفَتها، شوراعَها، حدائقَها مثل بابل مدينتي العريقة في التاريخ
لقد لجأ الكثير من الشعراء العراقيين الى المنافي الاجبارية وليست الاختيارية نتيجة سيادة ثقافة السلطة في الحياة الثقافية العراقية وكوابيس القمع الفكري، مما ادى الى ان يحمل الشاعر العراقي حالة شجنية في غربته حتى مماته في أرض المنفى وانعكاس ذلك على أعماله الإبداعية. أن أدب المنفى يحمل الحنين الدائم للمكان والبشر وتعود الذاكرة دائما إلى أرض الوطن إلا أن الغربة مهما كانت أسبابها تضع الإنسان في سياق مغاير قد يتأقلم معه فتصبح هويته متعددة الجوانب، ويصبح وعيه الحضاري مزدوجا يعي ذاته وثقافته كما يعي الآخر وثقافته في آن واحد وقد لا يندمج في المنفى فيعتمد على ذاكرته في استدعاء الوطن بكل تفاصيله الأثيرة. وفي الحالتين تصبح اللغة الأدبية بأبعادها المركبة وسيلة فنية للتواصل مع الوطن والعالم.
يقول الشاعر الفرنسي سان جون بيرس في قصيدته " منفى" : ابواب مفتوحة على الرمال ابواب مفتوحة على المنفى ايها المهاجر ليس إلا ان تشتهي المدى الاكثر عريا لكي تجمع من رمال المنفى قصيدة عظيمة ولدت من لاشيء قصيدة عظيمة ابدعت من لاشيء يقول الروائي الكبير جيمس جويس:" هذا البلد الجميل الفاتن الذي كان يرسل دائماً، كتابه وفنانية الى المنفى". يقول الشاعر التركي ناظم حكمت صارخاً من فوق ثلوج سيبريا: "يا لحياة المنفى من مهنة شاقة". يقول الشاعر الكبير المبدع بدر شاكر السياب: بين القرى المتهيبات خطاي والمدن الغريبة غنية تربتك الحبيبة فانا المسيح يجر في المنفى صليبه يقول الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي: " القلق في حياتي يشبه حال الناس عندما يعم القحط. أرأيت كيف يخرجون ليتضرعوا الى ألله؟ .. كذلك أخرج أنا لأضرب في الارض على غير هدى .. مدفوعاً به الى افق القصيدة الموصدة حتى يُفتح". يقول الشاعر العراقي المغترب عدنان الصائغ: المنفى لم يبعثر أحلامي فقط بل شتت حياتي كلها. هأنا أتطلع من نافذتي في - جنوب القطب الشمالي - كل صباح إلى سحب أحلامي المتناثرة في هذا الفضاء المترامي الخيبات، حالماً بوطن حر وطاولة للكتابة، ولولا هذا الحلم كيف يمكن تجرع غصص المنفى. يقول الشاعر العراقي المغترب يوسف سعيد (المعروف عنه بقديس القصيدة): انا قصيدة مشطورة بسياط البحر اعاني من موجتين متصارعتين وطني وغربتي.
اما الشاعر رزاق علوان فيقول: اتعبتني الاحلام كثيراً أخذتني لمشارف شاقة على حافة أسلاك شائكة نوافذ مغلقة بالسواد أحتار كيف اوزع نفسي مابين بيروت وبغداد ومونتريال لا تعكس قصائد الشاعر رزاق علوان صورة عن حياته فحسب، بل هي حياته نفسها ذائبة في مياه الشعر أو الشعر نفسه متحللاً الى مفردات حياتية لانسان من هذا العالم. القصيدة عند رزاق علوان هي سيرة ذاتية مستمرة مثل نزيف الحروب والمنافي التي عاشها أو هي رواية شعرية في فصول أو أجزاء، تمثل تاريخاً مفصلاً لمرحلة، وحيوات وخطاب ورؤى تركت ظلالاً ثقيلة وبصمات عميقة على ساعة المستقبل المفتوحة الزمن. عندما نقرأ قصائد الشاعر رزاق علوان نجد أنها تتمحور حول عدد من العناصر الاساسية في اغلب قصائده وهي : الجغرافية المكانية والمنافي والنساء، وأحيانا يجمع هذه العناصر في قصيدة واحدة او جزء من قصيدة، كما في قصيدته ( العزلة ... امتحان القوة): نتقبل أن اختار العزلة وطناً قصائدي تغفو في حقائب النساء الجميلات تحاصرني اكثر من امرأة في شوارع " سان لوران" أما عالم الامكنة فهي المحطات الحياتية التي لايفتأ يتذكرها، تعيش معه أينما حل ورحل، هي بابل وبغداد وبيروت ودمشق وعمان ومونتريال، إذ يقول في