|
المعلوماتية والتنمية الاجتماعية
ياسر عساف
الحوار المتمدن-العدد: 1203 - 2005 / 5 / 20 - 09:44
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أولاً : تحليل التنمية الاجتماعية: 1 ـ مفهوم التنمية الاجتماعية: إن التنمية هي الجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم للتنسيق بين الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة في وسط إجتماعي معين، بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل القومي والدخول الفردية، ومستويات أعلى للمعيشة والحياة الاجتماعية في نواحيها المختلفة كالتعليم والصحة والأسرة والشباب، ومن ثم الوصول إلى تحقيق أعلى مستوى ممكن من الرفاهية الاجتماعية . وتشير الكتابات الاقتصادية والسيسولوجية المعاصرة إلى الإختلاف القائم بين إصطلاحي النمو والتنمية الاجتماعية. ويمكن تحديد أوجه الاختلاف القائمة بين الاصطلاحين في أن: إصطلاح النمو يشير إلى عملية الزيادة المستمرة التي تحدث في جانب معين من جوانب الحياة. أما التنمية الاجتماعية فهي عبارة عن تحقيق زيادة سريعة تراكمية ودائمة عبر فترة من الزمن. فمثلاً الزيادة الثابتة في النسبة المئوية للمتعلمين والمتعلمات إلى مجموع السكان مثلاً مؤشر من مؤشرات النمو الاجتماعية. أما التنمية الاجتماعية فتحصل في التعليم في مرحلة النمو الاجتماعي السريع وخلال فترة ممتدة من الزمن. كما أن النمو يحدث في الغالب عن طريق التطور البطيء والتحول التدريجي، أما التنمية فتحتاج إلى دفعة قوية ليخرج المجتمع من حالة الركود والتخلف إلى حالة التقدم والنمو، وهذه الدفعة القوية تقف على طرفي نقيض مع عملية التطور المتدرج. والتنمية الاجتماعية تعرف بأنها: "عملية توافق اجتماعي ومنهم من يعرفها بأنها تنمية طاقات الفرد إلى أقصى حد مستطاع، أو بأنها إشباع الحاجات الاجتماعية للانسان، أو الوصول بالفرد لمستوى معين من المعيشة أو عملية تغيير موجهه يتحقق عن طريقها إشباع إحتياجات الفرد . ويلخص مؤتمر القادة الاداريين الذي عقد في القاهرة في 4/2/1967 التنمية الاجتماعية بما يلي "هي تحقيق التوافق الاجتماعي لدى الأفراد في المجتمع بما يعنيه هذا التوافق من إشباع بيولوجي ونفسي وإجتماعي وهذا التعريف لدى المتخصصين بالعلوم الإنسانية. أما المتخصصين بالعلوم السياسية والاقتصادية فيرون أن التنمية الاجتماعية هي: "الوصول بالانسان إلى حد أدنى لمستوى المعيشة لاينبغي أن ينزل عنه باعتباره حقاً لكل مواطن تلتزم به الدولة وتعززه الجهود الأهلية لتحقيق كفاءة استخدام الامكانيات المتاحة، وبالحلول الذاتية لسد ثغرات تبدو على مستوى هذا الحد مالاتسعفها موارد الدولة". 2 ـ عناصر التنمية الاجتماعية: نستطيع إجمال العناصر الرئيسية للتنمية الاجتماعية في النقاط التالية: I- التغير البنيوي: ويقصد بذلك النوع من التغير الذي يستلزم ظهور أدوار وتنظيمات إجتماعية جديدة تختلف إختلافاً نوعياً عن الأدوار والتنظيمات القائمة في المجتمع، ويقتضي هذا النوع من التغير حدوث تحول كبير في الظواهر والنظم والعلاقات السائدة في المجتمع. II - الدفعة القوية: ويمكن أن تحدث الدفعة القوية في المجال الاجتماعي بإحداث تغيرات تقلل التفاوت في الثروات والدخول بين المواطنين وبتوزيع الخدمات توزيعاً عادلاً بين الأفراد وبجعل التعليم إلزامياً ومجانياً قدر الإمكان. وبتأمين العلاج والتوسع في مشروعات الإسكان إلى غير ذلك من مشروعات وبرامج تتعلق بالخدمات. III- الاستراتيجة الملائمة: ويقصد بها الإطار العام والخطوط العريضة التي ترسمها السياسة الانمائية في الانتقال من حالة التخلف إلى حالة النمو الذاتي وتختلف الاستراتيجية عن التكتيك الذي يعني الاستخدام الصحيح للوسائل المتاحة لتحقيق الهدف. ولكي يتم استخدام هذه الوسائل إستخداماً صحيحاً لابد وأن تكون هذه الوسائل موزعة وفقاً لخطة حسنة الاعداد من شأنها أن تمكن واضع التكتيك من أن يستغل جميع الادوات التي تحت تصرفه استغلالاً كاملاً. ويستبعد طبعاً من الاستراتيجيات ما يسمى استراتيجية عدم التدخل من قبل الدولة فالدولة تلعب دوراً فعالاً في عملية التنمية الشاملة. 3 ـ التلازم بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية: لقد ظهر مفهوم التنمية بعد الحرب العالمية الثانية، ولاسيما في أوائل الخمسينات، حيث بدأ العلماء الاقتصاديين والاجتماعيين يقسمون الدول من حيث بنيانها الاقتصادي وما وصل إليه من تطور ومن حيث مستوى الحياة الاجتماعية والمعيشة فيها إلى دول مختلفة ودول نامية ودول متقدمة. ولم يأت عام 1960 إلا وكان لفظ التنمية يجري على كل لسان بين الاقتصاديين والاجتماعيين في كل دول العالم وفي هيئة الأمم والهيئات الدولية المختلفة، وكانت التنمية هي الشغل الشاغل للاقتصاديين والاجتماعيين الذين قسموها إلى قسمين: التنمية الاقتصادية: وهي تتجه إلى تنمية الانتاج وزيادة الدخول القومية والفردية، أي زيادة الثروة. التنمية الاجتماعية: والتي تهدف كما أشرنا إلى رفع مستوى الحياة الاجتماعية من حيث الصحة والتعليم والمستوى المعاشي والخدمات بشتى أنواعها. ولكن سرعان ما تبين للباحثين مما لايدع مجالاً للشك أنه من المستحيل الفصل بين كلا النوعين من التنمية. لأن كلاً منهما شرط لتحقيق الآخر. وهكذا إلتحمت التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية وظهر اصطلاح التنمية الشاملة، وازداد استخدامه للتعبير عن هذا التلاحم. فالتنمية الاقتصادية تتطلب بالضرورة نظرية في التغيير الاجتماعي تلقي ضوءاً على العوامل التي تحكم تغير قيم الأفراد ودوافعهم، ونشوء التنظيمات الاجتماعية وتطورها وتتضح العلاقة البنيوية بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية بثلاث نقاط هي: أ ـ اثر برامج التنمية الاجتماعية في النمو الاقتصادي: فمن الملاحظ أن الطلب على الخدمات يتزايد باستمرار مع زيادة السكان والتصنيع وزيادة التقدم والرقي في المجتمع، وهنا يستطيع برامج التنمية المجتمعية أن تمارس دوراً إيجابياً في تزويد المجتمعات بالخدمات الاجتماعية مع الارتفاع بمستواها. فالتنمية هي النمو مع التغير والتغير الاجتماعي وثقافي واقتصادي وهو تغير كمي وكيفي، ولم يعد من الضروري أن نتكلم عن تنمية إجتماعية وتنمية إقتصادية، لان التنمية بوصفها متمايزة عن النمو يجب أن تشمل الناحيتين معاً بشكل تلقائي. ب ـ الأثار الاجتماعية المترتبة على النمو الاقتصادي: تؤدي التنمية الاقتصادية إلى زيادة انتقال الايدي العاملة من منطقة إلى أخرى على صعيد البلد نظراً لما يصاحبها من توافر فرص جديدة للعمل. تبعاً للمضي قدماً في إنشاء المشروعات بمختلف المناطق. فالتنمية الاقتصادية تؤدي بما تستتبعه من الاعتماد على العلم والتكنولوجيا في إيجاد حلول للمشاكل المختلفة التي تجابهها البلاد في سبيلها إلى النمو الاقتصادي إلى الاتسام بالنظرة العلمية الموضوعية في النظر إلى المشاكل وفي إيجاد حلول لها. فالتنمية الاجتماعية والاقتصادية لاتحققها الأوامر ولاتقيمها القوانين ولاينشئها التخطيط، ولاتشفع لها الاهداف الجليلة، إن لم يكن لها سند من حاجة وواقع من وعي ودوافع من قبول. جـ ـ تطوير النظم السائدة والإطار الثقافي للمجتمع: من المعروف أنه حيث يوجد في النظم والقيم مالايتفق مع مقتضيات التقدم، فإنه من الميقن أن يكون من أهداف التنمية الاجتماعية التخلي عن هذه النظم أو القيم. أو على الاقل تطويرها بما يلغي مالها من مفعول في عرقلة التقدم. وذلك مثل نظام الاقطاع وكاختصار العمل اليدوي وانخفاض مركز المرأة وانتشار الاستهلاك التفاخري في المجتمعات النامية. إذن إن كل ما يقال عن وجود تنمية إقتصادية وأخرى إجتماعية فإن ذلك لاينفي وجود الالتحام بينهما لان كليهما مؤثر في الآخر ومتأثر به.
