|
ونس...قصه قصيره
احمد العتر
الحوار المتمدن-العدد: 4210 - 2013 / 9 / 9 - 12:57
المحور:
الادب والفن
"قل للغياب نقصتنى ...وانا حضرت لاكملك " محمود درويش انتظرالموت منذ اكثر من خمس سنوات مروا على كعمر كامل مر على ثقيلا احسسته اطول من سنوات عمرى الستين اللتى عشتها قبل ذلك ....قبل الستين كنت الاستاذ احمد بك مختار مدير ماموريه ضرائب وسط القاهره ووكيل اول وزاره الماليه ....الان او بالاحرى منذ خمس سنوات فى اليوم المشئوم اللذى يصادف كالعاده عيد ميلادى 14 /2/2000 كنت اتسلم ورقه جوفاء تسمى شهاده تقدير وشيك بمبلغ ضخم نسبيا اودعتهالبنك واعيش على ريعه ولكنى لم احس به لانى اعرف ان المال للتمتع بالحياه وانا منذذلك اليوم ليست لى حياه ...ميت بانتظار الدفن وهو شعور جعل من سنواتى الخمس بعدالمعاش عمرا كاملا فى انتظار موت لايجىء .... تزوجت عام 1962 واكتفيت بطفلين محمود وهوالان طبيب نساء مشهور بالنمسا وهانيا وهى الان مع زوجها السفير فى موسكو وعلاقتى بهم منذ اكثر من 20 عاما اكتفت بالصور فى الاعياد لهم ولاطفالهم اللذين يكبرون بعيدا عنى ,,, كانت هناك مهاتفات تليفونيه انتهت تقريبا منذ اكثر من خمس سنوات وبقت كروت البوستال وصور الاطفال اللذين اصبحوا رجالا ... ومع موت اخر اصدقائى القليليين من رفاق العمل منذ 3 سنوات لم يرن جرس هاتفى ابدا ...... اتجهت متثاقلا الى منضده التليفون اللذى يقبع فى سله من التريكو المجدول صنعته المرحومه زوجتى بنفسها هو والبلوفر اللذى ارتديه الان من نفس العقده ومن نفس الصوف منذ اكثر من 25 عاما ...صامتا كالقبر اللذى اتمناه يقبع وبجواره مفكره جلديه سوداء فاخره تحمل تاريخ عام 1998بحروف مذهبه فتحتها وجدتها مسوده بالارقام والكتابات...تواريخ لم اعد اتذكرها ومهام لم افعلها وطموحات لم اعد اتذكر عنها شيئا ...الم اقل لك انى مت منذ اكثر من خمس سنوات ولم ادفن بعد ان لم تكن تسمى شقتى بجاردن سيتى الكبيره الواسعه العاليه الاسقف اللتى اعيش فيها وحيدا مقبره كمقابر خدم الاسره الخديويه اللتى تحيط بمقبرتهم الفخمه واللتى اكلها الان طريق الاوتوستراد كما اكل الحديث البارد الفارغ كل اصيل دافىء فى مصر .. لم يعد لى علاقه بلايام والتواريخ والسنوات بتقويمكم انتم فكل ايامى سواء ماعدا يوم واحد (10 فى الشهر) فى هذا اليوم البس بذلتى السوداء المصنوعه من صوف انجليزى فاخر كانت هديه من ابنتى منذ 7 سنوات مع ربطه عنق فاخره ماركه سولكا وولاعه ذهبيه قديمه ماركه رونسون واضع قلم حبر ذهبى ماركه كروس فى جيب البذله الداخلى كماتعودت دوما فى الناحيه اليسرى والبس ساعتى الرادو المرصعه بالاحجار الكريمه واللتى كانت لها شنه ورنه فى زمننا واسرح شعرى الناعم الابيض وانزل لمشوار واحد لم يتغير روتينه ابدا منذ خمس سنوات وحتى اموت كمااتمنى . اخرج من بيتى فى الحلميه فى تمام السابعه صباحا ,,هذا البيت اللذى بنيته من دورين وسيجته بسور وتحيط به حديقه لاباس بها ل ماعد اهتم بها كما فقدت الاهتمام بكل شيى فذبلت اوراقها وان بقى فيها بعض من العز الغابرلافراد الطبقه المتوسطه و اللذى يميز بيوت المنطقه القليله الصامده مثل بيتى والمحاطه بالمكعبات الخرسانيه العاليه من كل جانب ...