أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رينا ميني - بلا عنوان














المزيد.....

بلا عنوان


رينا ميني

الحوار المتمدن-العدد: 4214 - 2013 / 9 / 13 - 22:15
المحور: الادب والفن
    


كانت وحيدة داخل جدران زنزانتها الكبيرة، تدور في حلقة مفرغة بين عملها نهاراً وتعداد حسراتها مساءً. كانت تطلّ كل يوم على شرفتها، تتذكّر الماضي، أيّام الصبا والأحلام، تتأمل نفسها عبر مرآة الزمن، كيف كانت تلهو مع صديقاتها في المدرسة، وكيف كنّ يعبثن برواياتهن عن العشق، وكيف كنّ يتسترن على بعضهن في مواعيد الحب السريّة. وكنّ يحسبن أنهن راشدات يقمن بأعمال تفوق المسلسلات التلفزيونية التي يتداولنها كل يوم لتروي كل واحدة منهن أراءها وتخيلاتها وكأنها هي المعنية.
كانت تنظر إلى كل هذا مبتسمة،كأنها ما زالت تحيا في تلك المرحلة، وسرعان ما تبهت الإبتسامة وتختفي حينما تعود إلى حاضرها، وتقف أمامها أحلامها المتكسّرة على صخور الواقع، وتدمع عيناها، كلّ ما تسرّب لناظريها هجران أهلها وأحبائها لها، ويلوح أمامها طيف عمرٍ مرّ، لم تجنِ منه ثماراً تخزّنها للمستقبل المجهول الملامح، المعلوم النهاية.
وفي إحدى الليالي، وبينما كانت قابعة كعادتها في زاوية شرفتها، رأته..لا يفصلهما غير جدارٍ كبيرٍ وكان ينظر إليها، يتأملها، يمعن النظر فيها بإلحاحٍ غريب. رأته كبريق نجمٍ خافت يشقّ طريقه عبر الظلمة الحالكة. وتساءلت هل كان فعلاً ينظر إليها، أم أن سواد الليل أنزل غشاوةً على مقلتيها فباتت ترى السراب وكأنّه حقيقة؟ بلى، كان يحدّق بها، وإذ به يحاكيها، ويخبرها أنّه تناقل عدوة الجلوس اليومي على الشرفة. وها هي، وبدون تعقّل، تبادله أطراف الحديث وتضحك لنكاته، كأنّها وجدت طوق النجاة الذي سينجّيها من غرقها في البؤس والوحدة.
لم يحسّا بالوقت يمضي حتى أثقل النعاس جفنيهما، وتفارقا بعد أن تواعدا على اللقاء المقبل. توالت الأيام والأشهر، وبات لهذه الشرفة مذاقاً جديداً، وباتت تنتظر أن يرخي الليل ستاره بفارغ الصبر لتهرع إلى زاويتها وتقابل صديقها الجديد والوحيد.
كانت تكبره سنّاً، ولكنّها كانت تجد فيه تفهماً وذكاءً لم تجده في أحدٍ من أترابها. كانت تجد فيه الرجولة الحقّة، فارس الأحلام الذي طالما داعب خيالها بوقاره وخفّة ظلّه، بصلابته وحنانه. وكانت هي له، كل ما أمل أن يحصل عليه في امرأةٍ واحدة. لم يساورهما قطّ أنّ يوم الفراق آتٍ لا محالة، وأن عقلهما يستميت لفرض المنطق على قلبيهما. أهملا كل الدنيا، كل ما يمكن أن يمنع حبّهما، وانطلقا في رحلة الشغف والجنون، سافرا في بحر الهيام، لا يحيطهما سوى العشق والأشواق المشتعلة. ذهبا إلى أبعد ما يمكن للمرء أن يختبئ من رزانته وضميره وبصيرته. تشاركا الأسرار والهموم والأحلام، وبسخرية عهداها دائماً بقدرهما الغاشم، كانت هذه الأحلام نقطة العودة إلى الأرض، الفصل الأخير من المسرحية العظيمة.
فذات ليلة، وبعد أن استنزفا كلّ قطرةٍ من حبّهما المجنون، طلبها للزواج. في لحظةٍ واحدةٍ شعرت بكامل السعادة وارتسمت على محيّاها فرحةٌ لم تعتريها من ذي قبل، ولكنّها لم تدم، فما لبثت أن تبعتها لحظة المرارة وأحسّت أن خنجراً مسموماً شقّ صدرها واستهدف قلبها واستباح الدماء فيه. وتوقّف الزمن عند هاتين اللحظتين وما عادت تسمع أو ترى من حولها وكأنها انتقلت إلى قفرٍ فارغٍ من كل حيّ. وما أعادها إلى وعيها سوى يده التي راحت تربّت على كتفها والأخرى التي تمسح دموعها المتناثرة على خدّيها وصوته الذي ألحّ بمعرفة الجواب. وبماذا تجيبه؟ فمن ظنّ أنّ إجابة هذا السؤال مرتبطةٌ بنعمٍ أو بلا أخطأ وما عرف شيئاً عن حبّهما. عضّت على جرحها ودفنت الألم بين ضلوعها، وراحت تشرح له بما بقي لها من منطقٍ لما عليها أن تخنق هذا الهُيام وترحل بعيداً عنه وتختفي في صحراء النسيان. أخبرته عن مشوار حياتها الذي وصل إلى طريق النهاية وحياته التي ما زالت في أوج بداياتها، أخبرته عن هذا الجسد الذي بدأ رحلته في الترهّل والتآكل وجسده الذي ينبض الحياة مع كل دقّة قلب، أخبرته عن هذا العقل الذي تلقّن بصعوبة كل مشقات الحياة ومبادئها ودروسها وعقله الذي ما زال يختبر ويعاين الأشياء في بداياتها.
وها هي الستارة تُسدل معلنةً النهاية، نهاية حبٍّ كان أجمل من الخيال وأصدق من الواقع. تودّعا بصمتٍ، فلقد علما أن الكلمات هي الجمر الحارق، وهي الخيانة لذكرياتهما التي جمعاها طوال سنينٍ على الشرفة.



#رينا_ميني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثون عاماً ونيّف
- لحظات الحب المسروقة
- سراب الخلاف
- أنتم قتلة أطفالكم
- لا دولة
- الحرب العالمية الثالثة
- أكذوبة الرأي العام
- لماذا؟
- حنين
- محكوم بجرم المحبة
- هلوسات
- جرى الدمع
- الإنسان يفرّق
- روح ولا جسم
- ما بين الثرى والثريا
- المشرّدون...إلى متى؟
- كدت أنساك
- رسالة الى البحر
- مريم
- فريسة رجلٍ


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رينا ميني - بلا عنوان