ثانياً المعلوماتية والتنمية الإجتماعية: كما أسلفنا سابقاً أن عالمنا اليوم يعيش ثورة صناعية جديدة فاقت في إمكاناتها وآثارها كل ما حققه الإنسان من تقدم حضاري خلال وجوده على هذه الكرة الأرضية.؟ هذه الثورة كما نعلم هي ـ ثورة تكنولوجيا المعلومات ـ والتي توصل إليها الانسان بتكنولوجيا العصر الفائق المتقدم والتي تعتمد في المقام الأول على تكنولوجيا الحاسبات الالكترونية والالكترونات الدقيقة والاتصالات السلكية واللاسلكية. وقد نتج ـ كما أشرنا ـ عن هذه الثورة تدفق هائل للمعلومات وأصبح العالم الواسع الارجاء بفضل تكنولوجيا المعلومات عبارة عن قرية صغيرة يمكن سماع ومشاهدة أي خبر يحدث في أي ركن من أركانها في نفس اللحظة التي وقع فيها الحدث أو بعدها بقليل بالصورة والصوت معاً. وأصبح هذا الكم الهائل من المعلومات متاحاً بشكل أو بآخر لكل الدول ولكل الناس ولكل المنظمات والمؤسسات ولكن المهم من يستفيد؟ وكيف يستفيد؟ تلك هي القضية التي سوف نعرضها من خلال بحثنا هذا، فيمكن لتكنولوجيا المعلومات أن تلعب دوراً حاسماً في تنمية المجتمعات العربية في مجالات "الادارة ـ التعليم ـ الثقافة ـ الصحة ـ البيئة" والأهم من ذلك كله هو دور المعلومات كوسيط لاعادة وشائج الصلة بين البلدان العربية على أسس منهجية مبتكرة. وسنكتفي في هذه العجالة بدراسة بعض الامور العامة في علاقة تكنولوجيا المعلومات بوطننا العربي، نبدأها بالتناقض الاساسي الناجم عن تطبيق المعلوماتية في البيئة الاجتماعية العربية المناهضة لها، وقد تمرست هذه البيئة طويلاً على عدم العلمية. وعلى إجهاض الجهود التطويرية وتضخم دور العوامل غير الاقتصادية في عملية التنمية مما يضعها تحت رحمة ظروف يصعب السيطرة عليها. إستناداً إلى ذلك ربما تكون المجتمعات العربية أكثر حاجة للمعلومات من غيرها، فالمعلومات هي الوسيلة الفعالة لتهذيب الفوضى وإكساب المجتمعات العربية عادة النظر إلى الأمام حتى لايدهمنا المستقبل بصدماته ومفاجآته. إن المعلومات ذات قدرة هائلة على إظهار التناقضات الداخلية وما أكثرها في وطننا العربي ووسيلة فعالة لاسقاط الواجهات الاجتماعية وكشف التباين الشاسع بين ظاهر العالم العربي الرسمي وباطن نظيره غير الرسمي وبين حقيقة أنفسنا وبين ما نريد تصوره عن أنفسنا. ولاخلاف في أن فاعلية تكنولوجيا المعلومات وتأثيرها في المجتمعات العربية ستختلف من وطن عربي إلى آخر، ولكن هذه المجتمعات جميعاً بحكم طبيعتها التقليدية غير القابلة للتغير السريع، وهنا يبرز إحتمال قوي أن يخلق التناقض الشاسع بين مطالب عصر المعلومات وجمود المجتمعات البشرية العربية موقفاً ضاغطاً على جبهات متعددة وربما يؤدي هذا الضغط إلى تقويض كثير من الكيانات العربية التي أقعدها الجمود عن سرعة التجاوب المطلوب. إذن فالمعلومات هي وسيلتنا لادراك مدى التناقض والخلل في البنى الاجتماعية وفيما إستقر في عقولنا من مفاهيم بالية، مما يتوجب أن نعيد النظر في تراثنا الحضاي الشامل حتى يمكننا رؤية هذا الواقع واستيعابه من خلال هذا التراث العظيم، وقد رشحناه مما علق به من شوائب وبعد إعادة طرحه وتوظيفه تلبية لمطالبنا العقلية والوجدانية الملحة. يواجه العالم العربي مع المتغير المعلوماتي متغيرات حادة أخرى سيكون لها أثرها الواضح في رد الفعل العربي في المراحل القادمة. وأهم هذه المتغيرات ما سيسفر عن النزاع العربي الاسرائيلي من نتائج إن سلماً وإن حرباً. وفي كلتا الحالتين سيكون لتكنولوجيا المعلومات دورها البارز فلنستعرض سوية أثر تكنولوجيا المعلومات على التنمية الاجتماعية. 1 ـ على صعيد التربية والتعليم:" وسوف نتناول على هذا الصعيد أهم النقاط وهي : أ ـ أمية الكمبيوتر: تأتي على قائمة أولويات تهيئة المجتمع لعصر المعلومات عملية تنتمية وعي فئاته المختلفة بالابعاد المختلفة لتكنولوجيا الكمبيوتر والمعلومات وآثارها الاجتماعية الراهنة والمرتقبة. وهي بلاشك مهمة تحتاج في تنفيذها إلى مشاركة فعالة من مؤسسات التعليم الرسمي وغير الرسمي ووسائل الاعلام والمنظمات الشعبية والمهنية وقادة الفكر والرأي في المجتمع. وقد شاع خطأ بأن المقصود بمحو أمية الكمبيوتر هو تعليم العامة بعضاً من تفاصيل بناء الكمبيوتر وبرمجته أو تدريبهم على استخدامه في التطبيقات المنزلية أو المكتبية. ولاشك أن قدراً من هذه المعارف والخبرات يعد واجباً كعنصر واحد فقط من برنامج محو الامية الكمبيوترية إن هدف البرنامج أن يدرك الفرد الآثار الايجابية والسلبية لهذه التكنولوجيا في عمله وعلى مستقبل مجتمعه الصغير والكبير، وما تتيحه من فرص لإثراء حياته الشخصية والاجتماعية. وكيف يمكن له أن يستخدمها في مجال اهتماماته. ويعد واجب محو أمية الكمبيوتر في المجتمعات العربية واجباً أكثر إلحاحاً. وهو بلاشك يحتاج إلى جهد يقترب من تلك الحملات القومية، فالأمر يختلف لدينا عنه في المجتمعات المتقدمة حيث شاع الكمبيوتر وانتشرت تطبيقاته ومراكز تدريبية ونشراته وكتبه ودورياته بل وأفلامه أيضاً. كما أن محو امية المدير العربي يأتي على قائمة الأولويات فعدم وعيه المعلوماتي إما أن يجعل منه لقمة سائغة تحت رحمة الخبراء والفنين أو عائقاً أمام استخدام نظم المعلومات لتطوير اساليب العمل في منشآته. ب ـ تكنولوجيا المعلومات والتربية والتعليم: كعهدنا به يمثل التعليم أحد المواضع الساخنة في علاقة تكنولوجيا المعلومات بالمجتمع ككل وعلاقته بهذه التكنولوجيا تزداد وثوقاً يوماً بعد يوم. سواءاً من حيث كونها وسيلة للتعليم أو مادة له أو أداة لدعم الإدارة المدرسية والتعليمية. وفي عالمنا العربي تصدمنا هذه الصورة القائمة للتعليم العربي الذي تلم به الازمات من كل جانب وبالقطع يمكن أن يكون للكمبيوتر دوره الحاسم في تطوير نظم التعليم العربي، لو أعددنا لذلك عدته من تهيئة التلاميذ وتأهيل المدرسة وتوعية الادارة المدرسية والتعليمية وإعداد ا لبرمجيات التعليمية وتعديل المناهج والأساليب ونحن غارقون في بحر من الأزمات كان أجلها الأزمة التربوية. وهذه الأزمة لم ينجوا منها أحد في الوطن العربي كله. لا الدول التي تملك الموارد ولاتمتلك القوة البشرية، ولاتلك الدول التي تملك القوة البشرية ولاتملك القوة المادية، وحتى تلك الدول التي يتوافر فيها كلا الموردين. وعلى حين تبارى الكثيرون في تشخيص مرضنا التربوي العضال، وتحمس البعض في طرح قوائم الحلول المانعة الجامعة إلا أن جميع محاولات التجديد والإصلاح ظلت قاصرة عن تحقيق أهدافها، إلى الدرجة التي أدت ببعض المتشائمين إلى القول أنه لامفر من التعايش مع عاهاتنا التربوية كحقيقة واقعة. وتمادى البعض منهم ليصادر على إمكانية حلها حتى على المدى البعيد، زعماً منه أن بيئتنا الثقافية وقيمنا وحضارتنا لايمكن لها أن تخلق إنساناً مبدعاً إيجابياً يقبل المجازفة والمخاطرة والتصدي. وكثيرون يؤمنون انه لاأمل في نهضة عربية حقيقية دون ثورة تربوية شاملة يفعل ثوارها التحدي المزدوج لتنشئة الأجيال القادمة على أسس تربوية جديدة. وعلاج الانتاج الرديء للأجيال الراهنة التي فرضتها بالفعل مؤسساتنا التعليمية. وليست تلك الازدواجية من قبل العدل الاجتماعي فقط بل أيضاً تحركها الدوافع العلمية، فقد شاء القدر أن يكون مصير أمتنا العربية في ايدي تلك الأجيال رهن العلاج. فهي دون غيرها التي ستعاصر فترة النقلة المجتمعية الوشيكة، ومن الخطأ الفادح أن نضحي بهذه الأجيال الشابة إنتظاراً لنتاج تعليمي أفضل، ربما لايأتي أو يأتي بعد فوات الاوان.
