أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - إيزيس / مريم / زينب















المزيد.....


إيزيس / مريم / زينب


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4205 - 2013 / 9 / 4 - 23:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إيزيس / مريم / زينب
طلعت رضوان
إيزيس أنجبتْ حورس ومريم أنجبتْ عيسى . اشتركتْ الإثنتان فى الانجاب بدون اتصال جسدى. إيزيس فى الأسطورة المصرية جمعت أشلاء زوجها أوزير بعد موته وحملتْ منه بقوة سحرها. ومريم حملتْ ببشارة جبريل فى التراث العبرى بأنها ستلد المخلص يسوع فذكر إنجيل متى ((كانت مريم مخطوبة ليوسف (النجار) قبل أنْ يجتمعا وُجدتْ حبلى من الروح القدس)) وأنّ ملاك الرب ظهر ليوسف وقال له مريم ستلد ابنــًا وتدعو اسمه يسوع (متى : الإصحاح1) وفى القرآن ((واذكر فى الكتاب مريم.. فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويًا)) ولما انزعجتْ قال لها ((أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيّا. قالتْ أنىّ يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيًا. قال كذلك قال ربك)) (مريم- من 16- 21) وتتناثر القصة فى سور عديدة مثل ((إذْ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يُبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم)) (آل عمران- من 35- 45) وكذا سورة (المؤمنون/50)
إذن يوجد تشابه بين إيزيس ومريم فى مسألة الانجاب بدون اتصال جسدى ، فما علاقتهما بالسيدة زينب بنت على بن أبى طالب وأخت الحسين؟ خصوصًا وأنها تزوّجت من ابن عمتها عبدالله بن جعفر. وأنجبتْ أربعة من الذكور وبنتيْن تزوّج الحجاج من إحداهما. أى أنّ السيدة زينب أنجبتْ بطريقة طبيعية ككل البشر، وليس كما فى الأسطورة المصرية أو القصة العبرية. فما الذى جعل شعبنا يلضم إيزيس ومريم وزينب برباط واحد مجدول بالحب والوله ؟ تكمن الاجابة فى الوجدان المصرى الذى ألـّه المرأة وقدّسها (أم وزوجة وابنه) وكما أبدع شخصية إيست/ إيزى (إيزيس وفق النطق اليونانى) أبدع رمز العداله فى الإلهة ماعت أو ماعاط كما يرى بعض العلماء ومن اسمها كان عندنا (معاطى) وهو اسم مصرى ليس له مثيل لدى أى شعب. ولذا لم تكن مصادفة أنْ تحكم مصر تسع ملكات (يرى بعض العلماء أنّ العدد أكبر) بخلاف الأميرات والمناصب الحسّاسة مثل (قاضية) ورئيسة (نقابة) للتمريض والآلاف من الموسيقيات والعازفات والراقصات اللائى حفظ سيرتهن الفنانون الذين سجّلوا حياتهن على أوراق البردى والجداريات.
تقديس المصرى للمرأة وصل لدرجة عدم إهتمامه بجنسيتها ، فكما عشق إيزى المصرية عشق مريم الأجنبية. وكما عشق الأقباط المسيحيون مريم كذلك عشقها الأقباط المسلمون، وكانت ترجمة هذا العشق انتشار اسم مريم بين الأقباط المسلمين. وإذا كان هذا الموقف من المسلمين أحد مؤشرات غياب التعصب الدينى فى الوجدان المصرى ، فإنّ التشابه بين ميلاد حورس وميلاد المسيح كان فى خلفية العقل الجمعى فى الربط بين إيزى ومريم .
