|
أسطاسية أسطورة عدل موازية للروائي الكبير خيري شلبي
أماني فؤاد
الحوار المتمدن-العدد: 4214 - 2013 / 9 / 13 - 00:02
المحور:
الادب والفن
تنشغل رواية "إسطاسية(1) للأستاذ: "خيرى شلبى" بفكرة العدل والقصاص، ولقد تخير الروائى أن ينسج خيوط روايته المحملة بهذه الأفكار الميتافيزيقية المتعالية التجريدية، من خلال مجموعة من الشخصيات البسيطة التى تمثل الطبقة الوسطى الريفية الصاعدة، عدد من العائلات فى أحد قرى مصر ومحافظاتها النائية، ذات الأصول التاريخية الممتدة إلى الحضارة الفرعونية، فى لمسة شديدة الرهافة فى وصل الحاضر بالأمس البعيد، وفى رؤية شاملة لأحد أهم قضايا الحضارة الإنسانية على هذه الأرض، قضية العدل وتعدد النظرات إليها. وفى تناول يتأرجح بين قطبين ويوفق بينهما، يغازل "خيرى شلبى" مفاهيم الأديان ونصوصها وموروثاتها فى تناولها للعدل، كما يغازل أيضاً الفكر العلمى الموضوعى والفلسفى فى معنى العدل ووجوده كقيمة متعالية(2)، العدل فى مفهوم رجل الدين الإسلامى "حامد البراوى" وزوجته أو رجل الدين المسيحى "عازر صبحى"، أو فى الموروث الثقافى للناس البسطاء، أو العدل فى مفاهيم رجل القانون، والتفسير العقلانى لمنظومة القيم فى الحضارة البشرية، كما يجسد الروائى تغلغل الأطماع فى النفس البشرية وغلبة الشر فى نفوس بعض الأفراد. بعد أن أتممت قراءة هذه الرواية تجسد العدل أمامى قيمة حتمية وتخيلت أن للحضارة البشرية على هذا الكوكب آلة عظيمة دائرية، مسنونة القواطع وحادة البتر، من شأنها وهى تدور دورتها الحياتية فى حياة الأفراد والبشر أن تقطع كل ما يند عن ما تواضع عليه الناس فى حقبهم التاريخية الطويلة على هذه الأرض، كل ما يهدد استمرار الإنسان وتحقيق العدل، حتى وإن تأخر وقوع العقاب على الظالم لفترة، لتأتى اللحظة غير المتوقعة لتعمل هذه القواطع الباترة، فتؤدى وظيفتها التى أرستها حضارة البشر، وانتخابهم لقيمهم التى تنظم حياتهم، فتقتص من الظالم دون هوادة. فى النص يعود "حمزة البراوى" راوى العمل الرئيسى بعد أن أتم دراسته للحقوق إلى قريته فى "منية الكردى"، وهناك يجابه بمأساة "إسطاسية"، هذه المرأة المسيحية التى قُتل ولدها "محفوظ جرجس غطاس" بعد أن تآمر عليه عدد من الأفراد، الذين يمثلون عائلات تدور بينهم صراعات اقتصادية وأطماع بشرية متزايدة، تيأس "إسطاسية" من عدل الأرض وأنظمتها، فتلجأ إلى السماء وتتوالى سلسلة من الأحداث تستنزل لها العدل والانتقام، ترتب الأقدار الأحداث التى يرويها حمزة وتخص عائلته عميه "عواد البراوى" العمدة و"عابد البراوى" العقل المنفذ لكل المصائب التى وقعت للمجموعة وأولادهم، وسيد أبو ستيت وولده أدهم وابن أخيه رشاد وغيرهم. لا يستطيع "حمزة" أن يحقق حلمه بالاشتغال بالقضاء والنيابة لضلوع عائلته فى عدد من الجرائم؛ ولذا يأخذ طريق المحاماة ويكون شاهداً على سلسلة الانتقامات القدرية التى وقعت لتلك المجموعة لفترة تزيد عن خمس سنوات، يتزوج من راندا إبنة خاله، ويتخير طريق المواجهة وطريق الحق العادل منهجاً لحياته. (1) * ويزخر النص بعوالم متعددة ومهن مختلفة وشخصيات متنوعة ولكل عالم من هذه العوالم أجواء خاصة. فللروائى "خيرى شلبى" تجربة حياتية ممتدة ومتنوعة يكتب من زخمها، لذا نجد ثراءً وتنوعاً فى نقل أجواء وطبقات هذا المجتمع سواء المنزوى والنائى منه، أو البارز، الظاهر الذى يسلط عليه الأضواء، يلتقط المبدع المهمش الذى لم تتناوله كثير من الأعمال الإبداعية والذى أشعر بصفة خاصة بمدى صدق تجسيد الروائى له، لانتمائى لنفس هذه البقعة الجغرافية وإلمامى بهذه التكوينات الاجتماعية من خريطة مصر، هذا بالإضافة إلى استيعاب الروائى للمفردات المتعددة الخاصة بتفاصيل الحيوات المختلفة لهذه الطبيعة الخاصة، مثل حديثه عن مزرعة الدواجن وتفاصيل إنشاءها وخبرات المشاريع التجارية(3)، ثم الانتقال السلس إلى مهنة المحاماة بكل تفصيلاتها والقضايا والملفات ومفردات المكاتب وتخصصات المحامين فيها وتدرجهم ومراجعهم(4)، ثم الانتقال الثقافى الناعم إلى عوالم راندا الفنية الموسيقية والخاصة بالفنون التشكيلية(5)، ثم التفات الروائى إلى عوالم القرية وبعض أنواع البشر والنماذج بها، ابتداءً من الفلاحين وصعوداً إلى الطبقة البرجوازية الصاعدة بكل متغيراتها، وإحاطته أيضاً بنماذج من أفراد العصابات الريفية. وينم كل هذا عن ثراء التجربة الحياتية والفنية الثقافية عند "خيرى شلبى"، كما أن النص أضاف بعداً فكرياً عميقاً يتعلق بقضية حيوية تشكل نسيج الحياة المصرية من خلال أديانها الإسلام والمسيحية، فمن خلال حس الفنان المفكر يكشف زيف الواقع الذى نحياه فيما يتعلق بطبيعة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، ما