ويصعب علينا ان نضيف إلى حصيلة العديد من الدراسات والمؤتمرات وحلقات النقاش والكتب التي تناولت الجوانب المختلفة لازمتنا التربوية، إلا أن التحديات التربوية التي يطرحها مجتمع المعلومات قد أبرزت بشكل لم يسبق له مثيل من قبل حدة هذه الازمة إلى الدرجة التي بدت فيها التربية العربية الراهنة وكأنها الوجه المضاد للتربية المرجوة في عصر المعلومات. وهو ما دفعنا إلى تناول بعض مظاهر هذه الازمة من منظور معلوماتي. لقد تعددت ملامح ازمتنا التربوية وتنوعت أسبابها واختلفت حدتها من بلد عربي إلى بلد آخر وسنكتفي هنا بعرض القواسم المشتركة لها وهي : 1 ـ الانفصال شبه التام بين التعليم وسوق التعليم: حيث تشكو معظم نظم التربية العربية من انفصال ناتج التعليم الرسمي عن مطالب سوق العمل وغياب التنسيق بين التخطيط للتعليم وللقوى العاملة وبين ما تتطلبه مشاريع التنمية وأهدافها. 2 ـ عدم تكافؤ فرص التعليم: وقد نفذ سهم هذه الظاهرة رغم مجانية التعليم في بعض البلدان العربية بفضل الدروس الخصوصية وسوء نظام التقييم وأساليب الغش والتفرقة بين الذكور والإناث علاوة على التفاوت الحاد في الخدمات التعليمية بين مناطق المدن والريف والمناطق النامية. 3 ـ تعدد مسارات التعليم: فنحن نعاني من ازدواجية تربوية تفرق بين تعليم النخبة وتعليم العامة. وبين أبناء العرب المقيمين وأبناء العرب الوافدين، مما أدى إلى دخول التجارة حقل الخدمات التعليمية. يحدث ذلك في الوقت نفسه الذي تسعى فيه حكومات الدول المتقدمة بقدر متزايد نحو توجيه المؤسسات التعليمية فهي أخطر من أن تترك لاهواء الربح التجاري. 4 ـ العزوف عن مداومة التعليم: إن أساليبنا التربوية القائمة على التلقين والتحفيظ والضغط والكبت والقهر وخنق المواهب. تنفر صغارنا من المعلم والتعليم، أما كبارنا فقد تولدت لديهم قناعة راسخة بعدم تقدير مجتمعاتهم للعلم والمعلمين والعلميين والعلم بأصحابه مهان مهمل رغم حملات النفاق له إعلامياً وسياسياً. 5 ـ سلبية المعلمين: وكذلك عزوفهم عن المساهمة في حركات الاصلاح والتجديد التربوي ويكفي دليلاً هنا أن نقابة المعلمين المصرين ـ مثلاً ـ التزمت الصمت أثناء طرح إستراتيجية التعليم المصري للنقاش الوطني ولم تخرج مشاركتها عن الاشكال القديمة التقليدية المحددة لها، وعن رؤية السلطة التنفيذية للامر. 6 ـ عدم فاعلية البحث العلمي: وذلك سواء داخل الجامعات أو المعاهد العلمية وإنفصاله عن المشاكل العلمية التي تعاني منها قطاعات الانتاج والخدمات. وتنحو معظم جامعاتنا إلى التركيز على مهمتها التعليمية وإغفال مهمتها الثانية والتي لاتقل أهمية عن الأولى. ونقصد بها البحث وإنتاج المعرفة الجديدة فمعظم اساتذة الجامعات في الدول العربية يعزفون عن البحث العلمي. وسرعان ما تضمر قدراتهم عن ممارسته كما أن مبعوثينا إلى الخارج يتخصصون في مجالات أغلبها بعيد الصلة عن تلك التي تهتم مجتمعاتهم وخير دليل على ذلك ندرة البعثات لعلماء الكمبيوتر ومهندسيه في مجالات معالجة اللغة العربية آلياً وتعريب نظم المعلومات. 7 ـ تدني مستوى الخريجين: سواء من حيث مستوى التحصيل العلمي أو مستوى مهارات التعليم الأساسية. 8 ـ القدرات التعليمية المهدورة: فلايوجد نظام تربوي يلقي بنتاجه في القمامة كما تفعل معظم مجتمعاتنا ومظاهر التبديد عديدة منها البطالة السافرة والمقنعة وقتل قدرات الخريجين وعدم تنميتها أو عزوف الخريجين عن العمل المهني كما في كثير من الدول العربية وتسرب أعداد كبيرة منهم من مراحل التعليم الأساسي لعدم إيمان أولياء الأمور بجدوى التعليم، أو عجزهم عن مواجهة تكاليفه الظاهرة والخفية. كما نضيف إلى ذلك عدم قدرة المدارس على استيعاب الاعداد المتزايدة نتيجة النمو السكاني مما يضيف حشوداً جديدة كل يوم إلى جيوش الأمية. 9 ـ فقدان المجتمع ثقته في مؤسساته التعليمية: وينطبق ذلك عليها جميعاً دون استنثاء. من دور الحضانة إلى الجامعة. ومن الادارة المدرسية إلى القيادة التعليمية السياسية، ومن تأهيل المدرسين وتطوير مناهج التعليم إلى مراكز البحث العلمي. 10 ـ عدم تعريب العلوم: فما زال التعليم في بعض المراحل الثانوية في دول المغرب العربي يشكو ازدواجية لغوية /عربية ـ فرنسية/ كما كانت المواد التعليمية في لبنان تدرس باللغة الأجنبية. وما زال الكثير من الأساتذة في الجامعات العربية يعترضون على التدريس في الكليات العلمية كالطب والهندسة باللغة العربية. 11 ـ تخلف المناهج وطرق التدريس: ما زالت غالبية طرق التدريس لدينا تعتمد على أساليب التلقين والتحفيظ وإعتبار المدرس والمقرر هما المصدر الأساسي بل الوحيد للحصول على المساواة العرقية. 