|
ذبح الحيوانات: رجال دين بلا دين
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4223 - 2013 / 9 / 22 - 05:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في أول يوم في كلية الحقوق في جامعة فريبورغ السويسرية عام 1970 طلب منا استاذنا ان نقرآ الدستور الذي تبنته سويسرا عام 1874. وكم كان استغرابي عندما رأيت أن هذا الدستور يتضمن بين مواده مادة حول المقابر سوف اتكلم عنها في مقال قادم، ومادة أخرى عن ذبح الحيوانات. وهذا هو الدستور الوحيد في العالم الذي يتضمن مادتين عن هذين الموضوعين. وللعلم، تم التصويت على دستور جديد دخل حيز التنفيذ في بداية عام 2000 وكان لي شرف ترجمته إلى اللغة العربية، وهو موجود على موقع الحكومة السويسرية http://www.admin.ch/org/polit/00083/?lang=fr .
ما دخل ذبح الحيوانات بالدستور؟ وماذا تقول هذه المادة الخاصة بذبح الحيوانات؟
تقول المادة 25 المكررة من الدستور السويسري لعام 1874: "يحظر حظراً باتاً ذبح الحيوانات دون تخدير مسبق". وواضح من النص والإعمال التحضيرية أن الهدف منها تخفيف الم الحيوان بأكبر قدر ممكن عند ذبحه.
دخلت هذه المادة في الدستور السويسري بناء على تصويت شعبي في 20 اغسطس لعام 1893 بأغلية أصوات الشعب وأغلبية المقاطعات. وقد تم اخراج هذه المادة من الدستور وادخالها في قانون لحماية الحيوانات وما زال معمول بها حتى يومنا هذا. وقد اثارت هذه المادة وما زالت تثير نقاشاً واسعاً في الأوساط القانونية والدينية التي تعتبرها مخالفة للحرية الدينية لأن اليهود والمسلمين، حسب الرأي الشائع – دون أي اثبات – ممنوعون من أكل الحيوانات التي تذبح بعد تخديرها ويطلبون ذبحها دون تخدير. ولتزويد اليهود والمسلمين في سويسرا باللحوم التي تتفق مع هذه الفكرة الخاطئة يتم استيراد لحوم من فرنسا يتم ذبحها على الطريقة اليهودية والإسلامية دون تخدير. مع العلم أن قرابة كل الدول الأوروبية تفرض تخدير الحيوانات قبل ذبحها ولكن مع اعطاء استثناء لليهود والمسلمين.
وبطبيعة الحال فرض التخدير قبل الذبح سبب خسائر مادية لسويسرا التي لا يمكنها تصدير لحومها إلى العالم الإسلامي، كما أنها مجبورة لاستيراد لحوم خاصة لليهود والمسلمين. ولذلك اقترحت الحكومة السويسرية عام 2001 تغيير قانونها لكي يتجانس مع القوانين الغربية الأخرى بحيث يستمر في حظر ذبح الحيوانات دون تخدير مع اعطاء استثناء لليهود والمسلمين. وقد عُرض هذا الاقتراح على الهيئات والأحزاب المختلفة للمناقشة ولكنه لاقى رفضا قاطعا لأن أغلبية الشعب السويسري يرفض اعطاء استثناء للمسلمين واليهود ويعتبر ذبح الحيوانات على الطريقة اليهودية والإسلامية اسلوب همجي. وعلى اليهود والمسلمين احترام حقوق الحيوان والتأقلم مع المجتمع وليس العكس. وعندما رأت الحكومة أنه لا سيبل لإقناع الشعب، قررت سحب مشروعها وأبقت على الوضع الحالي. فحتى يومنا هذا ممنوع في سويسرا ذبح الحيوانات إلا بعد تخديرها لتخفيف ألمها.
وقد كان لي شرف التدخل في هذا المجال من خلال استشارة قانونية قدمتها للحكومة السويسرية ولجمعية حماية الحيوانات أثبت من خلالها أنه لا توجد أية تعليمان في الشريعة اليهودية والإسلامية تمنع تخدير الحيوانات قبل ذبحها، لا بل العكس. فالدين اليهودي والدين الإسلامي يطالبان بتخفيف ألم الحيوان على قدر المستطاع. وكل ما تنص عليه الشريعة اليهودية والإسلامية هو أكل لحم الجيفة، أي الحيوان الميت دون ذبح مسبق. وتخدير الحيوانات قبل ذبحها لا يؤدي لموتها تماما كما أن تخدير المريض قبل العملية الجراحية لا يؤدي إلى موته. ومن خلال استشارتي القانونية سقطت الحجة التي كانت تريد أن تعتمد عليها الحكومة السويسرية لإعطاء استثناء لليهود والمسلمين. وللعلم هناك عدة فتاوى من الأزهر وهيئات إسلامية أخرى تسمح بتخدير الحيوان قبل ذبحه إذا لا يؤدي هذا التخدير إلى موته. وقد استغرب اساتذتي الذين علموني النتيجة التي توصلت لها من خلال استشارتي واعتبروها فتحاً مهما في مجال القانون. فأساتذة القانون كانوا جميعهم يرددون مثل الببغاوات أن الشريعة اليهودية والشريعة الإسلامية تمنع تخدير الحيوانات قبل الذبح، ولكن دون التحقق من صحة ما يعلمونه ودون ذكر أي مصدر يهودي أو إسلامي.