ينبغى أن يكون يعرفه الجميع، لكن الواقع ووطأته يظهر فى طريقة حكى النص الذى يعبر عن المجتمع واحتقاناته فى كل جملة بالنص وحواره، ما ينبغى شئ وهو ما يتردد على ألسنة رجال الدين ورؤوس السلطة بالمجتمع، وما يحدث فى الواقع شئ آخر، ينبه الكاتب لهذا الوضع من خلال حركية الدراما بين البشر فى صورة تكشف هذا الزيف الذى يمارسه المجتمع نحو ذاته وتكوينه وعناصره، يكشف الكاتب هذا الهاجس المرتاب الداخلى بين أصحاب الدينين، التوجس الذى يعلن عن نفسه من خلال التشكيل السردى، ويعرض للتحولات التى طرأت على هذه العلاقة بالإشارة إلى تاريخ العلاقات على لسان "صبحى عازر"، أو العلاقات اليومية الحياتية على لسان عتمان الوقيع وعابد البراوى وفرج السائق وغيرهم. (2) * وينسج الروائى "خيرى شلبى" أسطورته الخاصة من خلال شخصية "إسطاسية" التى تحمل الرواية إسمها، إسطاسية ليست شخصية مرسومة من لحم ودماء ومفردات وبصمات خاصة، قدر ما تمثل رمز ومعنى وقيمة من القيم التى ينبغى أن يظل لها وجود على الحياة الأرضية، لإسطاسية طقس جنائزى تبدأ به الرواية ويلقى بظلاله على كل أحداث الرواية ومشاهدها، بل يسيطر على حركة الدراما فى النص، بالرغم من أنها لم تظهر فى الرواية كشخصية حقيقية لها أحداث ومشاهد سوى فى المشهد الأخير من العمل، ويعد ذلك توفيقاً من المبدع حين يضعها فى غلاله من الغموض، لقد صنع الكاتب أسطورته الخاصة التى تتلاقى مع الأسطورة الفرعونية "إيزيس وأوزوريس"، فعلى خط متواز مع هذه الأسطورة التاريخية يخلَّق الروائى الأم "إسطاسية" التى تشعل النار لتمتد ألسنتها تبكى إلى السماء طالبة للعدل الإلهى، تستنزل اللعنات على كل من ساهم فى إلحاق الأذى بولدها محفوظ جرجس، استبدل خيرى شلبى الزوجة إيزيس بالأم إسطاسية وجعلها تجمع لا أشلاء إبنها وأجزائه مثلما فعلت إيزيس مع زوجها، لكنها استمرت لأكثر من خمس سنوات، تقيم طقوسها وشعائرها، تجمع حقه فى العدل الإلهى ممن قتلوه، حتى نال كل من ساهم فى قتله نصيبه من انتقام السماء، فهى لا تجمع الأشلاء، لكنها بطقوسها تستدعى وقوع القصاص وتتعجل حدوثه(6). وكما نستشعر ضعف إسطاسية لكونها أنثى مسيحية قُتِل زوجها وإبنها غدراً، كما أنها تمثل أقلية فى مجتمع ظالم، ولكونها نذير شؤم يمثل مناسبة للتطير الدائم فى هذه القرية "منية الكردى" إلا أننا نشعر أنها تمثل جبروت وقوة فاعلة لا متناهية، ولقد استطاع الروائى أن يجمع فى هذه الشخصية الورقية هذه المتناقضات الضعف المتناهى، والقوة المدمرة القادرة على استنزال غضب الطبيعة وقوانين الوجود، حتى أننى شعرت فى بعض المشاهد أن هناك تلميحاً من المبدع أن إسطاسية أو الإنسان هو الإله إن اراد، وأن قوة الإرادة والإصرار عليها من شأنهما مع قوة الإنسان أن تصبح هى القوة الإلهية التى لها قوة النفاذ والتحكم بالأقدار والمقدرات، يقول سيد أبو ستيت "ما يدهشنى أن بنت المركوب هذه خيبت ظنى وظن جميع الناس الذين استهزءوا بضآلة شأنها وظنوها خياطة هدوم على باب الله، يعنى امرأة غلبانة لا تهش ولا تنش!" الآن يتضح أنها جبروت! إنها القوة! أقوى من المصيبة! من الشرطة! من المحاكم!.. لم تكتم الحزن فى قلبها حتى تموت كمداً! "لم تقبل أن يقتل ابنها بالمجان! ويبقى القتلة على قيد الحياة"(7). حوَّل المبدع إسطاسية من امرأة ضعيفة إلى القوة المطلقة حتى أنه وضعها فى سياق اتحاد مع قوى الطبيعة من خلال مشاهد مبدعة، تتوحد فيها لعنات إسطاسية مع الريح والهواء مع الظلام والنجوم، مع المطر وألسنة النار التى توقدها، مع صخر الطبيعة وأسطح البيوت، مع المساحات الممتدة من الفراغ بيننا نحن والسماء. يقول "فرج" سائق "عابد البراوى" وهو يحكى ملابسات موت "مصطفى عابد البراوى" "فإذا بصوت إسطاسية يصافح وجهى كزخة مطر مفاجئ سمج ولامع ومربك، المسافة بين دارنا وعزبة الحجر فركة كعب، والصوت من فوق سطح دار إسطاسية على قمة المرتفع الجبلى يركب الهواء الرائق إلى بلدتنا، فينفرد تارة، وتارة أخرى يتناسخ وتتصادم أصداؤه مع المآذن والمبانى العالية فيتفتت وتتساقط فوق رؤوس أهل بلدتنا، إن صوت هذه الولية مثل الذَّرة ينشطر ويتفجر فتتصدع منه النفوس وتمتلئ بالشروخ وتصير آيلة للسقوط"(8). وقبل مذبحة "آل أبو ستيت" يقول حمزة أثناء عزف الآلات فى الفرح ".. دخل صوت إسطاسية مندساً بين همهمة الأوتار فكأنه عصفور ضال راح يتخبط فى سقف السرادق ثم اندفع خارجاً من بين الثقوب فى سرعة مذهلة لكنه لسع وجوهنا وهز أعطافنا"(9). لم تعد إسطاسية مجرد كائناً بشرياً، لقد تخطت وتجاوزت بين أنامل وفكر "خيرى شلبى" هذا الوجود المحدود؛ لتتجول إلى حالة اتحادية مع قوى الطبيعة المهيمنة الفاعلة، القادرة على تنظيم الحياة والقيم فى هذا الوجود، لقد