12 ـ ضعف الادارة التعليمية: لايخفى على أحد، المظاهر العديدة لضعف الادارة التعليمية، وما أدى إليه من سوء إستخدام الموارد التعليمية المتاحة، ومن أسباب ذلك إختيار المديرين من بين قدامى المدرسين والاكادميين الذين لم يتم تأهيلهم للادارة بالقدر الكافي. من خلال ما سبق نجد أنفسنا قد تورطنا في أسلوب تعليمي تربوي متخلف للغاية. ومليء بالثغرات التي تمنعنا من دخول العصر الجديد بالعدة الكافية الامر الذي يحتم علينا السلوك نحو أسس تربوية جديدة والفلسفة التعليمية العربية الحالية تؤكد على إنتشار التعليم بشكل كمي لابشكل نوعي. وذلك زعم ما يزخر به الخطاب التربوي الرسمي من شعارات الحرية والديمقراطية والمشاركة وتكافؤ الفرص وتنمية الانتماء القومي والتمسك بالوحدة العربية، فإن الواقع العلمي لطرق وأساليب التعليم والتقويم وأهداف المناهج ومضمونها واسلوب الادارة المدرسية والتعليمية أبعد ما تكون عن هذه الشعارات. فما زال اسلوب التلقين والتحفيظ هو نهج التعليم السائد. وهناك قيود عديدة تحد من مشاركة الطالب في عملية التعليم ومساهمة المدرسة في عمليات الإصلاح والتجديد التربوي، كما أننا إذا حللنا مضمون الكتب الدراسية الموجهة لطلاب التعليم الأساسي فيما يخص مفهوم الفرد والسلطة يكشف لنا بشكل واضح كيف يمجد هذا المضمون دور الحكومة ويتجاهل دور الفرد. وتؤكد هذه المناهج الأسس والممارسات التربوية القائمة على الطاعة والضبط والربط، وهناك إغفال لاهمية الحوار والمشاركة وتهميش لقيمة الحرية. وقد خلت المناهج من مفهوم المساواة وتحاشت الخوض في القضايا الخلافية. ولاتهتم معظم المناهج بالأمور المتعلقة بالانتماء القومي والوحدة العربية. بل على العكس تنزلق في مواضع غير قليلة نحو تنمية النزعات القطرية وشبه الاقليمية. إننا حقيقة نشكو من غياب فلسفة تربوية عربية. وقد سعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إلى وضع إطار عام لفلسفة تربوية عربية إلا أنها لم تتبلور في صناعة نهائية في هيئة استراتيجيات وخطط محددة. وليس لنا إلا المنظور المعلوماتي كنقطة إنطلاق أساسية لبلورة هذه الفلسفة وذلك لقدرته على إبراز القضايا المختلفة بشكل أوضح وأعمق.؟ وهنا وبعد إبراز جميع مظاهر التخلف التربوي وقصور الفلسفة التربوية الحديثة يبرز لنا السؤال التالي ما هي الوسيلة التي نستطيع من خلالها أن نرتقي بواسطتها بالمستوى التربوي والتعليمي في العالم العربي؟ والجواب هو كالتالي: يجب علينا ونحن نكاد نلج عصر المعلومات أن نبحث عن نقطة إلتقاء تكنولوجيا المعلومات مع التربية والتعليم وذلك عن طريق نشر وعي الكمبيوتر والمعلومات ومحو أمية الكمبيوتر والمعلومات في التعليم ما قبل الجامعي وتعليم الكمبيوتر ونظم المعلومات في الجامعة لغير المتخصصين. وتأهيل المختصصين في تكنولوجيا المعلومات بشكل جيد وتدريبهم على التقنيات الجديدة ومنحهم فرص الابتكار والابداع. فإن تعليم الطلاب للكمبيوتر ومحو أميته يتيح أمام الطالب إلمام بالمبادىء الأساسية لعمل الحاسوب وقدرتهم على البرمجة وحل المسائل البسيطة المتعلقة بنشاطهم التعليمي أو المهني. وتمنحهم القدرة على التعامل مع مجموعة من البرامج الجاهزة كما تمكنهم من القدرة على نقل الأفكار من عالم الكمبيوتر ونظم المعلومات لمجالات التعليم والنشاط الفكري المختلفة. وتكنولوجيا المعلومات تكون في خدمة المتعلم من خلال استخدام الكميوتر في استيعاب المفاهيم الجديدة لقوانين الحركة والانتشار الذري وبناء الخلية والعلاقة بين العرض والطلب. ويكون الكميوتر وسيلة لتنمية مهارات التعليم الأساسية كتقوية الذاكرة والرجوع إلى المعجم العربي وكتابة التقارير والموازنات؟... الخ. كما يستفاد منه في برامج لمساعدة المتعلم في تنظيم وقته وتسجيل ملاحظاته وافكاره. وهي في خدمة الادارة المدرسية في تسجيل الطلبة الجدد وضغط سجلات الطلاب ومكننة نظام الاستعارة والصفوف ومراسلات أولياء الامور تحليل نتائج الأمتحانات. ولكن مع تزايد صيحات ضرورة إدخال الكمبيوتر في نظم التعليم إنقسم المفكرون والساسة لدينا إلى فريقين متفائلين ومتشائمين. وقد أقام كل من الفريقين وجهة نظر على أساس من حجج وافتراضات لايمكن أن نتجاهلها. ومع اقتناعنا بأن الكمبيوتر سيكون له دور حاسم في عملية التعليم وأن علاقته بالتربية ستزداد وثوقاً يوماً بعد يوم. إلا أنه لابد أن نستعرض آراء الفريقين والمقارنة بينهما. * المتفائلون: قالوا أن الكمبيوتر هو الأمل الوحيد ـ حصان طراودة ـ لاحداث الهزة المطلوبة في قلب منظومة التربية العربية التي تأزمت بصورة لايجدي معها إلا العلاج بالصدمات.. فالقضايا العديدة التي تطرحها قضية إدخال الكمبيوتر في التعليم ستؤدي بنا إلى مراجعة شاملة ليساستنا التربوية ومناهجنا وأساليب تعلمينا وتعلمنا . كما أن الكمبيوتر يمكن أن يكون وسيلة لتوفير خدمات تعليمية أفضل وتوصيلها للمناطق الريفية والنائية. ويمكن كذلك أن يقلل من إعتماد نظم التعليم العربية على الاداء المتواضع لكثير من المدرسين بل وربما يخلصنا أيضاً من ظاهرة الدروس الخصوصية المتفشية في كثير من البلدان العربية بتركيزنا على تنمية المهارات لا التحصيل والتلقين. كما أن الكمبيوتر سيكسب التعليم الطابع الانفرادي وسيتيح للمدرس وقد أعفاه من مهامه الروتينية وقتاً أطول التوجيه طلبته واكتشاف مواهبه والتعرف على نقاط ضعفهم. كما أن الكمبيوتر سينمي المهارات الذهنية لدى التلاميذ وسيزيد من قدرتهم علىالتفكير المنهجي المنظم ويحثهم على التفكير المجرد وسيجعلهم اكثر إدراكاً للكيفية التي يفكرون بها ويتعلمون من خلالها. كما أن الكمبيوتر بإسلوبه التجاري التفاعلي هو الوسيلة الفعالة للتخلص من آفة التلقي السلبي التي رسختها أساليب التعليم بالتلقين والاعلام التلفزيوني الموجه. كما أن الكمبيوتر هو الوسيلة الوحيدة الملائمة لمواجهة تضخم المادة التعليمية وإنفجار المعرفة بعد أن عجزت المادة المطبوعة وأساليب التعليم التقليدية عن مواجهة هذه الظاهرة وإن أساليب الذكاء الاصطاعي ستحدث ثورة حقيقية في طرق تعليمنا وتعلمنا. كما أن سرعة إدخال الكمبيوتر في نظم التعليم يمكن أن يكون فرصة لاحياء روح التكامل العربي والمشاركة في الموارد.
