المخرج توفيق صالح حمل قيود غربته في وطنه

خيرية المنصور

الحوار المتمدن-العدد: 4213 - 2013 / 9 / 12 - 09:13
المحور: الادب والفن
    

المخرج توفيق صالح ..
حمل قيود غربته في وطنه

نحن في أواخر سنة1979 وكنت حديثة التخرج من أكاديمية الفنون الجميلة نسبت للعمل مع المخرج توفيق صالح كمساعدة مخرج في فيلم الايام الطويلة .ذهبت لمكتبة ألاكاديمية للبحث عن توفيق صالح وفلسفته وتكوينه الفكري وافلامه القليلة العدد ..الكبيرة المعنى والتحدي وكثير من النقاد السينمائيين يعدوه رائد السينما الواقعية المصرية وقد قدم ابرز نتاجاته في فترة الستينيات والسبعينيات والتي حملت بذرة وعيه اليساري وجميع اعماله لم تحقق اي نجاح تجاري وكان كثير الاصطدام مع الرقابة المصرية ففي فيلمه يوميات نائب في الأرياف عرض الفيلم كاملا بأمر شخصي من الرئيس جمال عبد الناصر بعد ان واجه الفيلم مشاكل جمة مع الرقابة .
كيف كانت تجربيتي معه ؟ والذ ي بفضله تعرفت على يوسف شاهين حينما زار توفيق صالح في موقع تصوير الايام الطويلة ومنها انخرطت في مدرسة شاهين السينمائية الإبداعية وكنت احد مساعديه في اربعة افلام سينمائية ابتداءا من حدوتة مصرية وآخرها فيلم المصير .
كيف نتعامل معه وهو طول الوقت عصبيا ... يدقق بأشياء صغيرة في الفيلم ونحن لم نهتم بها كثيرا فقد تعلمنا الحرص منه في أدق الأشياء والتعامل بصدق اي لا نخبي شيئا عنه مهما كان ونتحمل المسؤولية في كل عمل نقوم به .
توفيق صالح كان قاسيا علينا نحن مساعديه ان أخطأنا لكن كان أستاذا رائعا في تعليمنا ... هذه القسوة كانت مغلفة بينبوع من المعرفة والحرص التي نهلنا منها.... هذه القسوة قد تكون نابعة من حساسية الفيلم باعتباره يتناول شخصية سياسية تعيش بيننا اي رئيس دولة وقد رسمت حول تلك الشخصية هالة من القدسية .... كيف يتصرف احد رواد الواقعية مع هذه الشخصية التي عليه ان يتعامل إنسانيا معها اي شخصية واقعية تعيش في الحياة ولها إيجابياتها وسلبياتها في المجتمع لا سيما ان السيناريو يتناول فترة شباب هذه الشخصية السياسية التي أضيفت عليها تلك الهالة القدسية التي جعلت توفيق صالح متوترا عصبيا متوجسا من كل شيء حوله ...كيف يضع تلك الشخصية تحت مجهره الابداعي وهو مقيد ؟ بالرغم عدم رضاء الحكومة على الفيلم الا ان الفيلم في النهاية مشغول سينمائيا بحرفة فنية عالية جسدت قدرة توفيق صالح المهنية والفنية السينمائية وقد ظهرت في معظم تكويناته السينمائية وقدرته الخلاقة في تحريك الممثلين ضمن رؤية سينمائية رائعة انا لا أناقش موضع الفيلم وانما أناقش الشكل الفني الرائع الذي رسمه توفيق صالح في معظم لقطاته .
الفنان القدير توفيق صالح احد رواد الواقعية وأعماله رغم قلتها لكنها أثارت جدلا ... من هذه المدرسة الواقعية ومن ثقافته واطلاعه الواسع نهلت منه المعرفة وتعلمت الشيء الكثير منه كنا نخاف جدا ان أخطأنا وعرف بذلك يا ويلنا !! ..فلذلك تعلمنا الدقة في العمل والتعامل بصدق ولا نبالغ في تصوير الأشياء ... وكانت ام محمد زوجته تقول لي دائما معليش اصل الحمل كبير عليه وحساس بس توفيق طيب خذوا بالكم منه ... وفعلا كان طيبا رغم عصبيته وانا مدينة له لأنني اول مرة انخرط عمليا مع مخرج محترف له الفضل في شرح كثير من المفردات السينمائية وتوظيفها رمزيا .. أتذكر حينما صور مشهد اغتيال عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد كيف مزج لونين احمر وأخضر وجعلهما يتقاطعان ويتصارعان بطريق مبهرة وكان يرمز الى صراع الأحزاب في ذلك الوقت ....أما تصوير داخل البئر تتجلى مهارة توفيق بالرغم من ضيق المكان فكان معبرا مع فكرته وكاميرا شيخ المصورين نهاد علي أعطانا كوادر سينمائية في غاية الروعة والدقة وتستحق الدراسة والتأمل . وكذلك مشاهد الوكر واستخراج الرصاصة من ساق محمد الصقر وكانت تتجلي تلك المشاعر الإنسانية التي كان ياخذها من ممثل غير محترف تحتسب نجاحا لتوفيق وقدرته على تحريك مشاعر الممثل ليصل بها الى الذروة .. ولكن مع الاسف معظم تلك المشاهد الإنسانية للشخصية قد حذفت بحجة ان الشخصية الان قائدة ولا من حقها ان تتألم متناسين المشاعر الإنسانية هي احد صفات البشرية وكأن الحاكم لا يحق له ان يتألم .... هذه المشاهد التي حذفت ألمت توفيق جدا وكانت الحكومة غير راضية عن الفيلم لان توفيق صالح لم يجعل البطل خارقا مثل السوبرمان .
لقد واكبت الفيلم مع الاستاذ توفيق صالح بجميع مراحله من تصوير ومونتاج ودوبلاج ومكساج حتى طبع النسخة النهائية ..وقد استفدت إفادة كاملة من العمل معه جعلتني هذة التجربة قوية افهم تكنيك السينما على يد أستاذ محترف متمكن من أدواته الفنية السينمائية وأهلتني ان مساعدة جيدة ليوسف شاهين .
رجع توفيق سنة 1984،الى القاهرة ولم يجد اي شركة سينمائية تنتج له تجربة انتاج فيلم جديد واكتفى بعمله كاستاذ غير متفرغ لمادة الاخراج في المعهد العالي للسينما وكان غريبا بينهم هذه الغربة وتجاهله بالرغم من مكانته الإبداعية في مسيرة السينما المصرية والعربية واختيار أربعة افلام لتضاف الى قائمة افضل الافلام العربية هي درب المها بيل - صراع الأبطال - المتمردون - يوميات نائب في الارياف - التي أعدها نقاد السينما عام 1996 ... ظل توفيق صالح غريبا في أوساط صناعة السينما ولم يحصل على عقود عمل تناسب إمكانياته الإبداعية وكان دائما يصرخ : انا غريب ..غريب وهذا قدري يعني انا داخل مجتمع أقبله ولكنه لا يقبلني ماذا اعمل ؟؟
رحل في 18 أغسطس يوم الأحد 2013 يحمل قيود غربته التي عاشها في وطنه ....
نبذة قصيرة عن حياته
- ولد توفيق صالح في الإسكندرية 1926 ودرس في كلية فيكتوريا التي درس فيها المخرج العالمي يوسف شاهين
- حصل على البكالوريوس من جامعة الإسكندرية عام 1949 في الأدب الإنكليزي
- سافر الى فرنسا عام 1950 لدراسة السينما ولم يكمل دراسته بل انشغل بالقراءة والثقافة وتكوينه الفكري اليساري خلال السنوات الثلاث التي قضاها

