|
عرفات في عيون العالم
سليم محمد الزعنون
الحوار المتمدن-العدد: 4213 - 2013 / 9 / 12 - 20:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عرفات في عيون العالم بقلم / د. سليم محمد الزعنون.
يبدو أن "حمامي" غير مطلع بما فيه الكفاية؛ ولم يقرأ سِير العظماء والرواد بشكل عام؛ وعرفات بشكل خاص؛ رغم كثرة الكتابات التي تناولته؛ بعضها طغى عليه البعد التاريخي، والبعض الأخر ركز عليه كزعيم وقائد للشعب الفلسطيني ومثال للبطولة والفداء والتضحية؛ ولم يكن "حمامي" على قدرٍ كافِ من الإلمام ِ حول كيف ينظر الساسة والزعماء لشخص عرفات. أولاً : شخصية فريدة تمتع ياسر عرفات بشخصية فريدة؛ زاوجت بين العديد من المتناقضات وجمعت بين العمل الثوري والسياسي؛ تميز بالصبر مع تقدير أهمية الظفر؛ وبالتقشف الشخصي مع الكرم تجاه الآخرين؛ ذو شخصية عاطفية لا يستطيع إخفاء مشاعره؛ وشخصية متسامحة مع الأديان كافة؛ محبوب من الجماهير؛ تميز بعقلية وحدوية وقدرة توفيقية؛ في هذا الإطار تم وصفه كقائد فذ مثير للجدل : "إنه من الصعب جداً الحديث عن عرفات في زمن قصير فلقد كانت شخصية الرئيس عرفات شخصية قوية وساطعة، وكان له مكانة تاريخية وتمتع بشخصية مثيرة للجدل، فكثيراً من الناس أحبوه ولكن في نفس الوقت وَجِدَ من اختلف معه". العالمة الروسية "إيرينا زفياغيلسكايا" نائبة رئيس المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والسياسية
كما تميز بأنه رجل شغول غير ملول يعمل بشكل متواصل لساعات طويلة، وسياسي محنك وقائد كاريزماتي، ومناور كبير مع أعدائه؛ ومجادل لا يعدم الحجة؛ امتاز بالقوة والصرامة مع ثقة عالية وإيمان بعدالة القضية الفلسطينية؛ وبراغماتي عملي يقرأ الواقع ويتعامل مع المعادلات، امتلك قدرة ربط العلاقات العالمية الواسعة، وقدرة واسعة على صنع القرار تدعمه بذلك شخصيته الصلبة؛ في هذا السياق وصف نائب رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الروسية عرفات قائلاً : "إنه بطل ورجل مقدام وشجاع وإنه كرئيس كان قادراً على صنع القرار". "أوليغ أوزيروف" نائب رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الروسية
ثانياً : أحد زعماء القرن العشرين يعتبر عرفات مفجر الثورة الفلسطينية ومجدد الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة؛ وتمكن من أن يتحول من رجل صنع ثورة إلى رجل يؤسس لدولة ويقيم أول سلطة فلسطينية في التاريخ؛ بما جعله لاعباً سياسياً من طرازٍ رفيع في السياسة الشرق أوسطية والعالمية؛ ما دفع الكثير من السياسيين لوصفه على أنه أحد أبرز القادة العظام في العالم خلال القرن العشرين؛ فقد تحدث رئيس جمعية الصداقة والتعاون مع الشعب الفلسطيني واصفاً إياه: "بداية إني عرفت عرفات عن قرب، وإنه بنظري لم يكن فقط زعيماً للشعب الفلسطيني، بل كان واحداً من قادة العالم القلائل الذين لعبوا دوراً كبيراً ومؤثراً في قضايا الشرق الأوسط والقضايا الدولية" "فياتشيسلاف ماتوزوف" رئيس جمعية الصداقة والتعاون مع الشعب الفلسطيني
في ذات السياق تناولته الأدبيات الإسرائيلية؛ فأشد الناس عداوةً اقروا بأنه أكثر الشخصيات المؤثر في القرن العشرين؛ " عرفات سيذكره التاريخ كأحد أعظم الزعماء في القرن العشرين" اليساري الأسرائيلي "اوري افنيري"