* المتشائمون: قالوا أن الكمبيوتر لايمكن أن يكون هو الحل الأمثل لمشاكلنا التربوية المزمنة. بالاضافة إلى أن مواردنا البشرية لاتكفي ولو بالكاد للوفاء بالخدمات التعليمية التقليدية، فكيف لنا أن نتمادى في تصوراتنا غير الواقعية. وكيف يتسنى لكثير من البلدان العربية الحديث عن تجهيز صفوفنا المكتظة بأجهزة الكمبيوتر والطلبة جلوس على الارض., وبعض الصفوف بدون سبورة، وفي بيئة مدرسية غير مواتية وبيئية ثقافية وإجتماعية غير مهيأة لاستقبال هذه التكنولوجيا الوافدة . كما أن الكمبيوتر سيؤدي إلى المزيد من الطبقية التعليمية. ويعمل على عدم تكافؤ الفرص حيث سيتاح لابناء النخبة القادرة ويحرم منه ابناء الطبقات محدودة الدخل، وإدخال الكمبيوتر في التعليم لايعني تقليل اعتمادنا على الدرس بل إحتياجنا إلى مدارس من نوعية راقية تعجز مراكز تأهيل المدرسين لدينا عن تكوينه كما أن المدرس العربي المهموم بمشاكله يمكن أن يتخذ من إدخال الكمبيوتر في قاعات الدس ذريعة للتهرب من المهام الموكلة إليه وإنه لايمكن إكساب التعليم الطابع الانفرادي في بيئة صفوفنا المكتظة حيث تحتاج إلى تجهيزات كبيرة لتوفير الكثافة المطلوبة لعدد أجهزة الكمبيوتر بالنسبة لاعداد الطلبة والتي تسعى الدول في العالم المتقدم إلى جعلها بمعدل واحد إلى واحد. علاوة على ذلك فإن تحويل المدرس العربي من ناقل إلى موجه. وتخليصه من عادات التدريس التقليدية ليس بالأمر السهل. ويحتاج إلى تعديلات جذرية على جميع مستويات المنظومة التعليمية. كما أن الكمبيوتر سيؤدي إلى ضمور المهارات الحسابية ومهارات القراءة والكتابة وسيجعل تفكير الطالب تفكيراً ميكانيكياً. كما أن الطالب سيزداد ارتباطه بآلته، وكما تعلق الاطفال بالتلفزيون فمن المحتمل أيضاً أن يصبحوا أسرى التعامل مع الالة وخاصة وقد أصبحت قادرة على التفاعل الايجابي معهم. وسيؤدي ذلك إلى زيادة التواصل مع الآلة على حساب ضعف قدرتهم على التواصل مع البشر. وسيعيشون في عالم من الرموز والمجردات لتزيد من عزلتهم عن واقعهم. علاوة على ذلك فإن غزارة المعلومات لن يعطي لهم الفرصة للتأمل في مضمونها مما سيؤدي في النهاية إلى ضحالة تفكيرهم. وهل يمكن لأجهزة المناهج في البلدان العربية مواجهة هذا التحدي الهائل في تعديل محتوى المناهج وأساليبها وكيف لها أن تقوم بذلك وصناعة البرمجيات العربية ما زالت شبه غائبة. وما زال تعريب نظم المعلومات دون المستوى المطلوب لتطوير برامج تعليمية عربية متقدمة ويمكن أن يتخذ البعض من ذلك حجة للارتداد إلى تعليم العلوم باللغات الاجنبية. كما أن التسرع في إدخال الكمبيوتر في نظم التعليم دون العدة الكافية ربما يؤدي إلى أنتكاسة خطيرة ليواجه الكمبيوتر مصير ما سبق من تكنولوجيا التعليم الأخرى. كما أنه لايمكن تحقيق التكامل العربي على صعيد التعليم في غياب فلسفة تربوية عريبة ومناخ سياسي مواتي وربما تكون لهفة الدول العربية لادخال الكمبيوتر في نظم تعليمها مع عدم توافر الكوادر العربية المؤهلة وسيلة لتسرب الخبراء الأجانب لنظم التعليم في هذه الدول. مما سبق نستنتج صعوبة المشكلة التي يمر بها هيكلنا التربوي والتعليمي، وأنا أتعمد الاسهاب بعض الشيء في طرح القضية التربوية إعتقاداً مني بحيويتها وضرورتها. وضرورة إيجاد الحل المناسب الذي يجعل من حسنات إدخال الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات في نظمنا التعليمية اكثر من سيئاتها لنستطيع من خلال تكنولوجيا المعلومات تأهيل طلابنا ـ جيل المستقبل ـ لدخول عصر المعلومات بكل ثقة وقوة. جـ ـ تكنولوجيا المعلومات والبحث العلمي: تعتبر المعلومات هي محور نشاط مراكز المعلومات., ذلك لان الاستجابة لهذه الإحتياجات من قبل العلماء والباحثين أمر في غاية الأهمية ذلك أنه يوفر في التكاليف والنفقات. كما أن مركز المعلومات سوف لايحصل إلا ما يحتاجه رواده. وهذه الاستجابة هي في ذات الوقت رفع لنوعية وكمية الاداء بالنسبة للباحثين. وقد حدد الأستاذ "هاريسون برادن" في تقريره عن المعلومات العلمية ثلاث احتياجات أساسية للباحث وذلك بالنسبة لحصوله على المعلومات التي يريدها. وهذه الاحتياجات هي . • متابعة التطورات العلمية في مجال بحثه وهو يفعل ذلك إلى حد كبير بطريقته الخاصة عن طريق المراسلات وحلقات الدراسة والاتصالات والزيارات للمعامل المختلفة. ويكمل معظم العلماء هذا الجهد الشخصي بفحص قائمة المحتويات في الدوريات العلمية وكذلك بفحص الاجزاء المتصلة بدراساته في دوريات المتستخلصات ثم بقراءة بعض هذه المقالات الهامة في صورتها الكاملة. • الحصول على المعلومات في مجالات علمية واسعة قد تكون بعيدة عن مجال تخصصه وغالباً ما يكون العالم في هذه الحالة في حاجة إلى الحصول على المعلومات بسرعة وإلى وسائط تساعده على الوصول إلى هذه البيانات وتتراوح هذه الأدوات المساعدة بين الكشافات الموثوق بها أو المستخلصات او المراجعات النقدية ذات الاعداد الرفيع. • متابعة التطورات العامة في العلم نظراً لأن النتائج في إحدى المجالات العلمية لها إرتباط ولو جزئي بالنتائج التي يصل إليها عالم آخر. والعالم يتابع هذه التطورات العامة بقراءة مقالات المراجعة ذات الصبغة العامة وبحضوره المحاضرات وحلقات الدراسة. ويمكن تغطية هذه الاحتياجات عن طريق خدمات تنظيم المعلومات بالمكتبات المتخصصة وبنوك المعلومات وهي التي ترشدنا إلى المعلومات وتزودنا بالوثائق المتعلقة. أما بالنسبة للمجال التكنولوجي فقد حددت جماعة خبراء الامم المتحدة هذه الاحتياجات بما يلي: I ـ إحتياجات معلومات بالنسبة لنقل التكنولوجيا: حيث تعتبر عملية نقل التكنولوجيا عملية معقدة للغاية فهي تتضمن مزيجاً من عوامل عديدة تكنولوجية ـ واقتصادية واجتماعية وسياسية وهي بالتالي تتضمن انواعاً متعددة من إحتياجات المعلومات في مراحلها المختلفة كالتنمية والبحث والتصنيع والتسويق والاستهلاك.. الخ. II احتياجات معلومات بالنسبة لتقييم التكنولوجيا: تتضمن إحتياجات المعلومات الأساسية بالنسبة للتقييم التكنولوجي معلومات عن السوق وبيان البدائل التكنولوجية وإذا ما تعمقنا في عملية التقييم يصبح من الضروري الحصول على معلومات عن العوامل التي تحدد استخدام التكنولوجيا في الظروف المحلية كالمواد الخام ـ التجهيزات ـ مصادر الطاقة ـ كما يتضمن تقييم التكنولوجيا تجميع وتحليل البيانات الأساسية بالنسبة لتأثير التكنولوجيا على العمالة والعملة الصعبة والمصادر الطبيعية. كما ينبغي أخذ الآثار الاجتماعية للتكنولوجيا في الاعتبار. فضلاً عما يستتبع إدخالها من استحداث في نظم التعليم والتدريب. وحتى يمكن للدول النامية أن تواجه متطلبات المعلومات هذه فلابد من تطوير قدرات وخدمات المعلومات القطرية. وقد تأكدت هذه الحقيقة بواسطة هيئة الأمم المتحدة وبواسطة المنظمات الدولية والوطنية وبواسطة برامج المعلومات وبرنامج اليونيسيست. 