أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوزيد مولود الغلى - العين














المزيد.....

العين


بوزيد مولود الغلى

الحوار المتمدن-العدد: 4221 - 2013 / 9 / 20 - 19:00
المحور: الادب والفن
    


أكمل الفتى فترة الإثغار ، أطلت بطلْعها آخر ضرس وسقطت بعدها آخر سنِّ رضاع ، حملها في كفه إلى أمه فقالت : صُنها ولا تضيعها حتى تشرق شمس الصباح ، وولّ وجهك شطرها ثم قل : " يا أيتها الشُّميْسة ، هاك سن حمار ، واعطني سن غزال !.
لم يجل في خلد الولد السؤال عن الشمس المضيئة التي لا تعطي ولا تمنع ، ولكن عنّ له السؤال عن سر طلب سنّ غزال لا سن حمار! ، فدلف إلى أمه ووضع رأسه على فخذها ، وبدأت تمشط شعره السّبْط بيديها ، وهي تنشد : غزّيّل ميّل ...آه ، غزيَّل ميَّل ، آه ،,, أنصت إليها باهتمام ، ثم صوب بصره إليها و رفع حاجبيه مبتسما وقال : أمي ، لماذا نطلب من الشمس سنّ غزال ،ونعطيها سنّ حمار ؟ ، فقالت : إذا قلت ذلك ، خرجت أسنانك ناصعة البياض كالشمس إذا أشرقت ، و جاءت صغيرة جميلة كأسنان الغزال لا كبيرة كأسنان الحمار! .
كبُر الفتى و شبّ عن أسئلة الصغار ، وذات يوم ألمّ به وجع الأسنان ، فأخذه والده إلى " حجّام القرية " ، رجل طاعن في السن ، يمتهن الحجامة والختان و قلع الأضراس . أمسك الحجام برأس الفتى ، وفتح فاه ، وأدخل " ملقطا" ، وحرّك بشدة الضرس المريضة ، فشعر الفتى بألم شديد ، كأن مخيطا انغرز في رأسه!، تذكر أن الضرس العتيدة التي تقاوم الاقتلاع ، سنّ غزال كما حدثته أمه ، وقال في نفسه : إن كانت هذه سن غزال ، راسية ٌجاثمة في مكانها لم تبرحه الا بشق الأنفس وصداع الرأس ، فماذا لو أُعطيت سن حمار! .
استأصل الحجام الضرس ، وأراها للفتى الذي يتقطع وجعاً ، وقال : ها هي العدوة ، ياك حْنَا أصحاب ؟ ياك ما مخاصْمين؟ . افتر ثغر المريض المتألم عن بسمة غير عريضة ، و لم ينبس ببنت شفة ، لكنه نظر خلسة في وجه الرجل العجوز الذي ازدحمت جبهته بالتجاعيد ، و تمتم بصوت خفيض : ربما انتزعت سنّ حمار! .
عاد الفتى إلى بيته رفقة أبيه ، فوجدا في الطريق رجلا يحمل أثقالا على ظهر حمار ، وهو يضربه بقطعة من خرطوم مياه ، و يقول : ارّا ، ارّا ، زِيد يا حمار ، فالتفت إلى أبيه وقال : أي عذاب يلاقيه هذا المسكين ! ، يحمل الأثقال ، فينوء ظهره بالأحمال ، ويتثاقل خطوُه ، وينهال عليه صاحبه بالضرب الشديد ، أيُّ ظهر يملكه هذا الحمار ؟ ، تكاد تنسلخ فروة جلده ، فلا ينهق ، ولا يركل ، ولا يعض ؟ .نهره والده قائلا : ولمَ تغتمّ وتهتمّ بما ليس شأنك؟ ، إنْ قبِل الإهانة ، فلأنه مهيأ للإهانة ، وان صبر على الحِمل الثقيل ، فلأنه حمار ! .
أصغى الولد لكلام أبيه ، و تذكر كلام أمه الذي لا يبرح لسانها : الحرُّ بمهمازه !.
تقدم العمر بالفتى ، وأصبح حمّالا للكتب نبّاشا مقمشا لكل نص عن الحمار : من حمار توفيق الحكيم إلى حمار شاعر سوداني حليم ، ووقع في نفسه أن الحمير ستثور يوما أو تفرّ ، وانتابه شك من هجرة الحمير من قريته إلى فرارة سمّاها الناس : قرارة الحمير ، فظن أنها فرّت من البشر ، واستفرت بتلك القرارة الموحشة ، وقرّت عينها بما رأته من بعدِ من الوحوش وقرب من الوحيش.
غير بعيد عن القرارة ، شيّدت قبيلة عربية بيوتا من الطين و لملمت بيوت الشعَر ( الخيام) ، واتخذت لمستقرها اسم عينِ الحمار ، ربما تبركا بما يفيض من عين الحمار من ماء عند البكاء ، والماء لا يفارق عينيه الواسعتين كعين فياضة من الماء !.
ظلت القبيلة ترفل في النعم بوادٍ ذي زرع كثير وكلا وفير ، وضرع يدر الخير ، ولم يجل في خاطر أحد منهم أن تسمية قريتهم الوادعة الهادئة المطمئنة بعين الحمار سبّة أو فساد ذوقٍ إلى أن حلّ بمحلّتهم مسؤول رفيع الرتبة ، وسأل أحد عيونه أو أعوانه عن اسم القرية ، فتردد في الجواب وتلعثم ، وكأن الاستحمار أو اقتراض اسم عين الحمار مقدحة ومذمة ، ثم قال بعسر : س، س ، سيدي ، اسمها عين الحمار ! . غضب المسئول و احمرت خدوده ، وقال : وكأنه آمر بحفر الأخدود ، من أطلق هذا الاسم على هذه الجنة الخضراء اليانعة ليس له ذوق ! ، من الآن فصاعدا : سموها " عين الرحمة "!.
أتت سنون عجاف ، جفّ الضرع و يبس الزرع ،ولم ير الناس للرحمة من أثر ، فوقع في أنفسهم أن ظلم الحمار جور ، وأن اسم عين الحمار أبرك من رحمة عينِ المسئول ، فهبّوا إليه عن بكرة أبيهم ، وقالوا قولة رجل واحد : إن كانت هذه رحمتك ، فردّ علينا عين حمارنا ، وخذ عنا عين رحمتك !.



#بوزيد_مولود_الغلى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرئيس...
- اللز ، النشع ، المزّا/المزّة كلمات حسانية ذوات أصول عربية - ...
- كلمات حسانية ذوات أصول عربية-الجزء الثاني
- كلمات حسانية ذوات اصول عربية
- ايام الجد والنشاط 6
- اراد ان يدخل التاريخ
- هل رأيتم زعطوط ؟
- نفَس التحدي
- ايام الجد والنشاط 5
- من تواقيع الربيع
- ولد ليلا وذهب ليلا
- محاولة انتحار هازلٍ
- تباريح شامية
- أيام الجد و النشاط 4
- أيام الجد و النشاط 3
- من تراث الصحراء : قصص قنفذ
- الانكسار الخطير : من النخبة السياسية الى التبخة السياسية - ح ...
- أيام الجد والنشاط 2
- أيام الجد والنشاط 1
- صور بلاغية في الأمثال الحسانية


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوزيد مولود الغلى - العين