أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - فؤاد الصلاحي - اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟















المزيد.....


اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟


فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 4199 - 2013 / 8 / 29 - 00:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


مدخل :
قد يتساءل البعض عن اهمية تناول موضوع اليسار في مرحلة ما بعد انهيار المنظومة الاشتراكية واعلان انتصار الراسمالية في سباق تاريخي لم تنتهي جولاته بعد ..وفي واقع عربي لم يكن للاشتراكية من انصار جادين في الدفاع عنها رغم ان الواقع العربي بكل مشكلاته الاجتماعية والاقتصادية يعلن عن حاجته الموضوعية والذاتية لاجراءات اشتراكية تشكل مفتاحا لحل تلك الازمات يتم فيها اعادة رسم علاقات انتاجية جديدة وبالتالي اعادة بناء نظم حكم تتناسب وهذه العلاقات .
وللعلم فان انهيار الثنائية القطبية لاتعني باي حال من الاحوال انهيار الافكار والنظريات الفلسفية والسياسية بل المطلوب اعادة النظر فيها ووضعها للنقد والمساءلة واعتماد مقاربات منهجية تعيد بناء اطر فكرية وفلسفية جديد تجيب على تساؤلات تتجدد في عي الافراد والمجتمع في سياق مرحلة انتقالية لم يتأسس فيها دولة ونظام حكم يعبر عن اهداف المجتمع وحقوق افراده بل ظهر فيها حكومات تعتمد اجراءات اعتباطية في الشأن السياسي والاقتصادي دونما نظرية محددة تنير مسارهم وتبلور اهدافهم العملية فنجم عنها مزيدا من التفاوت الاجتماعي ومزيدا من مظاهر الفقر والبطالة واستمرار معاناة غالبية السكان في الريف مع غياب الخدمات التحديثية في عموم المجتمع .وهو الامر الذي يعكس اخفاقا في برامج التنمية وهنا فقط يكون المدخل الامثل للمعالجة هو ضرورة اعتماد رؤية ونظرية تحدد طبيعة السياسة العامة للدولة وفلسفتها الاقتصادية والانحياز الاجتماعي للغالبية من السكان وهنا ايضا يكون للدولة ادوار ومهام ووظائف تاريخية وفقا للمشروع السياسي المراد تحقيقه وعليه فان اليسار في اطار هذا الواقع المتغير مدعو لتقديم الاجابات والمساهمة في ابداء المعالجات العملانية والنظرية للارتقاء بالمجتمع والافراد من منظور سياسي واقتصادي يستوعب اقتصاد السوق ويضفي عليه بعدا اجتماعيا لكنه لايعيد استنساخ تجارب ونظريات سابقة دونما ابداع واجتهاد في التأصيل الفكري وفي الاجراءات العملانية القابلة للتحقق في اطار متجدد في التنظيمات واسلوب الادارة وفلسفة العمل ناهيك عن تجدد الفاعلية للشباب وتطلعاتهم المتزايدة نحو مجتمع الانتاج والعدالة الاجتماعية .

مفهوم اليسار الجديد :
حركة اليسار الجديد التى قامت فى مختلف الدول الرأسمالية الأوروبية أولا وأخيرا هي حركة مناهضة للرأسمالية وللنظام الاحتكاري ومنظومته الثقافية ونظرياته السياسة ومناهضة للاحزاب اليسارية التقليدية بجمودها وقياداتها من الحرس القديم وتخشبها الايدولوجي .. وتتفق اراء المراقبين لهذه الحركة بان توجهها نحو النظم المهيمنة لان الدولة في تلك البلدان -كما الاحزاب الاشتراكية- اصبحت محافظة وخاضعة لسيطرة جهاز بورقراطى محكم وقوى يهيمن عليها الراسمالي الاحتكاري او اليساري الجامد ولا هدف له سوى الحفاظ على المزايا التى حصلت عليها النخب والاحزاب الحاكمة .
