|
من أكذوبة النووي العراقي إلى ذريعة الكيماوي السوري
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4204 - 2013 / 9 / 3 - 16:18
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
هل يمكن أن تلتقي الإرادة الشعبية العربية بالتخلص من أنظمة دكتاتورية مع إرادة وأهداف الغرب وخصوصا واشنطن بتدمير الدولة الوطنية والمجتمع في العالم العربي لتحقيق أهداف ومصالح إستراتيجية للغرب وإسرائيل؟. وهل نشهد تكرار تجربة الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين عام 1915 عندما تحالف مع البريطانيين ،وكانت النتيجة سايكس- بيكو ووعد بلفور؟. وهل سننتقل من أكذوبة النووي العراقي إلى ذريعة الكيماوي السوري وتأول الأمور في سوريا إلى ما آلت إليه في العراق؟. يبدو أن كثيرا من الأنظمة والحركات السياسية العربية لا تستلهم دروسا وعبرا من الماضي حتى القريب منه، ولا يفقهون القوانين والسياسات الدولية حتى الحاضر منها، وخصوصا سياسة الغرب في التعامل مع المنطقة. الاصطفاف الحالي حول الموقف من التدخل العسكري الأمريكي المباشر لضرب سوريا يؤكد صحة ظن الغرب بالعرب بأن ذاكرتهم ضعيفة ولا يقرؤون التاريخ . كيف لا وما احتاجت واشنطن لمساعدة لتنفيذ أهدافها الإستراتيجية في المنطقة وعلى رأسها تامين سيطرتها على نفط العرب وحماية الكيان الإسرائيلي وخلق الفوضى (البناءة) في المنطقة، إلا ووجدت الدعم والمساندة من الأنظمة العربية، كيف لا وأنظمة عربية وإسلام سياسي بنكهة أمريكية يتحالفون مع واشنطن بل ويدعونها للوقوف وقفة لله لتضرب وتدمر سوريا كما ضربت ليبيا وقبلها العراق،كيف لا تتدخل واشنطن والغرب لضرب أي دولة عربية لتأمين مصالحهم ومصلحة إسرائيل ما دام هذا التدخل يأتي بطلب مباشر أو غير مباشر من جامعة الدول العربية ومن رجال دين بلا دين ، وما دام هذا التدخل لا يكلف الغرب شيئا حيث تتم تغطية كل الخسائر بأموال النفط العربي أو كما يقول المثل العربي " من ذقن عبيد نفتل له قيد" ،ليس هذا وحسب بل يربح الغرب ماليا مع اشتعال فتيل كل حرب من خلال عقد صفقات تسليح إجبارية بملايير الدولارات مع الأنظمة العربية . قد يقول قائل إن في قولك هذا دفاع عن أنظمة دكتاتورية ارتكبت جرائم بحق شعوبها، وتجاهل لمائة ألف مواطن سقطوا خلال الحرب الأهلية في سوريا، وأن تتدخل واشنطن أو الشيطان لإسقاط هذه الأنظمة ففي هذا خدمة للشعوب العربية ودفاعا عن حقوق الإنسان والسلام العالمي !. منطق هؤلاء يرى أن لا مانع في إسقاط نظام الأسد وأي نظام شبيه بأي ثمن وأي وسيلة، ونحن لسنا ضد الثورة بل والانقلاب على أنظمة دكتاتورية ولكننا لسنا مع إسقاط الحاكم بأي ثمن كأن يكون الثمن الاحتلال الغربي أو تدمير وتقسيم البلد أو فتنة تدوم . وعلماء المسلمين اختلفوا قديما في جواز الخروج (الثورة) على الحاكم إن كان سيؤدي لفتنة واقتتال. ما كنا يوما ندافع عن أنظمة دكتاتورية تنتهك حريات وكرامة شعوبها ،ونحن دوما مع حرية الشعوب وحقها في أن تحكم نفسها بنفسها ،كما لا نتجاهل الانتهاكات التي ارتكبتها الأنظمة المشار إليها بحق شعوبها طوال عقود من حكم الشخص الواحد والحزب الواحد،ولا يقبل أي عاقل أن يتم قتل مئات المدنيين بأسلحة كيماوية،ومع عدم استبعادنا مسؤولية