أصبحت إسطاسية آلهة بمفهوم خاص للغاية، لقد طور المبدع إيزيس بمفهوم علمى إيمانى لتصبح إسطاسية أسطورة هذه الفترة الزمنية التى نحياها. يقول خيرى شلبى "يرتفع أوار النار، يعلو زئيرها وصريخها بشكل ينذر بخطر يحرق البلدان كلها. تتفرع ألسنة اللهب مع وهج الاستعانة وجلجلة التكبيرات المؤكدة بأن الصلاة خير من النوم، عندئذ تكون إسطاسية قد دخلت فى صلب النار، صارت لها عشرات الألسنة الحادة الملتهبة وصارت هى قريبة من السماء، تتطاير منها العبارات الملتهبة المكلومة إلى الفضاء كذرات من المشاعر المنصهرة فى صورها، صوراً من الوجع الشعورى الأليم.." (10). الملفت للنظر فى النص أن الروائى يخلق حالة من الاتحاد المضفور بين صوت إسطاسية وطقسها الشعائرى، وبين أصوات المساجد وموجودات الطبيعية فى فكر عميق يرى جوهر الأشياء لا أشكالها وبدائلها، ويومئ بفنيات رائقة عن طريق المشهد والصورة الفنية والكناية عن هذا الجوهر العميق الذى هو لب الوجود وحقيقته والذى تتساوى فيه الأديان والطقوس، وتصهر كلها قيماً واحدة تنتظم على هديها الحياة على الأرض، هذا التصور العميق الذى يسعى إلى الوحدة الكونية هو ما يهب "إسطاسية" هذه الأسطرة العميقة. يقول ابن عربى(11): لقد صار قلبى كل صــــــورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبـــــــان وبيت لأوثان وكعبة طائـــــف *** وألواح توراة ومصحف قــــــرآن أدين بدين الحب أنى توجهــت *** ركائبه فالحب دينى وإيمانــــــــى (3) * وينجز الروائى "خيرى شلبى" سرديته على لسان الراوى الرئيسى "حمزة البراوى" فى الثمانية عشر فصلاً التى تكوَّن الرواية، وعلى الرغم من هذا لا نعدم أن نشعر بتعدد الأصوات التى تساهم فى بناء سردية النص، ذلك من خلال سبعة فصول فرعية إضافة على قص السارد الرئيسى، وقد قسمهم الروائى تحت الحروف الأبجدية، ومن خلال هذه التفريعات يواجه الروائى منطق حمزة وأفكاره ورغبته فى المعرفة بمنطلق الآخرين ووجهات نظرهم ورؤاهم الخاصة للحقيقة نفسها، فيستنطق "أم حمزة" فى "توءمة الألم" ثم تتوالى الأصوات الأخرى مثل المقدس "عازر صبحى" عمدة "عزبة الحجر"، ثم "عابد البراوى" عم حمزة والعقل المدبر للعمدة "عواد البراوى"، ثم "عبد العظيم عتمان" جزار الوقيع، ثم الأستاذ فرج سائق "عابد البراوى"، ثم زوجة العمدة "عواد البراوى" ثم "سيد أبو ستيت". خلَّق ضفر السرد الأحادى مع هذه الأصوات المتعدد(12) نوعاً من دفع الصراع والمواجهة، كما بث نوعاً من الحيرة ومن ثم التشويق فى النص ليجعله يقترب من النص الذى يعتمد على لغز جريمة ما يلبث أن يتكشف مع الصفحات فى سرد تشويقى غامض. وهنا نلاحظ الاتساق بين هذه التقنية السردية التى اعتمدت على ما يشبه الاعترافات، أو الإدلاء بوجهات النظر تجاه نفس الحقيقة من الأطراف المعنية والقريبة من جريمة القتل، وبين شخصية حمزة ونوع دراسته للقانون، ورغبته أن يكون قاضياً أو نائباً يعرف الحقائق ليقيم العدل الحق، جاءت تقنية تعدد الأصوات الضمنية لتتناسب مع كونها إجابات لأسئلة ضمنية تفهم من سياق السرد، يوجهها حمزة للشخوص أو يتبرعون بها كنوع من البوح، تأتى الأصوات فى السردية وكأنها استدعاءات عاجلة تطلبها التحقيق. ويأتى السرد على لسان الأصوات فى لباس حوار من طرف واحد، كأن هناك أسئلة أو استفسارات وجهت من قبل حمزة لكنها لم تثبت فى أساليب القص، لما قد يشوبها من تكرار، فيأنف الروائى من أن يصيب نصه بعض التكرارات والترهلات فيتخير أن يصوغ إجابات وحديث من طرف يمتلك جديداً، لتكثيف النص وسبكه وتتوارى استفسارات حمزة، ولذا تصبح أساليب البوح وكأنها لمخاطب لا يصرح به، لكنه يعرف بالضرورة، كأن يقول عتمان الوقيع "الناس كانوا يحترمون العائلة إكراماً لخاطر الشيخ "الآن لا أحد يحترمهم عدم المؤاخذة حتى وإن زعلك هذا الكلام.." ص59. وتتكرر هذه الأساليب فى كل القص الواقع من الأصوات ويكون الموجه له الخطاب "حمزة البراوى" الراوى، وتتوارى أسئلة حمزة أو التفاؤل الذى يوجه، فهى قضية واحدة ورئيسية. ولقد نوَّع الروائى تقنيات السرد بما يتلاءم مع المكنون النفسى الداخلى لسارده "حمزة البراوى" فنلاحظ براعة الكاتب فى بعض معالجات تحولات السردية، مثل أن يتحول الحوار بين حمزة وعمه عواد إلى قص حلم لعواد لكن على لسان حمزة فى قوله بعد حوار يتجاذباه "يا لها من رؤية مفزعة: رأى نفسه يقف بلبوصاً كما ولدته أمه" ص94. أتصور أن المبدع قدَّر الهوة النفسية السحيقة بين حمزة وعمه، ولذا تخير حكى الحلم على لسان حمزة حتى لا يحدث تعاطفاً بين القارئ وعواد لو أن السرد تم على لسان الأخير، وهو ما لا يريده حمزة ولا يشعر به تجاه عمه، فأقصى ما نتوقعه من حمزة لأعمامه الكراهية الممتزجة بالشفقة.