واليساري الجديد عبر من خلال حركاته الاجتماعية بالقول والفعل انه يكافح الإمبريالية و يعارض من خلال النقد الفكري والسياسي للأوضاع فى الدول الاشتراكية وللعديد من الأحزاب الشيوعية فى الدول الرأسمالية .. فاليسار الجديد حركة ثورية تناضل أساسا ضد النظام الرأسمالى الاحتكاري واخلاقياته المتدهورة المرتكز على احادية البعد المادي دون الانسان وفكره وثقافته وقيمه .
في هذا السياق كان النقد الموجه للماركسية التي تعتبر النظرية المعبرة عن الإرادة الثورية لانها تحولت إلى أسطورة وضعت فى خدمة الدولة منذ عهد لينين وغاب عنها الافراد والمجتمع تحت جمود الحزب وقياداته البعيدة عن هموم المجتمع وقواعد الحزب المناضلة ..هنا يمكن القول بان حركة اليسار الجديد في تشكلها ضمن انتفاضة الطلاب عام 68 كشفت واقع الارثوذكسيين الماركسيين في اوربا وفي البلدان الاشتراكية حينذاك .
يرى الباحث ان الاحزاب الاشتراكية لم تكن تخلو من التناقضات وكانت مهمتها في اطار تقسيم عمل مع النظم الراسمالية الحاكمة ان تقوم بمهمة السيطرة على الطبقة العاملة فى مجموعها من خلال السيطرة على تنظيماتها النقابية وهذا واحد من اهم اسباب عزل هذه الاحزاب عن حركية المجتمع ودينامية الشباب وتطلعاتهم نحو التغيير السياسي وكانت هذه الاحزاب تختار كوادها من صفوف المؤيدين لها الذين تجتذبهم مواقف معتدلة ومن صفوف الطبقة العاملة حديثي العهد بالوعى السياسى .
وعليه فان تاريخ الاحزاب الاشتراكية وتكوينهم التنظيمي والاداري في السابق كما هو حاليا يظهر استحالة اجراء تجديد وتحديث في هيكلية الاحزاب وتنظيماتها وفي اطرها الفكرية والسياسية . وهو المشهد الملموس في واقعنا العربي –واليمني خصوصا- ، وطوال السنوات السابقة لثورات الربيع كانوا من دعاة الاصلاحات البطيئة للنظام مع عدم الالتفات لأبنيتهم الحزبية التي تتطلب بالضرورة تغييرا وتجديدا شاملين.
وللعلم كثير من الكتاب والمثقفين كانوا في صدارة حركة اليسار الجديد وكانوا يؤكدون عزمهم في الحرب على المجتمع الرأسمالى القائم والدعوة الثورية لتغييره واحداث هزة عميقة في بنيته ومؤسساته .. الا انهم كانوا يوجهون سهام نقدهم تجاه الاحزاب الاشتراكية باقل حدة مما كانو يواجهون النظم والاحزاب الحاكمة. وممما لا شك فيه أن اليسار الجديد يجب ان ينحاز الى المستقبل ومشروعه المتجدد في فلسفته السياسية والاجتماعية وان يكون قادرا على احداث تغييرات شاملة في طبيعة الاحزاب الاشتراكية التي تشكل الحامل البنيوي للتغيير القادم .