النظام عن استعمال السلاح الكيماوي إلا أن تركيبة المعارضة السورية وخصوصا (الإسلامية) وما شاهدنا من ممارساتهم ومعرفتنا بتحالفاتهم يجعلنا لا نستبعد قيامهم باستعمال السلاح الكيماوي ... . المسألة ليست بهذه البساطة والتسطيح بحيث تُختزل بشعب يقوم بثورة ضد نظام مستبد وقوى خارجية تساند وتنصر الشعب . ما يجري حالة معقدة وشائكة وتثير شكوكا وخصوصا حول النوايا الغربية بالتدخل المباشر في الحرب وتوجيه ضربة عسكرية لسوريا ،وفي هذا السياق نطرح الأسئلة ونثير القضايا التالية :- 1- نعم للديمقراطية ونعم لكل حراك شعبي للتخلص من أنظمة استبدادية ،ولكن ليست الأنظمة في العراق وسوريا وليبيا وحدها أنظمة دكتاتورية وبقية الدول العربية وغير العربية حليفة واشنطن والغرب ليست دكتاتورية. 2- وإذا ذهبنا مع القائلين بان شعوب هذه الأنظمة بدأت بالثورة ثم جاء التدخل الخارجي لاحقا ، فإن السؤال الذي يفرض نفسه : ألا توجد طريقة أخرى لتغيير وإسقاط نظام حكم دكتاتوري بدون إثارة حرب أهلية تمتد لسنوات وتدمير المجتمع والدولة بكل مخزونهما التاريخي والحضاري ؟ إن كانت الجماهير تريد إسقاط نظام دكتاتوري فإن الغرب ، وخصوصا واشنطن ، يريد تدمير المجتمع والدولة ، وهذا ما يجب على القوى التواقة للثورة والتغيير الحذر منه في تحالفها مع الغرب أو طلب العون منه. 3- من حقنا أن نتساءل هل هي صدفة أن الأنظمة التي تعرضت للتدمير والتدخل العسكري الغربي أنظمة معروفة بمعادنها لإسرائيل وصاحبة مشروع – وإن كان نظريا- قومي تحرري معادي للغرب - ؟ فمع تدمير هذه الأنظمة ومع الأحداث الجارية في مصر فإن الحالة العربية باتت أكثر انكشافا أمام إسرائيل التي وجدتها فرصة لتزيد من ممارساتها التهويدية والاستيطانية ،وأكثر استباحة لواشنطن التي تعيش عصرها الذهبي في الشرق الأوسط . 4- ولماذا واشنطن وحدها من يحدد النظام الدكتاتوري الذي يجب إسقاطه وطريقة إسقاطه وزمن إسقاطه ؟ وفي هذا السياق نلاحظ أن واشنطن اكتفت طوال سنتين بتسليح وتمويل المعارضة التي كان معروفا أنها لن تُسقط النظام بل مهمتها أن تكون أداة تخريب وتدمير لسوريا الدولة والمجتمع ، وصمتت واشنطن على مقتل حوالي مائة ألف مواطن سوري ،ولم تقرر التدخل إلا بعد استعمال أسلحة كيماوية قتلت حوالي ألف شخص ! ونعتقد أن قرار واشنطن بالتدخل مباشرة له علاقة بإسرائيل أكثر من دوافعه الإنسانية المتعاطفة مع الشعب السوري ، وبالنسبة لواشنطن ليس المهم من استعمل السلاح الكيماوي ومن يمتلكه ،ولكن المهم أن في سوريا سلاح كيماوي تم استعماله بنجاح ،وهذا السلاح يشكل تهديدا خطيرا على إسرائيل وبالتالي يجب تدميره أو التحكم به وهذا لا يكون إلا من خلال تدخل عسكري مباشر . 5- ومع الٌإقرار بأن هذه الأنظمة استبدادية وغير ديمقراطية،فهل قوى المعارضة وخصوصا (الإسلامية) التي تدعمها وتسلحها واشنطن وحلفاؤها قوى ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان ؟ وللأسف فإن جماعات الإسلام السياسي سواء جماعة النصرة أو القاعدة أو غيرها التي تقاتل في سوريا أقرب للجماعات المرتزقة ولن تكون أكثر من وقود لحرب لن يستفيد منها سوى إسرائيل وواشنطن ،وبعد سقوط نظام الأسد فإن واشنطن لن تسمح لجماعات إسلامية بالتمكن من الحكم والسلطة بل ستنصب أشخاص من صنيعتها وممن عاشوا وتربوا في عواصم الغرب ، هذا إن لم تمنح مزيدا من الوقت لاستمرار الحرب الأهلية بعد سقوط نظام الأسد عسى ولعل أن تأول الأمور لتقسيم سوريا . 