عكستْ الحضارة المصرية ثقافتها القومية على المرأة وتقديسها، وهو ما جعل شخصية إيزى تنتشر بين شعوب عديدة، وهو ما لفت نظر عالم المصريات الكبير أدولف إرمان الذى كتب ((مع إنّ المسيحية كــُتب لها الفوز فى مصر منذ أمد بعيد ، ظلتْ عبادة إيزيس فى فيلة حبيبة للنوبيين. وعندما عقد القائد مكسيمينوس عام 452م معاهدة سلام مع الشعبيْن، سمحتْ بيزنطه التقية لمن وصفتهم ب (الوثنيين) بحرية الحج إلى معابد فيله وجلبوا منها تمثال إيزيس كل عام للاحتفال به. وبعد قرن كامل عندما انتهتْ تلك المعاهدة، أمر جستنيان بإغلاق معبد فيله وحبس كهنته. ونقل تماثيل الآلهة المصرية إلى القسطنطينية)) وفى أثيوبيا جدارية تـُمثل شاهد مقبرة وفيها وقف الميت يتعبد لإيزى وأوزير. ونظرًا لانتشار عبادة إيزى تم العثور على نصيْن فى بعض الجزر الإغريقية. فى أحدهما نص كتبه هوميروس ورد فيه ((أنا إيزيس عاهلة البلاد جميعًا. وابتدعتُ بالاتفاق مع هرمز الكتابة الشعبية وسننتُ للناس القوانين. وقضيتُ بأنْ يحب الأبناء آباءهم . ووضعتُ مع أوزير حدًا لأكل البشر. وجعلتُ العدالة أقوى من الذهب والفضة. وأنْ يرى الناس الحق جميلا)) وكذا أنشودة فى كيوس جاء فيها ((أنتِ أيتها الإلهة المقدسة. أيتها الأم إيزيس ذات الأسماء العديدة. يا من ترين كل شىء إنك تهبين البشر خيرًا كثيرًا)) وكان تعليق إرمان ((غدتْ إيزيس سيدة جميع العناصر. والإلهة العليا فى مملكة الموتى ورئيسة أهل السماء.. فكان العالم بأسره يعبدها بأسماء مختلفة. فكانت الإلهة أثينا وفى قبرص أفروديت وفى كريت أرتميس وفى صقلية برسيفون. وهكذا نرى أنّ إيزيس ابتلعتْ جميع الآلهة التى كانت تـُعبد فى أوروبا. ومن إيطاليا إلى الهند وفارس ومن البحر الأسود إلى البحر الأحمر كانت السيادة فى كل مكان للإلهة (ذات الأسماء العديدة) وستون شعبًا كانوا يعبدونها على أنها الفضلى ، الجميلة ، الطاهرة إلخ)) وأهم ملحوظة استوقفتْ إرمان ((أنه لاحظ أنّ أتباع العقيدة المصرية الأتقياء كانوا ينسبون أنفسهم لإيزيس لا إلى أوزير)) فهل هناك تبجيل للمرأة أكثر من ذلك؟ ولذا انتشرتْ عبادتها فى أفريقيا وإسبانبا وفى بلاد الدانوب وفرنسا وإنجلترا وفى جبال الألب وألمانيا وفى منطقة الراين تماثيل صغيرة للآلهة المصرية من بينها تمثال لإيزيس وتمثال آخر فى كولونيا. وهكذا سادتْ عقيدة إيزيس فى كل أوروبا. وكان سلطانها ينمو على الدوام حتى نهاية القرن الثانى واستمرتْ حتى القرن 12الميلادى. وتسبّبتْ مقطوعة (الناى السحرى أو الفلوت الساحر) التى كتبها الموسيقار النمساوى فولفانج أماديوس موتسارت (1756- 91) فى زيادة انشار ديانة إيزيس، ولذا صرخ الشاعر الألمانى جوته (1749- 1832) فى حنق وغيظ ((أى إيزيس وأوزير. لو إنى أستطيع التخلص منكما)) فكتب إرمان (وهو ألمانى أيضًا) ((ولكننا نحن الذين نعرف هذه الأسطورة من مصادرها القديمة الخالصة، وهى أقدم ما فى العالم من أساطير، فإننا ننظر إليها نظرة مختلفة كما نستطيع أنْ نبتهج بها فى غير تحزب)) (ديانة مصر القديمة- أكثر من صفحة)
ولأنّ مريم أنجبتْ عيسى بالقدرة الإلهية، لذا اندمجتْ شخصيتها مع إيزى، ولأنّ شعبنا قدّس المرأة لذلك أحبّ مريم كما أحبّ إيزى، ولأنّ شعبنا مؤمن بالتعددية بغض النظر عن الدين، لذا كانت المرأة المصرية (المسلمة) تزور مقابر القديسات المسيحيات وتنذر لهن النذور، والتقى ذاك الفعل مع المرأة المصرية (المسيحية) فتزور السيدة زينب وتهب لها النذور. كما أنّ الكثيرات منهن يصمن صيام شهر رمضان. ولم يقتصر الأمر على السيدات، وإنما على الرجال المسيحيين أيضًا وهو الأمر الذى عايشته بنفسى .