بشكل عام اكتسب اليسار الجديد خلال الأعوام الأخيرة (وبالتحديد منذ بداية الالفية الجديدة التي تزامنت مع اعلان انتصار الراسمالية عقب انهيار الثنائية القطبية) قوة ودعما فى العديد من الدول في مختلف العالم خاصة في امريكا اللاتينية واوربا وداخل امريكا ذاتها وبعض البلدان العربية حيث ظهر وعي سياسي جديد تبلور في شكل مظاهرات واحتجاجات واسعة ضد توحش العولمة والنظام الراسمالي بداء من سياتل مرور باروبا ودافوس الى مختلف اماكن تجمعات قادة النظام العالمي هنا تزايد اعداد المؤيدين والداعين للعدالة الاجتماعية من خلال مشروع سياسي مغاير للراسمالية ومن هنا يمكن اعتبار اليسار الجديد حليفا للقوة الثورية الراهنة وفى المستقبل ياتجاه تعديل او تغير نظام التوحش الراسمالي واتباعه من انظمة محلية في مناطق مختلفة ومنها المنطقة العربية .
وخلال السنوات الماضية تبلورت ورشة نقاش عالمية تناولت مختلف الأيديولوجيات التي تنتشر في فضاءات الدولة والمجتمع وفي داخل مؤسسات التعليم ومراكز الابحاث والأندية الفكرية طالت الاسس الفكرية والفلسفية للايدولوجيا الاشتراكية واحزابها وموقفها وموقعها من مسار التحولات العالمي ودلالاتها. وتناولت بالنقد الحاد الكثير من الثوابت الأيديولوجية التي كانت ولاتزال تعتمدها الأحزاب الاشتراكية في المجتمع الاوروبي تحديدا والمجتمع العربي في اطار موجة التحولات التي تجتاحه في سياق متغيرات عولمية لامجال للانعزال عنها .
هنا لابد من استعمال مفهوم اليسار الجديد تمييزا له عن يسار سابق تقليدي رضخ لسياقات سياسية افرغته من ثوريته . وهنا ظهرت رؤى فكرية وفلسفية تعيد النظر في المرجعيات الفكرية لايدولوجيا اليسار وفق اعادة الاعتبار لمضمونه الاجتماعي .. وللعلم هذه الجهود ظهرت من مبادرات نخبوية (فكرية) تقودها مجموعات يسارية غير ملتزمة حزبيا لكنها ملتزمة بالاطار الفكري والفلسفي الموجه لليسار واحزابه وهي تهتدي بحركات الاحتجاج الشبابية التي بامكانها ان تفرز قيادات جديدة وتطويرا نوعيا في المساقات الفكرية والايدولوجية.
ان شباب اليسار الجديد في مختلف الانتفاضات الشعبية والحركات الاحتجاجية اضافة الى رموز النخبه الثقافية الملتزمة اجتماعيا غالبيتهم ينتمون إلى طبقات اجتماعية ميسورة نسبيا في حياتها اليومية وبعضها غير مرتبط حزبيا بشكل تنظيمي. وقد شكّل التركيب الاجتماعي المتعدد في مشاربه لهذه الحركات والثورات الشعبية مناسبة للبحث في الأصول الأيديولوجية التي ساهمت في تكوين رؤية سياسية جديدة وفعل سياسي غير مألوف ومخالف للصورة النمطية للانتفاضات والثورات التي سادت أوروبا الصناعية .. هنا كان علينا ان نعتمد مقاربات وفق مقارنة تاريخية بين انتفاضة مايو1968 وكومونة باريس 1871 والانتفاضات العفوية المناهضة للعولمة وثورات الربيع العربي .
فقد أسست الكومونة قواعد الفكر الماركسي الكلاسيكي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأعطت سندا لتفكير جديد وجاءت انتفاضة 68 لتتبلور معها رؤى اليسار الجديد ووفقا لها وضعت قواعد للتفكير الأيديولوجي الحديث وتشكلت منظمات وحركات تطالب بإعادة هيكلة المجتمع الصناعي بما يتناسب مع التوازنات الاجتماعية في ظل تزايد اعداد الطبقة العمالية والطلاب والشباب واتساع الطبقة الوسطى .