6- هل نحن كعرب على درجة من العجز والدونية بحيث لا نستطيع إحداث تغيير في أحوالنا السياسية والاقتصادية إلا من خلال الغرب وبتدخله العسكري المباشر ؟ فحتى بعد أن ثارت الشعوب على أنظمتها وباتت الجماهير تحلم بغد أفضل أو بربيع حقيقي ، لم تترك واشنطن المجال للثورة لتستكمل مفاعيلها الثورية بل تدخلت عسكريا لتحرف الثورة عن مسارها ولتنسب لنفسها الفضل في إسقاط الأنظمة الدكتاتورية ولتحوله من ربيع عربي لربيع أمريكي إسرائيلي. هذا ما جرى في ليبيا وما سيجري في سوريا في حالة التدخل العسكري . 7- ولماذا تقرر واشنطن توجيه ضربة عسكرية لسوريا قبل أن تظهر نتائج لجنة التحقيق الدولية حول استعمال الكيماوي ؟ إن الموقف الأمريكي هذا يذكرنا بالموقف الأمريكي قبيل غزو العراق حيث زعمت واشنطن أن العراق يملك أسلحة دمار شامل ورأينا كولن باول في مؤتمر صحفي وهو يوضح مستعملا الخرائط نوع وأماكن أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام ،وسمعنا الأكاذيب حول علاقة صدام بتنظيم القاعدة ، ولكن بعد تدمير العراق ثم احتلاله ثم إعدام صدام حسين صبيحة يوم عيد الأضحى ، بدأت تتكشف أكاذيب واشنطن،وبدأت الدول التي شاركت بجريمة تدمير واحتلال العراق تتملص من المسؤولية ،حتى أوباما نفسه اعترف ، بداية تسلمه الرئاسة بل قبل ذلك وخلال الحملة الانتخابية ، بخطأ ما جرى في العراق وأعلن انه سيصحح الخطأ من خلال الانسحاب من هناك . ولكن يبدو أن مصلحة إسرائيل والمصالح الأمريكية أقوى من كل مبادئ وقيم إنسانية أو قوانين دولية. الرئيس الأمريكي اوباما صادق في قوله إن توجيه ضربة عسكرية لسوريا فيه مصلحة إستراتيجية لواشنطن ،ولكن السؤال هل تلتقي المصلحة الإستراتيجية الأمريكية مع مصلحة الشعب السوري ومصلحة الأمة العربية ؟.
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رهانات حماس بعد سقوط المراهنات
-
وهل كانت المشكلة في إدارة قطاع غزة ؟
-
في الوطنية الفلسطينية متسع للجميع
-
ليتهم يتعظون
-
محنة المثقفون الفلسطينيون
-
المشكلة ليست في المفاوضات بل فيمن يفاوض
-
ثورة 30 يونيو التصحيحية تخلط الأوراق عربيا وفلسطينيا
-
تحالفات غير مقدسة في الحرب على وفي سوريا
-
الحاجة لإستراتيجية فلسطينية متعددة المسارات
-
العرب: من مقاطعة إسرائيل إلى التطبيع المجاني معها
-
لا شرعية لنظام سياسي بدون وجود معارضة
-
مصالحة فلسطينية كجزء من عملية تسوية برعاية أمريكية
-
واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا
-
غزة لا تمنح صكوك غفران لاحد
-
تغيرات الهوية في المشهد السياسي العربي وتأثيره على خياري الم
...
-
العصر الذهبي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط
-
ما بعد قبول استقالة سلام فياض
-
اتفاقية الوصاية الأردنية على المقدسات وعلاقتها بالتسوية
-
إشكالية المسألة الانتخابية في مناطق السلطة الفلسطينية في ظل
...
-
انتخاب مشعل والقمة العربية والتنافس على التمثيل الفلسطيني
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|