لقد ذهب الكل وتغير الكل ومازلت انا وحدى ...اتجه الى محطه المترو حيث انى افضله لانه يتيح لى الاختلاط بالبشر ومشاهدتهم طوال 35 دقيقه اقضيها متاملا فى الوجوه الصلبه العكره واقارنهابوجوه زمان اللتى كانت رغم صلابتها تبتسم ...حتى النساء لم يعودوا كنساء زمنى...انهم يذكرونى بالشواذ والخنافس اللذين غزوا مصر فى منتصف الستينات اكثر منهم نساء او يذكرونى بعم امبابى ساعى مكتبى ايام الوظيفه الميرى .....انزل فى رمسيس واتمشى حتى مكتب بريد العتبه الرئيسى اعرج على المكتب حيث تربطنى صلات قديمه بالموظفين الكبار واللذين كانوا عيالا يستمتعون بحديثى حين كنت نجما لندوه الامراء بباب اللوق فى ساعات العصارى بعد يوم عمل شاقاو سهرات كل خميس ...كنت اللعلع مع ضوءالشمس البرتقالى والمبسم الابنوس اللذى لايفارق شفتيى وان لم تكن السيجاره مشتعله....حكاى كبير كماكانوا يصفونه دوما ,,,ولكنهاايام مضت والان لا اتذكر انى اتكلم طوال اليوم الا ببعض سبات متفرقه حين اتعثر هنااو هناك ...اصرف معاشى واشرب القهوه وسط صخبهم وترحيبهم بى ثم انزل قاصدا البنك القريب حيث يقام لى نفس الاستقبال والترحيب ثم لاشيىء .... رجل عجوز يملك اكثر من 7000 جنيه فى جيبه لايعرف مايفعل بها ....امر بنظرى على الفاترينات فى نظره جوفاء ...انحط الذوق العام مع انحطاط الذمم وكل ذلك يغلفه فساد استشرى بخروج من هم على شاكلتى من الوزارات ودخول رجال عصر الفساد الاعظم كما اسميه ....يالهذا النذل مبارك انه اكبرمنى كثيرا ولكنه يبدوا انه طفل يعبث بلعبه كبيره اسمها مصر .....كم اتمنى ان اراه قبل ان اموت مقتولا كفرانكو اللذى رايت مقتله على التلفزيون ولم اكن مصدقا لمااراه ....انها فرصه لاكتشف ان الامنيه الوحيده لى (غير موتى انا )هى موت هذاالمدعوا مبارك!!! حقا يالها من سخريه . كنت جالسا على الكرسى الموضوع بجانب التليفون و المهجور منذ ان توفت زجتى و كانت تستخدمه للراحه فى المكالمات اللتى كانت تستمر بالساعات مع صديقاتها ....اااااااااااااااااه ياسمرا كماشتقت اليكى .... تدحرجت دمعه على خدى حين هب نسيمها فى الشقه وشممته واحسست به يملا روحى... الله يرحمك ياسميره ويلحقنى بيكى ... اقلب فى الاسماء والارقام مارا بالقلم الاسودعن من ماتوا او من لم اعد اذكر عنهم شيئا او من ندمت على معرفتهم فلم يعد باقيا غير 3 اسماء وهى بالترتيب : زميلى العتيد فى الوزاره الاستاذ محمد عبدالغنى, ومغنى كان شهيرا فى السبعينات ولم يعد له ذكر الان اسمه هانى وجدى ,وصديقى الوحيد تقريبامن خارج دائره عملى (وجيه الشاعر)المهندس العبقرى والمثقف العتيد واللذى كنت اناانصت لكلامه كالتلميذ رغم انه كان يصغرنى بسنتين وكان من رواد ندوه الامراء كل خميس وبصوته الهادىء المنخفض وبعينان تشعان قوه وادبا وبكلام يفيض تسليه لاتخلو من ثقافه او عبره ما ..