|
منزلنا الريفي ( 10 )
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 4205 - 2013 / 9 / 4 - 14:27
المحور:
الادب والفن
أمشي بين الأشواك ؛ أدوس على بعضها، فلتسعني أخرى ؛ " كن ما الهموم كاعما نشرب الكاس المسموم "، إنها لازمة تتردد على لسان المغني " عابدين "، سرعان ما تندغم في إيقاع موسيقي، و تنتشر بين جملة من المغنيات ؛ تصمت الأغنية، وها أنا أسمع صوت جرافة تغرز أسنانها في الأرض كما تغرز اللبؤة أسنانها في طريدتها ؛ إلى أين تمضي هذه الأرض ؟ أ تودع حياتها ؟ لم جموع الدوم منتثرة كالرماد ؟ هل حان للإسمنت اللعين أن يقتحم أرض كرزاز ؟ أيتها الموسيقى التي تنسرب في أحشائي ؛ أخبريني، فلم أعد أفهم شيئا، وهل كنت يا هذا تفهم شيئا من قبل ؟ و هل من الأفضل أن تفهم أم من الأفضل ألا تفهم ؟ إن حلمك منذ نعومة أظافرك هو أن تفهم، وهل لحلمك معنى إذا لم يفهمه الآخرون ؟ إن الحلم لا معنى له دون أن يفهمه الكل، فإذا رأيت النور وحدك وسط غرفة مظلمة، فلا محالة سيتهمك الآخرون بالجنون، تلك هي ديكتاتورية المجموع، ومن ثمة يبقى السبيل الوحيد هو أن تقنع الآخرين بالتدريج بوجود نور، أم أن تقنع الكل دفعة واحدة، ذلك من شأنه أن يؤدي بمن يرى النور وحده إلى قربان أو ضحية للمجموع . ********************************* تركب الحافلة، وتتحرك كالإسفين، وتنحشر في مكانك كالسجين، وتحرك رأسك ذات الشمال وذات اليمين، تململ عينيك نحو السقف فيتراءى لك كالسجن السميك ؛ آه ماذا تفعل الآن ؟ تغادر بني ملال ؛ تغادر تجربة حبلى بالكتابة، وتهيم نحو منزلك الريفي ؛ لم تترك خلفك شيئا، اللهم بضع أوراق لفها الغبار، وها أنت الآن تراها تلامس شارع العيون . ذهبت إلى بني ملال، و في عينيك صورة امرأة، وها أنت تعود وفي ذاكرتك مئات الصور، لكنها صور باهتة ؛ تنظر الآن إلى تلك الشقراء ؛ تقترب منها ؛ تحاول أن تلامس خذها ؛ تداعبها ؛ تستمتع بمداعبتك ، تطمئن إليك ؛ لكنها تفر منك بعد أن شمت فيك رائحة الثقافة والأدب، و لم تشم فيك رائحة المخدرات و السيارات الفارهة . ********************************* تفكر الآن في فشلك، وفي ضياعك، وقوتك، ونضالك، فتخلص أنك فاشل في كل شيء، لكن هناك ما هو أقوى من كل هذه الأشياء، إنه وجودك الذي يجعلك تستميت في وجه التحديات و الإغراءات ؛ إنك مصمم على مشروعك منذ نعومة أظافرك، فلم تهتم بمن يعترضك، و لم تتضرع لأحد، بل إنك ناجح في كل شيء ؛ إن أقوى تحدي واجهته هو تحدي المرأة ؛ لقد تعرضت لشتى الإغراءات من طرف جموع الفاشلات ليقيدنك في سجنهن وإخفاقهن، فما كان إلا أن حطمته وسرت في طريقك، وقلت بالحرف : " إن مشروعي أنا من سأبنيه ؛ أما أن تستعبدني امرأة بجسدها، وبعواطفها الجوفاء، فهذه أكبر هزيمة في حياتي "، ومضيت تسير مقتحما الجدران، ومناشدا الحياة . إنك لا تستعدي الحب، بقدر ما تناضل من أجله، ولكن تناضل في العمق ؛ لا في السطح ؛ لا في الكلمات المريضة التي تردد لملء الفم، كلا أنت لم تكتب يوما من أجل هذا . ****************************** تجلس في مكانك، وتحيط بك الحلكة من كل جانب، ووسط تلك المقبرة تنقشع بارقة نور ؛ هناك تتكلم جدتك الثاوية في قبرها، والتي انتشر كلامها في الأديم : " إن الرجل هو من يضحي من أجل امرأته، والمرأة هي من تضحي من أجل رجلها " ؛ إنها كلمة رددها الهواء، ورقصت من أجلها الأشجار، ولامست خدود الأحباب ؛ أجل أيتها الجدة المنغرسة بين الجذور، والمنتشرة في كل الربوع، والتي تنسرب في أحشائنا بين التمور. *************************** تصعد جدتي الجبل ؛ تطارد قطيع الماعز ؛ تأخذ فتاة ؛ تمتثل صورتها أمامي، أحبها، لكنها سرعان ما تختفي، أقول لها : " أين هي الفتاة يا جدتي ؟ " ؛ تقول لي : " ذهبت، لكن يوما ما ستعود، انتظرها على الصخرة، وإذا ما غادرت المكان ؛ عد إليه من حين لآخر لتأخذ فتاتك " . ************************* " ما تقوله خطير، وما تؤمن به هدام ؛ يوما ستعرض نفسك للخطر، وفي نظري هو أن تعود، فتؤمن بمصيرك وقدرك، وتستسلم للأحداث ؛ عليك أن تكون لا شيئا " ؛ هذا ما يقولونه لك، ولكن رغم ذلك استمر في بناء مشروعك . ************************ بني كرزاز ؛ إلى أين ؟ ولكن لا أدري إلى أين ؟ *********************** أين هما الطفلان ؟ الطفلان ماتا، لأنه في بني كرزاز لا وجود للطفل ؛ الطفل لا وجود له ؛ الموت يسكن كل شيء ؛ الخراب يعم العقول، والدمار يسكنه الذبول، والأجساد في حروب . يتبع عبد الله عنتار – الإنسان / 31-08-2013/ بني كرزاز – بنسليمان – المغرب .
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دروس في الرقص
-
منزلنا الريفي (( 9 ))
-
لا مبالاة
-
منزلنا الريفي ( 8 )
-
منزلنا الريفي ( 7 )
-
أدوار النخبة عند الباحث الأنثروبولوجي عبد الله حمودي
-
أدوار النخبة عند عبد الله حمودي
-
في طريقي إلى الكلية
-
طريقي إلى الكلية
-
الطريق المتربة
-
عائد من سوس
-
علمتني الأيام
-
جولة سوسية
-
التضامن الأعظم
-
رحلة إلى إنزكان
-
لحظة أخيرة
-
همس الجنون
-
إرهاصات العزيب
-
1- الكفاءات الموهومة
-
الهسيس
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|