أفلامه الروائية فقد اخرج سبعة افلام
- 1955 اخرج فيلمه الاول درب المهابيل سيناريو نجيب محفوظ .واظهر الحارة المصرية وحياة القاع المصري
- 1962 اخرج فيلمه الثاني صراع الأبطال سيناريو عبد الحي أديب وقدمه في قالب ميلو درامي .
- 1966 اخرج فيلم المتمردون عن قصة لصلاح حافظ وقد تعرض الفيلم لاخفاقات الثورة وتدهور الوضع السياسي
- 1967 اخرج فيلم السيد البلطي سيناريو صالح مرسي
- 1968 اخرج فيلم يوميات نائب في الأرياف قصة توفيق الحكيم .
- 1972،اخرج فيلم المخدوعون من رواية غسان كنفاني رجال في الشمس
- 1980 اخرج فيلم الايام الطويلة قصة عبد الأمير معلة
أما أفلامه القصيرة فقد اخرج ايضا سبعة افلام
- 1956 اخرج فيلم كورنيش النيل
- 1957 اخرج فيلم فن العرائس .
- 1959 اخرج فيلم نهضتنا الصناعية .
1960 اخرج فيلم من نحن .
- 1960 اخرج فيلم نحو المجهول .
- 1961 اخرج فيلم القلة .
- 1977 اخرج فيلم فجر الحضارة عن الحضارة السومرية في العراق
جوائزه :
أما جوائزه نال العديد منها والتكريمات في المهرجانات السينمائية وقد نال الوسام الثقافي التونسي عام 1988
وقد حصل فيلم المخدوعون على العديد من الجوائزمنها
- 1972 حصل على الطانييت الذهبي في مهرجان قرطاج السينمائي
- 1973 الجائزة الاولى في مهرجان ستراسبورج لأفلام حقوق الإنسان
- 1973،الجائزة الاولى من المركز الكاثوليكي الدولي بلجيكيا
- 1973 جائزة لينين للسلام من مهرجان موسكو السينمائي

وكان اخر ظهور له في مهرجان الإسماعيلية الدولي عام 2013 وقد القي كلمة السينمائيين في المهرجان ... يبقي توفيق صالح أستاذا مربيا نهل طلابه المعرفة منه ومن تجاربه مع عمالقة الأدب ... يا استاذي الكريم انعيك ومثلما عشت سندباد السينما تجوب البلاد العربية لعلك تجد فسحة من الحرية والتي حرصت عليها خلال مشوارك لتقديم أعمال تحمل اختلافا فكريا وثقافيا عبر منجزك السينمائي الابداعي ضد تحجر الأنظمة السياسية المستبدة تبقى دائما في أذهاننا ...ودعنا وهو يحمل غربته التي تعتمر في داخله يحمل قيودها التي عاشها في وطنه .

المخرجة السينمائية
خيرية المنصور
لوس أنجلوس - أمريكا

#خيرية_المنصور (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات