|
القرآن 13: نحن بحاجة إلى طبعة علمية للقرآن
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4215 - 2013 / 9 / 14 - 13:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
استكمل هنا ما كنت قد بدأته حول طبعتي العربية للقرآن قبل وضع النسخة المنقحة على موقعي، ولكن دون ذكر الهوامش لأن برنامج الحوار المتمدن لا يسمح بذلك. فأرجو القراء ابداء رأيهم.
تعطينا قراءة سور القرآن انطباعا بأننا أمام كشكول مقطع الأوصال من تأليف مسطول (شارب سطل خمر) يجمع من كل ما هب ودب، مما ينفي عنه صفة الكتاب. وخربطة القرآن نجدها على مستوى النص ككل، وعلى مستوى السور، وعلى مستوى الآية الواحدة.
فعلى مستوى النص ككل، نجد تكراراً وتشتتاً مملاً في القصص القرآنية، باستثناء قصة يوسف التي جاءت في سورة يوسف.
وعلى مستوى السورة، نادراً ما نجد في السورة الواحدة تسلسل في السرد، فننتقل من موضوع إلى آخر مع تناثر في الأفكار. ويضاف الى هذه المشكلة عدم التواصل في الرواية الواحدة. فمثلاً تبدأ قصة طلاق زيد من زوجته زينب - التي لا يذكرها القرآن بالاسم - وتزوج النبي محمد منها في الآيات 90-33 : 1-5 وتكملتها في الآيات 90-33 : 36-40.
وتفكك الأوصال في السورة الواحدة نجده ايضا ضمن بعض الآيات. فهناك آيات ينقصها بعض عناصرها أو مركبة من عدة عناصر ولكن دون رابط بينها بالإضافة الى انتفاء الرابط بين تلك الآية وما يسبقها وما يتبعها. وقد تكون الخربطة التي يتسم بها القرآن احد اسباب خربطة العقل العربي والإسلامي. فمن كان دليله مشوش، لا بد ان يكون مشوشاً مثله.
ومن إشارات خربطة القرآن خلوه من علامات ترقيم. فقد ادخل المسلمون عبر العصور علامات وقف وضبط معقدة جداً في طبعات القرآن للقراءة السليمة، وصدرت كتب حول ما يطلق عليه العلماء المسلمون الوقف والبداء والضبط. ولكل من المشارقة والمغاربة علامتهم الخاصة. إلا ان تلك الطبعات لا تتضمن لا نقطة ولا فاصلة ولا علامة استفهام أو غيرها من علامات الترقيم المتعارف عليها اليوم في جميع لغات العالم بما فيها اللغة العربية والتي تهدف إلى تنظيم النص وتيسير قراءته وفهمه.
وقد أضيف رقم الآية لاحقا في نهايتها، خلافا لما هو عليه الأمر في التوراة والإنجيل حيث رقم الآية موضوع في بدايتها. ويتسم ترقيم آيات القرآن بالعبثية في بعض الحالات لأنه لا يشير إلى نهاية الجملة إذ ان بعض الجمل تبدأ في آية وتنتهي في آية أخرى. وهناك من يعتقد بأن ترقيم آيات القرآن قد تم بوحي من الله، خاصة عند من يعتمد على الإعجاز الحسابي لإثبات مصدره الإلهي، رغم أنه من المعروف أن علماء المسلمين مختلفين في ارقام وتعداد آيات القرآن، إذ أن هناك على الأقل ستة تراقيم مختلفة للقرآن، مما يبين غباء هذا التفكير. يقول السيوطي: "أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية، ثم اختلفوا فيما زاد على ذلك، فمنهم من لم يزد، ومنهم من قال ومائتا آية وأربع آيات، وقيل وأربع عشرة، وقيل وتسع عشرة، وقيل وخمس وعشرون، وقيل وست وثلاثون". وقد جاء الاختلاف في العدد نتيجة دمج آيتين في آية أو فصل آية إلى آيتين. ويشير البعض إلى وجود ستة تراقيم لآيات القرآن: الترقيم المدني الأول (6210 أية)، الترقيم المدني الأخير المتداول في المغرب (6214 أية)، الترقيم المكي (6219 أية)، الترقيم الشامي (6225 أية)، الترقيم الكوفي (6236 أية) والترقيم البصري المتداول في السودان (6204 أية). وقد اتبع الترقيم الكوفي (6236 آية) كل من مصحف الملك فؤاد في عام 1923 ومصحف المدينة الذي يوزعه مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. فعلى أي من هذه الأرقام تعتمد لإثبات اعجاز القرآن؟
وهناك من يرى ضرورة توحيد تعداد آيات القرآن لحل هذا الإشكال. ولكن الأهم من كل ذلك في نظرنا هو إعداد طبعة علمية للقرآن تتبع فيها مبادئ النشر والتحقيق الحديثة، بدلاً من ان تقدم لنا نصاً مزخرفاً مرصوصاً رصاً لا يعرف القارئ أين تبدأ الجملة فيه ولا أين تنتهي. والسبب الرئيسي في عدم ادخال علامات الترقيم في القرآن حتى يومنا هذا صعوبة تحديد بداية ونهاية الجملة. فاتباع المألوف في طباعة القرآن يعفي من ضرورة التفكير واخذ قرار في كيفية تقسيم وتنظيم النص القرآني، وهذا يصعب قراءة القرآن ويخالف المبدأ القائل بأن القرآن لفظ ومعنى. وكل ما يساعد على فهم معنى القرآن يجب اتباعه.
