|
الحلقات المفقودة
آکو کرکوکي
الحوار المتمدن-العدد: 4212 - 2013 / 9 / 11 - 01:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تنشغل الأوساط السياسية في كوردستان ، بالتحضير للأنتخابات النيابية القادمة . وضمن الحرب النفسية المشتعلة بين هذه الاطراف ، تقوم وسائل الأعلام الحزبية ، والمسؤولين الحزبين بنشر توقعات مبالغ فيها ، حول نسبة الأصوات التي سيحصدونها في هذه الإنتخابات . وبطبيعة الحال يدعي كلٌ قناعتهِ بالفوز بغالبية الأصوات.
يدرك الجميع ، بإنهُ ليس بإمكان أي جهة من أن يتكهن بالسلوك الإنتخابي للناس ، حتى ولو في حدود الحد الأدنى من الدقة . لذا فلا مناص من دراسة كل الإحتمالات المُمكنة . وهنا لانريد أنْ نبحث في إحتمالية إستمرار بقاء السُلطة بأيدي الحزبين التقليدين ، وكما كان في السابق . فهذا الإحتمال ، وبالرغم مِن إمتلاكهِ للكثير من المبرارات القوية ، لحصولهِ فإنه إحتمال غير مثير للأهتمام حقاً . ولايستحق البحث ، والتأمل فيهِ . لأن نتيجتهُ ستكون واضحة ، ومعروفة ، فيبقى الحال كما كان عليه في الماضى ولن يتغير شئ يذكر . لكن الأحتمال الأكثرُ إثارةً ، سيكون فوز أحزاب المعارضة بعددٍ مقبولٍ من الأصوات . ما يمكنها من تشكيل الحكومة . فمالذي سيحصل في اليوم التالي لتشكيل هكذا حكومة ؟ وكيف سيسيّرون الأمور ؟
الأستاذ أمين يونس ، تناول في مقالة موسومة له بِعنوان "إفتراضات إنتخابية" ، هذا الأحتمالْ. وخَلُص الى إنهُ: من المُرجح أن يلجأ الحزبان التقليدان الى إستغلال نفوذهما على قوات الأمن ، والبيشمركة ، والمؤسسات الحكومية الأُخرى ، لخِلق مشاكل للحكومة الجديدة وبالتالي إفشالها . ولم يستبعد أن يلجأوا الى زعزعة الأوضاع الأمنية ، لخلق نوع من الفوضى.
أعتقدُ جازماً إنَّ هُناك الكثيرين -وأنا منهم- ممن سيتفقون جمُلةً وتفصيلاً مع هذه الخُلاصة ، والتي توصل أليها الأستاذ أمين . فهي حقيقة مدعومة بعدة شواهد ، وتلميحات ، ورسائل واضحة وصريحة أرسلها الحزبان وفي أكثر من مُناسبة الى أسماع وأذهان الناس في كوردستان .
وهذه الحقيقة المؤلمة ، تفتح باب التساؤلات ، والإستفهامات على مصراعيها ، حول عملية التغيير المنشودة ، مِن قبل الكثيرين في كوردستان . فهناك مثل الأستاذ أمين مَنْ يتسائل قائلاً: هل يستحق هذا التغيير كل هذهِ التضحيات؟ وماذا لو وجدنا أنفسنا في نهاية الأمر ، وقد تورطنا في الفوضى ، والتفجيرات ، والحرب الأهلية ، كما هي الحال في بغداد ، والقاهرة ، وليبيا ، وتونس مثلاً بعد أن حصل فيها تغييرٌ مفاجئ للنظام القائم منذ سنوات؟
رغم إنني لست مع جدوى التغيرات الراديكالية ، والمفاجئة في السياسة ، وأؤمنُ بالإصلاحات الجُزئية ، الطويلة الأمد ، والتي تأتي خطوة بعد خطوة إلا إنني أتلمس حقيقةٌ أخرى ، أعتقد إنها أكثرُ ألماً من السابقة ، ومفادها: إنَّ الحزبين التقليدين لم يعدا قابلين للأصلاح البتة.
