|
قيامة إبراهيم
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1204 - 2005 / 5 / 21 - 09:52
المحور:
الادب والفن
الأرض الخضراء التي يسيل منها الخمر لعاباً من فم الآلهة هي الأرض التي أتحدث عنهاهكذا بدأ كاتب اللوح مدونته، ثم برع في الوصف عن الأشياء التي ندركها بأرواحنا فسنجد لهاأشياء كما الأطياف تسبح في ذاكرة عارية، وتقربنا من أنو، من الوردة، من صدر امرأة لمتكتشف بعد فستان الزفاف، وقال الكاتب وقد ذيل نهاية اللوح باسمه أود- ماري- بأنها أرضتضيء كما النجوم في أمسيات عزف القيثارات، حيث أرى عشتار ترتدي ثوباً من العشب،وبرز نهداها مثل كرتي البلور وقد ركبت سيارة فورد فارهة بيضاء ومسكت ناظوراً لتشاهدسباق الخيول السومرية في الواحات الصافية والواقعة جنوباً في الأرض المباركة التي خططأنو بقلمه المدبب ليضعها ويرسم مدنها الفخارية، أور، أريدو، لكش، لارسا أوروك، مدنأخرى، ولكن دلمون كما قال الكاتب لن تفتح أبوابها إلا للقادمين من أور حيث يسمح لمنيجعل من ننار ملهمة أن يدخل الجنة دون تأشيرة ويرى رجل شرطة بواباتها الحدودية، وأولالقادمين كما روت الأسفار الأولى كان أبراهام وقد ترك وراءه عمرا بمئات السنين ليدخل هذاالفردوس المزدحم بالألوان، لكن ثمة كآبة ما لازمت الشيخ، وقال وهو يحن لعصاه التي أخذتمنه حيث لا تتقوس ظهور من يعيشون هنا. أن هذا الفردوس مثل القفص، جنة بلا مدن لاأحبها، ودلمون دون صحارى لا تطيب لها نفسي، لكن أحداً لم يسمع أول الداخلين وحين سألوأين جدي آدم؟ ألم تكن دلمون مثواه؟ كان الرد: أن آدم اختار وبمحض إرادته بيئة متروكةفوق قمة الثلج في هندرين.قال إبراهيم: أنا عكس رغبات جدي. ينبغي أن يكون فردوسي جنوبياً، أن كان هذا العالمالأخضر المليء بالطواويس تسمونه الجنة، وبعيداً عن حزن الشيخ استمر أود- ماري –يصف الموجودات السحرية لهذا العالم، وكتب: أن الموجودات التي فكرت الآلهة بصنعهاعجنت من ضوء وعشب وموسيقى، فالجميع هنا يعزف بعذوبة ومهارة، حتى الفراشةالصغيرة تستطيع أن تصفر بفمها المدبب لحناً أوبرالياً كالذي عزف يوم فتحت قناة السويسحتى بات الجميع لا يصدق بقدرة عصا موسى على شق البحر.تغرد الطيور في هذه الأرض بشدو طلسمي، لا تفهم معناه سوى الآلهة التي يمنعهاغرورها وكبرياؤها أن تفسر ما تنطق به الكائنات الأخرى، ولهذا ظل أبراهام صامتاً لا ينطقسوى بما تعلمه من أسواق أور ومدارسها، وعندما فكر بأن يجعل لغة سومر هي لغة الآلهة.اعترض الجميع، وفضلوا الإشارة المبهمة والنظرات العميقة لتكون اللغة المدرسية وهي ذاتهاالتي تطبعها الآلة بسبابتها على ألواح الاسترحام التي يقدمها ساكنو دلمون عندما ينقطع ضوءمصابيح القراءة عن البيوت بسبب عطل فني وفسر السبب أن أنو كان يطارد واحدة منحوريات الفرات ليفعل بها ما يشاء فعثر بالكيبل الرئيسي وقطعه فمن يجرأ كي يعيد ربط سلكعثر به كبير الآلهة؟ وبقي دلمون مائة عام من دون ضوء، وكان ليلها، ليلا للشموع والنجوم.وفي المائة عام هذه أنجبت ملايين الشعراء وكتاب الألواح والقديسين كل هذا كان يحزنأبراهام، ولكن ما العمل؟ أن دلمون المثوى الأخير لكل قديس، ورغم هذا ففي دلمون لغةواحدة، والكلمات التي تقرأها مدونة على أوراق الشجر أو على الجدران الرخامية لقصورالصفوة الميتين من البشر تحمل في معانيها حمداً لا ينتهي للرجل الذي ألبس الهدهد ربطةعنق وعلمه نقل التحايا الخاصة من سليمان إلى بلقيس، وهو ذات الرجل الذي اكتشف طريقةإضافة الماء البارد إلى الطحين كي يمنع سقوط الخبز من تنانير أمهاتنا النحيفات اللائى تركنأزواجهن في حيرة الحجابات ومارسنا النواح والغناء عادة مزدوجة لقضاء الليل بدون رجل،وغير هذا فالمكان يتسع لكل ما يقال، حتى الصمت يحسب هنا على أنه صراخ من أجل شيءنريده، مزيداً من الحلوى مزيداً من الخمر، مزيداً من الخبز، مزيداً من النساء، لكن أحدهمخالف هذه النداءات المعتادة وصرخ: مزيداً من الحزن. في ذات الوقت كان أبراهام جالساًتحت سدرة المنتهى يذرف دمعاً زجاجياً نقياً كالذي يصنع منه قلائد الماس المزيف.قال: وقد وصف المدون بكاءه على أنه تناغم أشياء ساحرة. أصوات مثل هديل الحماميقاطعها صوت قطرات المطر على معدن أملس. بكاء بحجم اللوح الذي أكتب فيه إليكم ياأجيال أور القادمة ليصل إلى آخر بيوت المدن السومرية.-وأنت يا من ترغب بحزن، ما الذي فعلته بدنياك؟ تساءل إبراهيم.-لقد قضيت كل حياتي مبتسماً، لأن أنامل الجواري الزنجيات والأرمنيات يدغدغنخاصرتي في كل حين، وكانت أمي تسقط حبات العنب في فمي المفتوح من بعد ثلاثة أمتار،وأنا مستلق دون حراك. أدخلوني هنا لأني السعيد الوحيد في أور، وكل الذين تستقبلهما دلمونيحملون على أكتافهم أحلام الحروب، وبعضهم تم تصليح الثقوب التي فتحت في صدورهم منشظايا تلقوها في حرب مع أيلام أو مع جيوش الروم حينما اندهش الفرس السومري منطائر الحديد الذي يطير فوق رأسه، فقد كان يرمي ويختفي ورغم هذا ثبتت خيول سومر فيالميدان وأهدت على نساء أور وأريدو والمدن المتمتعة بحب الآلهة رغبة بالبقاء خالدين هنافي دلمون أو على أسطح البيوت الجنوبية للمدن التي عرف الله كيف يضعها في صدرالخارطة الكونية حتى تتألم ومن ثم تستطيع أن تبدع.وقال المدون: أن السعيد الذي طلب مزيداً من الحزن كان يرتدي سترة موشاة بخيوط منذهب لامع وقمص فان هاوزن وفي معصمه ساعة سويسرية. سأله أبراهام عن الوقت؟ ردالسعيد السومري. حسب التوقيت الصيفي لساعة بيغ بن هي الثامنة إلا ربعاً حيث تطلقالمغنيات رتابتهن من المذياع فيدمدم سواق السيارات في الطريق الإسفلتي بين أور وأكدعندما يمنعهم جنود السيطرات الباحثين عن الشطب المتعمد في دفاتر الخدمة من السماعويرغمونهم على جلب أشرطة الساهر واحد لمتعة المسافرين وآخر لمتعة آمر السيطرة.