2 ـ على الصعيد الاجتماعي: أ ـ تكنولوجيا المعلومات والصحة: حيث يمكن أن تلعب تكنولوجيا المعلومات دوراً مهماً في نشر الوعي الصحي وإتاحة الخدمات الطبية للمناطق الريفية والبدوية وإقامة الخرائط الصحية والمخططات الأخرى للصحة الوقائية. وتطبيقات تكنولوجية المعلومات في مجال الصحة واسعة جداً نذكر منها ـ تشخيص الأمراض من خلال النظم الخبيرة والتي تساعد الطبيب على التأكد من الحالة المرضية وكذلك تساعد في تدريب وزيادة خبرة ومهارة الأطباء الجدد كما أنها تتيح استثمارات طبية أفضل للمناطق النائية. وكذلك تطوير الأدوية من خلال نظم المعلومات الدوائية حيث تساعد على مساندة البحث العلمي في مجال الدواء وتساعد في إرشاد الاطباء والمرضى إلى الجديد في مجال الدواء. وكذلك الرقابة على غرف العناية المشددة، حيث تساهم تكنولوجيا المعلومات في هذا المجال من تقليل عناصر المخاطرة ضد الإهمال البشري ودقة متابعة المرضى . وهناك الكثير الكثير من تطبيقات تكنولوجيا المعلومات على قطاع الصحة والطب حيث نسمع الان بنظام إجراء العمليات الجراحية عن بعد، حيث يستطيع الان أي مشفى يمتلك عتاداً معلوماتياً جيداً أن يجري عملية لاحد مرضاه على يد أفضل الاطباء في العالم دون أن يسافر الطبيب إلى مكان العملية أو أن يسافر المريض إلى مكان الطبيب. ب ـ تكنولوجيا المعلومات والمرأة: من الحقائق المعروفة أن توزيع العمالة في المجتمعات الانسانية على إختلاف مستوياتها قد أظهر انحيازاً ضد المرأة بدرجات متفاوتة، ويكاد الاتجاه نفسه أن يمتد إلى مجتمع المعلومات ليوكل للمرأة الأعمال الروتينية لتغذية البيانات وتنسيق الكلمات وحفظ السجلات وما شابه ذلك على الرغم من أن معظم الأعمال في نظم المعلومات والالكترونيات الدقيقة، خاصة في مجال البرمجيات تتواءم بشدة مع خصائص المرأة الفيزيولوجية والنفسية. علاوة على ذلك فإن تكنولوجيا المعلومات تتيح للمرأة فرصاً حقيقية للعمل في المنزل مما يمكنها من فرصة الجمع بين واجباتها الاسرية والمهنية. وفي عالمنا العربي ربما يمثل إمكان العمل من المنزل أملاً حقيقياً لاستعادة مشاركة المرأة في حقل العمل في ظل ما تسمح به التقاليد والعادات، ولقد ظلت المرأة العربية إلى يومنا هذا الرصيد الاستراتيجي لتعويض بطالة الرجل. ومع زيادة معدلات البطالة في عصر المعلومات من المتوقع أن يزداد عدد الاصوات المنادية بضرورة عودة المرأة العاملة إلى المنزل لاتاحة فرص أكبر لعمل الرجل بصفته هو الاحق بالعمل . ومن وجهة نظر أخرى فإن المرأة العربية والمتعلمة على وجه الخصوص مطالبة بجهد أكبر لإعداد أطفالها لعصر المعلومات وعلينا أن ننمي وعيها في هذا الاتجاه، خاصة وأن تنشئة الأطفال في مراحلهم المبكرة لها أعظم الأثر في تنمية قدراتهم الابتكارية التي تمثل أحد المطالب الأساسية في مجتمع المعلومات. 3 ـ على الصعيد السياسي: أ ـ تكنولوجيا المعلومات والديمقراطية وسلطة الحكم: إن حرية الحصول على المعلومات والديمقراطية وجهان لعملة واحدة، وليس من قبيل المصادفة أن تؤكد معظم دساتير العالم ومواثيقه حرية الحصول على المعلومات . ولكن أين نضع نقطة التوازن بين حق المواطن في أن يعرف ما يجري داخل وطنه وعالمه وحق الحاكم وأجهزة حكمه في حجب المعلومات عن مواطنيهم من أجل ترسيخ الأمن في الوطن ضد ما يهدده من داخله وخارجه. إن هذه العلاقة تحمل نقيضين: فعلى الجانب الموجب يمكن أن تساعد تكنولوجيا المعلومات على خلق مناخ أفضل للممارسة الديمقراطية، وتقوي من علاقة الحاكم بمواطنيه بما توفر له من وسائل للتعرف الدقيق على أوضاعهم وآرائهم. وما تمنحه لهم من فرص للمشاركة في صنع القرار وتوجيهه. وعلى الجانب السالب يمكن أن تتحول المعلوماتية سلاحاً ضد مصلحة المواطنين سواء من خلال أساليب التضليل الاعلامي أو فرض مزيد من الرقابة باستغلال المتاح من البيانات الخاصة عن المواطنين التي يقدمونها طواعية للجهات الرسمية وغير الرسمية أو يتم تجميعها بوسائل مشروعة وغير مشروعة. ورغم المبادرات الديمقراطية التي تشهدها حالياً بعض المجتمعات العربية فما زال هامش الديمقراطية المتاح يتماشى مع ما يتفرضه طبيعة الانتقال لعصر المعلومات. وستكشف الوسائل المعلوماتية عن مواضع الخللل الاجتماعية بصورة يتعذر معها التستر عليها مهما بلغت قوة وسائل الاعلام الرسمي لذا فإن الحكام العرب أمام خيار مصيري لامفر منه، وأغلبهم يدرك بوضوح ضرورة إحداث تغيرات جذرية في أساليب إدارة العملية السياسية. فالتغيير قادم لامحالة سواء من خارج المجتمعات العربية أو بفعل قوى الضغط الداخلية وهم بلاشك مدركون للصلة الوثيقة بين الأمن الداخلي وحقوق الإنسان العربي. ولايجب أن ننسى هنا حقوق الأقليات الدينية والإقليمية في الوطن العربي والدور الذي يمكن أن تلعبه نظم المعلومات بشأن ذلك، ونقصد هنا قدرة هذه النظم على إبراز مواضع الاحتكاك بين الأقليات وبين جماعات الأغلبية وإزالة كثير من أسباب هذا الاحتكاك من خلال زيادة التواصل ودقة التعرف على المواقف والدوافع. ب ـ تكنولوجيا المعلومات والأمن القومي: إن صلة التكنولوجيا المعلومات بالأمن القومي نابعة أصلاً من دورها في الصناعات العسكرية ونظم الدفاع والقيادة والسيطرة وأجهزة التجسس ورفع الكفاءة القتالية من خلال التدريب واستخدام الكمبيوتر في تطبيق بحوث العمليات . وتتخذ هذه الصلة بعداً عبياً خاصاً نظراً لتفوق إسرائيل الواضح في التطبيقات العسكرية لتكنولوجيا المعلومات، واستغلالها النواتج الفرعية لهذه التطبيقات لتحقيق تفوق استراتيجي في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ومن جهة أخرى فقد أثبتت أجهزة المخابرات لدى إسرائيل ومؤسساتها الإعلامية قدرة فائقة على تجميع بيانات تفصيلية على كل ما يجري في الوطن العربي، وفي حين تنشط حركة الترجمة من العربية إلى العبرية وتلاحق بهمة عالية ما تصدره دور النشر العربية تنزوي حركة الترجمة المعاكسة من العبربة إلى العربية. لقد جعلنا من إسرائيل ثقباً معلوماتياً أسود فليس لدينا معلومات كافية عما يجري داخل إسرائيل وخير مثال على ذلك وأخطره بالطبع هو قصور معلوماتنا الشديد عن الترسانة الاسرائيلية لاسلحة الدمار الشامل "النووية ـ الكيماوية ـ الجرثومية". وقد أفرزت هذه الفجوة المعلوماتية بيننا وبين عدونا جيوشاً من