(4) تنوع تقنيات السرد على هذا النحو، مع ضفر النص بكثير من تأثير متغيرات المجتمع المصرى والعربى وما يتوالى فيه وعليه من أحداث سياسية واجتماعية، ثقافية وصحية واقتصادية، تجعل النص الروائى عند خيرى شلبى مثل شجرة عريقة راسخة لها فكرة أم تمثل جذر وساق ممتد وهيكلى، ثم هناك الفروع والأغصان والأوراق وهو ما يمثل المجتمع الذى يجسده الروائى فى نصه، شبكة ممتدة ذات علاقات رئيسية، ويتفرع منها العديد من الانبثاقات، مثل العائلات والأسر فى الريف المصرى، وشبكة من التعاملات المتجاذبة، يبدو النص عند خيرى شلبى كالحياة فى تكوينه(13)، كالواقع المصرى وخصوصيته التى يجسدها واقع ثرى، لا ينفصل النص عن الواقع فيبدو متشابكاً، عريقاً، ممتداً، متجذرا، شأننا كمصريين، "فالفن هو سبيل الفرد للعودة إلى الجماعة"(14). ويوظف الكاتب كثيراً من العناصر ليصنع هذا الالتحام وهذا التجسيد مثل الإشارات المتعددة لمتغيرات السياسة، وتأثيرها على الأفراد مثل إشاراته إلى المذابح التى تحدث فى فلسطين، وحين يشير إلى حرب العراق والكويت عند حديثه عن السيارة الفولفو(15) المملوكة "لمحمد أبو الحسن" واستيلاء عابد البراوى عليها، حين يرتكز النص فى كثير من دراميته على المتغيرات التى طرأت على ثقافة المصريين بعد هجراتهم سواء لبلاد النفط أو للغرب الأوروبى والأمريكى والثقافات التى قدموا بها، وما اتسمت به من تعصب أفقد المصريين كثير من سماحتهم وتوازنهم ووسطيتهم، حين يشير الكاتب أيضاً إلى بعض المتغيرات الاجتماعية الخاصة بين عنصرى الأمة مسيحيين ومسلمين وهذا المناخ المحتقن وتنوع مظاهره فى الشارع والقرية والمدرسة(16)، فى الملابس والألفاظ، فى العيش فى ظل مظاهر من التدين دون إدراك لجوهر الدين(17)، ويحرص الكاتب على ضفر هذه القضايا فى تلافيف ومفردات دراما نصه ذاتها، ومن خلال شخوصه الرئيسية والثانوية، ليكشف الروائى ويشير إلى زيف هذه المظاهر، وليعرى أقنعتها لدى الناس لدفعهم إلى الفهم، واتخاذ مواقف واعية ولائقة بالشخصية المصرية، وتاريخها الممتد، حين يرصد الروائى أيضاً لكثير من مظاهر الفساد من خلال شخصيات ثانوية، يجسد من خلالها واقع الفساد دون مباشرة أو خطب وشعارات ذات لهجات رنانة جهورية، مثل شخصية معاون الزراعة زوج "حميدة" بنت سيد أبو ستيت وعائلته(18). أو حين يصف طبقة رجال الأعمال بقوله "هذه الطغمة من الفاسدين الذين ركبوا على صدر مصر فحكموها بالبلادة والطرمخة والاستهبال وصمموا على عدم تركها إلا بعد الانتهاء من بيعها بالجملة والقطاعى لكلاب السكك"(19). وحين يشير الروائى إلى قضايا مثل أنفلونزا الطيور، أو يناقش قضايا محور تساؤل فى المجتمع المعاصر مثل الفنون التشكيلية والنحت والتصوير على لسان شيخ أزهرى تنويرى مثل "حامد البراوى". لكل هذا يمكن أن نطلق على نص خيرى شلبى النص المتجذر المتفرع ويتحقق هذا فى هارمونى متسق بهيئة الكاتب، دون افتعال أو تزيد. (5) وللروائى قدرته على خلق شخصيات ورقية متنوعة(20) تتفاوت طبيعتها وثقافتها وتكوينها، ويتحقق ذلك بما يملك الكاتب من اتساع الثقافة وتشعبها، كما يُمَّكنه من حشد المفردات الخاصة بمهنة كل شخصية ومستواها الاجتماعى والثقافى والنفسى، يمثل حمزة الراوى الرئيس شاب من الريف المصرى، ابن لأحد شيوخ الأزهر التقاة، من بيئة محافظة، يتفوق بالتعليم فى كلية الحقوق، ويصبح منتهى أمله أن يلتحق بالنيابة لينخرط فى سلك القضاء ويقيم العدل الذى يحلم بتحقيقه، لم تسعفه عائلته وانخراطها فى عمليات إجرامية أن ينال هذه المكانة. ويبدو حمزة شخصية حيادية، غير قادرة على المبادرة أو الفعل دون دفع خارجى، فى البداية كان والده هو الدافع له فى اختيار الدراسة والتفوق فيها، ثم استمرت والدته تدفعه لأخذ المواقف والانخراط فى عائلته ومجتمعه، ثم كان توجيه خاله "عبد الودود القصبى" له وتسييره لأمور حياته، ثم انخراطه فى مشروع مزرعة الدواجن والعمل به دون أن يجد فيه ذاته، مع تنافر بين طبيعة التجارة وبين قدراته ومواهبه، حتى فى علاقة حبه لابنة خاله "راندا" لم يصرح برغبته فى الزواج منها، كانت المبادرة الأولى تخصها. تبدو شخصية حمزة وإن كانت ذات جذور سوية إلا أنها إفراز مجتمع عشوائى متخبط، يتوالى عليه كثير من التغيرات المربكة فى الفكر والثقافة والسياسات، ويعبث به مجموعة من الفاسدين، ولذا تبدوا تائهة غير قادرة على المواجهة الحقيقية، لديها الراغبة فى الارتقاء بنفسها لكنها لا تجد المناخ المجتمعى الذى يساندها ويقدم لها السبل، بل يجهض طموحاتها وأحلامها، فتفتقد الرؤية الواضحة والإرادة الجريئة. لم يحدد الروائى أيضاً لشخصيته الرئيسية ملامح جسدية مميزة وفى ظنى أن ذلك اتساقاً مع ضبابية الإرادة والرؤية المحددة فى شخصية حمزة البراوى، لم يسيطر على حمزة سوى رغبته فى إقامة العدل، من هنا كانت وقفته فى رفض الانخراط فى العمل التجارى فى مزرعة الدواجن، لكنه قيد بوضع عائلته وفساد موقفها، تتحول مقدراته ويصبح بتأثير من خاله منخرطاً فى سلك المحاماة ويقنع بذلك فى النهاية، وتبدأ رحلته فى المحاماة فى وسط أهل قريته وليصبح مسئولاً عن قضايا إسطاسية تجاه أعمامه، ليسترد لها حقوقها المسلوبة من عائلته. يوفق الروائى حين يرسم حمزة كالشخصيات الطبيعة التى لا تدعى بطولة فائقة أو قدرة على التحمل مغالى فيها، فيرسمه حين تتابع عليه لحظات الضعف والقوة كما البشر فى الواقع، فحين يسمع اعترافات زوج عمه يصاب بالانهيار فتتحول المرئيات واستقبال حواسه للواقع إلى شئ آخر مغاير ومفارق، لوطأة ما سمعه على