ثالثاً : مسيرة نضال طويلة: خاض عرفات نضالا استمر أكثر من 40 عاماً، مارس فيها الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، والدبلوماسية والعمل السياسي والإعلامي؛ عمل مقاتلا على جبهة الأعداء من أجل تحرير فلسطين، وعلى جبهة الأصدقاء سار بين الأشواك متجنبا الألغام في ظل السياسات والمصالح العربية والإقليمية والعالمية المتناقضة، ولم يستطع أحداً من زعماء العالم وساسته أن يتنكر للمشوار النضالي الطويل الذي رسم معالمه عرفات " لن ينسى أبدا أي من الأشخاص الذين تواجدوا، التحفظ والألم الذي صاحب مصافحة رابين لعرفات، ولا الأمل المكبوت في العبارات شبه التوراتية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، المقل عادة في الكلام، ولم يفت أحد التأثر بالمسار الطويل والمتعرج لعرفات" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "د.هنري كيسنجر"
لقد قضى عرفات حياته كلها منذ ولادته حتى استشهاده، في سبيل الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه ونيل الاستقلال على ترابه الوطني؛ فكانت فلسطين على موعد مستمر معه ومع ذاتها، لقد حمل في مسيرة حياته كلها فلسطين .. وطناً وقضية .. أملاً وهماً .. حملها والتصق بها إلى درجة صار فيها الاسمان مترادفين لسنوات طويلة .. إن ذكرت فلسطين .. ذُكر عرفات؛ وإن قلت عرفات عَرف العالم أجمع بأنك تعني فلسطين؛ لقد أنتج حالة فريدة لم يسبق لها مثيل حالة تعبر عن التصاق الجسد بالتاريخ والجغراقية؛ هذا ما عبر عنه بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، والإسكندرية وأورشليم قائلاً: "هذا الرجل ربط التاريخ والجغرافيا بجسده فكان هو وحبيبته فلسطين وجهي عملة، خبأ حبيبته بكوفيته وستبقى رمزاً إلى أن تتحرر الحبيبة؛ لقد كان أبو عمار قضية في رجل، وهو إن رحل إلا أنها باقية في ضمائر الفلسطينيين ويا ليتها تبقى حية أيضا في ضمائر العرب" "غريغوريوس الثالث" بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، والإسكندرية وأورشليم
رابعاً : نضال من أجل الحرية والسيادة الوطنية حمل عرفات قضيته إلى كل مكان مدافعاً عن حقوق شعبه واهباً حياته من أجل وطنه مناضلاً من أجل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس؛ لقد عاش ومات من أجل حصول الشعب الفلسطيني على الحرية في هذا السياق تحدث الرئيس البرازيلي قائلاً : " عرفات واحد من زعماء القرن الماضي والقرن الحالي عاش ومات في سبيل الحرية" الرئيس البرازيلي "لويزاينا سيولولا داسيلفا"
لقد ناضل عرفات بضراوة للحصول على الحرية والاستقلال؛ وعمل بشكلٍ كرس فيه الكيانية والاستقلالية الفلسطينية من خلال "حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية"، لقد خاض معركة القرار المستقل وسعى جاهداً لتجسيد الهوية والسيادة الوطنية واقعاً عملياً؛ لذلك كثيراً ما تحدث الساسة والزعماء بأن عرفات أول من سعى لتجسيد السيادة الوطنية الفلسطينية : " عرفات ناضل لسنين طويلة من أجل رغبة الأمة الفلسطينية بالحصول على الهوية والسيادة" الرئيس اليوناني "قسطنطين بوليس" خامساً : أعاد فلسطين لجدول أعمال المجتمع الدولي تمكن عرفات من إعادة فلسطين وقضيتها للوعي الانساني ولخارطة السياسة الدولية؛ وحولها من قضية لاجئين إلى قضية أمة بمعناها الشامل؛ وتُوج ذلك بخطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1974 الذي أكد فيه أن القضية الفلسطينية تدخل ضمن القضايا العادلة للشعوب التي تعاني من الاستعمار والاضطهاد؛ في هذا السياق يعتبره الكثير من الساسة والزعماء بأنه نجح في اعادة