|
هل يمكن ان يتصالح الاسلام مع العصر؟
عبد عطشان هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 4195 - 2013 / 8 / 25 - 09:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التصالح يعني استيعاب قيم العصرالكبرى كالحرية والمساواة والانسانية والمواطنة وحقوق الانسان ومجتمع القانون نصا وعملا واعادة ضخ هذه القيم في شرايين الجسد الاسلامي السقيم كي يتعافى ويقف على قدميه . ويعني كذلك التعايش مع الحداثة واستيعاب متغيراتها ومفاهيمها الانسانية العقلانية التي سطرتها عبر كفاحها الطويل. ولايمكن انجاز ذلك قطعا دون تهديم الجمود العقائدي لمنظومة الشريعة المغلقة وتأسيس عقلانية دينية اسلامية مفتوحة الابواب والشبابيك امام كافة الاديان والمذاهب والمعتقدات البشرية دون تمييز او أقصاء. وللوصول لذلك يرى المفكر الراحل العفيف الاخضر المروربالمعالم التالية كخارطة طريق (المعلم الاول على طريق العقلانية الدينية ، هو تأسيس دين العقلانية الدينية على 3 ركائز : التسليم بأن الاديان الاخرى التوحيدية والوثنية ايضا ، اللواتي لازال يؤمن بها 56% من سكان الارض ، يمكن ان تكون طريقا للخلاص الروحي للمؤمنين بهن ، والقبول بالحوار معهن ، التسليم بأن العقد الاجتماعي ، اي الدستور يجب ان يكون علمانيا لدولة لجميع مواطنيها ، مهما اختلفت دياناتهم وخصوصياتهم الاخرى وقوانين وقيم الحداثة العالمية ليس الا . المعلم الثاني على طريق العقلانية الدينية ، هو ضرورة تبني الاسلام لحقوق الانسان الاساسية ، اللواتي لايكون الانسان انسانا ، حقا انسانا في غيابهن سيكون نصف انسان كالمرأة في الاسلام ، اوماتحت انسان ، كالعبد في الاسلام ايضا ، الرق مازال موجودا في بعض البلدان العربية والاسلامية) . (1) ولكن فكرة التصالح الاسلامي مع العصر ذاتها تثير العديد من التساؤلات الجدية حول امكانية تحقيق هذا المنجز والذي يبدو شائكا ومستحيلا للكثيرين. فالاسلاميون يضعون دوما العربة امام الحصان ، وبدلا من تكييف الاسلام مع الحداثة فهم يريدون اسلمة المجتمعات وفرض الشريعة عليها بصورة متعسفة لصالح اقامة سلطة الشريعة الثيوقراطية المستبدة التي تجسد الحاكمية الالهية كما يدعي جمهرة المتاسلمين وهذا المشروع الماضوى لايعني سوى شطب كل انجازات العقل الانساني منذ عصر التنوير. و التساؤل الجدي المطروح هنا يكمن في استعداد المسلمين لمغادرة العقل الفقهي النقلي الذي يتدثر به علماء المسلمين منذ اربعة عشر قرنا والعبور الى الضفة الاخرى حيث يمكن فهم النصوص الدينية (القران والحديث) ضمن اطارها التاريخي النسبي مشروطة بظرفها الزماني والمكاني و الحدث اي سبب النزول ، دون ان تظل نصوصا عائمة خارج العقل والتاريخ كما يريدها الفقه الاشعري المغلق السلف الاكبر للفكر التكفيري الراهن، فقد صدرت تلك النصوص لمعالجة وتفسير حالات قائمة انذاك و جرى تعديلها عشرات المرات ضمن فترة زمنية قصيرة (23عام وهو عمر الرسالة) فلم لا يتقبلون فكرة تعديلها بعد مرور 1400 سنة والتغيير الجوهري الذي جرى لعالمنا . وهكذا فان اعادة قراءة النص الديني ونزع القدسية عنه بغية وضعه في اطاره التاريخي الحقيقي ، كما فعلت المسيحية مثلا، هي نقطة البداية الصحيحة لفك الاشتباك بين النص الديني ومفاهيم الحداثة ، فما يصلح للقرن السابع لايمكن بأي حال ان يصلح لمجتمعات القرن الحادي والعشرون . ومن حقنا