ولعل ابرز ما اظهرته انتفاضة الطلبة انها كانت جديدة في تكوينها الأيديولوجي ساهمت في تقديم صفة قيادية للمثقف الملتزم والعضوي الذي ينتج معرفة نوعية تؤصل لمسار التغيير ويساهم هو في تحقق هذا المسار (لايبقى المفكر متفرجا) هذا المثقف انتج معرفة ونظريات تتناول طبيعة الدولة ومهامها ووظائفها في اطار متغيرات اجتماعية واقتصادية افرزت طبقات جديدة .. وهنا كان الاسهام الفكري لليسار الجديد في اعادة تحديد دور الدولة ووظائفها .. فلاتبقى دولة للطبقات المالكة للسلطة .. ولايبقى النظام الاقتصادي قائما على اليات السوق المتوحشة ..فظهرت افكار تنادي باقتصاد السوق الاجتماعي وظرورة تطور وظيفة الدولة وانتقالها من دور الحارس الليلي لمصالح الرأسمالية الاحتكارية الى دور الدولة المتدخلىة في الانشطة الانتاجية والناظمة للمسارات السياسية والاقتصادية وتقوم بضبط توازن السلطة وتوزيع الثروة تحقيقا للعدالة الاجتماعية التي تشكل هدفا رئيسا لرؤى اليسار الجديد واطروحاتهم .. وهنا كان التفكير اليساري النوعي الذي يتجاوز ثوابت الايدولوجية الماركسية المستندة على طبقة احادية الى القول باعتماد او بتشكل البديل التاريخي والطبقي والثوري من خلال الكتلة التاريخية الجديد بصفتها تشكّل البديل الموضوعي لعناصر تكوين السلطة الجديدة وكتعبير عن المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية التي انعكست على تركيب الطبقة العاملة وظهور فاعلين اجتماعيين جدد اقتضت العملية المجتمعية ان يكونوا اهم مكون للبديل الجديد الذي يعبر موضوعيا وذاتيا عن تشكل اليسار الجديد فكرا وتنظيما ومسارا .
وفي المنطقة العربية لم يكن التفاعل مع حركة اليسار الجديد وانتفاضة مايو 68 كبيرا ومثمرا بل ظل الالتزام بانموذج الارثوكسية الماركسية هو السائد وظل العمل وفق وعي تقليدي بكلاسيكيات الفكر الاشتراكي ناهيك عن اصطدامه بمناهضين له من قوى وجماعات بل وانظمة سياسيا متعددة . وفي العام 1979 الذي شكل علامة مميزة في ظهور مسار سياسي جديد عقب الثورة الايرانية تأسست منهجية فكرية تعتمد مقاربات تستكشف ابعاد وفاعليات اللاعبين الجدد في الساحة وهم رجال الدين (المعممين) ودورهم في قيادة التحوّلات وإدارة الصراع في مواجهة الغرب الامريكي والاوروبي ناهيك عن مواجهة النظريات الفلسفية الغربية الماركسية تحديدا .. هنا برز للسطح صراع فكري وايدولوجي وتزايد هذا الصراع بين المثقفين كانت مظاهره واضحة في مشادات ايديولوجية نجم عنها انقسامات سياسية أطاحت بالكثير من العلاقات بين الرفاق وبين المناضلين بل وبرز انقسام حزبي وايدولوجي وتبادلت الاتهامات بينها جميعا .