الدعاة ممن يدعون إمتلاك الحقيقة القاطعة ويعبثون بعقول البسطاء وأصحاب النوايا الطيبة. بانتقاء المعلومة وانتقاصها قصداً أو جهلاً. أو مداعبة وجدانهم بعبارات النفاق لديننا الحنيف ولغتنا العظيمة وتاريخنا التليد ومن خلال ذلك يدسون السم بالسمن كما يقال. إذن إن إستخدام إسرائيل لتكنولوجيا المعلومات سواء على صعيد الصناعات الحربية أو على صعيد التوجيه الاعلامي أو ما يسمى "الدعاية الاعلامية" يجعل العرب أمام تحدي كبير وخطر عظيم. وكلنا يعرف كيف استطاعت إسرائيل بواسطة تكنولوجيا المعلومات التي سخرتها في مجال الدعاية والاعلام أن تقلب الموازين وتجعل نفسها تلك الأمة ـ إن صح التعبير ـ المسالمة صاحبة الحق والمضطهدة من قبل العرب وجعلت أصحاب الحق ـ العرب ـ أولئك الإرهابيون الطغاة الظالمون الذين يضطهدون ذلك الشعب المسالم. لذلك يجب علينا توفير وسائل البحث والتحقيق وإنشاء نظام إعلامي جديد وقوي نستطيع من خلاله التصدي لهذه الهجمات الإعلامية الكبيرة. جـ ـ تكنولوجيا المعلومات وسيادة الدولة: لقد إندمج العالم إتصالياً وإعلامياً وإقتصادياً وثقافياً بصورة أوجبت إعادة النظر فيما استقر عليه الرأي طويلاً بشأن مفهوم سيادة الدولة واستقلاليتها واكتفائها ذاتياً. فكيف تدعي دولة ما السيادة على ما يجري داخل حدودها وأقمار التجسس من فوقها لاتعترف بالحدود والحرمات. ووسائل الإعلام الخارجية تبث لهذه الدولة ما يحلو لها أن تبثه وكيف للدولة مهما كانت قدرتها أن تمنع تسرب الأفكار والمعلومات عبر حدودها. وماذا عن اخطبوط الشركات متعددة الجنسيات التي لاتعترف بحدود دولية أو جغرافية أو إقتصادية فهي تعمل وفقاً لمعايير اقتصادية بحتة مقطوعة الصلة بالانتماء القومي ولايخضع نشاطها لسلطة الدولة التي تعمل بها او تعبر من خلالها أراضيها. وقد نمت لهذه الشركات قدرات فائقة تضمن لها أقصى درجات المرونة في التعامل مع الحكومات والمؤسسات المحلية علاوة على ذلك فقد وفرت تكنولوجيا المعلومات وسائل مبتكرة للغاية لنشاط التجسس على إختلاف أنواعه. وعالمنا العربي عرضة أكثر من غيره لعمليات الإختراق المعلوماتي، ويشهد الواقع الراهن عن عجزنا في إتخاذ موقف متحد او شبه متحد ضد سطوة الشركات متعددة الجنسيات. 4 ـ على الصعيد الثقافي: أ ـ تكنولوجيا المعلومات والفن: إن علاقة تكنولوجيا المعلومات بالفن ما زالت في بدايتها وتطورها رهن بما سيتحقق في مجالات الذكاء الاصطناعي. ومن جانب آخر على مدى نجاحنا في سبر أغوار عمليات الادراك البصري والسمعي ووضع أيدينا على مفاتيح السر الذي يحرك جهازنا العصبي. عندها فقط يمكن للكمبيوتر أن يدخل ساحة الابداع من أوسع أبوابه هل سيأتي ذلك اليوم الذي ننجح فيه في فك شيفرة ملكة الإبداع حتى يمكن أن تصاغ عمليات إنتاج الشعر والموسيقى والاشكال في صورة خوازرميات ومعادلات. أما بالنسبة لعلاقة تكنولوجيا المعلومات بالفن التشكيلي فقد أمكن بالفعل استخدام الكمبيوتر في تكوين اللوحات باستخدام برامج صنع الأشكال وشاع إستخدام الكمبيوتر في تشكيل المناظر الخلفية للافلام السينمائية خاصة لتلك التي تتناول عوالم الخيال والتي يصعب على الديكورات الحية مهما بلغت دقتها أن تمثلها. كما أن الكمبيوتر يوفر إمكانية هائلة في تصميم الخطوط وإختيار الألوان ومزجها. وكذلك يتميز الرسم بواسطة الكمبيوتر بالمرونة التامة في تصغير الأشكال وتكبيرها وتجزئتها وإعادة تجميعها وتحريكها ونقلها وكذلك دمجها مع أشكال أخرى وتمثل الزخرفة العربية موضوعاً مثالياً لإنتاج الأشكال آلياً نظراً لعلاقاتها الهندسية الواضحة وإنتظام أشكالها. وكذلك لقد نجح الكمبيوتر وبصورة مذهلة في صناعة الرسوم المتحركة الأمر الذي وفر الجهد والوقت اللازم لصناعتها يدوياً، حيث كان الرسام يرسم اللقطة الواحدة قرابة عشرين أو ثلاثين حركة. وهو ما يسمى "بالحركات الوسيطية" التي يتحور خلالها الشكل تدريجياً من وضعه الأول إلى وضعه النهائي. فقد أعفى الكمبيوتر الرسامين من هذه المهمة المكلفة المملة. كما استخدم الكمبيوتر في ترميم اللوحات وذلك لتعويض المساحات المفقودة أو الباهتة في اللوحات التالفة وإظهار اللوحة الكاملة على شاشة الكمبيوتر، أو إمداد فنان الترميم بالشكل الأصلي لهذه المساحات ليقلدها على اللوحة الأصلية. ولكن يا هل ترى سينتهي عصر الالوان والفرشاة من عالم لافن...؟ ب ـ تكنولوجيا المعلومات والشعر والموسيقى: من الوهلة الأولى تبدو المسافة شاسعة تلك التي تفصل بين الشعر والكمبيوتر، ولكن الحقيقة غير ذلك. فاستخدام الكمبيوتر لتوليد الشعر بغرض التسلية بات نوعاً محبباً من فنون الآلة فما علينا مثلاً إلا أن نحدد له الموضوع الذي نريده للقصيدة ونمده بقائمة المفردات ونحدد لها ميزان الشعر الذي نريد أن نخرج القصيدة على نمطه. علاوة على عدة ضوابط لغوية وأسلوبية. وما أن نحدد لها ذلك حتى يقوم البرنامج داخلها باختيار الفاظه بصورة عشوائية في إطار الموضوع المحدد ووفقاً للميزان المطلوب في ظل القواعد المحددة. وبالطبع من المستحيل أن يكون مثل هذا التبسيط نوعاً من الشعر وبالرغم من ذلك فهناك تجارب لكتابة الشعر بمعاونة الكمبيوتر. هذا عن حلم أصحاب الغايات البعيدة، أما أصحاب النظرة الواقعية، فينشغلون فيما يخص علاقة الشعر بتكنولوجيا المعلومات بما هو أقل طموحاً، وربما يكون أكثر نفعاً فيؤكدون استخدام الكمبيوتر في بناء المعاجم المفهرسة للشعراء القدماء والمحدثين. ويمكن للمعاجم الشعرية الآلية أن تمدنا بقوائم عديدة تعكس تواتر الألفاظ وتواكبها وإحصائيات عديدة من الخصائص المعجمية والصرفية والنحوية لهذه الألفاظ وتراكيب الجمل. إن هذه الفهارس الشعرية الآلية يمكن أن تكون مصدراً غنياً لاثراء المعجم العربي وإحياء المهجور من ألفاظه وتوسيع نطاق المعاني للالفاظ الواردة فيه . أما بالنسبة للموسيقى ـ أقدم الفنون وأرقاها ـ وربما أكثرها صلة بتكنولوجيا المعلومات فالموسيقى تدين لتكنولوجيا المعلومات بانتشارها الواسع الذي جعل منها عنصراً أساسياً لثقافته الخاصة والعامة على السواء. عن طريق الإذاعة اللاسلكية وإنتشار الأجهزة الإلكترونية الإستهلاكية لسماع الموسيقى وتسجيلها ونسخها. هذا عن علاقتها غير المباشرة بالتكنولوجيا الالكترونية، أما عن علاقتها المباشرة بها فقد كانت شرارة البدء في المحاولات الاولى التي قام بها الألمان، خاصة منذ إختراع الصمام الإلكتروني لصناعة الآلات الموسيقية الالكترونية التي يمكن لها إصدار أصوات تماثل تلك التي تصدرها الآلات التقليدية . وتحول هذا الاتجاه تدريجياً نحو استخدام الوسائل الالكترونية لتوليد