نفسه واحتقاراً لعائلته، فيمارس الهروب على المستوى النفسى ويرى أشياءً من صنع خياله، ثم لا يلبث أن يعود للواقع ويحاول الصمود، لتستمر مواجهته للحياة بكل مصاعبها، وتتنازع شخصية حمزة مقدرات متنافرة، فرغم ما يبدو على تفكيره من عقلانية وموضوعية فى تفسيره لكثير من الحوادث والشخصيات من حوله، ورغم اقتناعه بنمط حياة راندا وخاله وتحررهما، إلا أنه صنيعة كثير من الموروثات صنيعة كثير من الموروثات الدينية، وتأثيرات الموروث الشعبى والفلكلورى فى المجتمعات الريفية، تلك التى تسيطر عليه حين تواجهه مواقف عصيبة، مثل تخيله للشيطان الذى يعايره بأهله، يقول "خيل إلىّ أن شيطاناً ذا قرنين ونابين بارزين وحاجبين مقوسين مرفوعين وذيل طويل مبروم متكور يمشى أمامى"(21) يدلل الروائى دون مباشرة واضحة بل مستشفة من اللاوعى والتخيلات على هذا الجانب من شخصية حمزة، ويعد ذلك توفيقاً من الروائى، فالإنسان محصلة موروثاته وثقافة بيئته وليس اقتناعاته المنطقية العقلانية فقط(22). ولقد تخلل السرد بعض النظرات الفكرية العميقة التى أراها لا تتناسب مع ثقافة ووعى شاب فى سن "حمزة البراوى" لا يزال فى طور التكوين الفكرى والوجدانى، خاصة تلك النظرات التى تعلقت بفلسفة العدالة وبعض النظرات الاجتماعية تعليقاً على أوضاع المجتمع المصرى(23). وعلى نقيض حمزة البراوى تبدو "راندا عبد الودود القصبى" شخصية مرسومة بتفاصيل واضحة على المستوى الجسدى والفكرى، وتمتلك قدراً من الجرأة والمبادرة وفرض ما تريده، حانية ورومانسية، تعشق الموسيقى والرسم والسينما، الفنون بصفة عامة، متحررة فى أفكارها وفى مظهرها، يقول عنها الروائى فى وصف غير نمطى "قالب من الشيكولاته، خلاسية البشرة ساحرة شهية المذاق على البعد، فما بالك لو اقتربت حثيثاً؟ شعنونة إلا أنها عاقلة جداً، قوام سمهرى، نحيل" ويستمر يشبهها بأميرات الفراعنة(24) إلى أن يقول عنها .. يتلخص فيها – باختصار دقيق مذهل – شموخ الفتنة، شموخ يحجّمك ويفرض عليك احترامه وتبجيل صنع الله فيه"(25). تبادر راندا بعرض الزواج من حمزة ثم تدفعه إلى الحياة بالقرية، وممارسة حلمه القديم فى إقامة العدل من خلال طريق آخر، فتجهز له مكتب محاماة فى بلدته وتحثه على قبول قضية إسطاسية وضرورة وقوفه معها ضد ظلم أعمامه، وبرغم جرأة راندا وعشقها للمغايرة والمغامرة إلا أنها تتمتع بعقل واع وثقافة رفيعة، وتتجلى قدرة الأدب الحقيقية حين تتجسد هذه التناقضات وتتعايش فى شخصيات ورقية أقرب ما تكون إلى ما نجده فى الواقع من نماذج غير نمطية. ويرسم الروائى شخصية المحامى خال "حمزة البراوى" "عبد الودود القصبى" نموذجاً إيجابياً مناقضاً لما هو سائد فى المجتمع من نماذج انتهازية فاسدة، ليسرب الكاتب "خيرى شلبى" بذوراً وإشعاعات من الأمل. فهناك بريق نور فى وسط كل هذا الظلام، وهذا التيه الذى يحياه الشعب المصرى، يقول حمزة عن ميزات خاله "إنها قدرته الفائقة على استخدام المنطق فى الوصول إلى هدفه المحدد من أقصر الطرق وأبسطها، ناهيك عن دماثته ولباقته ودفء حديثه"(26). ويرسخ الخال فى نفس حمزة الأمل فى الغد يقول "لا يغرنك ما تراه اليوم من انهيارات فى كل شئ فإنها ظواهر مهما استفحلت مؤقتة! مرهونة بزوال الصغار الذين وثبوا على مواقع الكبار!.. مصر أكبر من حاكميها بكثير جداً وهذا هو الضمان الأكبر على أن الأمور لن تبقى هكذا طويلاً!" (27)، هذا النموذج الإيجابى للشخصية المصرية الناجحة المعتدلة هو ما يحرص على بيانه ورسمه الروائى فى قصدية وإصرار؛ ليظل الأمل حاكماً فى واقع يصيب الجميع باليأس. يترك عبد الودود القصبى لأولاده الحرية كاملة فى اختيار توجهاتهم بالحياة، برا بأخته وابنها، يستطيع أن ينجز المهام بلباقة مع إقامة العدل حين اقتنص لابن اخته حقوقه من عائلة والده، كريم يجد سعادته فى العطاء لعائلته وإشاعة مناخ من الحرية الجميلة. وبالرغم من سعى الكاتب الجميل لإبراز هذه النماذج من الشخصيات الإيجابية إلا أنه ونزوعاً إلى بعض المذاهب الواقعية مثل "الواقعية الطبيعية" تسند فقرة فى السرد الخاص بعبد الودود القصبى على لسان "حمزة البراوى" يقول فيها واصفاً خاله بالمايوه على شاطئ الساحل الشمالى "فكانت تفاصيل جسده قبيحة منفرة، طيات لحم فوق بعضها من نتوءات كالقرع العسلى فى الجنبين، كل ذلك تحت شعر غزير يغطى الصدر والبطن والساعدين والساقين فبدا لى نسخة من جدنا القرد بعد مرحلة الوقوف على قدميه"(28)، فى تقديرى أن تلك الرؤية الناقدة من حمزة لخاله لا تتناسب وما ينبغى أن تتركه شخصية الخال بعد ما قام به لحمزة من خدمات، العين أيضاً ترى من الداخل الوجدانى كما ترى من الظاهر، إلا أن يكون الكاتب يؤثر مقولات الطبيعة إلى حد كبير، وأتصور أن هذه الفقرة قلقة فى موضعها خاصة أنها على لسان حمزة وعينه إلا إذ كان خاله لا يزال يمثل له قدوة مفروضة عليه وكابوس يجثم على صدره(29)، وأتصور أنه كان قد فارق تلك المرحلة. وللروائى قدرة على التنوع فى رسم شخوصه حتى الثانوية منها؛ وهو لا يترك أية تفصيلة أو مفردة إلا ليوظفها فى موضعها تماماً بما يتناسب مع تكوين الشخصية وملابساتها فى نصه، مثل تصويره لشخصية "عبد العظيم عتمان الوقيع" فهو هذا الجزار الذى يمتلك قلباً مثل البفتة أبيض، صاحب الصوت العالى الذى يهدد ويتوعد دائماً لكنه كما يقول عن نفسه "هجص فى هجص". فى مجتمع فقير يعتمد فى عيشه على الحيوانات والبهائم تصبح شخصية عتمان محورية، وإن لم يبدو عنيفاً فى نظر الفلاحين، لن يفلح فى تسيير أعماله، ولذا يرتدى عتمان هذا