ابتسم إبراهيم تذكر الوقت في سفره الأسطوري بين أور وحران. لم تكن هناك ساعاترادو. كان منشغلاً بصوت جبرائيل وهو يحثه على التجوال الدائم وعندما أضاع في واحدةمن جولاته دفتر خدمته احتجزه فرعون مصر مائة عام ولم تخرجه سوى رؤيا صادقة كان قدأخذها من يوسف الذي سيأتي بعده بمئات الأعوام، فأطلق سراحه وعاد إلى تجواله الأزلييرفع اسم (الله) وسط كفيه فتضاء سماوات وسماوات فيستغني عن الطاقة التي كان أنو يولدهالتضيء حياة البشر فلم تعد حاجة لإصلاح الكيبل الذي تعطل بعثرته فما دام أبراهام حل هنا،فالنور معه أينما حل وارتحل، ونحن معنا التأمل:كتب المدون حيث راح مرة أخرى يبدي اندهاشه من هذه الموجودات المنتظمة بتراصمتقن حيث البيوت تستقيم مع نظرات العيون وتلغي زوايا النظر، الكل واضح أمامك، وعندماترغب أيها الساكن بممارسة طقس توحد أو الكتابة فليس المعبد هو من تأوي إليه، لقد ألغيتفكرة أن يكون هناك مكان تقترب منه إلى الصرح العلي وعوض عنه بظل النخلة، ذلك الظلالبارد الذي افترش عليه أبراهام عباءته ووزع حصاه وقرأ بخته أولاً: ومرة أخرى أطلقدمعتين من مقلتيه، ولا أدري لماذا يبكي رجل في الفردوس وقد اكتمل كل شيء هنا وتعلمأصول الحياة بأبهتها؟ كانت هناك دروس عن كيفية مصاحبة النمور في النزهة، أو ارتداءملابس السهرة والرقص الكلاسيكي، الرسم بدون ريشة، ودروس التجميل والعناية بالأظفارعندما رغب إبراهيم بتعلم صلوات الناسك المنعزل.أجابوه برد قاس: أترك الأشياء الأرضية، أنها لا تصلح نمطا لحياة دلمون، قال: إذن لقدفقدت الفردوس الحقيقي. ومرة أخرى رمى الأحجار على القماش الخشن، فلم يجد بختاًيخلصه من رتابة القديسين عندما يحالون على التقاعد، ففضل موتاً آخر، لكن من يدخل دلمونكما قالت اللوحة الضوئية الهائلة: لن يموت مرة أخرى، ويبدو أن أبراهام أيقن أن الموتالآخر هو ولادة أخرى وبهذا اليقين كما يقول المدون: اجتمع مجلس الآلهة لهذا الحدث الخطير،فالرجل بعصاه، وبرفضه ارتداء ملابس السهرة يحاول أن يخرق الأنظمة ويولد إحساساً لدىالساكنين برتابة ما يسكنون. وقالت عشتار وقد انتهت للتو من مداعبة أفخاذ واحد من حراسأبيها: أن أبراهام وإن سكن الفردوس فنحن لم نخلقه حتى نستطيع أن نغير مداركه والخطأينبغي أن يتحمله من أذن له بالمجيء. انظروا إلى آدم ونوح. لقد اختاروا أمكنة غير دلمونلأنهما يعيان ما سيحدث وهو ما حدث لنا مع إبراهيم، أقترح أن تزال دلمون عن الوجود،ومن توده الآلهة من البشر وينتهي قدره الزمني. نسكنه في حانة وسط حديقة أرضية لا يراهفيها أحد. نعم نسكنهم منفردين حتى لو كلفنا ملايين الحانات فوجود أبراهام في هذا الفردوسمع الحشد الهائل من الذين قدموا لأور الخدمات الجليلة يعني أن ثمة نفساً متحمساً صوبالتغير.قال: أنو وقد ملأه الغيظ والكبرياء: ما الذي يريده أبراهام غير هذه الحياة السعيدة اسألوهإن كانت أورشليم وأريحا وبطائح الجزيرة قدمت لـه فطوراً من أجبان لافاش- كريه وعسلالنحل الملونة. اسألوه هل ارتدى في ترحاله إلى مصر بنطلون جينز أو انتقل من بيته إلىبابل بسيارة بورش سوداء هنا نوفر له ما حرم منه بالأرض فليحمدنا وبصمت.لكن أبراهام لم يصمت. ظل يردد أنه يرغب أن يعود حافياً وقد رسمت له الطرقات وحدةالهاجس والتكوين الذي أشار إليه أود- ادد- با ووصفه بأنه الضياء الذي يكسونا الرغبةويمنحنا الرؤى ويأخذنا بعيداً إلى عالم أكثر صمتاً من قبر قديم. هذه الصورة التي وضعليوناردو وولي تحتها خطا أحمر يوم اكتشف اللوح ضمن ما وجده في المقبرة الملكية بأور.وكأن المدون كان يعلم بتساؤلاتنا فأضاف إلى المعنى رؤيا مقنعة وتحدث عن قبر قديم لميلتفت إليه أحد في الأرض ففضلت الآلهة أن تخلد من سكنه فحملته بتحدبه وتابوته إلىدلمون، وليتأمل ساكنوها الرفاة الصامت ويتذكروا الهدوء الخالد لحياتهم الثانية حيث أمر أنوهذا الصباح بخلط الحليب بالكاكاو في وجبة الفطور وأن يقدم الديك الرومي مشوياً بعدما كانالفطور عصافيراً صغيرة تجلب من الأرض بحجة أنها ستخلد في دلمون، لا يغريك فيها سوىريشها الملون ودموعها المضيئة في الصحون المقدمة على الموائد.أمام هذا القبر وقف إبراهيم فلقد كان يعرف ساكنه. إنه السومري الأول الذي تحدىجلجامش يوم أراد أن يتخذ من حبيبته خليلة له، فكان أن هوى على رقبته سيف الملك القاسي،وبعد لحظات كانت هي تمزق شرايين معصمها بشفرة حلاقة نوع جولييت وعندما سمعجلجامش طلب أن يحلق ذقنه بذات الشفرة التي قطعت فيها شرايينها. تلك حكاية القبر والموتالأسطوري لأول عاشقين من الجنوب وتلك هي حكاية القبر القديم فد لمون مليئة بالحكايات وهيلا ترغب بمن ليس لديه حكاية. أن قيمة الحياة فيها تكمن في حدث ما لأي من ساكنيها، ولهذاترى ليلها مليئاً بالمسامرات وبين حكاية وأخرى هناك مجرى لدموع الجالسين، فسرت علىأنها دموع فرح يستفاد منها بعد تعبئتها في قنان بلاستيكية وتصدر إلى الأرض مياهاً معدنيةمباركة، وحدها دموع أبراهام كانت تجمع في أوان من ذهب، وتباع على الحضرة البابويةبالعملة الصعبة فالآلهة عرفت كيف تغزو السوق، ولهذا قرر إبراهام أن لا يبكي لكنه لميستطع، فكل حكاية في دلمون تدفعك إلى البكاء، فمن حكاية القبر القديم إلى ذلك الذي وجدمن يشارك زوجته فراشها، إلى الذي احترق حقله وبعضهم دفع ظلماً إلى سراديب مظلمةلانتمائه إلى حزب الخضر والحفاظ على البيئة. بعضهم بحكاية غامضة لكن الوضوح يبانعندما يأتي ذكر امرأة ما، فكل شيء في دلمون يعود إلى امرأة ما، حتى إبراهيم في جلسةالظل هذه كانت تنتصب فيه أشياء تصور أنها خمدت مع تقادم العمر، لكن دلمون تمنح البدنالفتي ولهذا ينبغي لك أن تفعل هذا بعد كل وجبة طعام، وكل حورية تقدم إليه كان يدعوهالتعزف له وتغني وبعد هذا يقول شبعت. الآلهة طلبت منه يوماً ما أن يتوسط هذا الصدرالعاجي الذي اعتنت بتكويره نهديه عشتار عناية خاصة طمعاً في ذرية جديدة.قال لقد: جعلت ذريتي في الأرض، لأن أشواقي لم تكن يقظة في ذاكرة الآخرين، ولكنهعلى كل حال ليس خطأ أن تنشأ مدينة وبشر يولد بين الألف من أبنائها شاعر واحد، وهذايكفي، فلا أريد أن أمتحن مرة أخرى وأقرب نصل السكين من رقبة ولدي، دعوني، قالالمدون فتركوه، بقي أبراهام مائة عام منشغلاً بصوت الحورية الساحرة وفجأة، وفي ليلةعاصفة لم تشهد لها دلمون مثيلاً، وكان سببها شجار سكر بين الآلهة.قال أبراهام وبصوت خجول ومتردد: اقتربي إلي فقد انتصب فيَّ ما يدعوني على إنجابملة أخرى، فهذا الشجار بدأ يقلق خلوتي، ونامت من تفننت في خلقها عشتار، وفي الصباحوقد انطوت في ليلة واحدة تسعة شهور خرج إلى عالم دلمون طفل يضيء كقمر صاخب وقدنمت تحت أجفانه أنواع الزهور الغريبة، وعندما حرك أصابعه تحركت أفلاك عشرة ورقصتقرب رأسه وقيل أن مذنب هالي أهداه ضوءه كي يحميه من الخلف أينما ارتحل. إنها الولادةالأولى في هذا الفردوس الذي لا يتوالد الناس فيه، فكيف حدث هذا؟ فعندما طلبت الآلهة ذلكمن أبراهام كانت تمازحه، فالظن أن شيخا بعمره لا ينجب أبداً حتى لو كان بدنه بدن شاب فيالعشرين، فكانت هذه الولادة كارثة الكوارث.فغدا ينتهي كل شيء في دلمون وتعود الحياة أرضية كما حلمت بها أجيالنا يوم أرادوا أنيخلقوا لعالمهم السومري حياة مفعمة بالحب والاشتياق إلى الأفعال النرجسية، تلك التي نحسببها أننا نمتلك جنوباً أجمل من لوحات رسامي عصر النهضة. الارتباك الذي أحدثته ولادةالطفل جعل الآلهة تكف عن الشجار وتعيد ترتيب أوراقها بهدوء لتقرر ما يجب عمله.قال أبسو: ننزله إلى الأرض ونرميه في الفرات ليصبح القاع قبراً له، لأنه لا يملكحكاية.قال ننار: أرميه على سطح قمري حيث لا هواء فيختنق.قالت عشتار: أرضعه من ثديي فيعشقني وأعشقه، وسرعان ما أمله مثل الآخرين فأدسله السم في واحدة من قبلات السرير فيموت.قال أنو: كلكم تفكرون بالموت طريقة للتخلص من الرضيع، ماذا لو كان فارساً قوياً مثلأنكيدو؟ ما العمل؟ ستقولون: سيبارزه جنود الآلهة ويهزمونه، في ذلك مهزلة بالنسبة لنا كآلهة،اتركوه ينمو ولتكن المسألة تحديا، سيكبر في كنف والده وسيعلمه الحكمة وهي ليس لها فعلالسيف وتسرق عروشكم. سوف أرسل إليه في هذا الصباح آنية مليئة بالحليب الطازج منضروع جواميسي المقدسة حتى ينمو سريعاً ولنراه ماذا سيفعل؟