أما ولع شعبنا بالسيدة زينب فيرجع إلى قصة حياتها المأساوية التى توافرتْ فيها كل عناصر التراجيديا بلا أدنى مبالغة. فقد شهدتْ مقتل والدها (على بن أبى طالب) على يد عبدالرحمن بن ملجم. وقبل إغتيال الأب عاشت زينب أهوال موقعة الجمل التى كانت عائشة زوجة النبى هى القائدة ضد على بن أبى طالب. وعاشتْ مرارة الأب وهو يحكى لها أنّ عدد القتلى وصل عشرة آلاف كلهم عرب وكلهم مسلمون تم قتلهم على يد عرب مسلمين موحدين مثلهم وفيهم بعض صحابة الرسول. وحزّ فى نفس زينب أكثر أنْ تكون عائشة (أم المؤمنين) والتى قال عنها محمد خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء هى المُحرّضة. وتتضاعف مأساة زينب حين تسمع أنّ عائشة كفــّرت والدها لدرجة أنّ الشاعر (ابن أم كلاب) خاطبها قائلا كما روى الطبرى ((منكِ البداء ومنكِ الغير/ ومنك الرياح ومنك المطر/ وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام/ وقلت لنا : إنه قد كفر)) وكل ذلك لأنها لم تغفر لعلى موقفه منها فى حديث الإفك عندما أشار على محمد بطلاقها. وقال له أيضا (إنْ أقامت على الجحود فاضربها)) فيشتعل الصراع النفسى داخل زينب ولا تعرف هل تلوم والدها لأنه كان يُعبّر عن وجهة نظره بصراحة وصلتْ لحد السذاجة لأنه تغاضى عن مكانة عائشة المُدللة عند زوجها محمد، أم تنقم على عائشة التى كفــّرتْ والدها ثم حرّضتْ على قتله بحجة الدفاع عن الخليفة المقتول (عثمان) وهى حجة باطلة بدليل أنها سبق لها وكفــّرت عثمان كما كفـّرتْ على وكانت تـُشبّه عثمان بشخص يهودى اسمه (نعثل) وكانت تسير فى الطرقات وتقول ((اقتلوا نعثلا فقد كفر)) وبعد المعركة شهدتْ صراع والدها مع معاوية فى معركة (صفين) فى الشام . ثم صراعه مع الخوارج الذين كفروه فى (النهروان) وتستمر تراجيديا زينب بعد مقتل شقيقها الحسن على يد زوجته (جعدة بنت الأشعث) التى أرسل لها معاوية رسالة مع رسول من طرفه قال فيها ((إنى مزوجك بيزيد ابنى على أنْ تضعى السم لزوجك الحسن. مع وعد بألف درهم)) وبعد أنْ وضعت السم لزوجها أرسل لها معاوية المال ، وعندما سألته عن زواجها من ابنه يزيد قال لها جملته المشهورة ((من قتلتْ الحسن بن على يسهل عليها قتل يزيد بن معاوية)) كما عاشت زينب مأساة منع آل الرسول فى ميراث أبيها بعد أنْ حقق معاوية هدفه فى تنصيب ابنه يزيد الخليع وتفويت الفرصة على شقيقها الحسين حفيد خديجة أم المؤمنين وبطلة الإسلام الأولى ، وتكون الخلافة لحفيد هند آكلة الأكباد وبطلة الانتقام الوحشى فى غزوة أحد.