كان يستاثر باذان وقلوب الحاضرين بمافيهم انا المتحدث الاول للقعده ولظروف ماديه هاجر للخليج هوواسرته منذ 10 اعوام واخر مره هاتفته فيها كان يوم عيد ميلادى المشئوم الستين واعطانى رقمه بالقاهره واتفقنا على اللقاء ولكنه مثل كل الاتفاقات والوعود اللتى نصدق فيها ونتمنى فعلها ولكنها لاتحدث ابدا لسبب اولاخر متعلق غالبا بنا .... بدات ادق الارقام ببطء اولا منزل الاستاذمحمد صوت السنترال البارد يقول ان الرقم لا يوجد بالخدمه وهو نفس ماحدث لى عندمااتصلت بهانى ...قمت من مكانى متثاقلا اصنع فنجانا من القهوه على ان اجرب المحاوله الاخيره وانا اشربه وان كنت اتوقع انها ستؤدى لنفس النتيجه وتبقى النوته ديكورا كماكانت منذ سنوات وكما اصبح كل شيىء فى حياتى التعسه ... كنت الوك ماتبقى من البن فى فمى وانا ادق هاتف وجيه الشاعر ولدهشتى جاء صوت الرنين الدافىء المتقطع فهاجت مشاعرى حتى كدت اصاب بازمه قلبيه او اغلق الخط ولكنى تحملت حتى قطع الصمت صوت ساحر كانه قادم من احلامى حين كان الناس يقولون لبعضهم وهم يبتسمون :الو ...صباح الخير رددت بصوت حاولت ان يبدوا متماسكا :الو,,صباح الخير ,,لو سمحتى منزل الاستاذ وجيه الشاعر ؟؟ ردت بصوت غير عالمى منذ تلك اللحظه ...صوت اتى من عصر الهوانم حين كان نساء مصرمن الطبقه المتوسطه يغيرن ملابسهن حسب الوقت ان كان صباحا او عصرا او مساء ...حين كان الذوق والرقى هما مايميزان الانسان وليس النقود والسياره ..امراه تبدوا انها زوجته فى اوائل الستين من عمرها صوتها يدل على جمال قديم ورقى لازالت تحتفظ به وحكمه مسنوده بالثقه بالنفس من التجارب والسنين وببحه مثيره فى صوتها اكدت له انها كانت تشع جاذبيه جنسيه و ربما لازالت فالورده تظل رائحتها فيهامهما مر عليها الزمن :المرحوم وجيه الشاعرتوفى من اكتر من سنتين ؟حضرتك صديقه ؟؟ تلعثمت لم اعد استطيع النطق هل اعزيها وابكى على صديقى ام اصرخ فرحا بصوتها اللذى ايقظنى من موتى :الله يرحمه ..ده كان من اعزالناس انا اسف الله يرحمه الله يرحمه وبدا صوتى يختلج متاثر .. ردت هى بصوت يملاه الحنان بدون اى شائبه من نوايا خبيثه : البقاء لله يااستاذ ,,وطوله العمر لحضرتك ..انا كنت اعرف اصدقائه كلهم حضرتك مين ؟؟ _ انا احمد مختار عبدالجواد وكيل وزاره المال...... _ قاطعتنى بصوت يملاه الود :اهلا اهلا احمدبك عرفاك طبعا وجيه كان دايما يتكلم عنك وكان نفسه يقابلك لما رجعنا مصر ...