ولكن ماذا عن الدول الأوروبية الأخرى؟ الدول الأوروبية الأخرى تفرض تخدير الحيوانات قبل ذبحها، ولكنها تقريبا جميعها تعطي لليهود والمسلمين استثناء بذبح الحيوانات دون تخدير معتبرة أن الشريعة اليهودية والشريعة الإسلامية تمنع تخدير الحيوانات قبل الذبح. وهو أمر مغلوط كما اثبته في استشارتي القانونية. ولكن اليهود والمسلمون في الدول الغربية ما زالوا يطالبون بإمكانية ذبح الحيوانات دون تخدير ويرفضون منع هذا الأسلوب كما هو الأمر في سويسرا. ولكن لماذا؟ الجواب بسيط جداً. السلطات الدينية اليهودية والإسلامية في تلك الدول تربح فلوس كثيرة من خلال شهادات حول طريقة ذبح الحيوانات (ويطلق عليها شهادات اللحم الحلال للمسلمين واللحم الكوشر لليهود). ففي فرنسا جامع باريس وجامع مدينة ليون مخولون بإصدار مثل تلك الشهادات مقابل أموال طائلة. إنها فقط عملية ابتزاز من قبل الهيئات الدينية وخرق فاضح لحقوق الحيوانات، دون أي وازع أو ضمير. ورجال الدين اليهود والمسلمون في فرنسا متضامنون جدا للدفاع عن مصالحهم المالية في هذا المجال.
بناء على ما سبق يمكن القول بأن رجال الدين اليهود والمسلمين هم رجال بلا دين ولا ضمير. إنهم فقط تجار دين يسعون للحصول على المال حتى ولو كان على حساب تعذيب الحيوانات. تبا لهم. إنهم يستحقون الجحيم، إن كان هناك جحيم، وبئس المصير. إنهم مجرمون.
هذا وقد ادى بي دفاعي عن حقوق الحيوانات إلى رفض أكل لحومها وأصبحت نباتيا على غرار أبو العلاء المعري. فأنا لم أعد اتحمل فكرة ذبح الحيوان لكي آكله، خاصة أن الحيوانات أكثر إنسانية من الإنسان. ويكفي النظر لما يحدث في سوريا والعراق ومصر بإسم الدين. إن الحيوان أفضل الف مرة من هؤلاء المتمسحين بالدين. وانهي هنا بما قاله أبو العلاء المعري غدوت مريض العقل والدين ....... فالقني لتسمع أنباء الأمور الصحائح فلا تأكلن ما اخرج الماء ظالماً ..........ولا تبغ قوتاً من غريض الذبائح وأبيض أمات أرادت صريحه ........... لأطفالها دون الغواني الصرائح فلا تفجعن الطير وهي غوافل ................بما وضعت فالظلم شر القبائح ودع ضرب النحل الذي بكرت له ...........كواسب من أزهار نبت فوائح
لمن يريد المزيد ويفهم اللغة الفرنسية يمكنه أن ينظر إلى محاضرة قدمتها في باريس حول هذا الموضوع في 25 مايو 2013 وعلى نص مقالي المطول في الرابط التالي http://www.blog.sami-aldeeb.com/?p=34908
د. سامي الذيب مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com -------------------------------------- أطلبوا كتبي: http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 حملوا كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 حملوا طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 موقعي http://www.sami-aldeeb.com مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com عنواني [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن 15: في مزبلة التاريخ
-
القرآن 14: صدق سامي العظيم
-
ردي على مبشر مسيحي
-
القرآن 13: نحن بحاجة إلى طبعة علمية للقرآن
-
القرآن 12: الأهداف الاجتماعية لطبعتي العربية
-
حملوا كتبي مجانا
-
القرآن 11: الأخطاء اللغوية – دعوة للقراء
-
القرآن 10: كشكول مفكك الأوصال
-
أكبر درجات الغباء الاعتقاد بالكتب المقدسة
-
من المسطول: سامي الذيب أم مؤلف القرآن؟
-
يا مصر: الشجرة تقلع من جذورها
-
حل للمأساة: رفع القدسية عن القرآن ومحمد
-
كيفية استئصال الأصولية الإسلامية
-
القرآن 9: الناسخ والمنسوخ
-
القرآن 8: التقديم والتأخير
-
القرآن 7: اختلاف القراءات
-
حد الردة 1 - الأزهر مؤسسة اجرامية
-
متطلبات الدستور الحديث في مصر
-
معروف الرصافي والقرآن
-
نسخة محدثة من طبعتي العربية للقرآن
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|