بعد كل هذه الكوارث تصل مأساتها إلى ذروتها عند فصل مقتل شقيقها الحسين. ولكى تـُدرك – قارئى الكريم – عمق مأساتها ، عليكَ أنْ تضع نفسك مكانها وهى ترصد تغير موقف أهل الكوفة وغدرهم بشقيقها ، فبعد أنْ شجّعوه على الحضور والتمسك بحقه فى الخلافة ، إذا بهم يتخلون عنه لدرجة الهروب والمكوث فى بيوتهم ، وهو الأمر الذى رصده الطبرى فى (تاريخه) وكذلك أبو الفرج الأصبهانى فى (مقاتل الطالبين) فذكرا أنّ السيدات العراقيات بعد أنْ شاهدنَ هروب الرجال وعدم تحمسهم للوقوف مع الحسين ، وخوفهم من يزيد بن معاوية ، فكنّ يأمرنَ أولادهنّ بالابتعاد عن الحسين ومن معه من أهل بيته. أما الرجال من العراقيين فكانوا يقولون لأبنائهم ولأشقائهم ((غدًا يأتى أهل الشام . فماذا تصنعون بالحرب ؟ انصرفوا إلى بيوتكم))
انصرف الجميع ولم يبق مع مسلم بن عقيل بن أبى طالب (الذى اختاره الحسين ليسبقه إلى الكوفة) إلاّ حوالى ثلاثين رجلا . تعرّض (مسلم) للضرب وسالت منه الدماء ثم أخذوه إلى ابن زياد الذى أمر أنْ يصعدوا به إلى أعلى القصر. وهناك ضربوا عنقه بالسيف وألقوا جثته من فوق القصر. أما صاحبه (هانىء بن عروة) المؤيد للحسين فتم صلبه فى السوق. وذكر الطبرى أنّ أحد الشعراء شهد الصلب والاطاحة برأس هانىء أنه قال ((فإنْ كنتِ لا تدرين ما الموت فانظرى/ إلى هانىء فى السوق وابن عقيل/ فإنْ أنتم لم تثأروا لأخيكم/ فكونوا بغايا أرضيت بقليل))
ورغم أنّ هذه الأخبار كانت تصل للحسين ، ورغم نصائح أهل مكة الذين حذروه من أهل العراق ، بل ونصيحة عبدالله بن عباس له بعدم الذهاب إلى العراق ، رغم كل ذلك أصرّ الحسين على الذهاب لمصيره ، وليته ذهب وحده ، وإنما أخذ معه أهل بيته وفيهم شقيقته زينب ، فذهب إلى حتفه ليُسطر خاتمة المأساة مثله مثل الأبطال التراجيديين فى الأساطير.
كانت زينب معه دون زوجها. فأين زوجها؟ عند هذا الفصل من حياة زينب ندخل إلى أعماقها فنرى جانبًا من مأساتها (الشخصية) فالسيدة زينب كانت لها شقيقة اسمها (زينب الوسطى) بنت على بن أبى طالب المعروفة باسم (أم كلثوم) وتزوّجها عمر بن الخطاب وهى صبية صغيرة. وبعد اغتيال عمر بيد أبو لؤلؤة فيروز- مولى المغيرة بن شعبة وهو فى المسجد ، تزوّجتْ أم كلثوم محمد بن جعفر بن أبى طالب فلما مات تزوجت عبدالله بن جعفر- زوج السيدة زينب- أى أنه جمع بين الأختيْن- السيدة زينب وأختها أم كلثوم. وكانت الكاتبة د. عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطىء) دقيقة وهى ترصد علاقة السيدة زينب بزوجها وزواجه من شقيقتها فكتبتْ ((راجعتُ ترجمة عبدالله بن جعفر حيثما ظفرتُ بها ، فلا أرى من المؤرخين أو المترجمين من أشار إلى طلاقه للسيدة زينب.. ونسأل كتب التاريخ والتراجم : هل كان شىء بين الزوجيْن ؟ فتصمتْ هذه وتلك ، لا تـُحير كلتاهما جوابًا)) وحتى بعد مقتل الحسين لا تعود زينب إلى زوجها وإنما أقامت فى المدينة فترة قصيرة رحلتْ بعدها إلى مصر.