وجيه كان بيحب الصادقين من اصحابه ورغم انه كان يعرف ناس كتير جدا الا ان قليلين اوى اللى كان بيرتاح لهم وحضرتك منهم ... _ نزل صوتها على كبلسم شاف...وكطفل وجد والدته بعد ان تاه منها يوم كامل فى مولد السيده نفيسه واحس انه لن يراها بعد ذلك للابد قلت:انا متشكر جدا لذوق حضرتك ياهانم ...وتشجعت :واخبار حضرتك ايه؟؟والاولاد؟؟ _ردت بالفه وخفه دم مصريه صميمه كانها فتاه شقيه فى العشرين : الحمد لله الاولاد كبرونا ...احمد دلوقتى متجوز وعايش مع مراته واولاده فى السعوديه بيشتغل مع الكفيل بتاع والده اللى اصبح صديق المرحوم جدا وكان من اطيب الناس اللى ساعدونا فى السعوديه وايمان متجوزه وعايشه مع جوزها فى الامارات ...انت عارف مصر لم تعد لاولادالناس,, معدش ليهم فيها غير البهدله .. كانت بالفتها وطبيعتها وسحرها التلقائى قدجعلتنى اشعر انى اعرفها منذ ماقبل وجيه نفسه بل ربما ومنذ ماقبل الحضاره البشريه كلها ...لم تروادنى المشاعر الجنسيه كماتعتقد وانما الالفه والدفء البشرى اللذى غمرنى بمجرد سماعى لصوتها اللذى يبدوا انه قادم من عالم كانت فيه مصر هى مصر وليست مبارك!!! ...حكيت لها عن احوالى المتشابهه ...ضحكنا كثيرا حين تكلمنا عن الفرق بين زماننا وزمانكم ...ضحكات رائقه من القلب ...اخبرتنى عن مشوارها الشهرى لقبض معاشه اومعاش زوجها ايضا وعن المصاعب اللتى تراها فى ذلك اليوم واخبرتها عن مشوارى الشهرى وعرضت عليها بكل صدق ان اقبض لها معاش زوجها ...صمتت قليلا وهنا احسست بندم اطاح بعقلى ...لقد غضبت ..يالى من نذل اذ اغضبت كبرياء هذه المراه الراقيه النبيله وقلتماظنت انه يجرحها ....اخرجنى من حيرتى صوتها الدافىء يقول : انت متعرفش مكالمتك تعنيلى ايه يااحمد بك ...انا كنت محتاجه للونس ... _ رنت الكلمه فى اذنى كوحى لديانه ...نعم انها الكلمه العبقريه اللتى لخصت مشاعرنا ولخصت احتياجاتنا جميعا ليس انا وهى فقط بل وكل ركاب المترو والاتوبيسات وسكان المكعبات الخرسانيه فى مصر كلها ...كلنامحتاجين للونس ..تشجعت واتفقت معها ان نجعل مشوارنا واحدا واننى سانتظرها يوم 10القادم فى تمام الساعه ال7 صباحا فى محطه مترو حدائق القبه حيث تسكن فى عمارات الشركه السعوديه القريبه من المحطه وضحكنا كثيرا وانا اصف لها شكلى وكيف انى سارتدى منديل حرير احمر فى جيب بذله صوفيه سوداء وضحكنا وحكينا,,وحكينا وضحكناوحكينا وحكينا ... حتى انتبهت ان الوقت اخذنا الى اكثر من ثلاث ساعات متواصله مرواعلى كدقيقه ؟؟؟كم كانت تمر الساعات قبلها ؟؟لا اتذكر ولا اريد ان اتذكر اريد ان اظل هكذا الى ابد الابدين ....استاذنتها فى انهاء المكالمه مع التمنيات الطيب هوالتاكيد من جانبى على الموعد اللذى ياتى بعد اسبوع كامل ... _"اغدا القاك ...ياخو ف فوادى من غد...