أصوات جديدة بهدف توسيع نطاق الابجدية الصوتية، وإثراء النسيج الصوتي، وذلك من خلال الوسائل الالكترونية لتقطيع الشرائح الصوتية وتسريع إيقاعها أو تبطيئه وإعادة تركيبها ومزجها. ولقد تم الحصول لأول مرة على أصوات نقية تماماً خالية من الترددات الترافعية والنغمات الزائدة. التي عادة ما تشوش الأصوات الصادرة عن الآلات التقليدية، وأمكن أيضاً استخلاص الاصوات من الطبيعة كصوت هدير البحر وعواء الرياح واما شابه. ومزج هذه الأصوات مع أصوات الآلات وهكذا انفصلت عملية إنتاج الموسيقا عن الآلة. وخرج إلى الوجود ما أطلق عليه أسم الموسيقا المحسوسة التي يولدها مولد الموسيقى الالكترونية لتسجل على الشريط مباشرة دون الحاجة إلى الالات ولاعازفين. لقد أصبحت الوسائل الالكترونية من لوازم عملية التأليف الموسيقي حيث يلجأ إليها المؤلف لاختبار مدوناته واستعراض بدائل توزيعها على الآلات. ولم تفعل التكنولوجيا الالكترونية عن المتذوق الموسيقي، فهي تضيف كل يوم جديداً لتقريب درجة الاستمتاع بالموسيقى المسجلة إلى تلك التي يمنحها العزف الحي في قاعات الموسيقى. ووصل الأمر إلى إستخدام برامج الكمبيوتر للعزف على الآلات مباشرة ليصبح الكمبيوتر بمثابة عازفك الخاص يحرك بيده الخفية أصابع لوحة مفتاح البيانو أوتوماتيكياً ليعزف لك المقطوعة التي قمت باختيارها. جـ ـ تكنولوجيا المعلومات والإعلام والسينما: لقد ولد الإعلام الجماهيري من رحم هندسة الالكترونيات التي منحته عصاه السحرية الإذاعة المسموعة والمرئية. وإرتبط نموه إرتباطاً عضوياً مع ما يحدث على صعيد تكنولوجيا المعلومات خاصة على جبهتي الالكترونيات الدقيقة والاتصالات. وإذا كان الراديو والتلفزيون قد نجحا في تحويل إعلام الصفوة إلى إعلام الكتلة أو الجماهير فإن تكنولوجيا المعلومات تسعى حالياً لنقل الإعلام الجماهيري إلى مرحلة الإعلام المتخصص، وعلى حين كان الحديث في الماضي عن البث على نطاق واسع نسمع الان عن البث على النطاق الضيق بهدف تصويب الشحنة الاعلامية لفئات معينة. إن الإعلام يتجه من نظام يبث الرسالة نفسها لعامة مشاهديه إلى نظام يتيح للمشاهد أن ينتقي مواد إعلامه وتحديد مواعيد استقباله لها. أو إختيار موضوع جريدته من ضمن قاعدة كبيرة من المواد الجاهزة للنشر وتحديد شكل إخراج هذه الجريدة ولم يكن لذلك أن يحدث دون التقدم الهائل في مجال تكنولوجيا الإتصالات. حيث توافرت وسائل عملية لربط مراكز البث الإعلامي بفئات جماهيرية من خلال كابلات الإتصال المباشر أو من خلال شيفرات خاصة. هذا من حيث علاقة مراكز الإعلام بمشاهديها أما علاقة المشاهد بمعدات إستقبال المواد الإعلامية فتتجه إلى الإندماج في نظام متكامل للترفيه المنزلي يجمع بين الراديو والفيديو والتلفزيون والمسجلات بأنواعها، وأجهزة العرض وتعمل جميعها تحت سيطرة الكمبيوتر. ويمثل الفيديو التجاوبي ثورةحقيقية في عالم الترفيه والتثقيف والتعليم، حيث ستمكن المشاهد من منزله من ممارسة أنشطة أقرب ما تكون للانشطة الحقيقية فقريباً جداً سيقوم بزيارة المتاحف والتجول في اللعارض وزيارة المواقع الاثرية وهو جالس أو راقد في موضعه. أما الكتاب فهو في سبيله للتحرر من أسر التنظيم الخطي الذي يقرره مؤلفه وتفرضه إستاتيكية جمود المادة المطبوعة وتكنيك تجليد الكتب إن كتاب الغد سيتم نشره على قرص ضوئي. وهو ما أطلق عليه البعض مصطلح الكتاب الديناميكي. مما سيعطي القارىء حرية تامة في إختيار مسار رحلته في قراءة الكتاب. حيث يمكن أن ينتقل من عرض النصوص والمعادلات إلى عرض الأشكال والصور إلى الصور الحية وإلى نماذج المحاكاة ويتفاعل معها بصورة ممتزجة. إذن هناك تغيرات جذرية سوف تطرأ على العلاقة بين وسائل الإعلام وجماهيرها وبين المؤلف وقارئه وناشره. والأهم من ذلك بين القارىء وكتابه وقد أصبح مفتوحاً بكل معنى الكلمة. يستعرض مادته طولاً وعرضاً يميناً وشمالاً، يمهرها بملاحظاته ويربط بين عناصرها المتناثرة وفقاً لمطالبه وتصوراته. ولقد حان لوسائل النشر والإعلام الجماهيري أن ترد لهذه الجماهير حقها الديمقراطي الذي سلب منها طوال عهود ا لتلقي السلبي سواء لضرورة تكنولوجية أو لضغوط سياسية وإقتصادية. ومن جانب آخر فإن العالم العربي سيكون هدفاً ثابتاً للحملات الإعلامية الشرسة من قبل وكالات الإعلام الغربية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وستستخدم ترسانة الأسلحة الإعلامية الحديثة لتوجيه الرأي العام في المجتمعات العربية وإضعاف جهاز المناعة الثقافية له بترويج نتاج الفكر الغربي وقيم الحضارة الغربية. وعلى الجانب الإيجابي يمكن للإعلام مدعماً بتكنولوجيا المعلومات أن يلعب دوراً رئيسياً في توصيل الخدمات التعليمية للمناطق الريفية والبدوية والإسهام في علاج أوجه القصور في التعليم الرسمي وستزيد أهمية الإعلام حتماً في ملء أوقات الفراغ والتعليم المستمر والإرقتاء بالوعي الثقافي للجماهير العريضة، علاوة على أن عالمية الإعلام يمكن أن تمثل ساحة للإحتكاك الحضاري ووسيلة لتنمية وعي إنسان هذا العصر. عسى أن يرى خلالها الشمال المتقدم ما يعانيه الجنوب المتخلف ويطل منها سكان الجنوب على الجوانب المشرقة لمجتمعات الشمال ذات المغزى بالنسبة لهم. أما صناعة السينما حيث أنتشر الكمبيوتر في أدق مهامها الفنية إلى عملية الإنتاج السينمائي إلى تجهيز دور العرض. ودور الكمبيوتر في صناعة المؤثرات الخاصة كما هو معروف للجميع وخاصة في أفلام الخيال العلمي، حيث يسهم الكمبيوتر في خلق العوالم اللاواقعية بتضاريسها وفضائها وموجوداتها وقد شاع أخيراً إستخدام الكمبيوتر في إحلال الأشكال المجسمة مقام النماذج الفعلية لمركبات الفضاء وكائنات هذه العوالم. ويستخدم الكمبيوتر أيضاً في ترميم الأفلام القديمة وذاع أخيراً إستخدامه في تلوين الأفلام القديمة التي كانت بالأبيض والأسود. ولكن أكثر ما سمعناه إثارة بلاشك هو محاولة إشراك الممثلين الذين رحلوا عنا في أفلام جديدة ويتم ذلك من خلال استرجاع أشكالهم وإنماط حركاتهم وأصواتهم من أفلامهم القديمة ومن هذه البيانات تقوم برامج تحريك الأشكال بتوليد شكل هؤلاء الممثلين ـ الموتى ـ في أي وضع ومن أي منظور. وكذلك بعث الحركة في أوصالهم ويمكن إخراج الكلام على ألسنتهم بطرق آلية، إن أرشيف الصور والأفلام القديمة تحول الآن إلى أرشيف حي، وها هو الكمبيوتر يحاول أن يعبر الفاصل بين استانيكية ـ جمود ـ الشكل وديناميكيته.
#ياسر_عساف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب وعصر المعلومات
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|