محمد الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1200 - 2005 / 5 / 17 - 10:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ زمن طويل لم يشهد الشارع السوري حراكاً سياسياً واجتماعياً كما يشهد اليوم ...
بعد 11 أيلول والخوف مما نسميه أمريكا الإرهاب تحولت السياسة الأمريكية لتدعم ما نسميه بالديمقراطية في العالم الشرق الأقصى أفغانستان, والشرق الأوسط, سوريا, لبنان, العراق, وذلك بعد أن اقتنعت أكثر مراكز أبحاثها المعنية بهذه المنطقة بعدم جدوى النظم الشمولية, والتي تمكنت من البقاء في الماضي معتمدة على لعبة التوازن بين المعسكرين الشرقي والغربي, وحتى بعد بقاء القطب الواحد الأمريكي, بقيت قنوات الحوار مفتوحة معها " سوريا على سبيل المثال".
لكن بعد غزو العراق فلقد قطعت قنوات الحوار وتحولت العلاقة مع سوريا إلى قائمة طلبات, وبعد استشهاد الحريري تسارعت الأمور أكثر, وصارت الطلبات الأمريكية مباشرة, أو مصاغة بقالب عالمي قرار رقم /1559/ الصادر عن مجلس الأمن, وخرجت سوريا من لبنان منفذة قرار الطائف الذي تأخر تنفيذه زمناً طويلاً وملبية قرار الأمم المتحدة / 1559 /
طوال العقود الأربعة تمكَّن النظام الشمولي من إقصاء المعارضة, وإضعافها, ووضعها في مرحلة كمون مديد, وتمكن عشرون ألف من الحزبين البعثيين عملياً, وهم يمثلون مليوينين نظرياً من التواجد في معظم المراكز الإدارية في القطر, وما يزيد بالتأكيد عن 90% في أكثر المحافظات.
ووضع نظام تنسيب الطلاب للحزب بشكل أوتوماتيكي..
تشكلت الجبهة الوطنية التقدمية من قمة بدون قاعدة إذا استثننينا حزب البعث والحزبيين الشيوعيين أما بقية الأحزاب فلم يكن هناك عدد لإملاء المناصب المخصصة لها في الكثير من المحافظات، وتمزقت الأحزاب الجبهوية إلى عدد غير محدد بغية اكتساب الرضا والمناصب ودخول الجبهة, وأفلح بعضها في البقاء رغم الانقسام بانتظار اكتساب "المغانم" سيارات مرسيدس, وزارات, أو أعضاء مجلس الشعب, والشعب يشعر بوطأة الضغط ويصمت ، وتحول الكثير من الطلاب إلى أدوات حفظ وتلقين فاقدين الإبداع وحرية التفكير, حيث انحصرت الدروس القومية فيما يتعلق بالعقود الأربعة الأخيرة التي أحيطت بهالة من القدسية, وصار الاقتراب منها أحد المحرمات, وتحولت البلد إلى ما يشبه المزرعة تتعرض للنهب والسرقة, تفشت الرشاوى وعمَّ الفساد, وتحول الشعب السوري بالكامل ما عدا المستفيدين إلى معارضة صامتة لا حول لها ولا قوة؛ حتى البعثيين المثقفين الشرفاء عانوا ومازالوا من انقسام وصراع داخلي بين حزبيين منتسبين مرغمين, وبين مراقبين يتحدثون كما الشعب السوري عن الرشاوى والفساد, وعن الثراء الفاحش وغير المشروع للمسؤولين الذين أثروا عن طريق الفساد.
وبات الكثير من الحزبيين يرغبون في الانسحاب من الحزب؛ لكنهم يخشون محاكمهم الحزبية, وحرمانهم من مناصبهم, أو محاربتهم في لقمة العيش, وصاروا يتحدثون وكأنهم في صف المعارضة الصامتة.