يالشوقى واحتراقى فى انتظار الموعد " كانت هذه الكلمات اللتى تصف حالتى ذلك الاسبوع بدقه ...لم يكن صوت الست اللذى عاد ليحتل عالمى ويبعث فيه الدفء والبهجه هى ماتغير فى حياتى فقط بل كنت احس اننى ولدت من جديد ...مراهق رمت له بنت الجيران ورقه بها ميعاد للقاء ظنه سيظل حبيس احلامه ....مرت الايام ابطء ولكنها امتع ...لم ا نم تلك الليله الا ساعات متقطعه حيث كان هناك مغص يقطع امعائى وكابوس الامتحان الشهير اللذى ارى نفسى فيه لا احل شيئا فى ورقه بيضاء واستاذ غليظ ينزع منى الورقه ...اصحوا مفزوعا وانا احمد الله على ان اخر امتحان اجتزته بنجاح منذ اكثر من 50 عاما ...ادخل الحمام واشغل الدش واجعل الماء البارد يرعش جسدى كانما يعطيه صدمه كهربائيه تقويه وتنعشه...وفعلا احسست ماان انهيت الدش انى جاهز تماما لليوم الكبير كما اسميته ...حلقت ذقنى وتفننت فى ترتيب سوالفى وتلميع شعرى الابيض الكثيف الجميل ولم اكتفى بالشياكه المعتاده بل قررت اضافه دبوسين للقميص ودبوس للكرافته مرصعين بالماس...الكرافته السولكا العزيزه ان كنتم نسيتموها ....برفان اولد سبايس ثم انتعلت حذائى الجلدى الفاخر اللذى اشتريته من زلط قبل انقراضه و اللذى امسحه حين عودتى واظل المعه كل يوم صباحا كمااعتدت طيله حياتى وارتديه مره فى الشهر ...اختبرت ابتساماتى وردود افعالى امام المراه ...لم استطع ان امنع نفسى من نطق الجمله التقليديه اللعينه اللتى امقتها :لقد كبرت حقا ....سببت نفسى ونظرت للساعه كانت السادسه والنصف صباحا نزلت للشارع اتنشق هواء الصباح المنعش وانا اغمض عينى متخيلا البراح حولى وليس مكعبات الاسمنت ثم قررت ان استقل تاكسى لاصل قبلها وتتاح لى فرصه ان اراها قادمه من بعيد فاتاملها من تحت نظاراتى الرونسون السوداء قبلن ان القاها وبالفعل ففى السابعه تماما ظهر من قدرت انها هى...هذا الملاك الرقيق اللذى اتى من عالمى ..من ماضى اللذى لازلت اعيش فيه ...رشيقه كالغزال طويله نسبيا مكشوفه الشعر تربطه كله للخلف برباط شعر بسيط وشعرها ابيض تختلط به الشعيرات السوداء ,, مما جعل جبهتها تلمع كالشموس ,,,راسها مرفوعه وملامحها منمنه ورقيقه وانفهامدبب يذكرك هو وعنقها بالملكه نفرتيتى وهى حتما من نسلها ترتدى بذله من الكتان السمنى وتنتعل حذاء بنى بتوكه رقيقه وقدم صغيره تليق براقصه باليه وتشع منها السعاده والبهجه ورائحه شانيل 5 المغويه الخالده...اتجهت نحوى وهى تبتسم ابتسامه كشفت عن اسنان بيضاء متناسقه وخلعت نظارتهاالشمسيه الكبيره اللتى تغطى بها عينين عسليتين غرقت فى سحرهما وسجدت للعسل الجارى فيها ارشف مااستطعت ....تبادلنا التحيه والمجاملات المعتاده ثم اتجهنا للمترو وانااشرحلها نظريتى فى ركوبه وعدم استقلال التاكسى مثلا ...