القناع ليستطيع العيش فى مجتمع فقير(30). حين يصبح السرد على لسان عتمان، ينتقى له الروائى مفرداته بعناية من البيئة مراعياً طبيعة مهنته، كما أن الروائى يُخلِّق التفاته بالسرد توحى بطيبة قلب الشخصية بالفعل من خلال فنيات السرد ذاتها، حين يتحول الخطاب من حوار بينه وبين حمزة لينتقل إلى خطاب إلى إسطاسية التى لم تكن معهما بالفعل، يقول "أهكذا يا إسطاسية؟! نسيت أننى أنقذت ابنك محفوظ من الغرق حينما وقع منك فى هويس ترعة المشروع، وأنت قاعدة على الموردة فوق الدرجة الغاطسة فى الماء تغسلين حبوب الغلة نقلة بعد نقلة بالقفة.." (31)، يلغى الروائى المسافة النفسية التى يصنعها الشرير الحقيقى بينه وبين مخاطاباته مع الآخرين(32)، وهو ما لا يتحقق فى عتمان الوقيع، كما أن المبدع يحاكى الحديث الواقعى بكل فنياته. يستطيع خيرى شلبى أن يجعل تقنية السرد والتشكيلات الأسلوبية هى من تنقل المحتوى ويعد ذلك منتهى براعة الروائى الحقيقى، فهو يقدم لحظة نارية ينصهر فيها الشكل السردى مع محمولاته فتنتج شرارة التلبس والاتحاد(33). وتتعدد الصور التشكيلية الطبيعية أحياناً والسريالية فى أحايين كثيرة عندما يرسم الروائى بورتريهات متنوعة لقطاع الطرق واللصوص الذين تجمعوا تحت إمرة العمدة "عواد" وأخيه "عابد" مثل "معاطى" الذى يصفه بالرجل الزئبقى ثم "بشلة" الذى يستطيع أن يحمل أى رجل تحت إبطه كحزمة برسيم، و"زيدان أبو زعير" وجلبابه العجيب من قماش الخيم، وذيله مستقر المخطوف الذى يفقد فيه الوعى، و"أبو هوانة" الغوريلا المنعدم العقل ولا يعرف سوى الجوع ثم الأكل، وينام فى أى مكان فى العراء ولو فى طوبة. تنبئ هذه الصور عن قدرة الروائى على النفاذ إلى الطبيعة البشرية بكل ألوانها وطوائفها، كما أنه يرصد كل ما هو مستقر ومتروى من أفراد مجتمع الريف الذى لا تلقى الأضواء عليه إلا نادراً، فالقاهرى لا يمكنه أن يستشعر هذه النماذج إلا من الأدب الذى يلتقط تمايزات البيئة والعناصر التى تنتجها. وعن طريق وصف الروائى ولمحاته التى تلتقط أبرز ما بالشخصيات يستطيع القارئ أن يعايش أجواء الضالين فى الريف المصرى، حتى أنه فى بعض الفقرات يشعر أنه يواجهها بالفعل وتتسرب إلى ذاته بعض مظاهر القلق لواقعية الوصف ونفاذه فى عمق الشخوص، فيشعر القارئ وقتها أن الروائى عاشق للموجودات فى طبيعتها وتلقائيتها وحقيقتها، فى تنوعها الخير أو الظالم فهكذا توجد الحياة. وحين ننتقل إلى شخصيتى "عابد وعواد البراوى" يتخير الروائى وصفهما عن طريق عتمان الوقيع وهو ذو طبيعة حادة وعنيفة إلى حد كبير، ولم يأتى الوصف على لسان حمزة أو أمه حليمة بطبيعتهما الوديعة، ليتضح مدى توغلهما فى الشر وظلم الناس، يصفه عتمان جسدياً بقول "طول بعرض برقبة طويلة ملغدة"(34)، ثم يصف شخصيته "ثلاثة أرباع شخصيته هواء مضغوط كعجلات السيارة، نفخة كدابة" المواصفات الجسدية والنفسية تصنع تصوراً للشخصية لا يمكن معها أن يلقى أى تعاطف من القارئ، وتعبر عن معنى الشر مجسداً. ويعرَّض الروائى بثقافة البدو وما عهد لديهم من تكوينات اجتماعية لا ترقى حتى للنظم الاجتماعية عند الفلاح المصرى صاحب الحضارة العريقة، ناهيك عن المدن الكبرى وما بها من متعلمين ومثقفين، لكن تأتى تلك الالتفافات على لسان عتمان الجزار وهو ما لا يمكن أن يدركه عتمان أو يفصح عنه فى وعى فيما أظن. يزيد على قبح مظهر وشخصية عواد تمتع عابد أخيه الأكبر بدهاء وذكاء شديدين موظف فى مجمله إلى الشر وإيقاع الأذى بالآخرين والنصب عليهم وأكل حقوقهم يقول عتمان "أزرق الناب"(35)، ثم تتوالى حوادثه ومواقفه فى ظلم الناس، ليصوره الروائى المحرك الرئيسى لمنظومة الشر التى انخرطت فيها معظم شخوص الرواية. (26) ونلمح فى النص حرص الكاتب على ذكر الأماكن والقرى بأسمائها، ورصد ما يحيط بها من عزب ومراكز، وفى أى المحافظات تقع، وتنبئ تلك الحميمية على نوع من الاعتزاز بهذه الطبيعة الخاصة ومفرداتها الثقافية، فهناك حس وصدى واضح فخور بما تحمله هذه الأماكن بموروثاتها التاريخية وتمايزاتها، ولذا نلمح حدباً من الروائى على الأماكن، كأنه يخشى عليها من الضياع أو التلاشى مع التطور، مع تلاحق التحولات والمتغيرات، ويحرص الروائى على وصف طبيعة التلاحم والامتزاج الواقع بين قرى الريف المصرى فى الدلتا، كما يحرص على بيان عراقتها التاريخية وامتزاج المسلمين والمسيحيين بها على مر العصور التاريخية، وهو إذ يسجل هذا الواقع الحضارى يجابه قارئه بمدى الاختلاف والتناقض الحادث فى هذه اللحظة المعاشة من التاريخ الاجتماعى المصرى، فالانفصالات والاحتقانات التى حدثت بين المسلمين والمسيحيين فى هذه الآونة تعد خروجاً على طبيعة التآلف التى استمرت طويلاً والتى كانت سمة العلاقات بين طرفى الشعب المصرى، والكاتب إذ يقرر هذا التلاحم وهذه العراقة يمهد إلى مضمون عمله الذى يعالج فيه فكرة شديدة العمق والفلسفة فكرة العدل المجتمعى، وهى لا تنجلى واضحة ذات معالم راسخة إلا فى المجتمعات الممتدة ذات الحضارات العريقة، يقول "كل أهالى هذه البلدان المتجاورة الملمومة على بعضها متصلة الحدود والزمامات الشياخات والعلاقات والأوضاع والمصالح والأسرار مهما كانت خافية.. أصبحوا يتجرعون مرارة ومحنة الأرملة التعيسة إسطاسية"(36). لا يترك خيرى شلبى الأماكن فى نصه عارية، تتسلل فى الفقرات أوصاف محملة ببصمات الأماكن الخاصة ونكهتها المميزة وطقوسها التى تواترت وعرفت بها، فإن يأتى ذكر "طنطا" حتى يقترن بها ما يشتهر عنها من الحلاوة والسيد البدوى والمولد وهو ما يعضد هذه