ذاك الجانب الشخصى لابد أنْ يوضع مع مجمل مأساتها وهى تسمع أهل العراق يقولون لشقيقها الحسين ((إنّ قلوب الناس معك وسيوفهم عليك. فارجع)) ولما شاع خبر قدوم الحسين بين أهل الكوفة أقبل عليه من أهلها أربعة رجال (فقط) فتصدى لهم أحد أتباع يزيد وأعادهم لبيوتهم . وتشتد الفاجعة عندما أمر يزيد أنْ يتم حصار الحسين وأهله ويُمنعون من الماء. تكوّن جيش الكوفة من أربعة آلاف مقاتل يقودهم عمر بن سعد بن أبى وقاص . تراجع الحسين وهو يرى الموت مُجسّدًا فطلب من عمر أنْ يختاروا له واحدة من ثلاث ((1- أنْ يرجع إلى الحجاز من حيث جاء 2- أو يمضوا به إلى يزيد بن معاوية 3- أو يسيروا به إلى أى ثغر من ثغور المسلمين فيكون رجلا من أهله له ما لهم وعليه ما عليهم)) أرسل عمر طلب الحسين إلى يزيد فكان الرد ((إنْ نزل الحسين وأصحابه على حكمى واستسلموا فابعث بهم إلىّ . وإنْ رفضوا فازحف إليهم وتقتلهم وتـُمثل بجثثهم فإنهم لذلك مستحقون . فإنْ قــُتل الحسين فأوطىء الخيل صدره وظهره فإنه عاق شاق قاطع ظلوم)) تسمع زينب ذاك الكلام عن شقيقها فيتضاعف حزنها.
والآن نصل إلى المذبحة : جيشان غير مُتكافئيْن : جيش عمر بن سعد بن أبى وقاص أمير الكوفة المكوّن من أربعة آلاف بأسلحتهم ، وجيش الحسين المُكوّن من ثلاثة وثلاثين فارسًا وأربعين رجلا من أهله وأصحابه ومن ورائهم النساء والأطفال . أخذ الحسين يستعطف عمر ويُذكره بما قال النبى عنه وعن شقيقه الحسن ((أنتما سيدا شباب أهل الجنة)) فلم يرد عليه أحد. ثم ذكرهم بوعودهم بنصرته. فكان رد عمر((القتال حتى تسقط الرؤوس)) وتشهد زينب والألم يعصرها ابن شقيقها (على الكبير بن الحسين) وهو يشكو لأبيه جفاف حلقه من شدة العطش، فلا يملك الأب إلاّ مناشدة ابنه بالصبر حتى يشرب من يد الرسول فى الجنة. وبعد مشهد التوسل لطلب الماء تشهد زينب أول قتيل الذى كان ابن شقيقها. ثم نصل إلى الحسين الذى اندفع نحوه عشرة رجال لقتله وهو مع نسائه وأهل بيته. ووصف المؤرخون أنّ جثته كان بها 33طعنة قبل حز رأسه. مات كل أصحاب الحسين ولم يبق إلاّ أهل بيته من النساء والأطفال. وتم ترك الجثث فى العراء. وذكر الطبرى ((مال الناس على الحلل والإبل فانتهبوها (باعتبارها غنائم حرب) ومالوا على نساء الحسين ، وكانت المرأة تحاول ستر نفسها فيمنعها الجنود)) وذكر الطبرى أيضًا أنّ ((الخيل كانت تطأ جثث الشهداء))
قبل الذهاب برأس الحسين إلى يزيد ، أخذه حامله إلى بيته وقال لزوجته ((هذا رأس الحسين معك فى الدار)) فصاحتْ ((ويلك. جاء الناس بالذهب والفضة وجئتَ برأس ابن بنت رسول الله. والله لا يجمعنى معك بيت أبدًا)) تم تجهيز موكب الأسرى والسبايا من النساء والأطفال. وكان بينهم غلام مريض من أبناء الحسين أنقذته عمته زينب بصعوبة. شمل موكب السبايا السيدة زينب وأختها فاطمة وأختها سكينة وبقية نساء بنى هاشم سبايا أسيرات. وعندما رأتْ زينب أهل الكوفة الذين خرجوا لمشاهدة موكب السبايا صرختْ فيهم ((أتعجبون لو أمطرت السماء دما ؟ ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم)) قال لها ابن زياد ((الحمد لله الذى فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم))