حين دخلنا عربه المترو كانت كل الكراسى ممتلئه الا ان شابا طويل القامه نافذ العينين يمسك بكتابا فى يده ويرتدى حقيبه على جسمه ذكرتنى بسعاه البريد ...يالهذا الزمن اللذى يعمل فيه هذا الشاب النابه ساعى بريد ,,, وبجواره رجل يرتدى الجلباب البلدى قاما من مكانهما بسرعه...جلسنا متجاورين وانا اشكرهماوجلسنا ... ارتعشت اجسامنا حين تلامسنا كنا صامتين تماماولكن داخلنا كان يدور الف سؤال وشعور ...حين هدات قدمها الملتصقه بفعل ارادتناالدفينه المبطنه والمبرره بالزحام من حولنا وهدات مشاعرى ملت عليها فتورد وجههاقلت لها ماجعلها تنفجر فى ضحكه كانها معزوفه لفاجنر :تصورى معرفتش اسمك ايه لحددلوقتى .. بعد ان هدا ضحكها قالت بدلال :ناريمان...اسمى ناريمان ... كدت اعوى كذئب والعق قدميها وانا اهز ذيلى بسعاده ككلب يعشق سيدته وانا اردد كالمجذوب :ناريمان ..طبعا ناريمان ... فى دقيقه كنا وصلنا ...لم اعد ارى الناس من حولى ...الزحام كان شديدا مما شجعنى ان امد يدى اليها فترددت قليلا ثم تركت يدهالى فسرت فى جسدى حياه غادرته منذ وقت لاادرى تحديدا كيف احسبه وهل بالاعوام ام بالسنوات الضوئيه ...سرنا صامتين مستمتعين كاننا نمارس الجنس بل انا اجزم انمااحسست به وقتها كان امتع وارقى من كل الجنس اللذى مارسته فى اعوام عمرى البائسه كلها ...كانت تجربه صوفيه وحين خرجنا للشارع والهواء كنا قد صرنا روح واحده موزعه على جسدين ...مشينا وحكينا وحكينا ...لم يكن كلامنا مهما فى مجمله بل كان فى مجالات الحياه وخصوصا فى الفن والادب اللذى نعشقه كلانا كان الكلام فى حد ذاته منشفتيها ممتعا حتى انى كنت احس احيانا انى لم اعد اسمع ماتقوله من انصاتى الشديدلها ...وصلنا للمكتب فى العتبه وهناك كنت اتوقع ان يتغير حظى الى النحس المعتاداللذى اعتاده فى حياتى ويفقد معارفى الذاكره واهان امام امراتى ...نعم انها امرأتى كما احسست منذ ان سمعت صوتها ...لم يحدث شيىء لحسن الحظ من ما كنت اتوقعه بكابتى المعهوده كانت المقابله اروع وكانت الاجرائات اسرع ...فكرت للحطه وانا انظر اليهامتلصصا انى لو عشت معها فان العمر سيمضى فى لحظه ...ولكنى لم اعد اتمنى الموت فقط لاكون معها !!!! يالها من حيره ويالها من حياه ويالها من مشاعر لازالت قادره على ادهاشى حتى بعد الستين انها الروح وامرها عند ربى فى كتاب ...والارواح جنود مجنده...قطع افكارى صوت العامل اللذى بعثته لصرف نقودنا وهو يسلم على ويعطينى المظروف فانقده عشرين جنيها كاد ان يقبل قدمى بعدها ولكنى الان حقا منتشى وراض ...اننى يارب راضى ...تمشينا للبنك ...ثم دعوتها للغداء فى نادى الجزيره حيث انى لم اذهب هناك منذ اكثر من 20 عاما فوعدتنى ان يكون هذا المره القادمه لانها مرتبطه بحقنه انسولين بعد ساعه !!!