اليسار الجديد والعدالة الاجتماعية :
مع نهاية الثنائية القطبية وتفرد امريكا بادارة العالم وبروز التوحش الراسمالي عبر شركاته العابرة للمجتمعات والهويات تزايد احساس الشباب وقطاعات كبيرة من الطبقة العاملة والطبقة الوسطى ونشطاء المجتمع المدني بالاغتراب عن مجتمعاتهم ونظمهم السياسية وعن مؤسساتهم الانتاجية التي يعملون بها وبدأو يدركون مخاطر الراسمالية والتاثيرات السلبية لنادي الاغنياء على العالم خاصة والعولمة اظهرت 20% من سكان العالم يعيشون في رغد الحياة والنسبة الباقية في عوز وحاجة وفقر (385ملياردير يمتلكون ما يوازي ملكية خمسة مليار من بقية سكان العالم ). هنا ظهرت انتفاضات واحتجات شعبية في مختلف مدن العالم الصناعي والعالم الثالث ودول الاتحاد السوفييتي سابقا وتأخر الفعل الشعبي عربيا لحين نضوج عوامله المجتمعية التي تبلورت في عود ثقاب أشعله البوعزيزي في تونس (المسألة رمزية ) هنا فقط تحركت الجماهير لتؤسس لمسار جديد من دعواتها للتغير عبر الفعل السياسي المباشر فكانت ثورات الربيع التي اجتاحت تونس ومصر واليمن وليبيا وأخير سوريا اضافة الى انتفاضات متقطة في الاردن وبلاد المغرب العربي والبحرين.. وبشكل عام اظهرت هذه الثورات لاعبين جدد في الساحة واظهرت ضألة الدولة البوليسية العربية وانهيار مؤسساتها كما اظهرت فاعلية الشباب وتحديهم لكل جبروت الالة العسكرية التي هزموها بخروجها السلمي ..
ان ثورات الربيع العربي كشفت عن مجمل الضعف والفشل في الدولة العربية وفي قصور الوعي والادراك للنخبة الحاكم لشعوبها واظهرت فاعلية الشباب كقوة اجتماعية كانت النخب الحاكمه تصورهم كفئات ومجموعات منسحبة من الشأن العام يتصفون بالسلبية وغارقين في امور استهلاكية وترفية بالرغم من تزييف وعيهم بواقع المجتمع من خلال الاعلام الرسمي الا انهم من مصادر متعددة كونوا وعيا سياسيا وربطوا بين واقعهم الحياتي البائس وبين فساد حكوماتهم وهنا تبلورات اهداف هذه الثورات ليس من خلال شعارات واهداف مثالية بل اهداف وشعارات واقعية تمثلت في مطالب الخبز والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وكان الادراك والوعي الكاملين بان تحقيقها جميعا يستلزم بالضرورة بناء دولة مدنية تقوم على مبداء المواطنة .. وهنا صاغ الشباب عبر اهدافهم مشروعا لمسار تطوري يدفع بالتغيير السياسي نحو اعادة بناء الدولة وهيكلتها وابراز الشباب والمرأة ضمن مكونات الفاعلين السياسيين الجدد الذين يطمحون للتاثير والمشاركة في صنع القرارات والسياسات العامة .
وللعلم الشباب المفجر لثورات الربيع العربي تم اهماله من احزاب اليسار طوال السنوات الماضية ولم يكن هؤلاء في خطاب هذه الاحزاب ولا قضاياهم محل اهتمام ولا الشباب انفسهم موجودين في دوئر صنع القرار داخل الحزب بمختلف هيئاته القيادية مع انهم القطاع الاكبر من قاعدته وجمهوره ومؤيديه .
وكذلك الاحزاب الاخرى الليبرالية والقومية والاسلامية لم تكن لتجعل من الشباب وقضاياهم واحتياجاتهم موضوع الاهتمام بل هم وقود في معارك حزبية يقطف ثمارها نخبة من القيادات يشكلون جيل من الحرس القديم لاتتوافق ارئهم وطموحاتهم مع متغيرات العصر ودينامية الشباب وتطلعاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن هنا تم التركيز على العدالة الاجتماعية كهدف وشعار للثورات الربيعية مع انهم قد لايدركون بوعي كامل موقع العدالة في الفكر الاشتراكي ومرجعيته النظرية لان الشباب ومنذ سنوات طوال لم يعد يتحصل على معرفة وثقافة تؤصل رؤيته السياسية وادواره لان الاحزاب جميعها واليسارية خصوصا غابت عنها المشاريع الثقافية ولم نسمع ايا منها قدم محاضرة توعوية في الفكر السياسي او الفكرر الفلسفي كمحدد للوعي الحداثي للشباب . خاصة وانه مع عصر العولمة وتزايد فاعلية التلفزة الفضائية و وسائط التواصل الاجتماعي اصبح الشباب في مسيس الحاجة الى ثقافة ومعرفة ممنهجة تمكنه من الالمام بمنهجية التفكير والتحليل السياسي والاجتماعي وهو عمل أصيل للاحزاب اليسارية التي تجعل من الثقافة اهم مساراتها في التغيير (كما كان في زمن سابق).