سار الموكب الحزين إلى دمشق : رأس الحسين ورؤوس السبعين من أهله وأصحابه. والأسرى من الأطفال فى الأغلال . دخلوا على يزيد بن معاوية الذى طلب وضع رأس الحسين بين يديه. وقال يُبرّر أفعاله أنّ الحسين كتب مصيره بنفسه لأنه لم يقرأ ما ورد فى القرآن (( قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء)) وردّتْ عليه زينب ((كلا والله. ما جعل الله ذلك لك إلاّ أنْ تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا)) فردّ عليها ((إنما خرج من الدين أبوك وأخوك)) وأخذ يعبث برأس الحسين بقضيب فى يده (شىء مثل العصا) يقول ((ليت أشياخى ببدر شهدوا / جزع الخزرج من وقع الأسل/ لأهلوا واستهلوا فرحًا/ ثم قالوا : يا يزيد لا تشل)) وقال لعلى بن الحسين (الغلام الوحيد الذى نجا من المذبحة) ((أبوكَ الذى قطع رحمى وجهل حقى ونازعنى سلطانى ، فصنع الله به ما رأيتَ))
أرادتْ السيدة زينب أنْ تقضى بقية حياتها بجوار جدها الرسول ، ولكن بنى أمية كرهوا وجودها معهم فرحلتْ إلى مصر. فذكر المؤرخون أنّ المصريين خرجوا لاستقبالها فى حشد عظيم. وسار موكب السيدة زينب حتى وصل إلى قرية قرب بلبيس. وهناك قابلتهم جموع أخرى من المصريين جاؤوا من عاصمة الوادى .
بعد ثلاثة أعوام استيقظ ضمير أهل الكوفة فصاحوا ((يا لثارات الحسين)) فكانت النتيجة مذبحة جديدة فى العراق إذْ تم قتل 248من الذين شاركوا فى قتل الحسين فى يوم واحد. ومطاردة الهاربين وبعد القبض عليهم يقولون لهم ((أين الحسين؟)) وتم اختيار أسلوب للقتل يتناسب مع دوره فى قتل الحسين ، فهذا يُحرق بالنار. وذاك تـُقطع أطرافه ويُترك حتى يموت وثالث يُذبح ذبح النعاج. وكان من بينهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد بن أبى وقاص. وكان تعليق د. بنت الشاطىء ((كان نصيب أهل الكوفة- شيعة الحسين- من إثم كربلاء أبشع من نصيب الآلاف الأربعة الذين تكاثروا على الشهداء السبعين. وهل يُقاس ما فعله حزب يزيد بالحسين بما فعله أنصار الحسين وشيعته؟)) وبعد جريمة كربلاء فإنّ أهل العراق كما ذكر الطبرى وابن الأثير ((مكثوا بعدها شهريْن أو ثلاثة كأنما تـُلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس)) فكتبتْ بنت الشاطىء ((إنّ السنين تمضى والقرون، وأهل العراق مقيمون على الحزن يستمرئون طعمه ويستعذبون مذاقه ويرهقون أنفسهم بالإصرار على إحياء ذكرى خطيئة كربلاء)) وترى أنّ السيدة زينب – بسبب تأنيبها لأهل العراق وتحريض أهل السنة ضدهم- كانت أحد أهم أسباب المغالاة فى الندم ، رغم أنها ماتت بعد مقتل شقيقها بعام ونصف .
