|
هيكل والقومية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4218 - 2013 / 9 / 17 - 09:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعبر الشخصياتُ الفكرية والسياسية عن محاور وتجارب التطور و(هياكل) القوى الاجتماعية في ظرف تاريخي معين. كشخصيةِ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في تعبيره عن التجربة المصرية من خلال شخصه ورؤيته. شخصية الصحفي ترتبط بالدور الفكري السياسي، وهو الدور الذي أتيح له الظهور والبروز بعد تأسس دور النشر والصحافة وتحولها إلى قوة ثقافية سياسية، وكان هذا الدور غير متاح في عقود الصحافة المصرية الأولى. وظهور الصحفي كشخصية لامعة قيادية ثقافية هو نتاجٌ لهذا التراكم، مثل شخصيات الضابط والسياسي التي أزاحت شخصية (البرجوازي)، ورغم كون شخصيات الفئات الوسطى كالصحفي والضابط هي جزءٌ من مشروع الطبقة الوسطى إلا أن هذا المشروع في حالة الفئاتِ مختلفٌ عن مرحلة الطبقة الوسطى فهو مرتبط بالصناعة والسوق الحرة وقوة العمال والتحول الديمقراطي العلماني، حيث إن المستثمر المالي الكبير قائد مرحلة الثورة الوطنية والمعبر عن البنوك ودورها الصناعي، يدعمُ التطورَ برأس المال الصناعي المحول للانتاج القديم، ويخاطر لتغييره، لكن هذا البرجوازي كما هي شخصيات بنك مصر أُزيحَ لصالح الضابط والصحفي والتاجر. سيادة هذه الشخصيات في مرحلة لاحقة تعبيرٌ عن هزيمة دور رأس المال الكبير، والضابط سوف يقوم بالقيادة في كلا المجالين، ربما حتى في مجال التعبير الفكري (كما في فلسفة الثورة لعبدالناصر). لكن الضابط لن يستطيع القيام بهذين الدورين؛ دورا المستثمر والكاتب، وسيجعل كلاً منهما يقوم بدوره، في حين أن طبيعة التطور التاريخية هي قيام البرجوازي بدعم التطور في الكتابة والانتاج، عبر المشروعات الحرة والديمقراطية، وهذا الظرفُ الاستثنائي تعبيرٌ عن مرحلة تذبذب وحيرة وصراعات الفئات الوسطى. ستتصارع هذه الفئات للقيادة، في حين أن القيادة التاريخية ضائعة. في سِيرة محمد حسنين هيكل تركيز على مشروع الطبقة الوسطى المصرية التائه الملامح، فلقد سحبتهُ تجربةُ جمال عبدالناصر من التحقيقات العجيبة إلى بحث تطور البلد ومسيرته المفترضة. غدا معبراً عن الضابط في تحويله للمجتمع، والضابط كمشروعٍ لفئة وسطى لا يملكُ رؤيةً للتحول الجوهري التاريخي. إن تعبيرَ الضابطِ عن كل الفئات الوسطى هو غير ممكن، وهو ما يؤدي لتناقضاتها الاجتماعية التي تغدو بشكل إطلاقي تاريخاً مدمراً. حيث ستنقسم لصراع الدينيين والتحديثيين، صراع الراغبين في العودة للوراء والراغبين في القفزة التاريخية الغامضة للامام. إن الأسس الموضوعية للتطور العالمي تُستبدل بأسس ذاتية إيديولوجية. ولهذا فإن المعرفة والانتاج والتطور تتعرض لمآزق شتى. في تماهي هيكل مع جمال عبدالناصر يتشكل هذا التصور بكون العسكري قادرا على إنجاز المهمة، فتُرى القوميةُ العربية بشكل تجريدي، والطبقة الوسطى تتحول لبدلة ضابط، حيث لا يمكن للبرجوازي البخيل على الصناعة والتحولات أن يكون قائداً، حسب التطور التاريخي الوطني في إحدى لحظاته وكما هو شائع وملتبس إيديولوجياً، ومن يقوم بها هو شخص مضح عسكري يصنع تحولات كبيرة حسب وعي هيكل، لكن هذه التحولات لا تُدرس في الشروط الموضوعية