فلسطين لسلم أولويات المجتمع الدولي؛ في هذا الإطار تحدث "نلسون مانديلا" قائلاً: "كنت أتابع نشاطات الرئيس ياسر عرفات من غياهب سجني، وكم أثار اهتمامي بثباته ومثابرته؛ لقد آمن به شعبه وسار معه خطوة بخطوة، في السراء كما في الضراء.. فهو الذي وضع المسألة الفلسطينية على جدول أعمال المجتمع الدولي، ونقل قضية شعبه من قضية لاجئين إلى قضية أمة بكامل المعنى.. لقد كانت حماسته وثقته لا تتزعزع، والتزامه بالكفاح من أجل إقامة الدولة الفلسطينية تشكل قيما رمزية في نظر الكثيرين في العالم..... سوف يبقى الرئيس عرفات إلى الأبد رمزا للبطولة بالنسبة لكل شعوب العالم التي تكافح من أجل العدالة والحرية" "نلسون مانديلا"
سادساً: التمسك بالثوابت قيل في عرفات الكثير وسيقال، ولكن تبقى حقيقته الأساسية واضحة للفلسطينين وللعالم أجمع وهي : وفائه للثوابت التي آمن بها، كقضايا القدس واللاجئين وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة، لقد كان مرناً جداً في كل شيء إلا في تلك الثوابت؛ ولعل كامب ديفيد الثانية تؤشر لعدم تخلي عرفات عن الثوابت وتمسكه بها رغم ادراكه لكارثية النتائج المترتبة على ذلك من حيث المساس بحياته، وقد عبر الرئيس الأمريكي السابق عن ذلك بقوله : " قلت له : لقد خسرتم فرصة في 1948 وأخرى في 1978 (قمة كامب ديفيد الأولى) وها انتم تعيدون الكرة ( في قمة كامب ديفيد الثانية 2000) لن تحصلوا على دولة، وستتوقف العلاقات التي تربط الولايات المتحدة بالفلسطينيين ... وقبل ان أغادر الرئاسة، وخلال مكالماتنا الأخيرة شكرني عرفات على الجهود التي بذلتها وقال لي أنت رجل عظيم، أجبته قائلا : سيدي الرئيس لست برجل عظيم، لقد أخفقت، وأنا مدين لك بذلك" وبلغته قائلا بان موقفه كان الطريقة المثلى لانتخاب شارون وبأنه سيعض أصابعه ندما" الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون"
لم يفقد عرفات هدفه الاستراتيجي على الاطلاق " القدس واللاجئين والدولة" رغم الصعوبات التي واجهها، هذا ما تلمسه "موشيه يعلون" في كتابه "درب طويل قصير" الذي خَلُصَ فيه إلى : "عرفات ظل زاهداً ولم تعنه حياة الرخاء، مكرسا ذاته للقضية بشكل مطلق لا يمكن إلا أن تحترمه لأنه لم يفقد صلة العين بهدفه الاستراتيجي الأعلى طوال مسيرته حتى عندما انشغل بقضايا يومية عابرة" "موشيه يعلون" كتابه "درب طويل قصير" 2008
ورغم اقرار عرفات بوجود دولة اسرائيل إلا أنه مؤمن بحق الفلسطينين بإقامة دولة على كامل التراب الفسطيني وعاصمتها القدس يعيش فيها كل الفلسطينيين من مختلف الديانات، هذا ما عبر عنه "أمنون كابليوك" في كتابه "عرفات الذي لا يقهر" قائلاً: "حتى بعد أن قَبِلَ عرفات عام 1988 بوجود دولة إسرائيل، سيبقى عرفات يردد أمنيته بإقامة دولة ديمقراطية على كامل الأرض الفلسطينية - التي يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود – تتم إقامتها سلميا" "أمنون كابليوك" في كتابه "عرفات الذي لا يقهر"
#سليم_محمد_الزعنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرؤية الإيرانية بشأن سوريا
-
كتاب: -أبو علي شاهين مسيرة شعب-
-
الرؤية الاسرائيلية لحدود الضربة العسكرية لسوريا
-
محدودية الضربة لسوريا بين المصالح الدولية وغياب البديل
-
للمقاومة أشكالٌ أخرى...محمد عساف نموذجاً
-
صحيفة الشعب الجزائرية: نصفُ قرنٍ من العطاءِ المتجدد
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|