محمود عبد الغفار غيضان
الحوار المتمدن-العدد: 4204 - 2013 / 9 / 3 - 18:00
المحور:
الادب والفن
يأتي الصباح فتستقبل مصطبتنا مع أمي جلبة خير الناس والماشية باتجاه الغيطان؛ بجلستها الاعتيادية عند الحافة ناحية الباب... ترد أمي بلسان المصطبة تحية المارة دعواتٍ متكررةً بدوام الصحة وطول العمر. طيلة الظهيرة؛ وحدها تواجه المصطبة طغيان الشمس في لهيب تهذبه أعواد البوص على استحياءٍ ظلالا مؤقتة تبرد جوف المصاطب... مع أمسيات الشاي البسيطة عرفت مصطبتنا رائحة الجالسين الكثر ؛ تلك التي تكررت دول ملل ولا موعدٍ مسبق لألف ليلة وليالٍ كحبات مسبحة نسي الزمان لضمها.... كنا فوق الحصر الطيبة على مصطبتنا نجلس. وعلى مصاطبهم كذلك كان الناس يجلسون... ملوك متوجون على عرش المنازل المفتوحة وليل الراحة القصير.
مرت سنوات لا أرغب في عدها. تغيرت الوجوه إلا من خطوط الألفة تحت ابتسامات العيون بامتداد أعمارنا عند اللقاء... سنوات علمت بيوت القرية كيف تشق سماء اعتادت أن تحرس كل السقوف بشموخ خرساني سمج... علمت المترجلين ليل نهار ركوب المواصلات الداخلية. علمت العصافير اختلاط الزقزقة بتثاؤب كسل السهر... دربت ضجيج الدرجات الحديثة صينية الصنع على دهس نباح الكلاب في مشهد الوقت المتأخر من الليل بعد انقضاء صلاة العشاء. علمت الأطفال حفظ أسماء المصارعين الأمريكيين وحركاتهم وكلماتهم العنيفة حد الوقاحة قبل أن يتموا قصار السور كما كنا في مثل عمرهم. علمت أطباق الاستقبال الهوائية امتطاء الأسطح بديلاً غريبًا لأعواد الحطب وديعة السمت واهنة الغبار... في قريتي... هناك الآن شيء جديد في كل شيء، وكل الأشياء التي رأيتها صغيرًا باقية هناك... الاستثناء في قريتي كان..... غياب المصاطب... وذلك الأمان الأبدي مع خطوات أبي وصوت يديه تفتح أبواب الحياة قبالة بابنا الذي لم يُغلق قط.
محمود عبد الغفار غيضان
3 أغسطس 2013م
#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