فعملية الإصلاح الطويلة الأمد ، والتغيرات الجُزئية المَرجوة ، تفتقد الى حلقتين جِد مُهمتين . لكنهما وللأسف الشديد، مفقودتين ، ومغيبتين من النظام السياسي الحاكم في كوردستان . فهذا الكيان السياسي ، الذي من المؤمل –على الأقل من قبل الكوردستانين- أن يحظى في الفترة المقبلة ، بإعترافٍ دولي ، لإعلان نفسهِ كدولة ناشئة . تفتقر الى جيشٍ نظامي يبنيها ويحميها . فالجيوش وكما هو معروف هي اللبنة الأساسية ، لِبناء الدول . ويمكن إدراك تلك الحقيقة بسهولة ، لو راجعنا تأريخ كل الدول المُستحدثة تقريباً في المنطقة . فأول خطوة لِبناء هذه الدول أبتدء ببناء جيش نظامي له . فنرى كيف إنَّ هذه الجيوش لعبت ، ومازالت تلعبْ ، دوراً أساسياً في حكم ، وإدارة ، وحفظ هذه البلدن . وكيف إنَّ هذه الدول ، وبفقدانها لجيوشها قد شارفت على التفكك ، والضياع . ومُراجعةٌ بسيطة لتأريخ العراق ، ومصر ، وتركيا سيظهر بجلاء ، دقة هذه المعلومة.
غير إنَّ حُكم الجيوش والعسكر ، لوحدهم يكون مرفقاً وفي الأغلب ، بالسلبية ، والدكتاتورية ، والإستبداد . لذا فإنهُ وفي الدول الناشئة ، يستوجب أن يترافق مع وجود الجيش ، الذي يحمل على كاهلهِ حماية الدولة ، والدستور، وجود حزبٍ وطني ، ذي جماهيرية واسعة . جماهيرية لاتقف أمام التخوم المناطقية ، والعشائرية ، والدينية ، والمذهبية . بل يكون حزباً يشمل غالبية الشعب ، بِمُختلف طوائفهم ، ومناطقهم ، وعشائرهم ، وأديانهم . وهذا يُحتم عليه أن يكون حزباً ، علمانيا ً، مدنياً حديثاً . حزباً يحمل أيدولوجية وطنية ، وبرنامج عمل قومي واضح . يمكنهُ أن يجمع الناس على كلمة واحدة ، ويستغل هذه الشعبية ، والأستقرار السياسي ، في بناء المؤسسات ومنها الجيش . وعند هذه النقطة ، يمكننا أن نتحدث ، عن البدء ببرنامج إصلاح طويل الأمد . يهدف الى بناء حُكمٍ ديمقراطي ، ودولة مؤسساتية ، لاتتأثر بتغيير الحكومات . ولا تخشى من أستبداد الجيش أيضاً كالدول المتقدمة .
وبعد مضي عُمرٍ يناهز العقدين وأكثر ، فإنهُ من المؤلم حقاً ، أنْ نرى التجربة الكوردستانية ، وهي تفتقر الى هذين الحلقتين الأساسيتين . لذا فإن أي عملية أصلاح ستبقى مقطوعة ، ومبعثرة ، ومشلولة ، وواقفة في مكانها ، مالم تحتوي على تلك الحلقتين . فكوردستان لاتمتلك جيش نظامي ذو عقيدة عسكرية ، وطنية . بل فيها قوات مُسلحة حزبية ، وبتعبيرٍِ أكثرُ صراحةً فيها "ميليشيات حزبية" ، تأتمر بأوامر الحزب فقط ، ولديها أجندة حزبية بحتة . بل إنَّ الحزبين التقليدين ، يصّران على بقاء هذا الخلل مُستمراً . ولايبادران عمداً الى بناء جيشٌ نظامي ووطني . كذلك فإن كل الأحزاب الكوردستانية ، مُحددة بمناطق ، وعشائر ، وأديان مُحددة . فحولوا كوردستان الى مجموعة من مناطق النفوذ ، والأمارات ، والغيتوهات الصغيرة ، المحكومة من قبل حزبٍ مُعين. وليس كوطنٍ مُوحد يحكمها نفس القانون ، ونفس النظام ، ولاحتى نفس اللغة!