الحميمية التى أشرت إليها بين الروائى وأماكن نصه، كما يلاحظ أن التعبيرات منتزعة من البيئة الريفية فى منطقة الدلتا مثل أرض البرارى والمشروع ووابور الطحين. ويتحقق ذلك على لغة محملة بنكهة المكان وتاريخه وطبيعة أهله وعاداتهم، إن تصوير هذه الخصوصية يعد نوعاً من المحافظة على الهوية الخاصة والارتفاع بها إلى تعريف الناس بها لتذوقها وتسجيلها حتى لا تندثر(37). ما يميز تعامل "خيرى شلبى" فى تناوله للمكان أيضاً رصده للتحولات فى ميكانيكية وحركية بإمكانها أن تتابع التغيرات الاجتماعية والثقافية فى علاقتها بالبشر والأماكن فى تقاطعات مؤثرة ودالة فيرصد لحال "المدرسة" على لسان فرج أبو العلا بعد رجوع المدرسين من الإعارات محملين بفكر وهابى متطرف ينبو ويند عن الطبيعة الثقافية المصرية المعتدلة، فيرصد تحولات المظهر والجوهر عند المدرسين وتأثيرات ذلك على طبيعة العلاقات(38)، وتصبح المدرسة والقرية أو المجتمع المصرى هى المكان المحمل بزخم هذه التحولات السلبية وضياع هوية الطبقة المتوسطة من المصريين بين الوهابية والحضارة الغربية والأمريكية منها خاصة(39)، ويحقق الروائى ذلك من خلال التصريح برصده للتغيرات، أو عرضه لإشارات مثل الأصوات غير المصرية لقراءة القرآن وتلاوته، أو لكنة جودة عابد الأمريكية. ويأتى بيت "حامد البراوى" وابنه حمزة فى القرية دليل آخر على التحولات التى طرأت على شخصية حمزة ذاته وما استجد بحياته من مراحل وتحولات والكاتب من خلال وصف الأثاث وتغيرات الحوائط والألوان والأخشاب، يرصد لتحولات أعمق تخص الشخوص وتطور مراحلهم الحياتية، قصة عمل حمزة ثم زواجه وانتقال زوجته للعيش فى بيت أسرته "بمنية الكردى" وتأسيس مكتب محاماة لحمزة فى بيته بالقرية، المكان هنا يرصد ويسجل تطورات الشخصية وتحولاتها الفكرية والوجدانية. (7) ولقد امتدت طقوس إسطاسية الجنائزية لأكثر من خمس سنوات أو يزيد، تذوب بالنص هذه السنوات القليلة ليشعرك النص أنها قصة ملايين السنين، قصة الإنسان وحضارته على هذا الكوكب، مثلت إسطاسية امتداداً لطلب إنسانى خالد كما أمتد فى القديم الموغل فى السنين سيمتد من الحاضر إلى المستقبل بكل آماله، فلذا يبدو تناول الروائى للزمن بالنص نسبياً ورمزياً(40). ولقد بدأ إيقاع الرواية متساوياًً مع إيقاع العدل، مفاجئاً لا تكهنات فيه ولا تواتراً، هى أقداراً تحدث دون ذبذبات مطردة. (8) تراوغ لغة نص "إسطاسية" الواقع الريفى المحكى عنه، فالروائى حريص على أدبية اللغة وفصاحتها، وفى ذات الوقت يريد أن تتحسس أنامل قلمه دفء الواقع ونبض تكوينه الخاص، فتأتى اللغة مراوغة بين الفصحى والعامية مثل أن يقول "تتصايح الديكة، تزيَّق البوابات الثقيلة" ص10 وتبدو لغة السرد فصيحة تناوش العامية وتقترب من حسها الريفى يقول حنك صاحبها ص11، عمق الجعير ص19، كلام عفنان ص39 فُتَّك فى الكلام ص41. وتعد اللغة هى الطقس الرئيسى الذى ينقل أجواء القص الخاصة، وطبيعة البيئة التى تدور بها الصراع، وللروائى بعض التعبيرات التى تحيل القارئ لعالم نصه والصراع به دون عناء مثل قوله يصف عثمان "زفارة لسانه أشبه بجواليص الطين فى تعامله مع الأقباط" ص22، على ضوء اللمبة نمرة عشرة، ص26، وطيب يا عضمة زرقا"، "رقيتك من عين المرة تنقلع بشرشرة" ومن عين الراجل تنقلع بمناجل" ص27، إن توظيف الروائى للأشياء والصفات والموروثات يدفع حثيثاً إلى خلق عالم النص الخاص وهو ما لا يقدر عليه سوى مبدع يلتقط أدق التفاصيل وتسكن بذاكرته بعشق فعل المحاكاة والخلق. وتتلون اللغة وفقاً لشخصيات العمل فتبدو ذات مسحة دينية مسيحية على لسان المقدس "صبحى عازر" الفلاح المصرى الذى يمتلك قدراً من الفكر الدينى والتاريخى العميق يقول "لأن الحجر لغة مصرية أصيلة تخاطب بها أهلنا القدامى، معماراً ونقشاً وتشخيصاً" الحجر أبجدية أقيمت لها المدارس المعملية" استدعت تلك العبارة فى ذاكرتى أبيات شعر جميلة للأستاذ عبد العزيز موافى فى ديوانه "الكتابة فوق الجدران" يقول فيها "كان الفراعنة يربون الحجارة، فإذا ما كبرت ينقشون فوقها كلمات تقتسم الموت والانتصارات"(41). ويتخير الروائى فى لغة حواره أن يتراوح بين العامية والفصحى لذا يأتى الحوار فى بعض المواضع ليقترب من التكلف فيما أرى، مثل أن تقول أم حمزة "أوووه، لا فائدة من الحوار معه يا ربى فماذا أفعل فيه؟ إنه حتى لم يعد يطيل القعدة معى، دائماً يهب إلى الخلاء." (42)، ولا تعد فصحى الحوار موقفاً نهائياً للمبدع، فيأتى الحوار فى فقرات أخرى من النص بالعامية، وأتصور أن الروائى لم يحدد موقفاً نهائياً من لغة الحوار، أو أنه يتنوع بها بحسب الشخوص، وهو أيضاً ما لا يطرد فى النص كله فاللغة على لسان راندا فى حوارها مع حمزة تأتى أحياناً بالعامية المصرية وهى ذات ثقافة رفيعة(43). وإذا كان الروائى قد اعتمد على ثقافة أم حمزة الدينية وحفظها للقرآن فأنطقها بالفصحى إلا أنه فى حوارات أخرى ينطقها بالعامية، فيثير ذلك نوعاً من التردد فى اختيار الروائى للغة الحوار، ويبدو أن الروائى يلتفت لهذه القضية فيحترز لنفسه يقول على لسان حمزة "فأمى تتكلم بالفصحى فى الموضوعات الجادة" ص95 لكن الحوار مع ولدها يتطلب لوناً من التباسط ولغة التعامل اليومى والحميمى أيضاً. ويتسم الحوار بالتلقائية المحببة بل الصادقة بالنص حين يصبح بالعامية، بل ويحرص الروائى أن تحمَّل مفرداته بخلاصة سمات البيئة. وترتفع الأساليب المجازية اللغوية فى نص إسطاسية فتتسق بل تتلبس الحالات الإنسانية أطراف الرواية، يقول حمزة عن ابن عمه جمال وهو