ونحن ننظر للعدالة الاجتماعية من منظور واسع يربطها بمنظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لهذا نقول ان العدالة الاجتماعية هي نظام اقتصادي اجتماعي يستهدف تحقيق معاملة عادلة وحصة تشاركية من خيرات المجتمع لكل المواطنين وهذا يعني في دلاللاته إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع . وهذا المفهوم في دلالاته السوسيوسياسية نربطه بالتجديد الفكري لليبرالية وفق رؤية اليسار الجديد ونستفيد هنا من مقاربات جون رولز John Rawls الفيلسوف السياسي الليبرالي في كتابه نظرية في العدالة Theory of Justice حيث يشير الى مفهوم العدالة الاجتماعية باعتبارها فكرة فلسفية وسياسية تشكل حقوق الإنسان و المساواة أهم دعائمها وهي تتضمن في دلالاتها العامة " التوزيع المتساوي للموارد لضمان بأن الجميع لديهم فرص متكافئة للتطور الاجتماعي و الشخصي"..
في هذا السياق يكون الارتباط بين مفهوم العدالة الاجتماعية وفكر اليسار الجديد انطلاقا من ان هذا اليسار يرى في الاشتراكية (النظرية الفسلفية الموجهة له) في معناها الخاص والعام انها نظرية في بناء الدولة والعدالة الاجتماعية ..والاحزاب التي تربط نفسها بالاشتراكية لم تدرك هذا المعنى ولا دلالاته الفلسفية والسياسية لانهم انغمسوا في نشاط سياسي براجماتي ضمن تكتل حزبي ووفق مساومات مع الحزب الحاكم . هنا غابت الرؤية الجدلية لمقتضيات العمل السياسي وتفعيل حوامله البنيوية ضمن مشروع يجعل من الدولة المدنية والمواطنة والعدالة اهم مظاهره وملامحه واهم نقاط الالتقاء مع الشباب الثائر وألية للتحشيد المجتمعي ضمن المسار السياسي المحقق للعدالة الاجتماعية.
لقد كانت ثورات الربيع في اهدافها المعلنة اقرب الى مسار اليسار بفلسفته السياسية وكان على الاشتراكي ان يفُعل ادواته التنظيمية للعمل في اوساط الشباب وعامة المجتمع لتوسيع قاعدته الاجتماعية ضمن سياق موضوعي تشكل بدون قصد من الحزب ولا تخطيطه ..لان هذه الثورات لا يدعي احد قيادتها او التخطيط لها .. لا احزاب ولا افراد .. لكنها انتفاضة شعبية واسعة انفجرت بوجه نظام الحكم وكل المؤسسات التقليدية ذات النمط التسلطي بما في ذلك الاحزاب والقبيلة والسيطرة الذكورية والابوية .. هنا التفت الشباب بل والكثير من ابناء القبائل والفلاحين والعمال والمثقفين نحو الحزب الاشتراكي باعتباره ذو خبرة تنظيمية وسياسية كبيرة وانه الامثل ليكون الحامل الرئيسي للمسار التغييري نحو تحقيق الدولة المدنية وانه مرتكز لاعادة تحالفات سياسية ومجتمعية جديدة ..لان الحدث الثوري بكل عظمته ودلالاته لابد وان يترتب عليه تحالفات وخارطة سياسية جديدة وهنا كان الاولى بالحزب اعادة تحالفاته وفق منطقه السياسي واطاره الفلسفي الذي عبرت عنه الثورة من خلال اهداف محددة تتبلور في مفهومي العدالة الاجتماعية والمواطنة وفي الشعار العام تحقيق الدولة المدنية . الا ان الحزب لم يكن عند تطلع الشباب واملهم في ان يكون عونا لهم وداعما لمسارهم الثوري وفق خبراته الطويلة ووفق اعادة ارتباطه بقواعده الاجتماعية الواسعة التي تشكلت مع المسار الثوري.