فالبارتي الذي يُهيمن على منطقة بهدينان ، ومحافظتي دهوك ، وأربيل نسبياً لمْ يتمكن قط من إختراق منطقة السليمانية ، وكرميان . في المقابل ، فإن حزب الإتحاد وحتى حركة التغيير لم يتمكنا لحد الآن ، من إختراق مناطق البارتي بشكلٍ جدي ، وظلا حبيسي مناطق السليمانية ، يتصارعان عليها . أما الأحزاب الأسلامية بشقيها السلفي ، والإخواني ، والتي تدعوان الى حُكمٍ إسلامي سُني . فلقد حبست أنفسها منذ البداية في تخوم المسلمين السّنة فقط ، ومنعت نفسها عن بقية الأديان ، والطوائف الكوردستانية الأُخرى.
إنَّ غياب الجيش النظامي ، ووجود القوات الحزبية ، لايضعان عمليات الإصلاح المرجوة ، تحت دائرة التساؤل والإستفهام وحسب . بل حتى "الإستقرار الأمني النسبي " ، والموجودة الآن ، تبقى تحت الشك وتحت أكثر من علامة إستفهام . فهذا "الأمان النسبي" ، والذي نخشى عليه من أن يضيع ، بسبب مطالبتنا بالتغيير ، هو في الأساس أمانٌ هش . ويمكن أن يضيع بسبب أي توترٍ مُحتمل بين الحزبين ، اللذان خاضا من قبل حربٌ أهلية وسخة مع بعضهما البعض . فهناك مايكفي من المُبررات التي يمكن أن يؤدي الى هكذا توتر . فلربما بسبب الإصطفافات الأقليمية أو بسبب خسارة الإتحاد ، وفقدهِ لحصتهِ من كعكة الحكم أوبسبب غياب الطالباني ، راعي ، ومهندس "الإتفاقية الإستراتيجية" أو غيرها من الأسباب سيندلع القتال مجدداً.
يمكننا أن نستخلص مما سبق : إنّ بادرة الأمل الوحيدة ، لِحصول التغيير المنشود ، يتمثل بظهور حزبٍ وطني ، ذات جماهيرية واسعة ، يمكنه أنْ يخترق التخوم المناطقية ، والعشائرية . حزبٌ يمكنهُ أن يخترق حتى القوات المسلحة ، ويجعلها تقف على الحياد ، وتعمل على تحويلها فيما بعد ، الى جيشٌ نظامي . فهل سيتمكن أحد من هذه الأحزاب الموجودة ، من أن يلعب هذا الدور المحوري؟
إنتخابات كوردستان المقبلة ستفرز لنا الإجابة على هكذا تساؤل!
#آکو_کرکوکي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنتخابات كوردستان ، قِراءة في العوامل والإحتمالات
-
أ يُعقل هذا؟
-
يرى القشة في عين أخيه، ولا يرى الخشبة في عينيهِ!
-
خاطرة... عن الذاكرة الطائرة
-
المالكي... طريقٌ أقصر.... ترجمة لمقالة الأستاذ كمال رؤوف.
-
التقسيم والأقاليم وأشياء أخرى
-
السياسة ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية
-
حتى المستقبل... كان أجمل في الماضي!
-
كوردستان تتقمص جسد أوجلان
-
الإنقلاب العسكري
-
كوردستان، مِنْ منظورٍ بعثي
-
كاتالونيا، وكلاسيكو يحبس الأنفاس!
-
الربيع المنَسي
-
العودة الى نُقطة الصِفر!
-
حول المنهج العلمي، ملاحظتان الي العجمي
-
يوست هلترمان، مِنْ مُدير... الى مُثير الأزمات
-
كركوك عبق التأريخ، ولذة الذكريات
-
دروس من طائر النعام
-
تأسيس الدولة، واللعب في الوقت الضائع
-
ذاكرة سمكة
المزيد.....
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|