جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4196 - 2013 / 8 / 26 - 15:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تثقيف الإنسان هو في الأصل عمل قسري وتحديا للنظام البيئي الذي وجد الإنسان عليه نفسه طوال المليون سنة الأولى من عمره على الأرض,ففي البداية عاش الإنسان بدون ثقافةوكان منسجما مع الطبيعة والطبيعة منسجمة معه,أما اليوم فالإنسان يشكل خطرا على البيئة وعلى المحيطين به من حوله,وعاش الإنسانُ بدون إله وبدون سلطة مركزية فلم يخلق الإنسان من أجل أن يسيطر على البيئة وإنما وجد من أجل أن تسيطر البيئة عليه بكل الأشكال والألوان, وتثقيف الإنسان ليس لازما, هذا الكلام ليس خطيرا وإنما من الواجب معرفته والبحث فيه, وتثقيف الإنسان له عدة دلائل منها الضبط والربط في العلاقات الاجتماعية والعلاقات الزوجية,وعلاقة الإنسان بالسلطة وعلاقة السلطة بالجماهير وتشبيك هذه العلاقة بين أفراد المجتمع لتشكل بناء قائما بحد ذاته نعرفه باسم النظام الاجتماعي والسياسي.
دعوة الإنسان للديموغراطية وحبه لها تدل على أن حبه للحرية هو شكل من أشكال رفضه للعيش في نظام صارم يحكمه ويردع شهواته أو نزواته أو حتى رغبته في أن يعيش وفق ما تمليه عليه تخيلاته وتصوراته للكون برمته وللحياة من أولها إلى آخرها, مثل رغبة المرأة بالمساواة مع الرجل ورغبة الرجل والمرأة في ممارسة (المثلية الجنسية) والسعي وراء الاعتراف بحقوقهما..إلخ,وهنالك بعض من الناس الذين يحبون القوانين الصارمة ويرغبون في العيش معها ويرفضون الحرية حتى لو قدمتها لهم على طبقٍ من الماس فإنهم يحبذون عليها العيش وفق ما تمليه إرادة الآخرين,وهؤلاء في المجتمعات المدنية الحديثة قِلَةٌ قليلة, ولكن هنالك النسبة الغالبة من الناس التي تفضل الحرية في كل شيء وترفض الضبط والربط والقوانين تماما كما رفض قوم(كُليب) نظامه الملكي الذي كان يعدهُ لهم فعادوه وناصبوه العداء وفضلوا الحرية على الضبط والربط,,ولهذا السبب خاضوا حربا قبلية مع بعضهما وأكلت الأخضر واليابس , والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحب الحرية أو حتى يعيش فيها فلا يوجد في الكون مخلوق يحب الحرية أو اخترع الحرية إلا الإنسان,أما باقي المخلوقات فلديها قوانين ضبط وربط تلتزم فيها ولا تحيد عنها.
فالإنسان في حبه للحرية دليل على رفضه للانصياع وللانضباط وهذا بعكس الحيوانات التي نجدها أكثر من الإنسان قدرة على احترام النظام والضبط والربط مثل الحياة العسكرية,الإنسان يسعى إلى هلاكه, مثله مثل الديناصورات,مع فارق بسيط بينه وبين الديناصورات وهو أن الديناصورات أفناها الجليد حين غزى الجليد الكرة الأرضية أو حين كوكبٌ ارتطم بالأرض وبسببه انقرضت الديناصورات, وهذا ليس موضوعنا أو محل اهتمامنا,وموضوعنا ومحل اهتمامنا هو الإنسان هذا المخلوق الذي سيفني نفسه عن وجه الكرة الأرضية من خلال حبه للحرية وللسيطرة على الآخرين وارضاخهم لسلطته,فمع حب الإنسان للحرية إلا أنه لا يرغب بأن يمتلك هذا السلاح أحدٌ غيره, فيسعى إلى ضبط غيره وربطهم تحت سطوته,إنه الصراع بين من يملك موارد الطبيعة ويسيطر عليها وبين من لا يملك الاثنتين معا فالحرية معناها عدم الانضباط .