ان نتسائل ايضا كيف يمكن للمسلم ان يتقبل الاديان الاخرى ويعترف بوجودها ويقر لها بالشراكة الروحية والاخلاقية في العالم المعاصر دون ان يتحرر من ثنائية الكفر والايمان ، الخطأ والصواب ، ويقر تعدد الادوار بدلا من وحدانية الدور، اضافة الى البراءة من فقه الولاء والبراء الارهابي . وهل يمكن تحويل المسلم من كائن منشغل بتكفير الاخرين والسعي العبثي لالغاء 14 قرنا من التقدم البشري والنكوص الى الخلافة القريشية ، الى انسان متصالح مع نفسه ومع العالم ، من انسان يتوجس منه الاخرين اينما حل ، الى انسان متسامح متفتح العقل يمد يد العون لمن يحتاجه ويحمل رسالة المحبة والخير للناس اجمعين . التصالح مع العصر ، لن يتم الا من خلال اعادة هيكلة الاسلام وتفكيك العديد من مفاهيمه التي نفذت صلاحيتها للاستعمال للتوافق مع قيم الحداثة واستيعابها وتحرير الناس من طغيان الفهم الاصولي للنص الديني ونزع الفتيل الايديولوجي عن الاسلام ، بغية التأسيس لاسلام المسجد ، حيث يكون الحضور الوجداني هو الشاغل الجوهري للمسلم وليس اسلام التكفير والتفجير. فالمنظومة الفقهية الاسلامية لم تكتفي بعصمة النص بل تجاوزت ذلك الى عصمة التفسير الدوغمائي المتعسف لذلك النص ، مما افضى الى تشميع الابواب امام اي تأويل جديد للنص يضع في الحسبان حقائق ومعطيات الحياة المتغايرة بصورة يومية ، ويمكن المسلم من التحكم بشوؤن حياته والتخلص من ازدواجية القيم في حياة المسلم والتي تكبل عقله وتشل تفكيره. (2) ينبغي اعلان الموت السريري للفقه الاسلامي التقليدي لعجزه المميت عن تأسيس فكر اسلامي حواري منفتح ، متسق مع مفاهيم عصره ، قادر على تكييف الاسلام مع الحداثة ومواجهة اسئلة العصر الكبرى ، والتخلي عن ارهاب الجهاد وليس ذلك فحسب بل يجب اعادة تدوير كل نص ديني يتناقض مع مصلحة الانسان والمجتمع الانساني المعاصر لايمكن للمجتمع المسلم ان يتعافى ويسير على قدميه كبني جنسه دون ان يتخلص من مومياءات الماضي ويغادر السرداب المظلم لتابوهات الدينية الى الهواء الطلق ، حيث المشاركة الايجابية في صنع غد بشري افضل بعيد عن سلطة المعبد مهما كان لونه او شكله و ضمن اطار الدولة المدنية الديمقراطية . ------------------------------ (1) العفيف الاخضر - نسخ الاسلام المكي وعواقبه - الحوار المتمدن العدد 4144 (2) انظر لهذه الدراسة الخاصة بازدواجية القيم لدى المسلم المعاصر : سامي لبيب- الإزدواجية والزيف كنمط حياة –لماذا نحن متخلفون- الحوار المتمدن العدد 4166
#عبد_عطشان_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السقوط السياسي للاسلام!
-
خرافة الاسلام المعتدل
-
الاسلام : صناعة الاستبداد
-
هل كانت لدينا حضارة اسلامية حقا؟ ج2
-
هل كانت لدينا حضارة اسلامية حقا؟ ج1
-
متى يعود الاسلام للمسجد؟
-
تساؤلات حول مستقبل الاسلام
-
الدين و صناعة عقلية القطيع
-
عنف الاديان : نصوص ام واقع؟
-
الخروج من الطائفة : المستحيل والممكن
-
عندما يتوقف التاريخ : حروب الطوائف العربية
-
من الدولة الفاشلة الى المجتمع الفاشل !
-
كيف يمكن انشاء قطيع من القطط؟
-
كهنة الفتاوى الجدد
-
الاسلام واصول الحكم بعد 88 عاما على صدوره
-
تساؤلات حول مستقبل العلمانية في المنطقة العربية
-
الديمقراطية عندما ترتدي الجلباب
-
خرافة التسامح الديني
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|