أعلم أنّ الأميين من شعبنا الذين استقبلوا السيدة زينب بوجدانهم المُرحب بكل ضيف ، لم يقرأوا تراجيديا حياتها فى كتب التاريخ، وإنما سمعوا عما فعله أهل العراق الذين خذلوا الحسين، وسمعوا عما فعله يزيد بن معاويه مع النساء والأطفال وعاملهم كسبايا وأسرى الحروب . سمع الأميون المصريون عن الفصل الأخير من كارثة كربلاء ولم يعرفوا شيئا عن تفاصيل مأساة السيدة زينب، ومع هذا تفاعل وجدانهم العفوى معها (خاصة بعد أنْ علموا أنّ بنى أمية رفضوا وجودها معهم) فدمجوها فى شخصية إيزى التى جمعتْ أشلاء أوزير الذى كان من صفاته (سيد الشهداء) وهى الصفة التى أطلقها شعبنا على الحسين ، أما الدليل الدامغ على هذا الدمج فهو منح إحدى صفات إيزى (الطاهرة) و(رئيسة الديوان) للسيدة زينب كما ذكر إرمان. ولم تكن مصادفة أنّ جلسة المحكمة الباطنية كل يوم ثلاثاء فى مسجد الإمام الشافعى أنْ تكون السيدة زينب رئيسة المحكمة. ولأنّ إيزى أخذتْ صفة الطاهرة وكذلك السيدة مريم، إنتقلتْ الصفة إلى السيدة زينب، وهكذا دمج الأميون المصريون الشخصيات الثلاث فى جديلة واحدة مضفورة بالتعددية التى أبدعتها الديانة المصرية (قبل أحادية أخناتون الكارثية) تعددية ترفض التعصب لأى دين ولأى جنسية، ولذا كانت إيزى/ مريم/ زينب شخصية واحدة فى وجدان الأميين المصريين الذين لم يتأثروا بالتعليم الحريص على الأحادية والعداء لتعدد الأديان والثقافات.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسى بين التراث العبرى ولغة العلم
- التعريف العلمى لثورات الشعوب
- يوسف بين التراث العبرى ولغة العلم والفلوكلور
- الإبداع والأيديولوجيا : أولاد حارتنا نموذجًا
- إبراهيم بين التراث العبرى ولغة العلم
- امبراطورية الشر الأمريكية
- قصة الخلق فى تراث بعض الشعوب
- القرآن بين النص الإلهى والبصمة البشرية
- المثالية تعترض على بتر العضو الفاسد
- التشابه والاختلافات بين ثقافات الشعوب
- معبد إدفو : بناؤه وأساطيره
- لبننة مصر مشروع أمريكى / صهيونى / إسلامى
- سهير القلماوى وألف ليلة وليلة
- ألف ليلة والليالى المصرية
- السندباد البحرى والملاح التائه
- فهمى هويدى يعترف بأصوليته
- كعب أخيل والأصل المصرى
- عذرية الإنسان (نص لا يدّعى الشعر)
- الانتقال إلى العالم الآخر والأصل المصرى
- مصطلح ( متأسلمين ) ومغزاه


المزيد.....




- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال ...
- الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت ...
- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...
- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - إيزيس / مريم / زينب