تبا للامراض ليس عندها نظر .... تمشينا فى الطريق للعوده وحتى ابواب محطه مترو الحدايق حين ودعتها وودعتنى مبتسمه وهى فى مقعد التاكسى الخلفى ذاهبه لشقتها... تحولت كل حياتى لناريمان طوال الاسبوع الاول كنت اعيش على ذكريات اللقاء وفى الاسبوع الثانى بدات اعراض ادمانها تشتد على فتوجهت للتليفون واتصلت بها وحين سمعت صوتها الدافىء ينساب من السماعه هدات اعصاب ىوتكلمت ...تكلمت وتكلمت ....انه الونس ياناريمان ..انه جملتك العبقريه اللتى جعلت لحياه عجوزين ينتظران الموت على هامش الزمن عصفوران خفيفان يغنيان بعذوبه ... تكررت مكالماتنا وطالت اوقاتها ...تكلمنا فى كل شيىء ..اولادنا احلامنا اللتى لم تتحقق طموحاتنا المجهضه فى وطن افضل لنا ولاولادنا فصحونا على خراب فر منه اولادنا ورضينا نحن ان نعيش فيه حتى الموت فى خنوع مثل الافيال حين تكبر وتقترب من الموت تذهب الى الحفره المعده لموتها وترقدفى صمت منتظر قد يستمر شهورا طويلا ... وكعاده كل شيىء جميل نحياه قبل ميعادنا الثانى باربع ايام اتصلت بها فلم ترد فانقبض قلبى ....وطوال 4 ايام كنت اسهر بجوار الهاتف لا افعل سوى انى اتصل بها و لاترد ....وعندما ذهبت فى موعدنا ووقفت حتى التاسعه لمتاتى وحين اتصلت لم ترد ...اختفت ناريمان وجعلت ايامى اكثر تعاسه مما كانت قبلها...اربع ايام مضت لا احد يرد على الهاتف ابدا ....تمنين ان اموت وارتاح ورقدت فى السرير اياما ولم ياتى الموت ...وهنا قررت ا ن افعل اغرب شيىء بدا لى طبيعيا تماماهذه اللحظه ...قمت ملسوعا كانى اكتشفت الجاذبيه وطلبت رقم هاتف مكتب بريد العتبه ان اكلم صديقى صبحى سليم مدير شئون شيىء ما ....دقيقه واتى صوته اللزج وهو يلهث ويمخر ويشخر من كرشه الجاثم على صدره ...ارايتى كم انتى غاليه ياناريمان لدرجه ان جعلتنى اطلب خدمه من اللزج صبحى سليم :بقلك ايه ياصبحى ...ممكن من اوراق الهانم اللى كانت معايا الشهر اللى فات تعرفلى عنوان الشقه ايه بالظبط عشان كنت عايز اشتريها وياريت تساللى على سعرها وتمشى فى الاجراءات ونسبتك محفوظه ...حين سمع سيره النسبه والسمسره سمعت لهاثه وهو ينادى على عامل ما ثم طلب منى ان اتصل به بعد ساعه وحين اتصلت كان العنوان الحبيب فى ورقه على الكومود بجوار الهاتف العماره ورقم الشقه ...كم اعشق الروتين الحكومى المصرى ...كم اعشق كل هذه الطلبات والنماذج اللتى يملؤها الناس وهم يتذمرون ...الروتين هو النظام والناس اصبحت عشوائيه تعشق الفوضى ... كنت قد قررت ان ازورها غدا صباحا لاعرف ماقديكون جرى لها ...طافت كل المخيلات فى راسي ...تهيات لكل الاحتمالات وكانها لايمكن ان تكون قد قررت قطع علاقتى بها مثلا لاى سبب ربما راتنى مراهقا اريد ان اعبث باقى ايامى الكئيبه !! لا ياناريمان ان لم ارد الا الونس انتى قلتى هذا وانا صدقته واتبعته ... غرقت فى خواطرى حتى الصباح فقمت امارس طقوس الدش البارد والقهوه فى رتابه وملل ...