لتطور الشعوب والأمم، بل تُؤخذ لحظتها النسبية المرحلية وتُعمم سماتها. تتحول القومية (الوطنية) إلى تجريد تاريخي ويتماهى البلد المصري والوطن العربي في قراءات غير اجتماعية، وفي مهماتٍ ليس بإمكان طبقة تاريخية أن تقوم بها، بل هي مهمات شخصية غير ملحقة بالطبقة التاريخية المعنية، ومن فئات وسطى صغيرة، عاجزة عن هذا، وهي جوانب تتحقق في ظل الحماس وغياب الدرس العميق الموسوعي للتاريخ المعاصر خاصة. وبعد ذلك فإن شخصية الضابط تنكسر، وجمال عبدالناصر يترك الأمر للسادات، الذي يقوم بمهمات معاكسة لوجهة نظر محمد حسنين هيكل، فالسادات يتخلى عن الثوابت الرومانتيكية القومية لصالح الجوانب العملية، ويتخلى عن الرؤية الموضوعية القومية المستندة لغياب طبقة قائدة برجوازية بل لفئات متحايلة، وهذان الشكلان من الرؤية متضادان مسببان للتآكل العسكري القيادي ولإمكانية البلد. بحيث كان من الضروري لهيكل نقدهما معاً، لا تأييد هذا الطرف أو ذاك، طرف المغامرات السياسية والعسكرية وطرف التنازلات المضرة. هذا كان لا بد له من استقلال فكري موقفي، وليس متابعة ذبذبات الفئات الوسطى في كل مرحلة. لكن هيكل ليس مع المادية التاريخية. إن هذه هي الرؤية البرجوازية الصغيرة العسكرية في حالات تقلباتها. وهيكل إذ يتابعها يجدلا نفسَه حتى مع ذبذبتها الدينية الأخيرة، حيث كان شخصية قوية الحضور في قناة الجزيرة بالقرب من الشيخ القرضاوي، وحينذاك كان خطابه النقدي للإخوان غير حاضر. وقد بينت حالاتُ التاريخ العاصفة كيف إن تغييب قوانين التاريخ الموضوعية ورفض قيام تحالف بين البرجوازية والطبقات الشعبية لتشكيل مجتمعات الحداثة العربية، أدت لتلك التجريبية العسيرة المؤلمة، ولهذا فإن طرحا مشابها لمرحلة يوليو الثورية سيكون أسوأ من الماضي.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النكوصُ الحضاري
-
عوائقُ التغييرِ
-
ضياعُ المقاييس والعدالة
-
الذكورةُ والصحراءُ
-
تيارات اجتماعية وليست فقط جماعات
-
المسيحيةُ والإسلامُ تجريداً وتحليلاً
-
الوعي والتغيير
-
صراعٌ غيرُ بناءٍ
-
المذهبيةُ في الفكر
-
المرجعيةُ الفكريةُ ل«حزبِ الله»
-
مهزلةُ أوباما السورية
-
نموذجانِ مأزومان
-
جمودٌ مطلقٌ
-
المثقفون والتحولات
-
رأسماليةُ الدولةِ العسكرية
-
تذبذبٌ حارقٌ
-
قراءةٌ غيرُ موضوعية للتاريخ
-
مسرحُ الخليجِ والديمقراطية
-
القوميةُ والمذهبيةُ
-
إخفاقُ الليبراليةِ العربيةِ الأولى
المزيد.....
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي
...
-
وسائل إعلام: ترودو يعقد اجتماعا طارئا بشأن رسوم ترامب
-
ترامب يوقع أمراً بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من كند
...
-
فنزويلا تفرج عن 6 مواطنين أمريكيين بعد لقاء مبعوث ترامب بالر
...
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة لعقد اجتماع هام مع ترامب
...
-
مسؤول مصري: لا أحد يستطيع الاقتراب من الحدود.. حدودنا مؤمنة
...
-
إيلون ماسك يحصل على الحق في الوصول إلى نظام الدفع الفيدرالي
...
-
الحدث البركاني الأقوى في النظام الشمسي!
-
محاذير تناول المكسرات
-
أنباء عن تأجيل مفاوضات صفقة التبادل إلى ما بعد اجتماع نتنياه
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|