قصيدة (نذور لخضر الياس): أهلكتني طرقات المنافي مابين دمشق وبيروت مابين بغداد وعمان مابين الذاكرة والروح نافذة وباب الغربة في مونتريال تضيء وحشة روحي وفي قصيدة (عطلت موتي) يعترف الشاعر بأنه مجنونٌ بالمكان، إذ يقول: أنا شاعر عجوز مجنون رسمياً حد اللعنة في المكان والوجوه ان الشاعر رزاق علوان متعلق جدا في المكان الذي يعيشه، ونشعر ان روحه تهيم وتتلوع عندما يغادر المكان الذي ألفه وتعود ان يرى مرتاديه كل صباح، مكان يحتوي الوجوه التي عرفها، حتى فنجان القهوة الذي يلثم حافته كل يوم يود أن لايفارقه، لقد رسم لنا صورة حزينة مؤلمة عن فراقه للامكنة التي أحبها، ومن خلالها جعلنا نقف امام صورة شعرية فنية رائعة تعبّر عن احاسيسه عند وداع الامكنة والتحول الى منفى آخر، ألم يقل في قصيدةٍ له: كيف ألغي ملامحي، وجهي عكازي، قصيدتي، عنواني كيف سأغادر الليلة سان لوران؟ من يعرفني في " كوت سان لوك" من يعرف قصائدي واما المنافي التي حفرت عميقاً في روح شاعرنا مازالت ندباً كبيراً يعالجه بصبر مختلط بالحزن والاسى عبر قصائد فيها لوعة وألم يبحث من خلالها عن ضفة نهر كي ينام بسلام، ونلاحظ ان الغربة المكانية أثرت في بناء فكرة القصيدة لدى الشاعر وارتقت بها فنياً، اذ يقول: في الغربة يشتد احتياجي لوجوه تكسرت كالمرايا في ذاكرتي أيُ احتياج يأخذني في مدن الاغتراب لقبر أمي لبغداد لبابل مدينتي الغافية على نهر فرات لشاطيء أرسو عن ضفافه وفي قصيدة " صلاة لايعرفها الآخرون" يشعر بالغربة الحقيقية والعزلة التامة في المنفى، فهو يحتاج الى أهله الى ابناء وطنه البعيدين عنه مكانيا وليس روحيا، إذ يقول: من أين اجيء؟ بأهلٍ وعشيرة من أين أجيء؟ بابناء عمومتي أولادي احفادي احتاج وجها يحتويني يلملم احزاني وجع غربتي احتاج أم ... وطن الى أن يفصح عن لوعته وحنينه الى وطنه العراق ويقول: أترقب لحظة ساعة فرج أترقب نوارساً طيوراً خرافية مهاجرة تحط هنا: في استراحة قصيرة نتحاور: كيف نعبر حدوداً لنشم تراب وطن أصلي صلاة لايعرفها الآخرون افر في منتصف الليل مذعوراً أصرخ كالمجنون ياعــــراق ........ أما المرأة في قصائد الشاعر رزاق علوان فقد أخذت حيزاً كبيراً، فهي الام والوطن والحبيبة والصديقة، التي تبعث الدفء والحياة في روحه المغتربة، هي منفاه، تسكن فيه، بل هي ملهمته ومعبده البابلي الذي يمارس فيه طقوسه الشعرية، حيث عشتار " آلهة الحب ". هو عاشق للمرأة، وهي الوحيدة التي تطرد احزانه، تفك طلاسم عزلته ولوعاته، تسيطر عليه حالة من الفرح الطفولي عندما يتحدث الى إمرأة. المرأة لدى رزاق علوان عبارة عن حلم جميل دائم يقهر به مدن الاغتراب والعزلة وتقدم العمر، هي من يوقف زحف الزمن عند لحظة الحلم: في حبكِ اختلطت كل الموازين رحتُ ارسمك قمراً يضيء في عز الظهيرة اتوسد بريق عينيك الضاحكتين اترقب صوتك حلماً في يقظة الصباح أما الأم تلك المرأة التي يحملها في قلبه، تسري في دمه وتسكن ذاكرته الى الابد، كانت جزءاً من حياته الشعرية واحتلت مكاناً لها في قصائده: احتضن وجه أمي يقظة حلم ارتعاشة بدن حزيناً كان وجه أمي باكياً لشدة وجع الفراق لازال ثمة حنين يشدني لوجه أمي
لقد جمع الشاعر رزاق علوان في قصائده بين مرارة المنفى في الوطن والمنفى في الغربة وبين نبض العراق الحر الجميل وبين المرأة الام والحبيبة التي عشقها في كل مكان، ولولا تلك القصائد الجميلة التي تحمل نبضاً انسانياً لما استطاع رزاق علوان ان يتحدى الغربة والمنافي البعيدة وصباحاتها المثلجة.
#جاسم_نعمة_مصاول (هاشتاغ)
Jassim_Msawil#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|