إبان ربيع دمشق ظهرت المنتديات التي عمت سوريا, وظهر حراك سياسي واجتماعي شبيه بما نراه اليوم؛ لكن خوفاً تنامى لدى السلطة جعلها تجهض الربيع الدمشقي ليْرجع الشعب إلى مرحلة الصمت؛ فالعبرة من بعض المحاكمات جعلت الناس يتوقفون عن النشاط, ويغلقون المنتديات التي صار لزاماً عليها الترخيص أولاً, وقد تمنح أو لا تمنح رخصة, وثانياً تقديم المحاضرة إلى الجهات الأمنية كي يحصل المحاضر على الموافقة المسبقة للتحدث في المنتدى, ومع ذلك فلقد استمر الحراك بطيئاً, فالمجتمع المدني وبسبب الضغوط عليه توقف انتشاره وصار يعمل بشكل بسيط، وبقي رموزه وناسه يتحدثون بصورة أكثر علنية, وجمعية حقوق الإنسان وسواها من أطياف المعارضة فقد عمدت إلى اللجوء لبعض الاحتجاجات السليمة قرب البرلمان؛ أو قصر العدل, وقمعت مرات عدة؛ لكنها بقيت فاعلة بلا ملل, فلقد صار هناك مراقبة دولية, ولم يعد الشأن القطري المحلي قطرياً بل عالمياً.
في حوار نشر في نشرة كلنا شركاء بتاريخ 5/5/2005 بين كتاب معارضين وأحد أعضاء الجبهة الوطنية : تحدث عضو الجبهة عن ضعف المعارضة السورية, والحقيقة أن المعارضة السورية تمثل 80% من الشارع السوري ؛ لكن هذه المعارضة صامتة نتيجة الخوف من الحالة السائدة.
في منتدى جمال الأتاسي الأخير حضر حوالي ألف شخص بما فيهم بعض البعثيين, وهم يمثلون مختلف أطياف الشعب السوري؛ أما الخطة الاستراتيجية التي لا تمتلكها المعارضة فقد أخذت بالتبلور, وبعضها مكون من أحزاب تمتلك خبرات طويلة في العمل السياسي الاستراتيجي .
أما أن يظن أن المعارضة غير موجودة أو ضعيفة, أو معدومة فهذا أمر غير حقيقي؛ لأنها كامنة وعندما يتاح لها المجال ستكون فاعلة .
إن المعارضة السورية الداخلية, والتي تمثل الطيف السوري والخارجية مع استثناءات قليلة هي معارضة وطنية, تريد المشاركة الفعالة في الحياة السياسية السورية.
وتدرك أن الزمن متسارع وهذا التسارع بحاجة إلى اللحمة والتفاعل, وعدم إهمال أي جزء من الشعب السوري الذي كان مغلوباً على أمره ومحكوماً خاضعاً, أو خائفاً, أو كامناً خلال عقود أربعة من الزمن يعيش حالة خوف من الإرهاب.
واليوم ينتظر سوريا أحد ثلاثة أمور :
الأول: الاستجابة لطلبات الشعب السوري في تسريع الإصلاح السياسي: إلغاء حالة الطوارئ, وإبعاد رموز الفساد والقضاء عليه, حرية المطبوعات والأحزاب والمجتمعات المدنية, والمشاركة الفعالة لكل الناس في الحياة السياسية، حرية الصحافة .
ثانياً : أو عدم استجابة الدولة لمطالب المعارضة وإهمالها كما يتحدث بعض القياديين السابقين, وأعتقد أن الزمن لم يعد يتسع لإهمال المعارضة, فهي تمثل كافة أطياف الشعب السوري الذي كان مهملاً في الماضي ومنهوباً, ومستلب الإرادة .
والثالث : أن يستمر التصعيد الأمريكي ثم يحدث مالا تحمد عقباه، وهذا لايمكن امتصاصه إلاّ في تلاحم الحكم مع المعارضة عندما تنال حقوقها.
إن غالبية الشعب السوري ترغب بالدخول في المشاركة السياسية, وأن يتم التغيير من الداخل بعيداً عن الدبابة الأمريكية, و لربما المطلوب اليوم قيام السلطة بعمل فاعل أكبر من مشروع حوار وطني؛
فالوقت لم يعد يتسع للمؤتمرات واللجان وتفرعاتها ، والسلطة تعرف جيداً أن الأخطار قريبة وداهمة, وأن أمريكا تختلق الصعوبات الواحدة تلو الأخرى للنظام, وأن الشعب يرغب في التغيير السلمي, والمشاركة للجميع على قدم المساواة فبعد أربعين عاماً من الإقصاء يستحق هذا الشعب أن يستعيد حريته, وأن يشارك في حكم ذاته, وأن تمنح الأقليات الأثنية حريتها ومساواتها التامة مع بقية الشعب السوري بعيداً عن الاضطهاد الأمني الذي عانى منه الكثيرون فيما مضى من الزمان.
نرجو ألا يباغتنا الوقت, وأن نكون قد تعلمنا من درس لبنان ودرس العراق الكثير...
14/5/2005
د.محمد الحاج صالح
طرطوس
#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