وكنت ممن دعى الحزب الى اثبات جدارته والاستجابة للمسار السياسي الثوري والارتباط العضوي مع المسار الثوري واهدافه وفك الارتباط مع احزاب لاتشاطره اليقين السياسي تجاه مدنية الدولة والمواطنة والعدالة الاجتماعية.. وقد سبق لي ان القيت محاضرة في اكتوبر 2010 بعنوان رؤية ليسار جديد في اليمن والمنطقة العربية .. لكن الحرس القديم في قيادة الحزب لم يتجاوب مع اي دعوة تستهدف تطوير فاعليته واعادته لسياقه الطبقي الذي نتج عنه وتشكل وفقا لتركيبته الاجتماعية .وهنا خسر الحزب فرصته التاريخية في اعادة الاعتبار لدور يساري نوعي في زمن تطغي الراسمالية عالميا والبنى التقليدية المناهضة للمدنية على مجمل المسارات في الدولة والمجتمع .
ولما كان اليسار الجديد نتاج لحركات شبابية منذ العام 68 ونتاج لفلسفة ومعرفة انتجها مثقفون ملتزمون يرون في اليسار أفقا جديدا لايمكن تجاوزه كنت في هذا الصف المنتج للمعرفة التي تؤصل ليسار جديد وكنت في ميادين التغيير مع الشباب ارفع وعيهم واكسبهم ثقافة ووعي حداثي وادفع بهم نحو اكمال مسار الثورة واعادة التحامهم بحامل بنيوي يتمثل في الحزب الاشتراكي او بناء حزب جديد او تحالف تنظيمي جديد يعبر عنهم ويمثلهم ويتولون فيه قيادة العمل السياسي للتسريع بمسارهم الثوري . وهنا كانت الدعوة ليسار واسع في اصطفافه يستوعب في اطاره اليسار القومي والاسلامي ويتشكل يسارا جديدا منفتحا على مفاهيم الديمقراطية والمجتمع المدني وتمكين المرأة وتكون العدالة والمواطنة عنونا بارزا في مشروعه الهادف لبناء الدولة المدنية واحداث قطيعة بنيوية ومعرفية مع النظام السابق وكل الاطر التي تحالف معها وتستند الى عناصر القوة بمحدداتها الجهوية والعسكرية.
ان فرص اليسار بالحضور السياسي في اوساط الشباب المتنوع في جذوره الاجتماعية وفي معارفه وفي تطلعاته انما يعيد الاعتبار للنظرية الاشتراكية التي لاتزال تلهم الكثير في مرحلة تتزايد فيها كل ملامح البؤس والظم الاجتماعي وتتزايد الفوارق الطبقية في سياق انظمة حكم تعتمد اجراءاتها السياسية والاقتصادية كادوات للتمايز الاجتماعي واعادة تشكيل الخارطة الطبقية والاجتماعية وفقا لاهداف سياسية وجهوية تغيب عنها اليات تكافؤ الفرص والمساواة القانونية .