الإنسان لن ينقرض بهذا الشكل أو بتلك الصورة التي انقرضت عليها الديناصورات, فلن ينتظر أن يغزو الكرة الأرضية عصر الجليد الخامس وإنما سيسعى إلى تدمير نفسه من خلال استعماله لأسلحة الدمار الشامل, سيسعى إلى فناءه عن طريق سلوكه الذي يسعى إلى تدمير نفسه وتدمير الأرض بالأسلحة التي ينشرها وبالشر الذي يركبه,فالشرُ هو الذي يركب الإنسان ويسيطر عليه,هذا المخلوق العقلاني الذي استخدم عقله وسخر كل شيء من أجل خدمته سوف ينهي هذه المسرحية ويجعل نهايتها مهزلة مثل تلك المهزلة التي خلفتها خلفها الديناصورات,فالديناصورات(الحيوانات الطغاة) ماتت وانقرضت بسبب كبر حجمها وهذا ما رجحه العلماء بحيث أنها لم تعد قادرة على الاختباء في ثقوب الأرض وفي الجحور والشقوق الأرضية مثل أغلبية الحشرات والإنسان سينهي حياته وينقرض بسبب كُبر عقله الذي سخر له القدرة على صناعة الحرية ليشذ عن قاعدة الضبط والربط,والحيوانات الهزيلة عاشت وحافظت على نوعها أكثر من المخلوقات الكبيرة الحجم بسبب هزالتها وصغر حجمها وضعفها حيث صغر حجم الحشرات أتاحت لها الفرصة للاختباء من حرارة الشمس أثناء النهار وبرودة الليل,وأينما وجد في الأرض شق صغير أو ثقب صغير فورا تختبئ في داخله ليس ليوم أو يومين أو ثلاثة بل لعدة أشهر دون التزود بالوقود(الطعام والشراب ) إنها بعض الحشرات تتحمل درجة حرارة 60ْ فوق الصفر و60ْ تحت الصفر,وهذا يتم عن طريق التزام تلك الحشرات بالسليقة التي سُلقت عليها فهي تتصرف وفق سليقتها وليس وفق حريتها بحيث أنها لا تملك خيارا ثانيا لها إنها تلتزم بالخيار الوحيد الذي لا ليس له ثاني, وهذا ما لم يحصل مع الإنسان مجددا بحيث سينهي الإنسان نفسه بسبب حريته في اتخاذ القرارات بعد أن سيطر لمليون سنة على الكرة الأرضية,نعم, سينهي نفسه فاسحاً المجال للحشرات الهزيلة بأن تستمر.
وتمتاز الحشرات عن الإنسان بقدرتها على التنوع في الطعام والأغذية والتحايل على الطبيعة بشتى الوسائل والطرق,فمثلا تستطيع الضفدعة ذات الأرجل الجرافة بأن تحفر في الرمال وتعيش 6 ستة أشهرٍ بدون لا ماء ولا طعام بعكس الإنسان الذي يقيم الدنيا ويقعدها إذا تأخر عنه الطعام ليوم واحد أو حتى لعدة ساعات,أو إذا قُطعت الكهرباء عنه لمدة بسيطة أو إذا تعطلت وسائل النقل والاتصالات, فتجد الحشرات تأكل من النفايات أي أنها حيوانات(زبّالة),وهذا بعكس الإنسان الذي لا يمد يده إلى النفايات ليأكل منها,مع أنه حديثا أعاد تدوير النفايات بكافة أنواعها ما عدى أن يأكل من الفضلات بشكلٍ مباشر.
ومن الممكن أن تأكل الحشرات الكرسي الخشبي الذي تجلس أنت عليه,وهذا ما لا يستطيع الإنسان فعله نهائيا ومن الممكن أن تفتح خزانتك فتجد فيها حشرات قد أكلت ملابسك أو سقف خزانتك,ويستطيع العقرب أن يحتمل من الإشعاعات النووية القاتلة أكثر ب200مرة من قدرة الإنسان, أما الإنسان فهو غير قادر على التنوع في الطعام وهو يعيش على دلاله وإن لم يجد ما يطلبه فلن يأكل ويبقى طوال النهار بدون طعام وكذلك إذا غضب نجده يرفض الطعام بسبب فقدانه للشهية,وسينهي الإنسان نفسه وسترث الحشرات الكرة الأرضية ومن المحتمل أن يرث(الجُرذ) أو(النمل) الحياة على الكرة الأرضية,لأن النمل حياته شبيهة بحياة الإنسان,والجرذ له أصابع في يديه وهذا سيؤدي به إلى القدرة على اكتساب المهارات وصنع الأدوات البدائية,أما الحشرات فلا تعرف ما معنى فقدان الشهية فهي تأكل أي شيء يصادفها,وتمتاز الحشرات بقوة الانضباط في مجتمعها وبيئتها فتجد النملة منتظمة والنحلة لا تقل انضباطا عن النملة والكون يمشي بكل سهولة وهي تعيش فيه بأريحية,أما الإنسان فمختلف كل الاختلاف عن الحشرات ذلك أن الإنسان أقل انتظاما وانضباطا من الحشرات إنه كائن فوضوي يحب الفوضى -ونحب الفوضى ونسميها حرية- ولا يحب أن يكون منضبطا ضمن الناموس الطبيعي ونظامه البيئي الذي يعيش فيه.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