لم تنتابنى تلك الرغبه المفعمه بالحياه كماكانت فى ميعادنا الاول ...كنت كمن يذهب ليستلم شهاده وفاه والده ...اخذت تاكسى حتى العماره صعدت الى الطابق الثالث وهناك صك اذنى صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمدمنبعثا من شقه مفتوحه تفوح منها رائحه شانيل 5...حين تكون فى عمرى يصبح الموت جزء من حياتك اليوميه بل واحيانا تنتظره لان كل احبائك قد سبقوك اليه وانت تعرف حتما انك ذاهب اليهم فيتولد عندك الحنين اليهم اللذى ينصرف تلقائيا ليصبح حنين للموت ....دمعت عينى بغزاره كانى ابكى امواتى كلهم هذا اليوم اتت لى امراه فى منتصف الاربعينات سمينه وترتدى العبائه الخليجيه والايشارب ولكنى لمحت فيها عين ناريمان فقلت بضعف :ايمان؟؟ _ اتفضل حضرتك . _البقاء لله _البقاء لله _من امتى ؟؟ _يوم 10 اللى فات الساعه 7 الصبح فتحت عينيها اخر مره وبصت على الشباك وضحكت وماتت وهى بتضحك الله يرحمها ... _قلت بصوت مختنق من البكاء: احمد هنا؟؟ _قالت بالفه كمن تعرفنى كابيها وانا انظر الى عينيها العسليه اللتى تليق بابنه ملكه من نسل نفرتيتى :انا واحمد جينا اجازه شهرعشان نودع ماما ونتصرف فى الشقه ... _ كمن كان تائها ووجد الارض اللتى يهوى قلت:ولا تحملى هم ده رقمى شوفى عايزين فيها كام وانا مستعد اشتريها وكاش انا احمدمختار صاحب بابا الله يرحمه وانتم زى اولادى .... _بكت وهى تقول انها كانت تتمنى لو لم تبع الشقه اللتى شهدت طفولتها واجمل ايام و..........لم استمع الى باقى حديثها ...ذهبت الى منزلى نزعت عنى ملابسى ببطء وطوحتها على السرير فى حركه ثوريه لم افعلها يومافى حياتى الروتينيه الكئيبه ذهبت الى الكرسى اللذى عرفتها عنده اول مره بجوارالهاتف وقد اصبح لى هدف اعيش لاجله حين يتصل بى ابنها ساعطيه مايريد فى الشقه...اخيرا وجدت مااستطيع ان افعله بنقودى ...ساشترى الشقه وساخذ ماتبقى من ذكرياتى هنا واذهب لكى اعيش هناك وسط عبيرها وفى شقتها اللتى لم تغادرها روحها ولا رائحتهاالشانيل 5. نامى ياناريمان عليكى السلام ..
#احمد_العتر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وحده اليسار المصرى .
-
مصروتصدير الثوره .
-
ابتزاز,,,وصمود.
-
الدبلوماسيه الشعبيه ...مهمه قوميه .
-
العدوان الثلاثى الجديد
-
فكرونى ...روايه مسلسله .(4والاخيره )
-
الطابور الخامس فى الميدان الثالث .
-
فكرونى...روايه مسلسله (3).
-
أمر؟...ام تفويض ؟
-
فكرونى...روايه مسلسله (2)
-
فكرونى .....روايه مسلسله .(1)
-
العبور الجديد للدولة المدنية.
-
جبهه حمايه الدوله المدنيه .
-
30 يونيو بين الافراط والتفريط .
-
قانون الجنون .
-
يزيد ولا الحسين ؟؟
-
الكابوس ...قصه قصيره جدا .
-
من اوراق محامى 2
-
تاملات حول الوطن .
-
عن الخيبه والنهضه والسد .
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|