قال المدون: أطرقت الآلهة رؤوسها مذعنة لرغبة كبيرها وفي أفئدتها شعور ما، أن هذاالطفولة سيبقي على كل شيء وبعيداً عن سني الطفلة القادمة، راح المدون يسجل في سياحتهمشاهدات ساحرة، فالرؤى هنا تكمل بصورة حسية فكل ما نراه يختفي في لحظة، ولكنه بعدثوان يعود بصورة أجمل. أن دلمون تعي قدرتها على سلب اندهاشنا فهي تعني جمالاً يسعدالقلب ومن ثم يمنح الجسد قدرة على التحرك في الاتجاهات التي ترغب بها الآلهة، فالحياة هناتبدأ في منتصف الليل عندما يكتمل تجمهر النجوم فوق رؤوسنا، وعندما يضرب الوتر أغنيتهالمفضلة فتنساب الأضواء على الأجفان حبالا من حسرة ووجع إلى الشيء نرغب به فدلمونلا تعطي كل ما نريد إنها وإن كانت تسقينا الخمر واللبن، لكنها تمنعنا عن بعض ما نحتاجه.الورق والحبر مثلا لأن هذا يعني أفكاراً جديدة، وحتى أبراهام كان يدون على جدار قلبهويحفظه غيباً. وحده الطفل خط بأنامله الصغيرة على الرمل ما رأته الآلهة أمراً مخيفاً. لقدكتب كلمات حمد ولكن ليست لانو الذي أرضعه من حليب جواميسه المقدسة ومما دونه نقرأ:(أيتها الرؤى وحدي مع الرمل قواك وابعثي إلى أور الإشارة ثمة أضواء علينا أننخمدها وأن نقترب منها وأنتم أيها المفرطون بحساسية الغناء الصلوات من أجلكم معجزةوالحنين إلى جنتكم فراغ. الذي يأتي ينبغي أن يعود في الذاكرة طيبة يكون خلوده رائعاً الحمدلمن قال أنني أولد لأصل. الحمد لمن مسك الموجة. وصنع منها شراع الحمد، لمن وفقبالجمع بين الحلم والوسادة، وأثمر ليلة حبا أزلياً يشارك الأرغفة حنينها إلى الجوع. وما هذاالزبد والعسل والزيتون إلا خديعة توهمناً ببطلان الولادة، فالإنسان يولد كي يولد من جديدوليس يولد كي يموت في دلمون خالدا.أيتها الرؤى أقيمي مجد الرمل على صفحة الماء والشمس ودعي مجدك يرتقي إلى منصةالروح. أقيموا الصلوات لمن يموت بجرح، لا لمن يموت بكاس. ضعوا دلمون وراءكم،أضيفوا إلى الجنوب جنوباً آخر ليكتمل العد التنازلي لاكتمال وجه أور القمري، وليفتح الضوءعلى أجفانكم قارة أخرى تستقبل من سومر ضياء الكلمة البهي، ولنقدس إبراهيم عندما يعيشفي واحدة من بيوتنا. لا تتركوه في المنفى وحيداً. إن الحياة التي اكتسبها هي حياة ناقصة إذحرم عليه أن يسمع غناء الصيادين ونواح أمهاتكم آلائي فقدن أنصاف قلوبهن في الحربالأخيرة لأميرنا الجميل أور نمو.أيها الرمل هي قيامة إبراهيم فقف بذرات من ضوء وعجين، واسكب على أقداح نذورالمائدة الملكية ماء الوجه. أطرد من مخيلتك صورة الآلهة المتغطرسة، واشكر من حركالريح على مثوى الكلمة وجعلها تنمو مثل السنبلة. القمح لمن يأتي معي والدمع لمن يبقى).إبراهام ذاته ارتعب من ذلك الخطاب الخطير ولكنه عاد وشعر بسعادة. لقد حقق في نقطةواحدة ما لم يحققه مع الملايين الهائلة على وجه الأرض. نهض وغادر ظله الأبدي ليتأمل فيالرمل وهج الكلمات الرافضة.