لقد غاب الحزب بمحدداته الاجتماعية الاقتصادية في اطار هرولته نحو مساومات سياسية ارتبطت بالانحراف بمسار الثورة لصالح نفس النخبة الحاكة ..فالتعبير عن متطلبات الانسان العادي المثقل بهمومه اليومية في المعيشة ومتطلبات العمران البشري كان يجب -ولايزال كذلك – ان يكون مطلبا لليسار الجديد الذي يستهدف ليس تغييرا لرموز الحكم بل ايضا تغييرا في مؤسسات الحكم وتوجهاتها وايدولوجياتها . فاليسار الجديد يجب ان يستهدف تغيير القاعدة الاجتماعية للسلطة/النظام الحاكم وتغيير قواعد اللعبة السياسية ومنظوراتها. ووفقا لذلك يكون اليسار الجديد مطالبا بان يفرض رؤيته في مختلف مجالات العمل السياسي من خلال الثورة واكمال مسارها او من خلال العمل في اوساط المجتمع والفئات الشبابية وفق بناء تكتلات وتحالفات تتبنى قضايا المواطن في تمكينه وانصافه من الحصول على حقه في الفرص المتساوية في التعليم والصحة وفي الحقوق والحريات وصولا الى التمثيل السياسي في مختلف دوائر صنع القرار .
ان مطلب العدالة الاجتماعية والدولة المدنية حتى لو لم يعي غالبية المنادين به كل دلالاته ومحوريته في مسار التغيير فان رموز اليسار الجديد (والاولى بحزبهم ان يفعل) ان يبلوروا رؤى تحديثية تربط هذه الشعارات بحاجات المواطنين واساليب معيشتهم التي يستهدفونها بالتغيير والتجديد والارتقاء ..
فالتفكير السياسي والانتفاضات الشعبية ليست ترفا للنخبة وليست ادوات اغواء للعامة بل هي أليات فعل سياسي واجتماعي تتم في اطار الادراك والوعي الكاملين باحقية المواطنين بتحسين شروط وجودهم الاجتماعي وتحسين مستويات معيشتهم والارتقاء بكرامتهم .. وهذا كله رهين دولة مدنية تقوم على مبداء المواطنة المتساوية واحترام حقوق الانسان ،، هنا فقط يتحقق هدف العدالة الاجتماعية ،، وهنا التحدي الحقيق لليسار الجديد بان يتسع نطاقه في الاستقطاب للافراد افقيا وعموديا ضمن مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية وان تتسع تحالفاته المجتمعية ليتشكل معه ومن خلاله مكون سياسي جديد يكون له صوت مسموع في المشهد السياسي اليمني يكون معبرا عن القاعدة الاجتماعية العريضة التي تفتقر للتنظيم السياسي الرافع لمطالبها ولدورها ووجودها في آن واحد .
والسؤال هل نحلم بتشكل يسار سياسي جديد في اليمن والمنطقة العربية ؟ وهل بامكان الحزب الاشتراكي اليمني –والاحزاب الاشتراكية العربية- ان يجددوا من مهامهم وادوارهم ضمن تحالفات جديدة ليكونوا في طليعة اليسار الجديد ؟ ام ان بؤس الحياة الاجتماعية والاقتصادية تدفع بنا لان نحلم بالتغيير وفق روافع بنيوية لم تتشكل بعد في واقعنا المعاش وهو الامر الذي لايمنع من مشروعية السؤال السياسي الباحث عن اجابة من خلال فاعلية الشباب ومدى ادراكهم ووعيهم بان لا احد سيمكنهم من الامساك بشروط التطور حاضرا ومستقبلا دون الادراك لفاعليتهم الفردية والمجتمعية ودون الارتباط بهياكل تنظيمية وقيادات تجاوزها الزمن ولم تعد قادرة على التجديد والتغيير ..؟
ـــــــــــــــــــــ
** تم تقديم هذه الدراسة (ورقة عمل) في المؤتمر الاول لليسار والعدالة الاجتماعية /صنعا/28/8/2013



#فؤاد_الصلاحي (هاشتاغ)       Fuad__Alsalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار الجديد.. رؤية نقدية


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - فؤاد الصلاحي - اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