وقد كتب يوسف القرضاوي رداً على سؤال في هذا الخصوص: "ما سألتم من استخدام علامات الترقيم، مثل: الفاصلة، والفاصلة المنقوطة، وعلامة الاستفهام، وعلامة التعجب، وعلامة الاعتراض، والنقطتين المتعادلتين، وغيرها، فإني لا أرى بها بأسا، بل أستحسنها وأستحبها؛ لأنها تعين على فهم النص القرآني. وأنا شخصيا ألتزم بهذا فيما أستشهد به من نصوص القرآن الكريم في كتبي ومحاضراتي، وكل ما أكتبه. بل أنا في الحقيقة ملتزم باستخدام هذه العلامات حتى في الرسائل الخاصة، وأي شيء أكتبه، هكذا اعتدت من قديم، وأنصح كل الكاتبين أن يحذوا حذوي ... ولهذا لا أرى حرجا من استخدام هذه العلامات، زيادة في الإيضاح، ومساعدة على مزيد من الفهم، ورحم الله امرءا أعان أخاه على الخير".
وهذا الرأي يتعلق بالآيات أو اجزاء آيات في كتب التلاميذ والإستشهادات في المقالات والبحوث. أما فيما يتعلق بنشر القرآن على هذا الأسلوب فقد احتج عليه بعض المعلقين لأن هذا يتطلب تفسير لمعنى الآية، وليس هناك اجماع في ذلك بين المفسرين. وهناك عدة فتاوى تمنع وضع علامات الرقيم في القرآن.
ومشكلة علامات الترقيم غير مطروحة في ترجمات القرآن، لأن هذه الترجمات تتبع قواعد النشر الحديثة، خلافا لما هو عليه الأمر في الطبعة العربية للقرآن. وقد حاول بعض مترجمي القرآن تسهيل قراءة القرآن بإضافة شرح مختصر في بداية كل سورة أو تقسيم السور الطوال إلى فقرات مع عناوين دخيلة لتسهيل قراءتها، أو ترك فراغ بين بعض الآيات أو وضع الآية الدخيلة على الموضوع في شكل خاص لإنذار القارئ بأنه ينتقل إلى موضوع جديد.
وفي ترجماتنا الفرنسية والإيطالية والإنكليزية وفي طبعتنا العربية هذه قررنا عدم عمل مقدمة لكل سورة أو تقسيمها إلى أجزاء أو اعطاء عناوين دخيلة لأنه من الصعب ايجاد فقرات مستقلة داخل السور مع أفكار متسلسلة. ولكننا في حالة عدم وجود ترابط بين آية وما سبقها أضفنا الإشارة [---] في بدايتها. وإذا اعترى الآية حذف أضفنا الإشارة [...]، كما اننا اضفنا سهم مائل في نهاية الآية للدلالة على أن تكملة الجملة في الآية اللاحقة، ونقطة حمراء للدلالة على نهاية الجملة والفقرة، وهو ما يطلق عليه "البدأ التام". ومن المعروف أن علماء المسلمين غير متفقين على الوقف في بعض الآيات، وقد اشرنا إلى بعضها في الهوامش.
وفي انتظار طبعة عربية للقرآن مع علامات ترقيم حديثة، اعتمدنا في طبعتنا العربية للقرآن خاصة على الترجمة الفرنسية لمحمد حميد الله التي نشرها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وعلى الترجمة الفرنسية لزينب عبد العزيز من جامعة الأزهر. فإن كان هناك اختلاف من لغة إلى أخرى في استعمال بعض علامات الترقيم، إلا ان جميع اللغات متفقة في تحديد نهاية الجملة والفقرة والدلالة عليها بنقطة. وقد وضعناها باللون الأحمر لتبيه القارئ بأنها دخيلة على النص القرآني، كما فعلنا مع الإشارات الدخيلة الأخرى. والنقطة في النص القرآني تدل أيضاً على علامة التعجب والإستفهام. ولا حاجة للتنبيه بأن عملنا هذا مجرد محاولة دون ادعاء العصمة أو الشمول.
د. سامي الذيب مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com -------------------------------------- أطلبوا كتبي: http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 حملوا كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 حملوا طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 موقعي http://www.sami-aldeeb.com مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com عنواني [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن 12: الأهداف الاجتماعية لطبعتي العربية
-
حملوا كتبي مجانا
-
القرآن 11: الأخطاء اللغوية – دعوة للقراء
-
القرآن 10: كشكول مفكك الأوصال
-
أكبر درجات الغباء الاعتقاد بالكتب المقدسة
-
من المسطول: سامي الذيب أم مؤلف القرآن؟
-
يا مصر: الشجرة تقلع من جذورها
-
حل للمأساة: رفع القدسية عن القرآن ومحمد
-
كيفية استئصال الأصولية الإسلامية
-
القرآن 9: الناسخ والمنسوخ
-
القرآن 8: التقديم والتأخير
-
القرآن 7: اختلاف القراءات
-
حد الردة 1 - الأزهر مؤسسة اجرامية
-
متطلبات الدستور الحديث في مصر
-
معروف الرصافي والقرآن
-
نسخة محدثة من طبعتي العربية للقرآن
-
القرآن 6: التسلسل التاريخي للقرآن
-
القرآن 5: أسباب النزول
-
القرآن 4: القرآن والشعر الجاهلي
-
سورة الحمار
المزيد.....
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|