ينبئهم بخبر الحكم على ابنى عمه عواد "فإذا هو يدخل علينا بطيئاً كالليل، نحاسى السحنة، يتراكم الصدأ القائم على وجهه"(44)، يوظف الروائى التشبيه والكناية فى اقتدار لينقل الأجواء النفسية لشخوص الرواية. أو قوله واصفاً جنون راندا زوجة حمزة منتقلاً إلى حالة من الرومانسية الرائقة غير التقليدية" لقد أمسيت مفتوناً بجنون راندا الذى يبدو لى متصاعداً من قلب العقل كما يتصاعد دخان البخور من جورة اللهب فينشر عطره الزكى، جنونها شواشى العقل الملتهب الشغال بغير انقطاع لا ينفصل تياره الكهربى عن كل شئ حولها"(45)، أو قوله عنها "الشقاوة عفاريت لطيفة ترقص فوق وجهها رقصة باليه خيل إلىَّ أنها تهدر بالموسيقى"(46) يؤلف خيرى شلبى فى مجازاته وتشبيهاته ما بين المتباعدات العفاريت هذا الموروث الفلكلورى والباليه الفن الراقى يجتمعا دون غضاضة، ليبتكر معناه فى تصورات متجددة فى طقس نفسى ومجازى آخر، غير ما تواتر فى أوصاف المحبوبة التقليدية. ويتسع استخدام المبدع للمجاز والصور الفنية وهو بصدد تشكيل وقع حضور إسطاسية بالنص، وهو ما يتسق مع تخليقه لأسطورته الخاصة ولطبيعة الأسطورة ذاتها، واستنادها على غير مقدرات الواقع أو منطقه، ولصنع أجواء غرائبية من الرهبة والاتحاد بالطبيعة يقول عنها "عندئذ تكون إسطاسية قد دخلت فى صلب النار، صارت لها عشرات الألسنة الحادة الملتهبة"(47). يصورها الكاتب وكأنها كائن من الكائنات الخرافية التى تصبح معها أقرب إلى الأسطورة(48). المصادر والمراجع (1) خيرى شلبى: إسطاسية، دار الشروق، القاهرة، 2010م. وإسطاسية تعنى فى الغالب الحق، القانون، الاستقامة، العدالة ومأخوذة من (Justisia) وهى تحريف عن الكلمة اللاتينية الأولى، ومنها أيضاً ياطس وتعنى عادل. (2) صلاح قنصوة: نظرية القيم فى الفكر المعاصر، مكتبة دار الكلمة، ط3، القاهرة، 2002م، ص212، 219. (3) خيرى شلبى، إسطاسية، ص 145. (4) المصدر السابق: ص 156. (5) المصدر السابق: ص 164. (6) - يوسف الشارونى: الحكاية فى التراث العربى، مكتبة الأسرة، القاهرة 2008م، 135. - بلو تارك: إيزيس وأوزوريس، ترجمة محمد صقر خفاجة، مكتبة الأنجلو، القاهرة. (7) خيرى شلبى: إسطاسية ص83. (8) المصدر السابق: ص124. (9) المصدر السابق: ص 134. (10) المصدر السابق: ص 11. (11) ابن عربى: الذخائر الإغلاق فى شرح ترجمان الأشواق، تحقيق محمد عبد الرحمن الكردى، القاهرة، 1968. (12) - سيزا قاسم: بناء الرواية، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2004، 190. - ميلان كونديرا: فن الرواية، ترجمة بدر الدين عرودكى، المجلس الأعلى، المشروع القومى للترجمة، القاهرة 2007م، 53. (13) محمد شاهين: آفاق الرواية البنية والمؤثرات، مكتبة مدبولى، القاهرة، 2007، ص10 : 20. (14) أرنست فيشر: ضرورة الفن، ترجمة أسعد حليم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1971م، ص 60. (15) خيرى شلبى: إسطاسية، ص 14. (16) المصدر السابق: ص 118. (17) المصدر السابق: ص 122. (18) المصدر السابق: ص 130. (19) المصدر السابق: ص 147. (20) شكرى عياد: البطل فى الأدب والأساطير، دار المعرفة، القاهرة. (21) خيرى شلبى: إسطاسية، 205. (22) مصطفى سويف: الأسس النفسية للإبداع الفنى، دار المعارف، ط2، القاهرة، 1959م. (23) خيرى شلبى: إسطاسية، 73. (24) المصدر السابق: ص 105. (25) المصدر السابق: ص 163. (26) المصدر السابق: ص 153. (27) المصدر السابق: ص 154. (28) المصدر السابق: ص 165. (29) المصدر السابق: ص 102. (30) المصدر السابق: ص 56. (31) المصدر السابق: ص 57. (32) سيزا قاسم: بناء الرواية، ص223. (33) ميلان كونديرا: فن الرواية، 51 : 57 (34) خيرى شلبى: إسطاسية، 62. (35) المصدر السابق: 62. (36) المصدر السابق: ص 10. (37) سيزا قاسم: بناء الرواية، 101: 175. (38) فن الرواية: ميلان كونديرا، ص78، 79. (39) خيرى شلبى: إسطاسية، 141. (40) أمينة رشيد: تشظى الزمن فى الروية الحديثة، دراسة أدبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998. (41) عبد العزيز موافى: الكتابة فوق الجدران، دار الدار، 2008م، ص8. (42) خيرى شلبى: إسطاسية، 32. (43) على الراعى: د. يوسف إدريس بقلم هؤلاء، مكتبة مصر، القاهرة، 94. (44) خيرى شلبى: إسطاسية، 138. (45) المصدر السابق: 237. (46) المصدر السابق: 238. (47) المصدر السابق: 11. (48) شكرى عياد: دائرة الإبداع، دار الياس، القاهرة، 1987، 103. (49) فتحى أبو رفيعة: نقد الثقافة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006، 143: 155
#أماني_فؤاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأنترنيت وأليات السرد في نص -في كل أسبوع يوم جمعة-للروائي إ
...
-
التماهي بين الموجودات في أدب خيري شلبي
-
الإنسان والفن..والوحوش
-
البناء الروائي في -عاشق تراب الأرض-للروائي :أحمد الشيخ
-
الحدود في الأسلام والمعاصرة
-
أشياء برع فيها الأخوان المسلمون
-
روضة... هندسة القاهرة
-
الصمت الصاخب بالموسيقي في -تانجو وموال- للروائية -مي خالد-
-
بعيدا عن إطلاق الرصاص..
-
سُحقاَ للتبعية
-
الفانتازيا الذهنية بين روايتين صانع المفاتيح وعالم المندل
-
المرأة والقهر المضاعف
-
الإله في كتاب النحات
-
الإعاقة بين الواقعية والفانتازيا
-
صانع المفاتيح...سارق نار الفانتازيا الذهنية
-
فطر عنيد
-
كن اختيارك
-
قراءة نقدية لحفيدات شهرزاد
-
كلنا صرعي هذا الضريح..
-
رجال بلون الحرباء
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|