قال المدون: الوقت في دلمون تتداخل فيه الأضواء، والليل والنهار لا يتعاقبان. إنهمامتداخلان في زمن واحد، ولكي ترى في الليل لن تشعل شمعة، ولكي تنام في الظهيرة لاتطفئ مصباحاً. إنك ترى دائماً، وها هو إبراهيم يعطي ظهره للآلهة، يمد سلما خشبياً من أولحرف دوّنه الطفل على الرمل ويبدأ بالنزول مفردة.. ومفردة.. وإلى أن يصل إلى آخرالخطاب يكون قد ودع دلمون نهائياً ونزل الأرض.الركام الفخاري للزقورة الشاهقة."لقد منحت أور الملوكية لكنها لم تمنح حكماً أزلياً.. فمنذ قديم الزمان- منذ أن وجدتالأرض وحتى تكاثر الناس- من رأى قط ملوكية دامت في الحكم إلى الأبد؟"ابتسمت الآلهة، وتشفت بالنبي الذي ترك الفردوس وعاد إلى مدينته ليجدها محترقة، وقالآنو: هذا درس لإبراهيم.قالت: عشتار الطفل هنا لنلقنه درساً أيضاً، نعيده إلى أور.قال: آنو وهو لم يولد في أرض حتى يعاد إليها وفي ذلك مصيبة. خذوا هذا الخنجرواجتمعوا سوية واغرزوه في صدره الصغير. إبراهيم بكى على صغيره، وندم على نزوله،لكن صوتاً ما.. هتف. قال المدون: وهو صوت ملاك خارج من طاعة الآلهة.-لقد أخطأت وتركت دلمون.. لتجد مدينة محترقة وتترك ولدك تحت رحمة المؤامرة. هميتقدمون الآن صوبه.كانت خطا أقدامهم الهائلة تسمع في أرجاء الأرض كلها. ظن البعض أن زلزالاً هائلاًضرب الأرض، لكن الصورة انكشفت لهم من سقف سماء واسعة بدت مثل أكبر شاشاتالعرض السينمائي. وبدون لمسات إخراجية متقنة تقدم الممثلون لينفذوا مشهد قتل ولد إبراهيموعندما دنا الخنجر من صدره، شملته العناية الإلهية فتحول الجميع إلى حجر.ابتسم إبراهيم وصلى ركعتين لنجاة ولده مرة أخرى وعاد يصعد سلم الزقورة ليتطلع إلى أورالمحترقة ويفكر ببنائها من جديد.
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجندي الأيطالي والمتحف السومري
-
تكاليف دفن الشاعر السومري
-
جدلية الحلم في قلب الكاهن المندائي
-
عقيل علي..موت ثمرة الفراولة
-
أيروتيكا قيروانية ..خيمياء سومرية
-
هل هبط أهل سومر من المريخ؟؟؟؟
-
صبر أيوب عولمة من الألم ..أم ألم من العولمة؟
-
للقلب دموع وللبصل ايضا
-
امراة تتحدث مع وردة
-
الذكورة والأنوثة بين الثقافة التقليدية والعولمة ...رؤى مؤسطر
...
-
معزوفة ليل تحت جفن أمراة
-
أتحاد أدباء العراق الصامت كحجر
-
حمامة بيكاسو وحمامة كاظم ابو زواغي
-
الحرب وأجنحة الفراشات ..فصل من مذكرات العريف كاستون باشلار
-
عقيل علي طائر لن يتوارى وآدم باق في جنائنه
-
مارواه الطبري عن العشق السومري
-
ماركيز يكتب عن شاكيرا وأنا أكتب عن ماركيز وشاكيرا
-
الأصول الأرضية والسماوية للطائفة المندائية
-
الحرب بين تهديم الذاكرة وبناءها
-
البيت المندائي أشعل قلب الوردة بالحب
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|